المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

صباح يوم الاثنين (6/9/2004) بكّر اريئيل شارون في القدوم لحضور المناقشات في عطلة الكنيست. وقد أضجرته الخطابات التي أُلقيت هناك. فذهب الى المقصف، الى طاولته الثابتة، وطلب وجبة إفطار. وجلس الى جانبه مستشاران ووزيران: ايهود اولمرت وتسيبي ليفني. وبعد ذلك انضمّ اليهم ثلاثة صحافيين. وعلى بعد طاولتين جلس شمعون بيريس، ومعه مساعدان فقط. وبعد ذلك انضمّت اليه داليا ايتسيك. وهي وزيرة سابقة، وبالتأكيد وزيرة في المستقبل كذلك.


وكان شارون في مزاج مبتهج. وقال لو أن بوسعنا ازاحة الطاولة التي في الوسط، والجمع بين الطاولتين، فإن ذلك سيبدو طبيعياً. وفوراً ابلغ ايهود اولمرت شمعون بيريس بهذه الملاحظة. وتنهّدت ليفني وقالت، ان المشكلة هي ان الطاولة الوسطى ترفض ان تتزحزح. ولكن مساعد بيريس، يورام دوري، قال: إن اردتم يمكن ازاحة هذه الطاولة.
وسأل أحدهم شارون حول اختفاء المفاوضات الائتلافية. وكيف سيتصرّف شارون ان انسحب المفدال من الحكومة، وهل أنه ليس هناك مفرّ من الانتخابات. ووبّخ شارون السائل: "هل هذا ما نحتاجه الآن؟ انتخابات؟".
وسئل: اذن أليس من الافضل ان تتّحد مع بيريس لتقيموا حزب الطوفان الكبير؟ فضحك. وعاد وسأل: من اين لكم هذا الاقتراح؟ وكما لو انهم في محيطه القريب لا يتحدثون عن هذا "الاختراع" بشكل متزايد.
وقد اختار شارون الركون الى الماضي. واستذكر محاضرة كان يلقيها على طلاب كلية القيادة والاركان. وروى بعينين لامعتين: "قلت لهم، ينبغي دوماً الهجوم في جبهة ضيقة، اضيق ما يكون". وعندما نهض من كرسيه اقترب من بيريس: "إن اتفقنا حول الصفقة التي تحدثت حولها، هل ستجلب معك كل هذه الرزمة؟"، سأل شارون وهو يشير بيده نحو الجالسين حول الطاولة. ردّ بيريس: "ليست هناك صفقة".

شكوك وآمال


في ازمان اخرى، كان حديث من هذا النوع بين زعيمي الحزبين الاكبرين في دولة، سيحتل الصفحات الاولى من الصحف. ولكن في الظروف القائمة، حيث جرى تقييد الزعيمين داخل حزبيهما، وباتا عديمي القدرة على الحركة، التقدم والهجوم، يبدو الحديث هذا تافهاً كحديث بين عجوزين في قرية.
لقد سيطرت حالة من الريبة على شمعون بيريس في الايام الاخيرة، كما يقول محادثوه. وهو يؤمن انه إنْ واجه شارون خيار: البقاء شخصياً او تنفيذ خطة الفصل، فسوف يختار البقاء، لقد أدار طوال شهور مفاوضات مع شارون، وما الذي كسبه من ذلك؟ إهانات وشتائم من كل الاتجاهات. وايهود باراك اعطى الاشارة قبل اسابيع، عندما تحدّث عن المهانة والاستسلام، ومنذ ذلك الحين يتعرّض بيريس لهجمات من كل حدب وصوب: من الصبية، من الشباب، من مجموعات المستقبل، من الجيل الصاعد، ومن كل من يطلقون على انفسهم جميع الأسماء. ومن الجهة الأخرى كبار المسؤولين، الذين كانوا يتمنون نجاح المفاوضات على أمل تعيينهم وزراء، اجتمعوا هذا الاسبوع ودعوا للإطاحة به. بنيامين بن اليعيزر، متان فلنائي، بايغا شوحط واوفير بينيس، يولي تمير وايتان كابل. وهم يطالبون بتقديم موعد الانتخابات التمهيدية، ويعتقد بيريس انهم في قرارة انفسهم يأملون ان لا يهرع للموافقة على ذلك، لانهم يقرأون ايضا الاستطلاعات الداخلية. كما ان الليكود على وشك التحطم على صخرة الفصل التي تصل الى الكنيست. وهؤلاء قادة حزب العمل، بدلاً من ان يراقبوا الوضع عن كثب ويتمتعون برؤية ما يحدث، شرعوا في الشجار والخصومات. وهم يطلقون النار على انفسهم.
والجدول الزمني السياسي، والائتلاف لا يبقى مكاناً للشكوك: فلحظة الحسم تقترب. وبحسب الجدول الزمني لحظة الفصل المسرعة التي عرضها شارون امام كتلة الليكود، فإنه قد يجد نفسه امام حزب منقسم ومشرذم، ومن دون اغلبية برلمانية، خلال شهرين او ثلاثة شهور، ان لم يكن قبل ذلك.
ولهذا السبب، فإن بيريس، مع كل الشكوك التي تحوم في رأسه، لم يفقد أبداً الأمل بإقامة حكومة وحدة. لذلك لا يهرع لحرق الجسور مع شارون. وهو ينتظر الدعوة. ولكن حزبه انتقل الى وضعية المعارضة المقاتلة. وخصوصاً القتال الداخل حزبي. وقد وصل الى الاجتماعات التي دعا إليها متان فلنائي وافرايم سنيه مئات الاعضاء. ولم يعرب اي من هؤلاء عن حنين لحكومة الوحدة. ومن بين اعضاء الكنيست من حزب العمل، فقط حاييم رامون هو الذي لا يزال يؤمن بإمكانية تشكيل حكومة وحدة.
وفي هذه الأثناء فإن الطاقم الميداني في الحزب وشبيبة حزب العمل بدأوا هذا الاسبوع بحملة: "كفى ايها الفاسدون: الليكود الى البيت". وطلب من نشطاء الحزب التجمع في عدد من ميادين تل ابيب للتظاهر ضد الليكود. ويقف على رأس هذا الطاقم شخص مقرّب من بيريس، يورام مرتسيانو. ولكن ان تشكلت غدا بقدرة قادر حكومة وحدة وطنية فإن كل هذا الشعارات ستطوى. ومرتسيانو سيلقي خطاباً مؤيداً لبيريس كما ان "وزراءنا" سيحتلون اماكنهم حول طاولة الحكومة الى جانب تساحي هنغبي.


معروفون وأنصار


وضعت على طاولة عدد من كبار الساسة في الدولة في الاسبوع الماضي وثيقة من اربعين صفحة باللغة الانكليزية. وهذا استطلاع شامل جداً لعينة كبيرة من عموم السكان: 806 رجال ونساء. واجرى الاستطلاع معهد اميركي لمصلحة جهة معروفة جدا لصناع القرار في اسرائيل. وفحص الاستطلاع مواقف الجمهور الاسرائيلي في سلسلة طويلة من المواضيع.
وبين الاسئلة التي طرحت في الاستطلاع: هل تقول، عموماً، بأن دولة اسرائيل تسير في الطريق الصحيح ام في الطريق الخطأ؟ وقد رد 28 في المئة انها تسير في الطريق الصحيح، و61 بالمئة في الطريق الخطأ. اما الباقون فلا يعرفون الى اين تسير الدولة.
والسؤال الذي طرحه الاستطلاع كان: "هل تعرف... وإن كنت تعرف، ما مدى دعمك او معارضتك له؟" وفي خانة رئيس الحكومة، شارون، بيريس، باراك ونتنياهو. واحتل شارون وبيريز القمة52 بالمئة يؤيدون شارون مقابل 44 يعارضونه. 54 بالمئة يؤيدون بيريس مقابل 43 يعارضونه. وباراك يواجه معارضة شديدة: 30 بالمئة يؤيدون و66 يعارضون. وبغرض المقارنة فإن من يعارضون يوسي بيلين 63 بالمئة (ومن يؤيدونه 23) ومع مثل هذه المعارضة الواسعة يصعب تخيل احتمال عودة ايهود باراك لرئاسة الحكومة في الانتخابات المقبلة، مثلما يصعب رؤية يوسي بيلين في هذا الموقع.

وعندما يفحصون الدعم لبيريس ولشارون مقارنة بالدعم الذي يحظى به حزباهما يتبين ان شعبية الرجلين تزيد كثيرا عن شعبية العمل والليكود. وفي حالة بيريس والعمل فإن الفارق كبير بشكل متطرف: يحظى العمل بدعم 38 بالمئة مقابل 58 يعارضونه. اما الليكود فيحظي بتأييد 46 بالمئة مقابل 49 يعارضون. والاستخلاص هو إن قرر بيريس وشارون التعاون في اقامة اطار حزبي جديد، مثلا "الطوفان الكبير"، فإن لديهما فرصة نظرية للفوز بالكثير من المقاعد البرلمانية. وهذا ما ظنّه في حينه الكثير من الشخصيات السياسية مثل عيزر وايزمان، موشيه ديان، اسحق مردخاي وشارون نفسه، عندما صعدوا على طريق سياسي مستقل، منفصل عن احزابهم الأم، وأُصيبوا يوم الانتخابات بخيبة امل كبيرة.
وقد فحص الاستطلاع ايضا مكانة جنرالين متقاعدين يذكر اسميهما بين الحين والآخر، او في فترات ازمة الزعامة، كمنقذين للأمة: يعقوب بيري وعامي أيالون، رئيسا الشاباك سابقا. ويتبين ان الاحتفالات الدائرة حولهما هي احتفالات صحافية. فقد اشار حوالي ثلث الى نصف من شاركوا في الاستطلاع الى انهم لم يسمعوا بهما. وبالمقابل فإن مئة في المئة من الجمهور يعرف ايهود باراك. وربما ان هذه هي مشكلته.

من باراك مع الحب


لقد تحدّث الجميع عن باراك هذا الاسبوع. وقسم من هؤلاء تحدثوا بأمل، وآخرون بخشية. وقسم ثالث تحدّث بضغينة. ولكن الجميع تحدّث. وقد هزأ متان فلنائي من الاعمال التجارية التي يقوم بها باراك في الخارج في الثلاث سنوات ونصف الاخيرة. كما ان عمير بيرتس هدد بالتنافس ضده "في اي موعد وفي اي تشكيلة". وألمح عمرام متسناع الى احتمال ان يعلن تأييده لباراك. ومتسناع الغر لم يتعلّم بعد الدرس بأن على السياسي أن ينتظر حتى اللحظة الأخيرة ليعلن موقفه.
وداليا ايتسيك لم تقل بعد انها مع باراك، ولكنها ستكون معه. ويولي تمير قالت هذا الاسبوع انها ستدرس وستجري اتصالات مع مختلف المرشحين قبل ان تحدد موقفها. والمهم ان لا تسبقها ايتسيك. كانت هذه دراما حقيقية. شوحط سيلتقي مع باراك. وبن اليعيزر حدد معه موعداً عاجلاً. والجميع تلقى من باراك بطاقة معايدة.
لقد كان هذا اسبوعا ناجحا في حملة باراك للعودة لزعامة العمل. وهي حملة لم تبدأ بعد، ولم يعلن عنها بعد. وحتى إن كان باراك قد خطط لذلك، من المشكوك فيه انه كان سينجح بهذا الشكل. بل ان عوزي برعام الذي تلقى منه الاهانات، تحدث عنه هذا الاسبوع باعتدال نسبي.
وبافتراض ان باراك عائد، فإنه سيعود ليكمل ما لم يستطع فعله كرئيس للحكومة. ومثل نتنياهو، هذا هو كل ما يهمه. والسؤال هو هل ان باراك يأخذ بالحسبان ان حزب العمل لن يحصل على مقاعد تتيح له تشكيل الحكومة المقبلة. من المنطقي الافتراض ان باراك يدرك ذلك. لذلك يمكن الافتراض انه يصل هذه المرة ليس كضيف وانما كمن يركض لمسافات طويلة في السياسة. وهذا يعني أن باراك في الولاية الثانية سيكتفي بالحصول على واحد من منصبين: زعيم المعارضة او وزير الدفاع (او الخارجية) في حكومة شارون (او نتنياهو)، ان يبدأ من تحت، كما يقولون.


("هآرتس"، 10/9/2004)

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات