شلومو افنيريفي القرن التاسع عشر كان الاعتقاد الشائع أن الكاثوليكية والديموقراطية لا يجتمعان. فمثلا كتب رالف والدو اميرسون إلى الكاتب الاسكتلندي توماس كارليل شاكيا أن "كهنة روما يتعاطفون مع الطغيان". ويبدو هذا الرأي غريبا اليوم فالأحزاب المسيحية الديموقراطية وأغلبها كاثوليكية هي أعمدة الديمقراطية في مختلف أنحاء أوروبا. وما لا يقل غرابة الزعم الشائع أن الإسـلام والديموقراطية متنافران.
خذ حالة تركيا حيث غير الدستور العلماني البلاد تغييرا كاملا خلال الثمانين سنة الماضية، وحولها إلى ديموقراطية نشطة على الرغم من بعض العيوب. ومؤخرا جرت انتخابات تمخضت عن فوز حزب له جذور إسلامية قوية إلا أنه ملتزم بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
ويجب إدخال إيران في الاعتبار كذلك، فمن الواضح أن دستور البلاد الإسلامي يعكس نزعة قمعية، بيد أن نفس الدستور يضمن انتخابات ليست حرة تماما إلا أنها ليست مزيفة. ففي الإمكان الطعن في الانتخابات وللنساء، مثل الرجال بالنسبة حق التصويت، وبينما يجب حصول المرشحين على موافقة السلطات الدينية إلا أن هناك مساحة ولو محدودة للخلاف في الرأي.
وقد فاز الرئيس محمد خاتمي مرتين على مرشح المؤسسة المحافظة المتشددة. ولأنه يؤيد نسخة للإسلام أكثر انفتاحا، فقد أيده الناخبون الشبان، والنساء. وتشيع الحيوية في مناقشات البرلمان. وتناقش المسائل الدينية، والسياسية في صراحة ويجري التصويت عليها. وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة حصلت الطوائف الإصلاحية على أغلبية. ولا يزال المجلس الأعلى يسيطر على كثير من جوانب الحياة السياسية إلا أن الخلافات السياسية تنبض بالحيوية، وتثير الجدل. وأكثر صراحة مما كانت عليه قبل عشر سنوات. وبوحي تأييد إيران الحذر للحرب التي شنتها الولايات المتحدة على الطالبان مدى التنوع في العالم الإسلامي.
وهناك أمثلة أخرى. وتوحي بنجلاديش وأندونيسيا حتى باكستان في الفترات التي تخلو من الحكم العسكري أن أنظمة التعددية الحزبية والانتخابات ليست غريبة عن العالم الإسلامي.
إلا أنه هناك حقيقة أن في قلب العالم الإسلامي كتلة من البلاد لا توجد فيها ديموقراطية واحدة، ولا توجد حركة حقيقية نحو الديمقراطية: وهي كتلة جامعة الدول العربية التي تضم 21 بلدا. وحدث تطور يدعو إلى الترحيب في البحرين البلد الخليجي الصغير إلا أن قلل من أهميته حق الملك في تعيين مجلس الشوري دون انتخاب له نفس السلطات التي للمجلس المنتخب. ولم يكن مستغربا أن بعض الأحزاب قاطعت الانتخابات، وبدأ للكثير أن الإصلاح الدستوري المزعوم أكذوبة.
ويضم العالم العربي بلادا كثيرة، بعضها فقير مثل مصر والجزائر والسودان واليمن، بينما هناك بلاد عظيمة الثراء مثل المملكة العربية السعودية والكويت ودولة الإمارات المتحدة. ومنها بلاد صغيرة وبلاد كبيرة وبلاد كثيفة السكان وبلاد قليلة السكان. وفيها أنظمة ملكية وأنظمة ديكتاتورية عسكرية. منها الأنظمة الرحيمة والأنظمة الاستبدادية الفظة، ولكن ليس من بين قادتها من انتخب بحرية.
أضف إلى هذا، أنه في الوقت الذي تحركت بلدان أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية والجنوب الأفريقي وجنوب شرق آسيا نحو الديموقراطية. لم يشهد أي بلد عربي تحركا مماثلا. ولم يظهر ميخائيل جورباتشوف أو ليس واليسا أو افاكلاف هافل عربي، ولم تظهر حركة تضامن عربية. ولم يسقط نظام ديكتاتوري عربي من خلال ثورة شعبية. ولم نشهد حركة معارضة جادة للسلطات غير المنتخبة.
وقارن ما يلي : منذ شهور قليلة قدم أستاذ جامعي إيراني للمحاكمة، وحكم عليه بالإعدام لأنه أنتقد بعض المعتقدات الإسلامية. ومنذ محاكمته اندلعت مظاهرات الطلاب في طهران ومدن أخرى معرضين أنفسهم للخطر، ووقعت مصادمات بين البوليس والطلبة. ودعا الزعماء الإصلاحيون، ومن بينهم بعض المحيطين بالرئيس محمد خاتمي إلى إلغاء حكم الإعدام. وبعد أسابيع من المظاهرات وافقت المؤسسة القانونية المحافظة على مراجعة الحكم. وفي مصر من جهة أخرى قدم عالم الاجتماع سعد الدين إبراهيم للمحاكمة قبل عامين، وحكم عليه مرتين بالسجن سبعة أعوام مع الشغل لأنه تجاسر على مراقبة ما يحدث في الانتخابات والنظر في حقوق النساء، وحقوق الإنسان للأقلية القبطية المسيحية. ودفع الانتقاد في الخارج الحكومة إلى أن تدعو إلى محاكمة جديدة، ولكن لم يكن هناك احتجاج داخل مصر، وعلى مدى عامين لم تقع مظاهرات تؤيد سعد الدين إبراهيم، ولم ينتقد عدد يذكر من المثقفين محاولات خنق صوت المنشقين.
وكما لاحظ تقرير برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة لعام 2002 أن "انتقال السلطة من خلال صناديق الاقتراع ليس ظاهرة شائعة في العالم العربي"... وهذا الافتقار إلى الديموقراطية يقترن بضعف المجتمع المدني، وغياب كامل تقريبا للشجاعة المدنية. ولهذا عواقب بعيدة المدى بالنسبة للمرأة مع عواقب أخرى.
وفي إيران، وعلى الرغم من الشادور اشتركت النساء في التصويت وانتخبت امرأة نائبة لرئيس المجلس "البرلمان ايراني". بينما في المملكة العربية من جهة أخرى لا يسمح للمرأة بقيادة السيارة، ولا تجرؤ على الخروج من البيت بدون مرافقة رجل، ومن الواضح أن الحال مختلف في مصر وسوريا، فهما بلدان يأخذان بالنظام العلماني ومع ذلك فاللمرأة دور سياسي هامشي.
والافتقار إلى الثقافة الديموقراطية في البلاد العربية يحتاج إلى تفسير. ولكن حتى 11 سبتمبر لم يكن مسموحا سياسيا أن تذكر شيئا عن هذا التفسير وأخيرا لفت إليه الأنظار سياسيا واكاديميا في مختلف أنحاء العالم، وليس بسبب القبول الساذج لنظرية "تصادم الحضارات" ولكن أكثر الأسباب عملية فقد أصبح الافتقار إلى الديموقراطية في المجتمعات العربية مسألة رئيسية للأمن العالمي.
وعندما يحرم الناس في السعودية ومصر من الحرية في وطنهم يندفعون إلى التعصب الديني باعتباره الوسيلة الوحيدة للتعبير عن غضبهم وسخطهم على القمع والتسلط، ولم يكن الخمسة عشرة انتحاريا سعوديا وراء عملية 11/9 فقراء ولا أميين، فكانوا مثل زعيمهم المصري محمد عطا من الطبقة الوسطي وحاصلين على قسط وافر نسبيا من التعليم، وفي مجتمع مفتوح كان مقدرا لهم أن يكونوا أعضاء في معارضة مشروعة. ولحرمانهم من قنوات المعارضة الأخرى أصبحوا إرهابيين.
أضف إلى هذا أنه في بعض الحالات خاصة في السعودية، تركز الايدولوجية الرسمية على تصوير الغرب على أنه وثني ومادي وكريه وفي مصر حيث لا يسمح بانتقاد النظام في وسائل الإعلام. يسمح بل يشجع تعنيف الولايات المتحدة لتحويل الانتقاد بعيدا عن اخفاقات النظام.
الإسلام ليس العدو، ولكن الافتقار إلى الديموقراطية في البلاد العربية دفع الناس إلى التعصب الديني والإرهاب.. وهذا هو الخطر الكبير لأمن العالم، ويجب معالجته.
شلومو افنيري استاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس.
"لوس أنجلوس تايمز"، نقلا عن "وطني" - مصر