المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 1783

اتفاق مكة الذي وقع بين حركتي "فتح" و"حماس" في الثامن من شباط الجاري استقبل بالترحيب في الشارع الفلسطيني. اللجنة الرباعية الدولية أعربت عن تأييدها للخطوة الهادفة إلى وقف العنف الداخلي لكنها طالبت بالتزام الحكومة الجديدة المزمع تشكليها بالمطالب الثلاثة (وقف الإرهاب والالتزام بالاتفاقيات الموقعة والاعتراف بإسرائيل). أما موقف الحكومة الإسرائيلية إزاء الاتفاق فقد تراوح بين الارتباك والرفض، بل وسارع متحدثون مختلفون في وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى القول إن الاتفاق لا يحتوي على أي جديد وأن الأمر لا يعدو كونه من ناحية عملية تسوية داخلية فلسطينية لا تلبي شروط المجتمع الدولي، ولذلك يجب رفضه.

 يسعى هذا المقال إلى تشخيص الإمكانات والفرص الإيجابية الكامنة في اتفاق مكة وفي إقامة حكومة وحدة وطنية فلسطينية.

 

فحوى الاتفاق

 يتضمن اتفاق مكة أربع نقاط رئيسة: وقف العنف الداخلي؛ إقامة حكومة وحدة وطنية؛ اتخاذ إجراءات لتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وإجراء إصلاح في مؤسساتها؛ تأكيد "مبدأ الشراكة السياسية" بين الطرفين.

 وفيما يتعلق بتشكيل الحكومة أحرزت التفاهمات التالية:

1. يستمر اسماعيل هنية في تولي منصب رئيس الحكومة على أن يكون نائبه عضوًا من حركة "فتح" يعينه الرئيس محمود عباس.

2. الحقائب الوزارية المركزية الثلاث (الخارجية والداخلية والمالية) تشغلها شخصيات مستقلة.

3. بقية الحقائب الوزارية في الحكومة توزع بشكل متوازن نسبياً على الأساس التالي: 11 لـ "حماس" (9 وزراء بالإضافة إلى مرشحين مستقلين تسميهما الحركة) 8 لـ "فتح" (6 وزراء بالإضافة إلى مرشحين مستقلين تسميهما الحركة ذاتها) 4 وزارات للفصائل الأخرى الممثلة في المجلس التشريعي الفلسطيني.

 

كذلك اتفق الطرفان على صيغة كتاب التكليف من الرئيس عباس لرئيس الوزراء اسماعيل هنية، وستشكل هذه الوثيقة أساساً لتأليف الحكومة الجديدة.

 

النقطة المركزية في هذه الوثيقة تتمثل في دعوة الرئيس أبو مازن لرئيس الوزراء المكلف بـ "احترام القرارات العربية والدولية والاتفاقيات التي وقعت عليها منظمة التحرير الفلسطينية".

 

 

إسرائيلياً

 

 

لا يتضمن الاتفاق اعترافاً صريحاً بدولة إسرائيل أو التزاماً واضحاً بتنفيذ الاتفاقيات الموقعة من قبل منظمة التحرير الفلسطينية. إضافة إلى ذلك لا تحتوي صيغة الاتفاق أو كتاب التكليف لرئيس الوزراء الجديد إدانة واضحة للإرهاب. لذلك من السهل القول إن الاتفاق لا يلبي الشروط التي وضعها المجتمع الدولي وبالتالي ليس هناك ما يدعو إلى الاعتراف بالحكومة الفلسطينية الجديدة أو التعاون معها. علاوة على ذلك، ووفقاً لهذا المنطق، فإنه يجب العمل من أجل منع رفع الحصار الدولي عن السلطة الفلسطينية.

 

من جهة أخرى فإن عبارة "احترام القرارات العربية والدولية والاتفاقيات التي وقعت عليها منظمة التحرير الفلسطينية" تنطوي في ثناياها بشكل غير مباشر على المطالب أو الشروط الثلاثة الآنفة الذكر. هذه الصيغة تتيح- إن شئنا ذلك- القول إن ثمة هنا بداية التزام بالمطالب الثلاثة. إن وضع الاتفاق في سياقه الأرحب وتفحص السيرورات الداخلية التي شهدها المجتمع الفلسطيني في السنوات الأخيرة يمكن أن يشيرا إلى عدة أفضليات ملموسة قد تنبثق عن إقامة حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية:

أولاً: تعزيز وقف إطلاق النار (المقصود "التهدئة" مع إسرائيل) وإبعاد حركة "حماس" خطوة أخرى خارج دائرة الكفاح المسلح.

 

ثانياً: توفير فرصة لكبح أو على الأقل إبطاء وتيرة سيطرة حركة "حماس" على الجهاز البيروقراطي الحكومي (المدني والأمني) وتحوله إلى مركز قوة ونفوذ آخر للحركة. فقد سيطرت "حماس" بصورة تدريجية، منذ أن شكلت حكومتها في آذار 2006، على الإدارة العامة في السلطة الفلسطينية، وبالتالي فإن تخليها عن وزارات مركزية كالخارجية والداخلية والمالية يمكن أن يؤدي بالتأكيد إلى كبح عملية تحول الجهاز البيروقراطي برمته إلى مركز قوة للحركة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية. هذا إلى جانب وقف استمرار تنامي "القوة التنفيذية" التي شكلتها "حماس" في وزارة الداخلية.

 

ثالثاً: رافعة محتملة لاستئناف العملية السياسية. فتعزيز الشراكة السياسية بين "فتح" و"حماس" يمكن أن يوفر بالذات أرضية مريحة أكثر لاستئناف العملية السياسية. لقد أجبرت الحركتان على حد سواء على التوصل للاتفاق خشية فقدان السيطرة على أتباعهما ونشوب حرب أهلية لا يمكن وقفها. وفي هذا السياق يبدو أن قيادة "حماس" في الخارج اضطرت للرضوخ إلى الديناميكية الداخلية في الأراضي الفلسطينية. في ضوء ذلك فإن الحركة لن تسارع على الأرجح إلى خرق الإجماع الداخلي الذي أمكن التوصل إليه في مكة. هذا الوضع يعطي أبو مازن مجال مناورة للشروع في مفاوضات سياسية (مع إسرائيل) حول التسوية الدائمة. إن خلق ديناميكية إيجابية في المناطق الفلسطينية-تخفيف القيود على حركة المرور والتنقل، إطلاق أسرى، تحسين الوضع الاقتصادي- من شأنه أن يدعم أكثر هذه العملية وأن يجعل من الصعب على "حماس" عرقلتها. فضلاً عن كل ذلك فإن المفاوضات في حد ذاتها يمكن أن تنطوي على أفضليات عديدة ومن ضمنها تدعيم شرعية سلطة أبو مازن وتقوية التيار الوطني في المناطق الفلسطينية.

 

رابعاً: وبالأساس، إيجاد طرف سياسي أكثر اتزاناً ومسؤولية، على المدى البعيد، إلى جانب دولة إسرائيل. إن استمرار حالة الفوضى في المناطق الفلسطينية سيفضي في نهاية المطاف إلى انهيار السلطة الفلسطينية نهائياً وفقدان أية إمكانية لإجراء مفاوضات مع طرف مركزي مسؤول ومتزن. في المقابل فإن الهدوء والاستقرار الداخلي في السلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى تحقيق تحسن في الوضع الاقتصادي وفي المفاوضات السياسية، يمكن أن يؤدي إلى استئناف عملية بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية وتعزيز الفرصة في أن يتبلور مستقبلاً إلى جانب دولة إسرائيل طرف سياسي ذو مصلحة أكبر في الحفاظ على "الوضع القائم" ومنع المواجهة العنيفة، طرف يرتكز إلى توافق وطني واسع فيما يتعلق بضرورة التوصل إلى حل على قاعدة مبدأ "دولتين لشعبين".

 

خامساً: دفع إطلاق سراح (الجندي) جلعاد شليط. إن الإفراج عن معتقلين فلسطينيين قبل إقامة حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية يمكن أن ينظر له في الشارعين الفلسطيني والإسرائيلي كإنجاز لحركة "حماس"، أما الآن فيمكن تقديم عملية الإفراج عن المعتقلين كجزء من بادرة إسرائيلية تجاه الحكومة الجديدة وكإنجاز للرئيس عباس.

من جهة أخرى، ليس المقصود هنا القول بأن حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية هي أساس الاهتمام، أو سدرة المنتهى، وأن قيامها سيؤدي إلى حل سائر المسائل المعقدة والصعبة القائمة في العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين. وفي الواقع لا بد من التأكيد أن هذه الخطوة تنطوي أيضاً على مخاطر لا يستهان بها يمكن أن تضر في نهاية المطاف بالمصلحة الإسرائيلية. فعلى الصعيد الدولي مثلاً، يمكن لحكومة من هذا النوع أن تشكل أداة لـ "تأهيل" حركة "حماس" وتحولها إلى محاور شرعي دون أن تنبذ الإرهاب وتعترف بدولة إسرائيل. هذا الوضع سيصعب في المستقبل العمل مرة أخرى على بلورة جبهة دولية وممارسة ضغط على السلطة الفلسطينية. في الوقت ذاته فإن إجراء إصلاحات في منظمة التحرير الفلسطينية يمكن أن يؤدي إلى تقوية "حماس" في مؤسسات المنظمة وبالتالي تحييدها (أي منظمة التحرير) كشريك سياسي معتدل. فضلاً عن ذلك فإنه يمكن أن ينظر إلى حكومة الوحدة الفلسطينية من قبل المجتمع الدولي كذخر أو مكسب الأمر الذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تقييد حركة إسرائيل في محاربة الإرهاب. حتى الآن ما من إجابة على السؤال: "هل يمكن فعلاً إحداث اعتدال حقيقي في مواقف حماس تجاه إسرائيل؟". التعاطي مع هذه المسألة يستند إلى التقدير (الذي لم تثبت صحته بعد) بأن هناك فرصة بالفعل لإحداث تغيير في مواقف "حماس" ضمن عملية تدريجية.

 

 

اقتراح لخطة تحرّك إسرائيلية

 

 

في ضوء كل ذلك يمكن الإشارة إلى طريقة عمل يُستحسن إتباعها من قبل الجانب الإسرائيلي، وتشمل بلورة خطة بالتعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لاعتراف مشروط بالحكومة الفلسطينية الجديدة، ورفع الحصار السياسي والاقتصادي تدريجياً عن السلطة الفلسطينية، على أن يتم كل ذلك بناء على خطوات إيجابية تقوم بها الحكومة الفلسطينية في عدة مجالات:

1. المخطوفين: تنفيذ صفقة الإفراج عن جلعاد شليط.

2. وقف إطلاق النار: تعزيز وقف إطلاق النار والتوقف عن إطلاق صواريخ القسّام.

3. عمليات التهريب: الحدّ بصورة ملموسة من عمليات التهريب عبر الحدود مع مصر (وفقاً لصيغة "100% جهد").

4. العملية السياسية: استئناف العملية السياسية والتقدّم فيها، وفي هذا السياق فإن اللقاء الثلاثي (عباس- أولمرت- رايس) قد يشكل منصة مريحة.

5. الصعيد المالي: بلورة آلية تضمن الشفافية في كل ما يتعلق باستخدام وإنفاق الحكومة الفلسطينية الجديدة للأموال التي ستحول إليها. ولعل حقيقة أن وزير المالية المقبل، سلام فيّاض، كان ممن قادوا عملية الإصلاح المالي في السلطة، يمكن أن تضمن تحقيق هذا الشرط.

6. التقدم في الاستجابة الفعلية للشروط الثلاثة (التي وضعتها اللجنة الرباعية الدولية).

 

إن التقدّم في هذه المجالات وفقاً لجداول زمنية يتم تحديدها مسبقاً، سيؤدي إلى تحقيق رزمة خطوات إيجابية من جانب إسرائيل والمجتمع الدولي، كضخ الأموال والإفراج عن أسرى ومعتقلين ومنح تصاريح عمل في إسرائيل وإزالة حواجز عسكرية وانتظام العمل في المعابر.. الخ.

 

إذا قامت حكومة الوحدة الفلسطينية فسوف تكون بلا شك حكومة هشة. فحتى بدون عمليات إحباط سياسية إسرائيلية، فإن الشراكة بين "حماس" و"فتح" في حد ذاتها، والتوتر بين الحركتين وانعدام الوضوح فيما يتعلق بالطريق السياسية للحكومة الجديدة، كلها تكفي لإفشال اتفاق مكة وتفكك حكومة الوحدة. مع ذلك يبدو أن حكومة وحدة فلسطينية يمكن أن توفر بداية لتشكيلة من السيرورات التي تضمر طاقة تغيير إيجابي.

 

علاوة على ذلك، فإنّه في ظل الأوضاع الراهنة في الساحة الفلسطينية - ضعف أبو مازن وحركة "فتح" وصعود التيار الإسلامي بزعامة "حماس" إلى جانب الفوضى الداخلية السائدة في الأراضي الفلسطينية- يبدو أن حكومة الوحدة تشكل في هذه اللحظة "اللعبة الوحيدة في المدينة" التي يمكن لها أن تدفع العملية الإسرائيلية- الفلسطينية في اتجاه أكثر إيجابية.

 

في ضوء كل ما تقدّم فإن حكومة إسرائيل ستحسن صنعاً إذا ما اتخذت موقفاً يتسم بقدرٍ أكبر من المبادرة والفاعلية في الساحة الفلسطينية وأن لا تترك مجريات الأمور للصدف.

 

_________________________

 

* أمير كوليك- باحث إستراتيجي في جامعة تل أبيب. المقال ترجمة خاصة بـ"المشهد الإسرائيلي".

المصطلحات المستخدمة:

حكومة الوحدة الوطنية, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات