ان وضع تعيين رئيس للحكومة الفلسطينية شرطاً لاستئناف مفاوضات السلام، يذكر بالاجراءات التي سبقت المؤتمر الدولي الذي عقد في مدريد في تشرين الأول / اكتوبر 1991. رئيس الحكومة اسحاق شمير اشترط، آنذاك، المفاضات مع الوفد الأردني - الفلسطيني بانضمام الدول العربية المجاورة، وخاصة سوريا ولبنان، الى المؤتمر. وكان شمير يستند على تقديرات الاستخبارات العسكرية التي رأت ان الأسد لن يخف للمشاركة في عملية لا تضمن خروج سوريا منها وقد استعادت الجولان.الأسد اكد تشخيص اليمين المحافظ بأنه لا ثقة بالعرب.
مقربو شمير رووا ان اليوم الذي استجابت فيه سوريا للدعوة كان احد الأيام السوداء في حياته. ارئيل شارون، وزير الأسكان آنذاك، اقام جبهة الرفض لمؤتمر مدريد. وقد ادعى في احاديث خاصة، ان المراهنة على الأسد احدثت انعطافاً في السياسة الداخلية الأسرائيلية (فوز حزب العمل في انتخابات 1992)، مما ادى ، بالتالي، الى مس خطير بنظرية ارض اسرائيل الكاملة ( اتفاق اوسلو 1993). السؤال المفتاح هو: ما هو جوهر التحول الذي قصد شارون تحقيقه حين طالب باجراء اصلاحات في السلطة الفلسطينية؟ هل تبنى رئيس الحكومة التشخيص الذي وضعه احد اصدقائه - مستشاريه، شبتاي شفيط، والقائل بأنه "اذا ما تخلصنا من عرفات، فلن يكون هنالك من يحل محله كفاتح لبوابات القادة العرب، وعندئذ ستختفي المسألة الفلسطينية من جدول الأعمال الدولي"؟ (يديعوت احرونوت - 7/ 12 / 2001).
ألم "يشتر" شارون "الأكتشاف" الذي قدمه له من كان رئيسًا لـ "الموساد" بأن محمود عباس (ابو مازن) لن يستطيع مَلء مكان عرفات "بسبب اصله البهائي... يبدو الأمر مثل تعيين احد الشومرونيين رئيسا لدولة اسرائيل"؟ (مرد الخطأ يكمن في اسم عائلة "ابو مازن" - عباس - المماثل لأسم عباس افندي، احد مؤسسي الطريقة البهائية. صحيفة "يديعوت احرونوت" عادت وصححت الخطأ، بناء على طلب من "ابو مازن").
حل اللغز هو، اولاً، هو بين يدي شارون نفسه. صحيح انه سيصبح لدى الفلسطينيين رئيس حكومة تفتح امامه بوابات قادة الدول، بعد فترة طويلة من عدم سماع صوتهم في العالم بسبب الحصار حول "المقاطعة". لكن "ابو مازن" يحتاج الى استئناف الحوار مع اسرائيل، اكثر من حاجته الى دعوات لاستئناف الحوار مع العالم. قبل ان يثبت لشعبه قدرته على تغيير وضعه الدولي، يتوجب عليه ان يثبت له قدرته على تغيير الوضع في الثلاجة الخاوية. وقبل ان يقوم "ابو مازن" بابعاد متعصبي "حماس"، عليه ان يثبت قدرته على تقريب السلام. هذه القدرات يستطيع منحه اياها شخص واحد فقط: شارون.
بعض رجال الأمن الفلسطينيين الذين اجتمعوا مع نظراء اسرائيليين (بينهم امنون ليفكين - شاحك) في واشنطن نهاية الشهر الماضي، اشاروا الى عدد من الشروط الضرورية للانتقال من طريق العنف الى المسار السياسي: تحييد عرفات وسياسة "الباب الدائر" التي يعتمدها؛ استئناف التنسيق الأمني (بمساعدة من قوة دولية)؛ تسهيلات للسكان المدنيين وانسحاب الجيش الاسرائيلي تدريجيا من مناطق A؛ وتفاهم على ان اية عمليات عسكرية فلسطينية تنفذها تنظيمات المعارضة والرفض - رغم مكافحة السلطة لها - لن تعيد الجيش الأسرائيلي الى المدن الفلسطينية.
شارون والمتحدثون باسمه يواصلون اشتراط اجراء أي تغيير بأن تقوم السلطة الفلسطينية بـ "محاربة الأرهاب". لا احد يعرف افضل منهم ان الجيش الأسرائيلي نفذ الأوامر بشل عمل اجهزة الأمن الفلسطينية وقطع قنوات الأتصال عنها (باستثناء منطقة اريحا). على شارون يقع واجب أثبات أن كل موضوع الأصلاحات في السلطة الفلسطينية لم يكن الا رهاناً هدفه "اصلاح" ما "افسده" شمير، وحكماً لا امل في ان يستطيع الفلسطينيون تنفيذه. واكثر من هذا: في المفاوضات الأئتلافية مع "شينوي"، تعهد شارون بأن عزل عرفات سترافقه تسهيلات للسكان في المناطق. وعلى يوسف لبيد يقع واجب اثبات ان وجود عرفات لم يكن ذريعة للتمدد في كرسي الوزارة، وليذهب السلام الى الجحيم.
("هآرتس" ـ 10/3 – الترجمة العربية: "مـدار")