احتفل رئيس حكومتنا (بنيامين نتنياهو) بالسنة العبرية الماضية بصيحة ابتهاج (نفخة بوق) عالية تتعلق بإنجازاته الكبرى في كل حقل نشاط ممكن: فالأمن في السماء (وخاصة الميزانية الأمنية)، وإسرائيل تعلم الولايات المتحدة وتربيها، فيما ترتعد فرائص إيران خوفا، وحدود الدولة محمية، ولا سيما من اللاجئين (المتسللين الأفارقة) الذين يواجهون مصيرا سيئا ومرعبا.
أما عن الاقتصاد، فما الذي لم يتم من أجل جعل الحياة هنا جنة على الأرض!
أما أن يكون ذلك غير ناجح تماما، فهذا غير مهم، وعشرات الشخصيات العامة في ديوان رئيس الحكومة، وبالأخص رجل العلاقات العامة رقم 1، وهو بالصدفة رئيس الحكومة نفسه، ماضون في بيع بضاعتهم، وعلى ما يبدو هناك من يشتريها.
في الأيام الأخيرة نشرت عدة تقارير ترتسم منها صورة مختلفة عن الصورة التي يعرضها رجل العلاقات العامة وزمرته.
إذا كنتم في عمر الخامسة والأربعين وتم فصلكم من عملكم كجراب مستعمل، فإن من المرجح أن لا يجد ربعكم على الأقل، بعد سنتين، عملا له.
وكما هو معلوم فإن سوق العمل الإسرائيلية مرنة وتعمل لصالح الجميع، ما عدا لصالح العمال والشغيلة، وإذا كان هؤلاء من المسنين، أي في الـ 45، فإن اقتصادنا المتطور سيقصيهم إلى الهامش، ولن يبقي لهم من حيلة سوى إلقاء اللائمة على أنفسهم لأنهم لم يفهموا أن الوضع جيد بالنسبة لهم.
مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي نشر مؤخرا تقريراً تحت عنوان "وجه المجتمع في إسرائيل"، فأي وجه هو هذا الوجه المنعكس في المرآة (؟!) إنه وجه مغاير تماما لذاك الذي يحدثنا عنه ديوان رئيس الحكومة: 35% من البالغين 20 عاما فما فوق لا يستطيعون تغطية نفقاتهم ومصاريفهم الشهرية، وفي البلدات الفقيرة ترتفع النسبة إلى 46%.
11% أفادوا بأنهم تخلوا عن تناول الطعام أحيانا أو في الكثير من الأحيان، وليس لأنهم يتبعون نظام الحمية!
63% من المهاجرين في البلدات ذات المكانة الاجتماعية- الاقتصادية المتدنية، يواجهون خطر الفقر، وذلك مقابل 28% من المهاجرين في البلدات ذات المستوى المتوسط، و9% في البلدات الغنية.
هناك مؤشر آخر على "النجاح الاقتصادي العظيم" لدولة إسرائيل في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين (2000- 2010)، فقد ارتفع عدد المتوجهين بطلبات مخصصات بطالة بنسبة 35% تقريبا. كذلك يتضح أن 52% على الأقل وجدوا، مرة واحدة في السنة على الأقل، أن حسابهم في البنك مدين (بسبب سحب زائد عن الإطار المحدد) في حين أن هذا الوضع ثابت لدى 21%.
وفي التقرير الذي نشر تحت عنوان "الدولة لا تحافظ على الصحة"، ناقشت باربارا سبيرسكي من مركز "أدفا" النقص المتزايد في الموارد والتمويل الخاص في جهاز الصحة في إسرائيل. وأشير فيه إلى أنه لو بقي التمويل العام في مستواه كما في العام 1995، لكان أعلى بــ 16 مليار شيكل مما هو حاليا.
وأكد التقرير نفسه أن الجزء الأكبر من أسباب ارتفاع نفقات اقتصاديات الأسر على الخدمات الصحية يعود إلى الرسوم المخصصة للتأمينات الصحية كالتأمينات المكمّلة لصناديق المرضى والتأمينات التجارية التابعة لشركات التأمين. وذكر أن الكنيست كان قد قرّر العام 1997، من خلال قانون التسويات، أن تقوم صناديق المرضى، كوسيلة من جملة وسائل أُخرى لموازنة العجز الذي تشهده ميزانياتها، ببيع برامج التأمين المكمّل لخدمات الصحة غير الحيوية. وفي العام 1999، بعد مرور عامين فقط على هذا القرار، اقتنى 8ر45% من مجمل المؤمَّنين في صناديق المرضى تأمينا مكمّلا من صناديق المرضى التي يتلقون خدماتها؛ وقد ارتفع هذا المعدل في العام 2012 إلى زهاء 80%. وفي الوقت الحالي يملك 39% من المؤمَّنين تأمينا مكملا وآخر تجاريا في الآن معا.
وقال التقرير إن الرسوم الشهرية التي تنفقها اقتصاديات الأسرة على برامج التأمين المكمّل التابعة لصناديق المرضى ارتفعت 75ر5 مرة بالمتوسط في الفترة بين 1997 و2010. أما الرسوم التي تنفقها اقتصاديات الأسرة على برامج التأمين التابعة لشركات التأمين، فقد ازدادت 4ر4 مرة بالمتوسط.
وتساءل التقرير: كيف يمكن تغيير هذه النزعة؟ وأجاب: يكمن الحل في إيقاف عملية الخصخصة في جهاز الصحة العام (أي إيقاف عملية خفض النفقات العامة ورفع النفقات الخاصة)، وذلك بواسطة: تشريع آلية ثابتة لاستحداث كلفة السلة الصحية؛ حظر بيع برامج تأمين الصحة المكمّلة (التابعة لصناديق المرضى) وبرامج تأمين الصحة التجارية (التابعة لشركات التأمين) في الخدمات المعتبَرة حيوية أو هامة لجمهور مستهلكي الخدمات الصحية في إسرائيل، وإدراج هذه الخدمات في سلة الخدمات الأساسية المقدَّمة للجميع؛ إدراج ميادين الصحة النفسية والاستشفاء التمريضي وطب الأسنان للأطفال والكهول في السلة الأساسية للخدمات التي تقدّمها صناديق المرضى.
من جهة أخرى قرأنا أن وزارة الصحة وبناء على طلب من رئيس الحكومة، قدمت خطة مؤداها أن 25% من الأسرة في الأقسام المختلفة في المستشفيات سوف تخصص للسياحة العلاجية، وأن هناك فكرة عبقرية لإقامة مستشفى جديد يخصص للسياحة العلاجية فقط!
كذلك صدر تقرير عن مكتب الإحصاء المركزي يتعلق بالإنفاق على التعليم في إسرائيل مقارنة مع دول أخرى، والمشكلة هنا أن المعطيات تعود إلى العام 2009، ولكن هذا هو المتوفر حاليا.
ويتبين منه أن في إسرائيل تستثمر (تنفق) الحكومة على الطالب ما بين 34% إلى 40% أقل من الدول الأخرى، وفي الإجمال فإن الإنفاق العام في إسرائيل على التعليم يبلغ ما نسبته 80% في حين تصل نسبة الإنفاق في بعض الدول المتطورة إلى 91%.
هذا ناهيكم عن التذكير بالطوابير الكبيرة أمام مراكز توزيع الطعام التي تمتد طويلا كما في كل رأس سنة عبرية جديدة.
كان في وسعي الاستفاضة في المعطيات لكنني سأكتفي بهذا الحد، إذ أنه لا توجد لدى الحكومة هذه السنة، وكما في سنوات سابقة، سياسة منظمة لمواجهة مواضيع مختلفة، ففي أوقات الضغط الشعبي تطرأ تغييرات تتحول بعد فترة قصيرة إلى ذريعة تمكن الحكومة من العودة إلى نظريتها الأساس القاضية بأن السوق، أو على الأدق العاملين في السوق، والذين يتحكمون بها بشكل عام، هم الذين يجب رعايتهم، بينما المواطنون العاديون يشكلون عبئا. وعليه ثمة حاجة لضغط دائم ويومي متواصل، والذي من دونه لا تنفعنا كل الشكاوى والتذمرات تجاه رئيس حكومتنا الذي يتصرف مثل بائع خردة صار حاكما مستبدًا!
_____________________
(*) أستاذ جامعي وخبير اقتصادي. ترجمة خاصة.