المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 914

 توجّه مركز عدالة، قبل شهور عدّة، إلى المحكمة العليا، بالتماس باسم ما يقرب من الـ 300 طفل بدويّ، تراوحت أعمارهم بين 3 و 4 سنوات، والذين حُرموا من إمكانية ارتياد روضات الأطفال نتيجةً لرفض وزارة المعارف إقامة روضات للأطفال في البلدات "غير المعترف بها" التي يقطنونها. وخلال المداولة، أعلنت الدولة اعترافها بحقّ كلّ الأطفال البدو الذين "يبدون الرغبة" في ارتياد روضات الأطفال، ولكنّها نفتْ واجبَها توفير هذه الروضات لهم في البلدات التي يقطنونها بالذات. وقالت إنّ بإمكانهم ممارسة حقهم المذكور في الروضات التي ستُبنى في البلدات الثابتة ("المعترف بها") فقط، أو في مراكز خدماتية مختلفة، تقع على مبعدة كبيرة من البلدات "غير المعترف بها" التي يقطنها الأطفال. وقد ردّت المحكمة الالتماس.

 

 

وقبل أن أسهب في تقليب التسويغات من وراء ردّ الالتماس بالرفض، أودّ بادئ ذي بدء أن أتطرّق إلى السؤال التمهيدي الآتي: هل بوسع الدولة أن تقيم جهازًا تربويًا رسميًا، وأن توضّح في الآن ذاته، أنها لا تعترف بالجهاز التربوي الذي أنشأته وتديره بنفسها؟ وببعض من السخرية، يبدو أنّ لا مفرّ من الإجابة عن هذا السؤال بالجواب: "نعم، فقط في إسرائيل".

 

إنذهل قضاة المحكمة العليا في العام 1998 عند اكتشافهم وجود 13 مدرسة رسمية في إسرائيل، لم تكن موصولة بالتيار الكهربائي، وكتحصيل حاصل، كانت تفتقر للإضاءة والتدفئة أو التكييف، وذلك على الرغم من المناخ الجويّ الصعب. كما افتقرت هذه المدارس إلى أجهزة إعانة مدرسية، مثل التلفاز والفيديو والحواسيب الشخصية وغيرها. كما انذهل أعضاء لجنة التربية التابعة للكنيست، الذين زاروا جزءًا من هذه المدارس، أيضًا. فمثلا، انطبع رئيس الكنيست رؤوفين ريفلين (عضو كنيست عادي آنئذ) بأنّ الحديث يدور عن مدارس تتخلّف بـ "ألف وخمسين سنة" عن المدارس التي تعلم فيها هو نفسه. وفي الردّ على الالتماس الذي قدّمه الأهالي في تلك المدارس، أوضحت وزارة المعارف الاسرائيلية أنّ الحديث يدور في واقع الأمر عن مدارس أقيمت بشكل غير قانوني، لأنها كائنة في البلدات البدوية "غير المعترف بها". وأوضحت وزارة المعارف أنه وفي ضوء أهمية التعليم الابتدائي، وفي ضوء الواجب الملقى عليها توفيرَ التعليم لكلّ أطفال إسرائيل، فقد قرّرت إقامة وصيانة مدارس في كل البلدات "غير المعترف بها" موضوع الحديث. ويأتي هذا على الرغم من موقف وزارة الداخلية وجهات أخرى رأت في مجرّد إقامة المدارس خطوةً غير قانونية.

 

في القرار الصادر في نهاية مداولة طارئة في نفس الالتماس، استخدمت المحكمة خطابًا لغويًا غير مسبوق في حدّته في سبيل وصف التقصير والفشل. "وضع لا يستوي والعقل السليم"، "شهادة فقر للدولة" و"لا يمكن أن يستمرّ الوضع"- كانت كلها غيضًا من فيض الملاحظات الحادة والصعبة التي أسمعتها المحكمة، وهي تأمر الدولة بتصحيح الوضع على الفور.

 

ولكنّ القليلَ تغيّر فقط، في السنوات الستّ التي مضت منذ ذلك الالتماس. صحيح أنّ المدارس الكائنة في البلدات "غير المعترف بها" وُصلت بالكهرباء عن طريق مُولّدات، ما يعني رسميًا تطبيق أوامر المحكمة العليا العينية بشكل تام؛ إلا أنّ محاولة المحكمة تعييب الدولة، وربما إحداث تغيير جذري في تعامل الجهاز التربوي الرسمي مع البدو، قد فشلا فشلاً قاطعًا. الإهمال مستمرّ، والتمييز ضد الجهاز التربوي البدوي ما زال ساريًا، على الرغم من التحسّن المعين الطارئ على هذا الجهاز.

 

فيما يلي بعض الأمثلة التي تجسّد المشاكل الصعبة في الجهاز موضوع الحديث: (1) 25.9% فقط من البدو في النقب يستحقون شهادة البجروت، مقابل 34% من العرب عامة ومقابل 51% من اليهود؛ (2) وحتى من مستحقي شهادة البجروت القلائل في الوسط البدوي، هناك 46.8% منهم فقط يستوفون المعايير الدنيا التي تضعها الجامعات، في مقابل 73% من العرب و- 87.3% من اليهود؛ (3) هناك هوّات سحيقة في مجالي فهم المقروء والقدرات الرياضية (من رياضيات) بين الطلاب البدو وبين زملائهم في الجهاز التربوي الاسرائيلي؛ (4) طرأ في السنوات الأخيرة ارتفاع في مستوى الاكتظاظ في الصفوف وفي حجم أزمة المباني، وهو اليوم من أسوأ الارتفاعات - إن لم يكن الأسوأ- في الجهاز التربوي الاسرائيلي، وحتى في الأجهزة والأنظمة القائمة في المدارس هناك فوارق عظيمة (نقص في المكتبات، في الحواسيب، في الغرف العلمية وغيرها)؛ (5) أوقفت بشكل كبير الجهود التي بدأت قبل عدة سنوات والرامية إلى كبح تسرّب الطلاب، (6) جهاز التربية الخاصة موجود في أزمة متميّزة الصعوبة، يضيق بنا المجال هنا لإيلائها التفصيل الكافي.

 

 

بعد مرور سبع سنوات على متابعتي وضلوعي في المعركتين القضائية والشبيهة بالقضائية التي يخوضها الآباء البدو لدفع حقوق أبنائهم في التربية والتعليم، توصّلت إلى استنتاج جليّ وحاد- يجب توجيه إصبع الاتهام إلى وزارة المعارف ودولة إسرائيل، وليس إلى المحاكم بالذات. وزارة المعارف هي المسؤولة المباشرة والأساسية عن هذا التقصير الكبير، الذي يعترف بوجوده الجميع تقريبًا (بما في ذلك لجنة التحقيق الرسمية برئاسة القاضي أور، التي حقّقت في أحداث أكتوبر 2000 ونشرت استخلاصاتها قبل فترة غير بعيدة)،  إلا أنّ أحدًا لم يكد يحرّك ساكنًا لإصلاحه. ويجب على الطريقة المثلى لفض هذا الفشل والتقصير أن تكون طريقة النضال الجماهيري والسياسي- الصراخ والاحتجاج في الكنيست، في وزارة المعارف، في الإعلام، في الشارع. ليس بوسع المحاكم إحداث تغيير فوري وحاسم في منظومة أفكار كل الجهات المذكورة، المعروفة منها والمجهولة، والتي لا ترغب ببساطة بتبديل الشكل الذي تتعامل به الدولة مع البدو الأصليين، منذ سنوات طويلة.

 

ومع ذلك، تشكّل المحاكم جزءًا لا يتجزّأ من الآلية السياسية، ومن المفترض بها مراقبة ونقد السلطة التنفيذية، حتى لو يكن لهذا النقد نتائج عملية دائمًا، وحتى في الحالات التي لا يمكن فيها تلبية المطالب العينية جميعها التي يطلبها الملتمسون. ويمكن أن يشكّل مجرد التداول في المحاكم، للذين يطلبون تغييرًا تدريجيًا من دون ثورات، وسيلة ضغط جماهيري وسياسي، قد تسهم مستقبلا في إحداث التغيير المنشود. ويمكن للمحاكم أن تدعّم البنية التحتية اللازمة لغرض تقديم التماسات مستقبلية تراها جديرة بأن تقدَّم، ويمكنها في المقابل أن تثبط من عزائم ملتمِسين مستقبليين. في قرار الحكم الحالي، لم ينحصر فشل المحكمة في عدم توفير المساعدة العينية، بل تعدّاه إلى كون نقدها لطيفًا وخفيفًا، وبتثبيط عزائم ملتمِسين مستقبليين عن طريق فرض تحميل عبء دلائلي - يكاد يكون مستحيلا- على كواهلهم.  ومن دون الخوض في تفاصيل حقائقية وقضائية تفصيلية، أودّ توجيه سهام النقد نحو النقاط التالية:

 

أ. توصيف لحقائق "حيادية" من دون التطرّق لوضع جهاز التربية والتعليم البدوي المزري. في قرار المحكمة العليا الصادر قبل ست سنوات، والذي أسلفت ذكره أعلاه، تم التشديد على "شهادة الفقر" إياها التي تستحقّها الدولة، نتيجة لتقصيراتها وفشلها في علاج موضوع تربية وتعليم الأطفال البدو في النقب. هذا التطرّق المعيب والمُوبِّخ - وهو الطريقة الوحيدة للتطرّق لتعامل الدولة مع الموضوع- اختفى وكأنه لم يكن في قرار الحكم الجديد. فالصياغة تكاد تكون حيادية، وفيها تشديد على أهمية الحقّ في التربية كحقّ إنساني، بما في ذلك واجب الحرص على تطبيقه على قدم المساواة ومن دون تمييز، ومن دون أن يؤثّر التقصير الماديّ على مستوى التعليم وجودته. ولكن عند الانتقال من العام إلى الخاصّ، يختفي الجدال حول واجب الدولة التصرّف بمساواة، وكأنّه لم يكن. فنَصّ القرار لا يشمل التطرّق إلى أنّ الدولة تنتهك، بفظاظة، حقّ الأطفال البدو في التربية والتعليم. كما أنّ التمييز العظيم اللاحق بالجهاز التربوي البدوي، وهو العامل المركزي من وراء النتائج الهزيلة لهذا الجهاز، لم يُذكر بتاتًا. كما يمكن العثور على موقف "حيادي" يتجاهل ظروف الخلفية غير المتساوية، في التجاء المحكمة إلى الادعاء الإجرائي والذي بموجبه على الملتمِسين أن يطرحوا ادعاءاتهم أمام الجهات التخطيطية، وليس أمام وزارة المعارف. كل هذا من دون التطرّق مطلقًا للتعامل المميِّز والصعب من طرف الجهات التخطيطية المسؤولة عن الخرائط الهيكلية في المنطقة، الذي تنتهجه هذه ضد السكّان البدو في النقب. ومن الجدير أيضًا التذكير بأنّ هذا التعامل غير المتساوي حظي بنقد لاذع على مرّ السنوات، من جانب عدد من الجهات الحكومية والشبيهة بالحكومية، بما فيها لجنة التحقيق الرسمية برئاسة القاضي أور.

 

وهكذا، في اعتقادي، أخطأت المحكمة في تأدية مهامها. وحتى لو رجّحت المحكمة بأنّ هناك مانعًا قضائيًا عينيًا أمام منح الملتمسين المساعدة التي يطلبونها، أي إلزام الدولة بإقامة روضات للأطفال في البلدات التي يقطنونها، فإنه كان من اللازم على المحكمة - كأقل ما يُمكن- أن ترسم الصورة الحقائقية المعيبة بكاملها. وربما حتى اقتباس قسم من استخلاصات "لجنة أور" الصعبة، بشأن الجهاز التربوي العربي عمومًا، ومعاملة البدو خصوصًا. وللأسف الشديد، فإنّ الدولة بحاجة إلى تذكيرات عديدة ومتكرّرة بأنّ هناك حاجة لانقلاب، وليس أقل، في الطريقة التي تتعامل بها مع تربية وتعليم جيل المستقبل من البدو في إسرائيل. وبوسع المحاكم، حتى لو لم تكن قادرة على إحداث التغيير المنشود في السياسات، ومن واجبها أن تشير الى الفشل والتقصيرات والتمييز ضد الأقليات والمجموعات المستضعفة. من هذه الناحية، ومن دون أية علاقة بنتائج العملية، يعزّز قرار الحكم المعطى من مكانة مشجّعي "الوضع القائم"، ويضعف أولئك الذين يحاولون دفع ذلك التغيير الجذري المنشود وإحداثه في استيعاب ورؤية وزارة المعارف لواجباتها، في مقابل البدو.

 

ب. عدم إلزام وزارة المعارف بعرض البنية التحتية الحقائقية الكاملة. يستند قرار الحكم بمجمله إلى تبني ادّعاء الدولة، الذي يقضي بأنّ الخدمات التربوية اللائقة لا يجب أن تتوفّر في كل مكان يقطن فيه الطلاب. وكما أسلفنا، أعلنت الدولة أنّ الطفل الذي يرغب بذلك، يمكنه التسجّل للروضة القائمة في واحد من المراكز الخدماتية أو في البلدات "المعترف بها". والحديث هنا عن روضات تبعد كيلومترات عديدة عن بيوت الطلاب (حتى ثمانية كيلومترات، وفي حالات أخرى، الطرق التي تربط بين البلدات وبين الروضات هي طرق غير معبّدة). وحتى لو قبلنا بنقطة الانطلاق هذه التي خرجت منها المحكمة والدولة، فإنه لا يزال هناك متسع لطرح السؤال: كيف سيصل الأطفال إلى الروضات التي من المفترض أن يتعلموا فيها؟ وأنا لست الوحيد القلق من هذا السؤال، بل المحكمة أيضًا، التي اعتقدت أنه في الحالة "التي يمكن فيها للكيلومترات الفاصلة بين قرى الملتمسين وبين المؤسسات التربوية - إذا أخذنا بعين الاعتبار عدم وجود طرق وصول معبّدة - أن تطول أضعافًا مضعّفة، مع الأخذ بالاعتبار، أيضًا، ظروف التنقل الصعبة نتيجة لمضارّ المناخ الجوي... فإنّ هناك خشية من ألا يستطيع الأطفال من أعمار 3 و4 سنوات أن يصلوا إلى الروضات المعدة لهم في البلدات المنظمة، وبذلك الحؤول دون تحقيق موقف الملتَمس ضدهم، والذي يعترفون بحسبه بواجبهم توفير خدمات تربوية لأطفال الملتمِسين".

 

وإذا كانت هذه هي حال الأمور من وجهة نظر المحكمة، فلماذا ردّت الالتماس في نهاية المطاف؟ التفسير الذي تورده المحكمة لهذا هو أنّ البنية التحتية الحقائقية المعروضة أمامها غير مكتملة، بحيث يمنعها هذا من التداول في إمكانية الوصول إلى المدارس. وبدلا من إصدار أمر احترازي، والذي يعني إلزام الدولة بتقديم تصريح مشفوع مفصّل يشتمل على كلّ الحقائق ذات العلاقة، فإنّ المحكمة تُرجِع الكرة إلى مقدّمي الالتماس، وتقترح عليهم إقامة اتصال مع وزارة المعارف، لجمع المعلومات وإدارة مفاوضات بغية التوصّل إلى حل. وفي حال اقتضت الحاجة – كما وضّح لهم- فإنّه بامكانهم التوجّه مجددًا إلى المحكمة. وبالاضافة، يجب ذكر الحقيقة، أنّ "عدالة" اضطرّ، قبل سنة من هذا، إلى سحب التماس شديد الشبه حتى التطابق،  بعد أن عبّرت المحكمة خلال التداول في الالتماس عن موقف يقضي بأنّ الالتماس يفتقر لبنية تحتية حقائقية كاملة. ومرة بعد أخرى، وبدلا من تسيير رقابة قضائية معمّقة على نشاطات وأعمال وزارة المعارف، وهي الرقابة التي تحتضن في مركزها مطالبة الوزارة بالشفافية الكاملة وتقديم التقارير الكاملة عن أعمالها، فإنّ المحكمة العليا تفضّل "إغلاق الملف" والطلب من أولياء أمور الأطفال بالذات التوجّه إليها مجدّدًا في السنة التالية، بعد أن يحضروا واجباتهم البيتية.

 

بالطبع، يجب على الرقابة والنقد القضائيين الفعّاليْن على أعمال السلطات أن يتمّا، في الوقت الذي تُوضع أمام المحكمة بنية تحتية حقائقية كاملة. ولكن المحكمة العليا عرفت وتعرف في الحالات الملائمة أن تطلب من الدولة تزويدها بهذه البنية كاملة. فتجشيم أولياء الأمور البدو عناءَ هذا العبء، خاصةً إذا أخذنا بالاعتبار وضع الجهاز التربوي المعروف في بلداتهم كما وُصف أعلاه ووضعهم الاقتصادي السيء وقدرتهم الضيقة على التنظّم في نضال جمعيّ، هو ضربة قاصمة مميتة لاستئنافات مستقبلية من هذا النوع. وبهذا، أشكّ عميقًا في كون المحكمة قد أدّت مهامها كمدافعة عن مجموعات أقليّة مستضعفة.

 

جـ. جيل آخر من الأطفال البدو استثني للخلف. كما أسلفنا، تنهي المحكمة العليا قرار حكمها بتوصية أمام الطرفين في الالتماس، بإقامة اتصال بينهما لغرض التوصل إلى حل متفق عليه. وتعلن أنه في حالة عدم توصل الطرفين إلى حل متفق عليه، فإنّ الطريق أمامهما مفتوحة بالتوجه مجددًا للمحكمة. هل هذا صحيح؟ في بداية قرار حكمها تذكر المحكمة العليا واحدًا من ادعاءات الدولة التي أتت لتسوّغ طلب ردّ الالتماس: قسم من الأطفال الملتمِسين، الذين التمسوا في السنة السالفة أيضًا، تزيد أعمارهم اليوم عن خمس سنوات. وبكلمات أخرى: "راحت عليهم". ويعني رفض الالتماس هذه المرة أيضًا تأجيلا إضافيًا لا يقلّ عن سنة لممارسة حقّ الأطفال البدو من أبناء 3 و4 سنوات (المعترف به) بالتربية في روضات الأطفال. من الجائز أنّ هذا الموضوع سيُحلّ خارج جدران المحكمة، ومن الجائز أن يُحلّ بعد أن يقدّم مركز "عدالة" التماسًا آخر في الموضوع، يكون ثالثًا في هذا الشأن. ومهما حصل، فإنّ الواضح هو أنّ شريحة أخرى من الأطفال البدو سيصلون إلى المدرسة وهم في مكانة شديدة التدنّي- من الناحية البنيوية أيضًا. وفي الوقت الذي تعلّم فيه غالبية زملائهم في الصف في أرجاء إسرائيل في الروضات والحضانات (بتمويل الدولة أو بتمويل جهات أخرى)، فإنهم بذروا أوقاتهم عبثًا.

 

في سنة 2018، وعندما تُنشر نتائج امتحانات البجروت في الوسط البدوي، في مقابل سائر شرائح المجتمع الإسرائيلي، فإنه من المرجّح أن تتضح ثانية الفوارق العظيمة بينه وبين سائر مواطني إسرائيل. ومن المثير ما إذا كان أحد سيتذكر أن هؤلاء الأطفال البدو، مواليد سنة 2000، هم الذين التمسوا في سنة 2004 إلى المحكمة العليا لكي تحمي حقّهم غير الممارَس في التربية في الجيل المبكّر، إلا أنّ المحكمة ردّتهم خالي الوفاض.

 

يبدو لي أنه لا حاجة لمختصّين لتوضيح ما على دولتنا فعله في سبيل منع تحقّق هذا التكهّن التشاؤمي. وفي قرار الحكم تترك المحكمة ادعاء الدولة القاضي بأنّ المنفعة السياسية في دفع بلدات "مخطّطة" تبرّر عدم توفير خدمات نقل لبلدات "غير معترف بها"- تترك هذا الادّعاء مطروحًا للتأمّل. هل يمكن حقًا تفعيل ضغط على سكان النقب للانتقال إلى بلدات "معترف بها"، عن طريق منع التعليم عن أبنائهم الأطفال؟ من خلال تجربتنا التاريخية، يمكن القول: يمكن بالتأكيد. فالجميع يعرف أنّ الدولة، ومنذ عشرات السنين، وبواسطة دائرة أراضي إسرائيل، تحاول دفع مصالحها في النقب، وذلك من خلال انتهاك الحقوق الأساسية للطلاب البدو في التعليم. ولكن ماذا مع المستقبل؟ هل سيُسمح للدولة بالاستمرار في التصرّف بمثل هذه الطريقة الفضائحية؟ هل ستستمر الدولة في تسيير جهاز تربوي رسمي للبدو، بموازاة الادعاء أنّ الحديث يدور عن جهاز تربية وتعليم "مشكوك في الاعتراف به"، نتيجة لكونه واقعًا في بلدة "غير معترف بها"؟ المطلوب هنا نهج وأعراف واضحة، تُمنع بموجبها الدولة من المسّ بالحق في التعليم، المعترف به كأحد أهم حقوق الانسان، في سبيل ممارسة ضغط على الأهل لتغيير مكان سكناهم. يبدو لي أنّ أعرافًا كهذه يمكنها التمتع بدعم واسع، بما في ذلك تلك الجهات الفاعلة في الحلبة الجماهيرية، والتي ترى في سبل أخرى تستعين بها الدولة للضغط على البدو لحثهم على الانتقال إلى بلدات "معترف بها"، سبلاً شرعية.

 

(*) محاضر في كلية القانون، جامعة تل أبيب. وقد مثّل في السنوات السبع الأخيرة لجان أولياء أمور الطلاب البدو في التماسات أمام محكمة العدل العليا الاسرائيلية. وقد ظهر هذا المقال في مجلة "عدالة" الألكترونية.

المصطلحات المستخدمة:

لجنة أور, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات