المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 1172

وجهة نظر إسرائيلية بقلم يوسي ألفرعندما تفاوضت إسرائيل على خطوط الهدنة مع الأردن ومصر في رودس في 1948 – 49 أصرت على ضم قرى وأراض عربية معينة في السامرة إليها، وذلك بغرض توسيع "خصر إسرائيل النحيل" في منطقة الخضيرةنتانيا. وبهذا فإن إسرائيل، وعن وعي تام، عملت على زيادة المواطنين الفلسطينيين العرب في إسرائيل إذ أرادت تحقيق هدف آخر هو تحسين الوضع الجغرافي. وقد بلغ الأمر بإسرائيل آنذاك إلى التهديد باستئناف القتال مع الأردن والعراق (التي كانت لها قوات في الضفة الغربية) ما لم يوافق الطرف العربي على تحريك الخط الأخضر باتجاه الشرق.

 

وعلى نحو مشابه ففي سياق محادثات سلام مجهضة في لوزان بعد نحو سنة، وتحت ضغط من واشنطن، عرض رئيس الوزراء دافيد بن غوريون إعادة 100 ألف أو حتى 200 ألف لاجئ فلسطيني من قطاع غزة مقابل السلام وضم إسرائيل للقطاع. خطوة كهذه لو أن العرب كانوا قبلوها، كان من شأنها أن تزيل الخط الأخضر عند غزة.

هذه الطريقة من التفكير تعكس فهم قادة إسرائيل لورطتهم الاستراتيجية آنذاك. كان مئات آلاف المهاجرين اليهود يتدفقون على البلاد، ولم يكن التوازن الديموغرافي يبدو مشكلة. من جهة أخرى فقد كان الدرس الذي تعلمته إسرائيل من حرب 1948، حرب الاستقلال التي خاضتها إسرائيل وظهرها إلى البحر، هو أن الأرض مهمة جدا. وعلى هذا ففي سنواتها الأولى فضلت إسرائيل الجغرافيا على الديموغرافيا.

وفي حرب 1967، حرب الأيام الستة، كانت الجغرافيا مهمة، وفي هذه الحرب أصبحت الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي. في ذلك الوقت لم تُلق سوى قلة قليلة من الإسرائيليين بالا إلى العواقب الديموغرافية البعيدة المدى للحكم الإسرائيلي المفروض على السكان الفلسطينيين في المناطق الواقعة إلى الجهة الأخرى من الخط الأخضر. كان يبدو أن الأراضي المحتلة أهم، كعمق استراتيجي وكورقة تفاوضية في المستقبل، من أي شيء آخر.

إن نشوة الانتصار، والقراءة الإسرائيلية لقرار مجلس الأمن 242 بتركيزه على "حدود آمنة ومعترف بها" و"الانسحاب.. من أراضٍ محتلة" (أي ليس من جميع الأراضي) وإشارته إلى "كل دولة في المنطقة" فقط (أي ليس إلى المناطق الفلسطينية التي لم تكن قانونيا جزءا من أية دولة)، كل هذا شجع صانعي السياسة الإسرائيلية على التفكير في حدود مستقبلية مختلفة جدا عن الخط الأخضر، وأنعش حركة "أرض إسرائيل" التي انبعثت من رقدتها لكي تنشئ المستوطنات.

إن رسوخ الخط الأخضر في السنوات الخمس والثلاثين اللاحقة وتحوله، في عيون المجتمع الدولي، إلى مرادف للحدود المذكورة في قرار 242 لشاهد على الإصرار العربي، والفلسطيني على وجه الخصوص. والخط الأخضر، بعد، ليس حدا دوليا – خلافا لحدود إسرائيل مع مصر والأردن وسوريا ولبنان – ومنظمة التحرير الفلسطينية لم تبدأ التمسك بحل يقوم على نشوء دولتين بمقتضى 242 إلا في أواخر الثمانينات.

مع ذلك فإن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بما فيها حكومة إيهود باراك التي حاولت في عام 2000 التوصل بالمفاوضات مع منظمة التحرير إلى حل نهائي، حاولت وفشلت في إرساء مبدأ بديل كنقطة انطلاق للتفاوض على الأراضي. كان الخط الأخضر ذا قدسية عند المفاوضين الفلسطينيين في كمب ديفيد الثانية في تموز/يوليو 2000، وفي طابا في كانون الثاني/يناير 2001 إلى درجة أنهم أصروا على مبدأ دونم مقابل دونم في تبادل الأراضي مقابل أية مستوطنات تريد إسرائيل ضمها إليها.

ومنذ كمب ديفيد الثانية نجح الفلسطينيون، بتمسكهم بحق العودة للاجئي 1948، في التشكيك بالتزامهم بحل الدولتين. وبالمقابل نجحت إسرائيل في إقناع معظم العالم الغربي وبعض الدول العربية بأن منظمة التحرير لا يمكنها الحصول في وقت واحد على حل الدولتين، المستند إلى دولة يهودية ودولة عربية، وعلى إعلان إسرائيلي بالموافقة من حيث المبدأ على قيام أعداد كبيرة من الفلسطينيين بالإقامة في الدولة اليهودية مما يحولها في الواقع إلى دولة مزدوجة القومية.

ولكن إصرار منظمة التحرير على حق العودة كان عاملا أساسيا في إقناع الإسرائيليين بأن مشكلتهم الاستراتيجية الأساسية مع الفلسطينيين اليوم ديموغرافية لا جغرافية. ولو قيض لنا اليوم أن نعود إلى محادثات رودس للتفاوض من جديد على الخط الأخضر لوافقنا بالتأكيد على خصر أشد نحولا، شرط أن يصبح عدد أقل من الفلسطينيين مواطنين إسرائيليين.

ومن المؤكد أنه عندما نستأنف المفاوضات فسوف يكون هناك تعاطف كبير في الجانب الإسرائيلي مع فكرة تعويض فلسطين على الكتل الاستيطانية التي سيتم ضمها بالقدر نفسه على الأقل من الأرض شرط أن تضم الأراضي التي ستعطى لفلسطين تلك المدن والقرى العربية ذاتها التي كانت إسرائيل قد أصرت على ضمها إليها في عام 1948.

يوسي ألفر مدير سابق لمركز "يافه" للدراسات الاستراتيجية بجامعة تل أبيب، وكبير مستشارين سابق لرئيس الوزراء إيهود باراك، ومسؤول سابق في "الموساد".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات