بقلم: يوئيل ماركوسمع افتتاح الدعاية الانتخابية اليوم ستبدو اسرائيل مثل ذلك الطالب من النكتة المعروفة، الذي تلقى صفعة من والده على علامة "ممتاز" التي حصل عليها في "الغناء". مع كل العلامات السلبية الموجودة في شهادتك – صرخ الأب بوجهه – ولا يزال لديك مزاج للغناء؟
في العشرين يوما القادمة سيصغي شعب اسرائيل الى المقدمات الموسيقية الغنائية ("الجِنغل") والشعارات التي كتبها خيرة الدعائيين وكتاب النصوص. الدولة تنهار، وهم سيغنّون لنا وعوداً ومسبات مُقفـّاة.
هل قلنا تنهار؟ هل تنبهتم الى ان كلمة "انهارت" دخلت في الشهور الأخيرة الى قاموس العبرية المحكية؟ المحافظ (في بنك اسرائيل) يتحدث عن انهيار، ورؤساء الاقتصاد يتحدثون عن انهيار، ومن لا يتحدث وفي أي شيء لا يتحدثون؟ من بين المصطلحات الجديدة التي دخلت القاموس الشعبي في عهد شارون هناك أيضا "جمهورية الموز" وكذلك "مِثل الارجنتين". ومع الكشف عن الفساد القائم في اساسه على شراء الاصوات بالمال من الصندوق العام، تحول المصطلح "ايها الفاسدون مللناكم" من العام 1977 الى "عصابة المافيا، مللناكم" كما فعلت "حركة جودة السلطة". الأب والابن ورائحة المال. العرّابون، الصفقات، اصحاب السوابق في الحاضر والماضي، ومشترو وبائعو الاصوات. دولة في ازمة اجتماعية واقتصادية وسياسية وامنية، والان اخلاقية ايضا. كلهم سيغنون لنا دعايتهم الانتخابية.
تحدث لنا اشياء مستعصية على الهضم. في الحوار بين يوسي بيلين وافيغدور ليبرمان المنشور في نهاية الاسبوع الماضي في اسبوعية "زمن تل ابيب"، اتفق ممثلا اليسار واليمين المتطرفَين في موضوعين فقط: كلاهما ليس واثقا ان دولة اسرائيل ستبقى بعد عشرين عاما، وكلاهما متفق على ان شارون ليس معنيا بالحل، بل بالحفاظ على سلطته فقط. تصريحات ليست سهلة، تؤكدها نتائج استطلاع نشرت مؤخرا وبموجبها لا يعتقد 50% من الشباب العلماني انهم سيتواجدون في اسرائيل بعد عشر سنوات. هل في ضوء توقعات صعبة كهذه، ستنجح المقدمات الغنائية والشعارات بإقناعنا بأن نضع ثقتنا مجددا بشارون، الأب الروحي للوعود الكاذبة التي اوصلته الى سدة الحكم؟
الكشف عن الفساد الذي انبثق فجأة مثل بؤرة نار تتفاعل تحت السطح ليس سوى اضافة الى الفشل الكبير لرئيس الحكومة كمدير وكقائد للدولة. رأى شارون في صعوده الى الحكم تحقيقا لحلم شخصي كان يحدوه في مواجهة كل الاشخاص من ماضيه ممن اعتقدوا انه غير جدير او مناسب للتقدم ابعد من الوظيفة التي اداها في تلك الفترة. لم يكن ملائما لإشغال منصب قائد الاركان العام، وفاز بحقيبة الامن فقط لأن عيزر فايتسمن انشق (عن الليكود) تاركا فراغا وراءه، لكنه اطيح به ليس قبل ان يتسبب بضرر ظللنا ندفع ثمنه على مدار ثمانية عشر عاما. الى رئاسة الحكومة وصل بدون برنامج، وليست لديه اية خطة في أي موضوع. وبنظرة للوراء يتبين ان عدد القتلى الاكبر الذي عرفته اسرائيل - منذ حرب يوم الغفران في 73 - كان خلال المرتين اللتين اشغل فيهما مناصب رسمية كوزير للدفاع ورئيس للحكومة. توجد لديه – لدى شارون – كافة المواصفات القيادية. فهو يوحي بالصدقية، ويخلق الانطباع بأن لديه القوة والمعرفة لاتخاذ القرارات، لكنه على مدار شهور حكمه الـ 22 فعل كل شيء سوى قيادة الدولة.
صحيح اننا مللنا القراءة والكتابة والاستماع عن السلام والامن اللذين وعد بهما في الانتخابات، لكن ما العمل عندما نجد انه بدلا من تصفية الارهاب يدفع الدولة الى حرب شبه شاملة ضد السلطة الفلسطينية والى اعادة احتلال الضفة. التعليمات بتصعيد الحملة على الارهاب خلقت وضعا فقدت فيه "حماس" هيمنتها على العمليات واصبح كل شاب فلسطيني الان طاقة كامنة لمهمة انتحارية. هدم البيوت، الاهانات، والمساس بحقوق الانسان واستخدام القوة الزائدة كلها فتحت دائرة من العداء لن يكون سهلا التخلص منه. فقد ابعد احتمالات التسوية وحوّل اسرائيل الى دولة احتلال بعيون العالم، تلقى المقاطعة وهي ليست مرغوبة حيثما تمضي. يصعب ان نفهم عقلية شعب كان مستعدا لاعطائه نصرا ساحقا في الانتخابات. موجة اعمال الفساد وشراء الاصوات بأموال وممتلكات الدولة، التي تصل خيوطها الى باب بيته، بينما البطالة والفقر تطيح بمئات الالاف – من الجدير ان توقظ القطيع الاعمى من اوهامه، بحيث يتواصل مؤشر هبوطه في الاستطلاعات. شخص يضحّي بأمن واقتصاد الدولة ويضر بالاخلاق العامة في صالح استمرار حكمه، ليس جديرا بأن يصبح رئيس حكومة.
(هارتس، 7 يناير)