المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 1405

في الثلاثين من آذار الماضي، وبعد يومين من المداولات والمشاورات، اختتم مؤتمر القمة العربية الذي عقد في العاصمة السورية، دمشق. وكما هو معروف فإن مؤتمرات قمة رؤساء وملوك الدول العربية تعقد بشكل منتظم منذ العام 1964 بمعدل مرة كل سنة أو سنة ونصف السنة. مع أن هذه "القمم" غير منصوص عليها في ميثاق جامعة الدول العربية كمؤسسة رسمية ودائمة، إلا أنها تحولت بمرور السنوات لتصبح أهم مؤسسة عربية وذروة عمل ونشاط الجامعة العربية. وفي هذا السياق فإن مؤتمرات القمة تشكل نوعاً من التأكيد الرمزي لمبدأ "الوحدة العربية".

 

 

لهذا السبب بالذات برزت القمة الأخيرة بالانقسام الكبير بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية. وقد عبر هذا الانقسام عن نفسه في الحضور الهزيل لرؤساء وملوك الدول العربية، إذ تغيب عن حضور قمة دمشق 11 من أصل 22 رئيساً وملكاً وجهت لهم الدعوة، حيث أرسل هؤلاء ممثلين بمستوى منخفض. وقد برز في شكل خاص تغيب زعماء دول محورية في العالم العربي وفي مقدمتها السعودية ومصر، فيما قررت حكومة لبنان مقاطعة أعمال قمة دمشق. وكانت قد حصلت في الماضي حالات كثيرة قاطعت فيها دول مختلفة- وهي غالباً دول هامشية- أعمال مؤتمر القمة، أو انسحبت في أثناء انعقاده إثر نشوب خلافات مع المشاركين. ولكن ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي يقاطع فيها رؤساء وملوك دول عربية عديدة مركزية المؤتمر بصورة جلية.

 

الخلفية المباشرة لهذه الخطوة كانت استياء السعودية ومصر والدول المتحالفة معهما إزاء دور سورية في الأزمة اللبنانية، واتهامها بتعطيل انتخاب رئيس جديد للبنان منذ انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود في تشرين الثاني من العام المنصرم. وكان رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة قد صرح عشية قمة دمشق إن سورية "لعبت دوراً مركزياً في تصعيد الأزمة السياسية في لبنان... وحالت دون طرح مرشح متفق عليه للرئاسة". كما أكد السنيورة أن سورية أفشلت أيضاً مبادرة الجامعة العربية لحل الأزمة.

 

ظاهرياً ليس هناك من مكان أفضل لتسوية هذه المسألة الشائكة والمعقدة من لقاء يجمع زعماء وقادة الدول العربية تستضيفه لاعبة مركزية في الأزمة اللبنانية. مع ذلك فقد برهنت مؤتمرات القمة العربية على امتداد السنوات على عدم جدواها في حل الأزمات بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية، وأنها لم تكن تلعب دوراً يتعدى إضفاء الشرعية على الأمر الواقع أو إقرار تسويات يتم التوصل إليها بين الأطراف ذات الصلة. ومن ناحية عملية فإن لقاءات القمة العربية لم تلعب دوراً حاسماً في إيجاد حلول لأي أزمة مهمة خلال العقد الأخير. بناء على ذلك فإن انعقاد مؤتمر القمة تحول إلى مناسبة شكلية ليس إلاّ، تكسب الدولة المستضيفة ورئيسها (أو ملكها) سمعة وتحقق لها في بعض الأحيان منفعة سياسية معينة، هذا ما سعى زعماء الدول الذين قاطعوا قمة دمشق إلى حرمان الرئيس السوري بشار الأسد من الإفادة منه.

 

فيما عدا الرغبة في الاحتجاج أو معاقبة سورية على دورها في الأزمة اللبنانية، فقد شكل الحضور الضعيف للقمة أيضاً تعبيراً آخر عن السياسة التي تنتهجها الإدارة الأميركية تجاه دمشق، إذ يُنظر في واشنطن إلى الرئيس بشار الأسد ونظامه باعتبارهما عقبة مركزية في طريق تحقيق أهداف السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وهذا في ضوء مساعدة النظام السوري لمنظمة "حزب الله" وحقيقة أن سورية لا تمنع دخول "الإرهابيين" عبر حدودها إلى العراق إضافة إلى تحالفها الوثيق مع إيران. على هذه الأرضية تسعى الولايات المتحدة إلى عزل دمشق وحرمانها من الشرعية الإقليمية أو الدولية. وعلى ما يبدو فقد استهدفت زيارة نائب الرئيس الأميركي، ديك شيني، للمنطقة في شهر آذار الماضي (عشية قمة دمشق) من ضمن ما استهدفت، حمل حلفاء واشنطن من الرؤساء والملوك العرب على إعادة التفكير في مشاركتهم في مؤتمر قمة دمشق.

 

لعل القمة العربية الأخيرة ستذكر كمناسبة تعبر بصورة رمزية للغاية عن انقسام العالم العربي بين معسكرين، معسكر بقيادة مصرية- سعودية مؤيد للغرب، ومعسكر مناوئ للغرب، تتزعمه سورية وإيران ويضم أيضاً منظمة "حزب الله" وحركة "حماس". ما يوجه هذين المعسكرين هو في المقام الأول المخاوف الوجودية. فالمعسكر الأول يخشى مما وصفه عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني "الهلال الشيعي"، أي الهيمنة الإيرانية، في حين يخشى المعسكر الثاني من الهيمنة الأميركية. وفي الواقع فإن الانقسام والخلافات وتبلور ائتلافات ذات توجه مؤيد للغرب أو مناهض للغرب ليست بظواهر جديدة وإنما هي سمة سائدة في العلاقات بين الدول العربية المختلفة منذ فترة الخمسينيات. لكن الجديد يكمن بالأساس في حقيقة أن سورية- التي كانت تعتبر في الماضي "معقل القومية العربية"- أخذت، كما يبدو لغاية الآن، تشق طريقها إلى خارج المعسكر العربي. ويخيل من هذه الناحية أن الهوية القومية العربية التي حرص نظام الأسد الأب على تنميتها بدأت تستبدل على يد نجله ووريثه في الحكم بهوية جديدة، البعد الفاعل فيها هو بعد شيعي. وإذا ما صح هذا التقدير فإن التحالف بين دمشق وطهران يمكن أن يكون أعمق بكثير من مجرد كونه ضرورة تكتيكية، وأن الدعم والتأييد السوري لـ "حزب الله" وحركة "حماس" يتعدى كونه ورقة مساومة في مفاوضات مستقبلية مع إسرائيل. بناء على ذلك تشتق المعاني والأبعاد في كل ما يتعلق بموافقة دمشق على فسخ علاقتها مع حلفائها الحاليين وفيما يتعلق بالتالي بفرص التوصل إلى تسوية إسرائيلية- سورية.

 

________________________________

 

* الكاتب باحث في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب. المقال ترجمة خاصة بـ "المشهد الإسرائيلي".

المصطلحات المستخدمة:

دورا, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات