المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 1150

بادر الأب إميل شوفاني، كاهن ومُربٍ عربي من الناصرة، إنساني ومحب للسلام، لتشكيل وفد من العرب في إسرائيل لزيارة أوشفيتس من أجل "فهم جذور الخوف" وحقيقة أن اليهود يعيشون في "خوف دائم من الآخر" ("هآرتس"، 3.2).هذه مبادرة مباركة. أولا، لأن إبادة يهود أوروبا ليست شأنًا يهوديًا فقط. ولذلك فإن على كل إنسان متحضر أن يتعرف على هذا الموضوع وعلى عِبَره، على الرغم من الصعوبة النفسية المنوطة بهذا. ثانيًا، لأن مبادرة شوفاني تأتي على خلفية دعاية "نازية جديدة" وتعابير حول إنكار المحرقة في الصحافة المصرية، السورية والسعودية. حتى في المقال الشجاع الذي كتبه مستشار الرئيس مبارك، أسامة الباز، والذي نُشر في "الأهرام"، وخرج ضد اللاسامية، هناك تشكيك بوجود الأفران الغازية. كل هذا، في الوقت الذي تمنع العديد من الدول الأوروبية في قوانينها إنكار المحرقة.

 

وقد عبر المفتي العام في سوريا، أحمد كفتارو، عن تضامنه العميق مع روجيه غارودي، الكاتب الفرنسي اللاسامي، الذي مثل أمام القضاء في باريس بسبب إنكار وجود الأفران الغازية والمعسكرات. وقد منعت مصر بث فيلم "قائمة شندلر"، لستيفن شبيلبرغ، على الرغم من أنه لا يتطرق للصهيونية أو لإسرائيل. ومنحت دمشق ملجأ سياسيًا لواحد من أكبر المجرمين النازيين، ألويس برونر، على الرغم من الضغوطات من الدول الأوروبية. وكتبت أسبوعية "لاكسبرس" الفرنسية عن طلاب عرب يعارضون تدريس المحرقة في المدارس الفرنسية بادعاء أنها ليست إلا اختراعًا صهيونيًا. كما أن "بروتوكولات صهيون" منتشرة في العالم العربي. على خلفية هذه الأمثلة وأمثلة أخرى، فإن المبادرة العربية- الاسرائيلية مهمة وأيجابية جدًا.

مع ذلك، لن يتعلم شوفاني وأصدقاؤه الكثير عن مخاوف الاسرائيليين من زيارة معسكر الابادة. من أجل فعل ذلك ليست هناك حاجة للسفر إلى بولندا. تكفي زيارة إلى طهران وبغداد - عاصمتي الدولتين اللتين تعلنان على الملأ سعيهنّ للقضاء على إسرائيل. وإذا كانت بغداد وطهران بعيدتين، فيمكن السفر إلى غزة ولقاء رؤساء "حماس"، الذين يوضحون أن إسرائيل كلها ليست إلا مستوطنة واحدة غير قانونية، يجب القضاء عليها، وليس هناك إسرائيليون أبرياء يجب الامتناع عن قتلهم.

وفي حالة ردوا وقالوا إن كل ذلك هو نتيجة الاحتلال –الاحتلال الذي يجب أن يُوضع له حد- من الممكن توفير عناء السفر إلى خارج إسرائيل: يمكن نبش الأرشيف واكتشاف ما كان هنا قبل المناطق المحتلة وقبل وجود إسرائيل؛ كيف ثارت النفوس في العواصم العربية قبل حرب الأيام الستة عشية الجهاد النهائي الذي سيقضي على دولة إسرائيل في حدود 1967؛ ويمكن التأكد من أن منظمة التحرير الفلسطينية قامت قبل إحتلال المناطق.

هناك غالبية كبيرة في إسرائيل، تشمل أيضًا مصوتين من اليمين، معنية بسلام واتفاق مع الفلسطينيين ومع العالم العربي. حقيقة هي أن إسرائيل انسحبت في الماضي من مناطق – في سيناء، في الحدود الأردنية، في لبنان - مقابل الوعد بالسلام. ولكن منذ اللحظة التي طرح فيها الفلسطينيون مطلب حق العودة، الذي عرّفه يوسي سريد بأنه "وصفة للانتحار"، فإنهم رفضوا بذلك حل دولتين لشعبين.

يتهمون اليهود بأنهم أصيبوا بالبرانويا (الهلع الشديد). قد يكون هذا صحيحًا، لكن ماضيهم يبرّر هذه البرانويا. يقولون إن الاسرائيليين هم خوّافون أكثر. من الممكن. لكن حاضرهم يبرر مخاوفهم. الحاضر وليس أوشفيتس؛ أو في سبيل التدقيق أكثر: الحاضر مع أوشفيتس. التهديدات لإبادة إسرائيل الخارجة عن العرب والمسلمين –وليس زيارة أيجابية في مركز إبادة- هي سبب الخوف الشديد. وعدا عن ذلك، فإن التجربة الشخصية والجماعية –خاصةً في أيامنا- تثبت أن للبرانويا، في بعض الأحيان، جذور ضاربة في الواقع.

(هآرتس، 5 شباط، ترجمة: "مدار")

 

المصطلحات المستخدمة:

حق العودة, هآرتس, اللاسامية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات