المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات مترجمة
  • 1157

وجهة نظر إسرائيلية بقلم دافيد نيوماناحتفظ الخط الأخضر، الحد الذي يفصل إسرائيل عن الضفة الغربية، بمكانة مهمة في كل المفاوضات المتعلقة برسم حدود لدولة فلسطينية مقبلة. في أكثر تقدير يمكن تعديل مسار الخط الأخضر بحيث يأخذ في الاعتبار بعض المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الخط. ولكن، على الرغم من التغييرات الجغرافية الكثيرة التي حدثت على مقربة من الخط خلال السنوات الخمس والثلاثين المنصرمة، فإنه ما زال يعتبر من جانب الكثيرين من صانعي السياسة الخط الطبيعي والمرجعي لرسم الحدود في المستقبل.

 

رسم الخط الأخضر في محادثات هدنة رودس 1948 – 49. ويعكس المسار المحدد للخط الحقائق العسكرية في ذلك الزمن عقب حرب الاستقلال لإسرائيل. وقد أعقب رسم الخط وإقراره بروز مشاكل حياتية عديدة للقرى والبلدات العربية الفلسطينية. بعض السكان العرب في المنطقة أصبحوا مواطنين إسرائيليين، بينما أصبح آخرون بدون دولة تحت الإدارة الأردنية. قطعت قرى كثيرة في الضفة الغربية عن حقولها التي أصبحت في الجانب الإسرائيلي. ولم يعد بمقدور الكثيرين التوجه إلى أعمالهم في الجانب الآخر من الحدود في يافا والرملة واللد، مما أدى إلى ضعضعة اقتصادية لعدد كبير من المواطنين العرب.

أدى "فتح" الحدود في عام 1967 إلى واقع جغرافي جديد. في السبعينات والثمانينات كان عشرات آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية يعبرون الحدود للعمل داخل إسرائيل، كما كان يعبر الحدود أيضا المستوطنون الإسرائيليون الذين كانت وظائفهم في المدن الإسرائيلية. في الاتجاه الآخر كان كثيرون من الإسرائيليين يعبرون الخط، ولاسيما في نهاية الأسبوع والعطلات، للتسوق في قلقيلية والقدس الشرقية، ولكي يقضوا حوائج أخرى (كمعالجة الأسنان وإصلاح السيارات) كان قضاؤها في الضفة أرخص كثيرا منه في إسرائيل.

رغم هذا التحرك عبر الخط الأخضر، بقي الخط علامة فصل مهمة بين المنطقتين. وبما أن أية حكومة إسرائيلية لم تحاول ضم أي جزء من الضفة الغربية فقد حافظ الخط الأخضر على وظيفته الإدارية مع بقاء الوضع القانوني للسكان على جانبي هذا الخط "غير الموجود" مفصولا وخاضعا للقانون الإسرائيلي أو الأردني.

هذه الحقائق الوظيفية تناقض كثيرا التصريحات التي أدلى بها كثير من الساسة الإسرائيليين بأن الخط الأخضر لم يعد له وجود، هذه السياسة التي يعد من تجلياتها قرار عدم إبراز الخط الأخضر على خرائط إسرائيل التي تصدرها دائرة المساحين أو في الأطالس المستخدمة في المدارس والجامعات الإسرائيلية. ولم يؤد إنشاء مجالس إقليمية للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى تجاوز هذا الحد الإداري الفاصل. وحتى عندما كان يبدو منطقيا ضم بعض المستوطنات للسلطات البلدية في الجانب الإسرائيلي من الخط فإن هذا لم يكن يحدث لأنه يعتبر مؤشرا إلى مدّ رقعة سريان القانون المدني الإسرائيلي إلى الأراضي المحتلة، وهو أمر محظور بقوة في القانون الدولي.

ومع تجدد العنف في الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي بدأت عام 1987 أصبح الخط الأخضر أكثر بروزا. كلما كان يتم فرض حظر التجول أو الإغلاقات في الأراضي المحتلة كانت حواجز الطرق تقام على الخط الأخضر. وبينما جرى، بالتدريج، منع الفلسطينيين من الدخول إلى سوق العمل في إسرائيل كان الخط الأخضر هو الحد الذي لا يجوز تخطيه. بالنسبة للإسرائيليين فإن الخطر المحتمل من التوجه إلى الضفة الغربية وقطاع غزة خلق جغرافية خوف، ولم يعد الناس يتخطون الخط الأخضر. ربما لم يكن ظاهرا بوضوح على الخرائط دائما، ولكن معظم الإسرائيليين صاروا يدركون حدسا موضع الخط الأخضر وصاروا يمتنعون عن مواصلة قيادة سياراتهم إلى ما بعده.

ما يجري حاليا من إقامة الجدران والسياجات على طول أجزاء من الضفة الغربية إنما يجري على مقربة من الخط الأخضر (مع انحرافات تضم إلى الجانب الإسرائيلي بعض المستوطنات الإسرائيلية)، وهذا يخلق وضعا قائما يمثله حاجز مرئي قد يثبت الزمن أنه هو الحدود المقبلة التي ستفصل إسرائيل عن الدولة الفلسطينية.

ومن جانب آخر فإن الخط الذي يفصل قطاع غزة عن إسرائيل بقي ثابتا على حاله، فعلى مدى السنوات العشر الماضية كان هناك سياج يحدد تلك المنطقة. وفي منطقة القدس فإن الحدود البلدية للمدينة، كما قررتها الحكومة الإسرائيلية بعد عام 1967 تمثل الحد الفاصل، مع أن هذا قد يتغير في الفترة التي تسبق مفاوضات مقبلة إذ تسعى الحكومة إلى ضم الجمهرات اليهودية المحيطة بالقدس (وخاصة معاليه أدوميم) إلى داخل الحدود البلدية للمدينة.

إن تاريخ الخط الأخضر شاهد عدل على قوة تأثير الحدود العشوائية والمصطنعة، حتى في غضون فترة قصيرة نسبيا. كان الخط الأخضر خط فصل سياسيا (بين إسرائيل والمناطق الواقعة تحت الإدارة الأردنية) لمدة لا تتجاوز 18 عاما، وهي نصف المدة التي انصرمت منذ "فتح" الخط عام 1967. ومع ذلك فإن الحفاظ عليه كخط فصل إداري، إضافة إلى أحداث السنوات العشر الماضية التي عاد فيها إلى الظهور كحاجز يحول دون تنقل الناس والبضائع في الاتجاهين، جعلت أثره أقوى. عندما يتم، أو إذا تم، التوصل إلى حل سياسي للنزاع فإنه من شبه المؤكد أن الخط الأخضر – مع بعض انحرافات قليلة – سيكون الحدود الدولية الرسمية بين الدولتين المستقلتين.

دافيد نيومان هو بروفسور الجغرافيا السياسية في جامعة بن غوريون في النقب. وهو محرر المجلة الدولية للجغرافيا السياسية. وقد نشر دراسة مطوّلة عن الخط الأخضر ضمن نشاطات وحدة أبحاث الحدود الدولية في بريطانيا.

المصطلحات المستخدمة:

الخط الأخضر

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات