المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 968

ردود الفعل الغاضبة في إسرائيل على المقاطعة التي فرضتها رابطة المحاضرين الجامعيين في انجلترا على جامعتي بار- إيلان وحيفا، أفلحت كما هي العادة في حرف النقاش عن السؤال المركزي، سؤال الاحتلال، نحو سؤال ثانوي، هو ردود الفعل على الاحتلال.

                                                                                

وقد نقل عن نائب السفير الإسرائيلي في انجلترا قوله إن المرة الأخيرة التي فرضت فيها مقاطعة على محاضرين يهود كانت في ألمانيا النازية. وهو قول مثير، إذ لم أسمع أن رابطة المحاضرين في انجلترا تقاطع محاضرين يهودًا. فضلاً عن ذلك فإنه إذا كان هناك "يهود" في هذه القضية فهؤلاء هم الفلسطينيون. إن الذي يعاني من الاحتلال والقتل والدمار والسلب والإذلال اليومي هم السكان الفلسطينيون، السكان وليس المواطنين، لأن الدولة التي تسيطر على مناطقهم لا تمنحهم حقوق مواطن أساسية بل ولا حتى حقوق إنسان أساسية.

 

رئيس جامعة حيفا أعلن أن على أي محاضر يؤيد المقاطعة أن يستقيل من الجامعة، لأنه لا يجوز أن يقاطعها ويواصل "التمتع بنعمها". وحسنًا فعل عندما أعلمنا ماذا يفعل رئيس جامعة حيفا- "يتمتع بنعمها". وربما لهذا السبب فهو يشعر أن الجامعة هي ملكه الشخصي أو ملكه سوية مع أصحابه ذوي المكانة وأصحاب نفس الموقف، الموقف "غير السياسي" طبعًا، الموقف التبسيطي القائم على التسليم والتعاون مع نظام الاحتلال وفظائعه، من خلال "التمتع بنعمها".

 

كنت أتوقع من هذا الرئيس المحترم أن يقوم ويقول مثلاً "هذا خطأ فظيع. جامعة حيفا تعارض الاحتلال". أو أن يقوم ويقول مثلاً: "لقد أخطأنا فعلاً، والآن بعد أن جرى اطلاعنا على خطئنا فسنصحح طريقنا ونبدأ بمعارضة الاحتلال". كنت أتوقع منه أن يتخذ موقفًا أخلاقيًا ضد الاحتلال لا موقف "نعيم" ضد صديق واحد في سدوم. وكنت أتوقع الأمر نفسه من سائر رؤساء الجامعات ومن لجنة رؤساء الجامعات. هؤلاء سيحكم عليهم في المستقبل ليس بموجب عدد الخريجين أو عدد المقالات التي أنتجت في مؤسساتهم، وإنما بموجب السؤال "أين كنتم عندما حصل الاحتلال والقمع؟". وبطبيعة الحال فأنا لا أتوقع شيئًا من جامعة بار- إيلان، باعتبارها شريكًا أيديولوجيًا وفعالاً في الاحتلال بواسطة فروعها القائمة في المناطق المحتلة.

 

يجدر التذكير عند هذا الحدّ بما جرت العادة على التغاضي عنه في إسرائيل: الاحتلال غير قانوني، والمستوطنات غير قانونية، وأي نشاط من جانب القوة المحتلة لا يعد جزءًا من احتياجات الأمن الجاري أو من صيانة المنطقة بصورة مؤقتة لصالح سكانها الأصليين هو نشاط غير قانوني، وأكثر من ذلك غير شرعي وغير أخلاقي. وهذا بالضبط هو ما تقوله رابطة المحاضرين البريطانيين: الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية غير قانوني وغير شرعي وغير أخلاقي. إنه الاحتلال وليس المقاطعة، أيها البليد.

 

والآن يمكن الشروع بالحديث عن المقاطعة: لماذا مقاطعة بالذات ضد إسرائيل وليس ضد بريطانيا التي تحتل العراق؟ لماذا يجري البدء بالجامعات وليس، مثلاً، بممثليات الدولة أو بالشركات الاقتصادية؟ وماذا مع المحاضرين الذين يعملون في جامعات إسرائيلية، بما في ذلك حيفا وبار إيلان، ويعارضون الاحتلال، بمن في ذلك محاضرون عرب ويهود وغيرهم (هل ستكون هناك لجنة فرز شخصانية، وهو تفكير يثير الاشمئزاز)؟. أفليس كل دافع ضرائب في إسرائيل- بمن في ذلك كاتب هذه السطور- شريك في الاحتلال؟ ليست لدي أجوبة قاطعة على هذه الأسئلة، لكن ينبغي شجب الاحتلال والمحتلين ومقاطعتهم بصورة لا تقبل التأويل.

المشكلة ليست المقاطعة أيها البليد، المشكلة هي الاحتلال.

 

(*) محاضر في موضوع علم الاجتماع في جامعة "بن غوريون" في بئر السبع.

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات