المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

من السابق لأوانه إستشراف السبل، التي سيسلكها رئيس الوزراء الاسرائيلي، أريئيل شارون، للخروج من عنق الزجاجة الذي يجد نفسه فيه، أكثر فأكثر، نتيجة التطورات الأخيرة في حزبه "الليكود"، الذي تصرّ غالبيته في الحكومة والكنيست على أن تقلب له ظهر المجنّ في كل ما يتعلق بجهوده المنصرفة إلى دفع خطته حول "فك الارتباط" الأحادية الجانب، خطوات إلى الأمام.

وسواء أفلح شارون في البقاء على رأس الحكومة الاسرائيلية بتركيبتها الحالية وربما بتركيبة أخرى أو لم يفلح، ومهما تكن النتائج التي ستتمخض عنها "مبادرة" وزير العدل وزعيم "شينوي"، يوسف لبيد، الرامية إلى تجسير "الخلافات الحادة في الرأي" بين شارون وبين وزير ماليته، بنيامين نتنياهو، التي تقف خلفها منافسة شديدة الوطأة على زعامة "الليكود" (ورئاسة الحكومة المقبلة، حسبما تؤكد الوقائع) أكثر مما تنطوي على خلافات سياسية جوهرية، فإن المعلقين الاسرائيليين لا يكتفون بما على السطح وإنما يستنبطون مما هو حاصل دلالات أخرى تظل هي البعيدة المدى بالنسبة لمستقبل المنطقة السياسي.

نشير بداية إلى ما يعتقده شمعون شيفر، المعلق السياسي في "يديعوت أحرونوت"، المقرب جدًا من رئيس الوزراء، الذي يرى أنه بهذا القدر أو ذاك بدأ العد العكسي لحكومة أريئيل شارون. ومع أنه يستنكف عن ترجيح كفة أي من الخيارات التي سيلتجىء إليها شارون إلا أنه لا يعتبر ما يسميه "الخيار العنيف"، القائم على إقصاء الوزراء المعارضين للخطة واستبدالهم بوزراء من قادة "الليكود" المؤيدين للخطة، خيارًا واقعيًا، حيث ليس من شأن ذلك أن يتجاوز حقيقة أن الخطة لا تحظى بأغلبية في صفوف أعضاء الكنيست، وهو ما يؤرق شارون في نهاية الأمر. ويرى زميله في الصحيفة ذاتها، ناحوم برنياع، أن صراع شارون على زعامته في "الليكود" والحكومة (يعيد إلى الأذهان "صراع الثور الهائج"، مشيرًا إلى أن صفة الثور هي الأثيرة لدى الرئيس الأميركي جورج بوش عندما يرغب بخلع "توصيف محبب" على رئيس الوزراء الاسرائيلي، خارج سياق البروتوكول) هو، بالمقاييس كافتها، "صراع دراماتيكي ومثير" لكنه في خاتمة المطاف "يقلل من إحتمالات تطبيق الخطة". ويذهب برنياع، بحق، إلى أن أية مرحلة مقبلة من المواجهة الحاصلة "تضيف المزيد من الأطواق والأثقال على طريق تطبيق خطة" شارون. ما يخلص إليه هذا المعلق مفاده أن ما بقي في حوزة شارون من القوة والنفوذ لا يتيح له أن يدفع خطته نحو أزيد من "إخلاء ثلاث مستوطنات"، لينقل من ثم سائر أجزاء الخطة إلى رؤساء الوزراء المقبلين.

وهذا ما يؤكده معلق الشؤون الحزبية في "معاريف"، شالوم يروشلمي، الذي أشار إلى أن شارون أضحى في مسار الانهيار. ويستحضر يروشلمي تجربة رؤساء وزراء اسرائيليين سابقين واجهوا بدورهم وضعية مماثلة للوضعية التي يواجهها شارون (المواجهة الصادمة والموجعة مع قاعدتهم الحزبية أو الائتلافية) وكانت بمثابة إيذان بانتهاء فترة حكمهم، وهم دافيد بن غوريون واسحق رابين واسحق شمير وبنيامين نتنياهو وإيهود باراك. ويقول يروشلمي إنه بالمفهوم الحزبي الصرف يتعين على شارون الآن، برسم الوضع الذي بلغه، أن ينسحب (من الحياة السياسية)، فليس لديه النفوذ السياسي اللائق بعد الاستفتاء (في "الليكود") وإذا ما استعمل قوة ليست في متناول يديه فإنه، حتمًا، سيواجه المصير الذي آل اليه سابقوه. وزاد يروشلمي، مخاطبًا شارون: لا يمكن تشييد خطة سياسية، مهما تكن بعيدة المدى، على مغامرة سياسية أو على إقالة وزراء دون حجج مقنعة أو على تصادم مع جمهور ناخبيك، وإنما على قاعدة إجماع واسع داخل معسكرك. خلاف ذلك فإنك ستتحطم شذر مذر سوية مع مبادرتك الصحيحة والحيوية على رغم تأييد غالبية الجمهور (للخطة).

لكن بمقدار ما إن المصير الشخصي لشارون، ترتبًا على الوضعية السالفة، غير ذي صلة بالجانب الفلسطيني، فليس من المبالغة القول إن ما يتعرض له ينطوي على صلة وثيقة بهذا الجانب من الناحية السياسية المجرّدة. وهذا ما انفرد برؤيته عقيبا إلدار، المعلق السياسي في "هآرتس"، الذي جدّد التأكيد على أن ما هو حاصل الآن في موازاة التحركات الأخيرة لشارون و"الليكود" واليمين الاسرائيلي عمومًا يدل، أكثر شيء، على كون قيادة "الليكود" ليست ناضجة حتى لتيسير تطبيق خطة بانتوستانات على طريقة جنوب أفريقيا إبان نظام حكم الأبرتهايد (كان "إلدار" من أوائل الذين رأوا أن خطة "فك الارتباط" الشارونية تتماهى، إلى درجة كبيرة، مع الخطة الجنوب أفريقية إياها).

فضلا عن هذا وذاك فإن ما يحدث، وما سيحدث، لا يعد منحصرًا في "الليكود" واليمين فحسب بل إنه يشفّ كذلك عن الحال الرثّة للمعارضة الاسرائيلية الصهيونية، وبالأخص حال حزب "العمل". وفي رأي هذا المعلق الأخير فإن شارون، من حيث لا يدري، قد أسدى خدمة جلّى لمعسكر السلام الاسرائيلي، إذا ما اعتبرنا المعارضة تلك تندرج في عداده، لم يرغب شمعون بيريس، الرئيس الحالي لحزب "العمل"، بأن يسديها ولم يفلح يوسي بيلين، زعيم تحالف "ياحد" اليساري، بمدى ما إنه مصطف إلى يسار بيريس، في "إجتراحها". وهي خدمة إماطة اللثام عن أنه لا شريك إسرائيليًا للسلام مع الفلسطينيين..

وإذا ما سجلنا أمامنا أن عودة هذا "اليسار" إلى سدّة الحكم في إسرائيل تبدو الآن ضربًا من المعجزات، يتأكد أعمق فأعمق، بالانطلاق مما تقدم، أن غياب هذا الشريك سيستمر إلى فترة يصعب تقدير منتهاها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات