المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 975

أباحت محكمة العدل العليا من خلال قرارها الصادر في 27 نيسان/ أبريل الماضي قتل المدنيين في واقع الأمر، إذ قررت أن إطلاق قذائف فلاشت من الدبابات ليس محظورا حسب القانون الدولي•وبذلك تكون المحكمة قد قدمت الخدمة المطلوبة منها لجيش الاحتلال الذي يطلق قذائف فلاشت في المناطق المأهولة بالسكان• محكمة العدل (؟) العليا تعرف أن قتل المدنيين محظور حسب القانون الدولي ووفق كل قانون إنساني آخر، إلا أن ذلك لم يقلقها ولم يشغل بالها على ما يبدو• قذائف فلاشت الموجودة قيد الاستعمال الدائم من قبل الجيش الإسرائيلي في التجمعات المدنية الفلسطينية التي يصل ضررها وقدرتها على الإصابة إلى محيط 200 متر بالمتوسط، الأمر الذي يتسبب في ضرر فتاك وقاتل للمدنيين المتضررين من نساء ورجال وأطفال وشيوخ من دون أي تمييز• هذا الأمر يتم من خلال انبعاث أسهم فولاذية قاتلة من هذه القذائف حال انفجارها• محكمة العدل العليا التي رفضت في البداية مناقشة الطلب كليا من خلال الادعاء وكأنهم يطلبون منها أن تملي على الجيش وتفرض عليه الوسائل التي يتوجب عليه استخدامها متناسية في ذات الوقت أن من واجبها الدفاع عن حياة الناس•

 

التشبث بكون قذائف الفلاشت غير محظورة دوليا يعتبر مثابة وضاعة وانحطاط بتشريع من التوراة، وجدوا لهم بندا، أو إذا أردتم، لم يجدوا أي بند يحظر استخدام هذه الوسيلة البشعة، الأمر الذي مكنهم من تخليصها من قذارتها• حقيقة أن هذه القذائف قد قتلت نساء جالسات في الخيام أو قتلت في حالة أخرى ثلاثة فتيان، لم تؤثر في محكمة العدل العليا ولم تثر انطباعها• هذا مثلما لم تؤثر فيها عملية إلقاء قذائف من السماء بوزن طن وسط تجمع سكاني مكتظ، لأن الجيش أراد أن يصفي مشبوها وان يقتل زوجته معه فقط خلال ذلك•

رئيس محكمة العدل العليا، القاضي أهارون باراك، قال في حينه بأن كل شيء قابل لإصدار الأحكام ضده• يبدو أن كل شيء يخضع للمحاكمة في هذه البلاد إلا الجيش الإسرائيلي• وهكذا تبين أن حياة الفلسطينيين وكرامتهم وأملاكهم وحقوقهم قد دنست وأهينت• من المسموح التنكيل بهم وسرقتهم وتعذيبهم وقتلهم، ولا توجد محكمة تستطيع إحقاق العدالة مع هؤلاء الناس وتكبح جماح عملية القتل والبشاعة: لا محكمة العدل العليا ولا المدعي العام العسكري بالتأكيد الذي يعرف جيدا ما الذي يتوجب عليه غض بصره عنه وما الذي يجب التغطية عليه أو ملاحقته بلا هوادة•

لا أعتقد أن أحاسيس قضاة محكمة العدل العليا قد ضعفت، ولكن يبدو لي أنهم قد سقطوا ضحية الخوف من سطوة أعضاء الكنيست المعربدين الذين يحاولون قضم صلاحيات المحكمة، وكذلك رهبة الحكم الذي يقوده ثلاثة جنرالات (رئيس الحكومة ورئيس هيئة الأركان السابق ووزير الدفاع حاليا ورئيس هيئة الأركان الحالي)• كلهم يتوقون للمعارك ولليمين الصارخ المقربون من المستوطنين والترانسفيريون إذا لم يكونوا شركاء فعليين لهم•

إنني أكتب هذه السطور بأسف شديد وحيرة كبيرة، لأن القول بأن جيشنا هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم ليس صحيحا• فباسم الحرب ضد الإرهاب تنفذ أعمال إرهابية وإهانات لا يمكن تحملها• المجتمع الذي يتنازل عن البقاء كمجتمع ديمقراطي وإنساني، وفي ظل غياب القضاء الشجاع الذي لا يخشى أحدا، ستكون محكمة العدل الدولية في لاهاي هي المحطة القادمة•

تلفيقة أن كل انتقاد يوجه لنا هو تهجم لاسامي واستخدام الكارثة النازية البائس من خلال تبخيسها وترخيصها هي وضحاياها، لا يمكن أن يساعدنا في ظل الأعمال التي لا يتوجب الإقدام عليها• كل ذلك لا يبرر السماح بإطلاق قذائف الفلاشت من الدبابات ضد المدنيين• يبدو لي أن محاولة القضاة إقناع الملتمسين بسحب التماسهم قبل البت فيه لم تكن صدفة، ذلك لأنهم لا يريدون التداول في هذه القضية بسبب الشعبية التي يحظى بها الجيش الإسرائيلي وبسبب لهاث الحكومة وراء إرضاء الشارع وتهجمات أعضاء الكنيست من اليمين على المحكمة• ومن هذا كله يتبين أن الشجاعة قد ذهبت، وكل ما يترتب على ذلك يستدعي الكثير من النقد الذاتي•

(شولميت ألوني وزيرة سابقة للتعليم والثقافة وزعيمة حركة "ميرتس" سابقا)

("هآرتس" 4/5)

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, باراك, الكنيست, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات