المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تدلّ العملية العسكرية ضد "حماس" في قطاع غزة، والتي يهاجم الجيش الإسرائيلي خلالها ليس فقط خلايا مطلقي صواريخ القسام وغراد وإنما أيضاً مؤسسات ومقار السلطة (الشرطة ووزارات الحكومة)، على فشل أساسي في تفكير القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل. وهذا الفشل، الذي تجلى في أثناء حرب لبنان الثانية في مواجهة منظمة "حزب الله" وقبل ذلك في مواجهة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ينبع من حقيقة أن صانعي القرارات في إسرائيل لا يدركون ضرورة التمييز بين المس بمن يمارس العنف ضد إسرائيل وبين من يمكن، عاجلاً أم أجلاً، أن ينجح في إقامة سلطة مستقرة- وإن لم تكن بالضرورة مؤيدة- في الجانب الآخر.

وتدل تجربة إسرائيل منذ قيامها على أن انعدام الاستقرار السياسي لدى جيرانها العرب، والذي يعبر عن نفسه في الانقسام الداخلي وضعف الحكم المركزي، شكل عاملاً مقوضاً في العلاقات الإسرائيلية- العربية، في حين أدى الاستقرار السياسي في الجانب العربي، بصورة عامة، إلى استقرار في هذه العلاقات. وعلى سبيل المثال فإنه يوجد لإسرائيل سلام رسمي مع دول مستقرة مثل مصر والأردن. وتسود بين إسرائيل وسورية حالة مستقرة جداً من اللاحرب. في المقابل فإن علاقات إسرائيل مع الفلسطينيين ومع لبنان تتسم بنزاعات ومواجهات متواترة على الرغم من الضعف النسبي لهذين اللاعبين مقارنة مع مصر والأردن وسورية.

إذا كانت إسرائيل معنية بالحد من العنف من جانب منظمات مثل "حماس" و"حزب الله"، فإنه يتعين عليها أن تتطلع إلى إقامة سلطة مستقرة في الجانب الآخر. والشرط الضروري لذلك هو ظهور زعامة معترف بها ومؤسسات ناجعة. الدولة السيادية لديها ما تخسره- موارد ومكتسبات مادية وتأييد محلي ودولي- في حين لا توجد لمنظمات مثل "حزب الله" و"حماس" مكتسبات أو مسؤولية تجاه المجتمع الدولي. بمعنى أنه فقط حين تكون لدى الفلسطينيين واللبنانيين دول مستقرة مثلما يوجد في مصر والأردن وسورية، سيكون في وسع إسرائيل أن تستخدم بنجاعة قوتها العسكرية المتفوقة بغية تحقيق هدوء حيال هذه الدول أيضاً حتى وإن كانت هي نفسها غير معنية بذلك .

في قطاع غزة اليوم، كما في لبنان العام 2006، تحارب إسرائيل ضد منظمة غير دولانية (حماس) وتستخدم قوة عسكرية كبيرة بهدف قهر وإخضاع هذه المنظمة. ولكن حتى في الوقت الذي يتمتع فيه الجانب الإسرائيلي بتفوق حاسم في الجو والبر والبحر، فإنه لا ينجح في تحقيق الحسم، وبالتالي فإن الاستخدام المستمر للقوة العسكرية يؤدي في نهاية المطاف إلى تآكل في التأييد لإسرائيل والمس بقدرتها الردعية، التي تسعى إلى ترميمها.

إن "حماس"، ومن دون تجاهل تهديدها العسكري- الإرهابي تجاه إسرائيل، هي في المقام الأول حركة اجتماعية وسياسية نجحت في الفوز بتأييد واسع في صفوف الجمهور الفلسطيني في الانتخابات الأكثر ديمقراطية التي جرت على الإطلاق في أي مجتمع عربي.

المؤسسات الاجتماعية والسياسية التي أنشأتها "حماس" منذ قيامها وفرت للسكان في قطاع غزة حدًا أدنى من الخدمات، ومنذ حزيران 2007 فرضت "حماس" أيضاً نظاماً عاماً، وإن لم يكن مرضيا من ناحية إسرائيل. تدمير هذه المؤسسات حاليا يبقي قطاع غزة في فراغ سلطوي وفوضى اجتماعية ستفاقم على المدى البعيد المخاطر المتربصة بإسرائيل.

لن يختفي مليون ونصف مليون فلسطيني يعيشون في قطاع غزة من واقع حياتنا، حتى إذا منيت "حماس" بهزيمة عسكرية ساحقة، وهو أمر مشكوك فيه أصلاً في ضوء التجربة الفاشلة في إلحاق الهزيمة بـ "حزب الله" في لبنان. عمليا، توجد لإسرائيل مصلحة جلية في توطيد كيان فلسطيني سياسي مستقر وذي هيبة في قطاع غزة حتى وإن لم يكن مثل هذه الكيان وديا تجاه إسرائيل.

في الواقع، فقط إذا أدارت إسرائيل خطواتها بحكمة وتعقل وتمكن الفلسطينيون من إقامة دولة مستقرة، سيكون في الإمكان توقع أن تكف على المدى البعيد منظمات مثل "حماس" عن أن تشكل تهديداً لها، تماماً مثلما أن منظمات مشابهة تعمل في مصر والأردن وسورية لا تشكل خطراً أو تهديداً عليها.

إسرائيل لا تحتاج اليوم إلى انتصار عسكري وإنما تحتاج إلى أفق دولاني.

_________________________

(*) البروفسور أبراهام سيلع- أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العبرية- القدس. ود. أورن باراك- أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة العبرية- القدس. ترجمـة خاصـة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات