مشاعر العدائية والأحباط التي تدفقت من مقاعد المعارضة باتجاه منصة الخطابة في الكنيست، حين كان ارئيل شارون يعرض حكومته الجديدة يوم الاربعاء 27 شباط، تكاد لا تذكر بالمقارنة مع مشاعر الحقد والكراهية المكبوتة التي كانت تفصل بين الجالسين حول طاولة الحكومة.أفعال شارون في الأيام الأخيرة تركت بصماتها على الوزراء. لقد دخلوا الى قاعة الكنيست الواحد تلو الآخر وكأنهم خارجون للتو من رحلة عذاب: مُجرَّحون، منكمشون، ورؤوسهم متدلية. اثنان منهم، نتنياهو واولمرت، كان كل منهما يحمل في جيبه ورقة بتوقيع رئيس الحكومة. هذه ليست بداية طيبة لأية حكومة، عندما يتجول وزيران كبيران يحمل كل منهما اتفاقية مكتوبة بمثابة بوليصة تأمين. أين الثقة؟ أين المروءة والشرف؟
لم تشهد الكنيست، منذ زمن بعيد جدًا، حفل تنصيب حكومة كهذا، كئيبًا ومتكدرًا الى هذا الحد. ضحايا شارون وجهوا اليه نظرات حادة، فيما طأطأ هو رأسه. نتنياهو بدا كأنه يجلس على قرّاص، بدلا من جلد ظبي. اصغى الى شارون وهو يعرض وزراءه وسمع كيف ان لقب <القائم بأعمال رئيس الحكومة> الذي حجب عنه بادعاء ان القانون لا يتيح ذلك، يلصق باسم اولمرت. وسمع كيف يضاف لقب <نائب رئيس الحكومة>،الذي لم يعرض عليه قط، الى اسم سيلفان شالوم.
وبالرغم من ذلك، كان ثمة فرق بين الرسالة التي في جيب نتنياهو وتلك التي في جيب اولمرت. حين رأى شارون للمرة الأولى وثيقة المطالب التي قدمها نتنياهو، تساءل ما اذا كان <بيبي> قد قرر ان يقيم لنفسه حكومة خاصة داخل الحكومة. لكنه لم يفجر المفاوضات التي أجراها المحاميان دوف فايسغلاس ودافيد شيمرون.
ورقة اولمرت كتبها شارون بنفسه، وبشكل طوعي. فقد تملك شارون شعور سيء جدًا جراء ما فعله لأولمرت، حتى انه عرض عليه بؤبؤ عينه في السنوات الـ 25 الماضية: مديرية اراضي اسرائيل. ينبغي معرفة مقدار حب شارون الهوسي لمديرية اراضي اسرائيل من أجل فهم مقدار التضحية. فقد قيل ذات مرة ان شارون كان يفضل التنازل عن عضو مهم في جسمه، وليس عن هذه المديرية. في لقائه مع اولمرت، مساء امس الأول، كان شارون اقل سخاء. من الجائز ان تكون عناوين الصحف، التي تحدثت عن الخيانة الكبرى، هي التي جعلته يكون اكثر سخاء.
شارون نسي دان مريدور كليا. قبل الأنتخابات طلب منه صياغة برنامج سياسي للحكومة وجعله يفهم انه سيكون وزيرًا. مساء امس الأول التقى شارون ومريدور، لكن اللقاء انتهى بعد دقيقتين من بدئه، جراء مشكلة استجدت مع نتنياهو. شارون وعد مريدور بأن يعاود الأتصال به، لكنه لم يفعل. انتظر مريدور في منزله، لكن الهاتف لم يرن. امس فقط اتصل مدير مكتب شارون، فايسغلاس، بمريدور ووعده بتعيينه وزيرًا يوم الأثنين القريب، سوية مع وزيري <المفدال> ونتان شرانسكي.
إجمالا، قال احد مقربي شارون امس، كانت العملية ناجحة على الرغم مما تكتبه الصحف: بيبي في الداخل، شالوم في الداخل، اولمرت في الداخل. كذلك تسيبي ليفني التي استوطنت امام مكتب شارون، حظيت بوزارة تنفيذية، وزارة الاستيعاب، التي تمنح صاحبها نوعًا من القوة السياسية بكونه حلقة الوصل مع جمهور المهاجرين الجدد.
خلافاً للراي السائد، سوف تتمكن حكومة شارون الجديدة من الاستمرار فترة طويلة نسبياً. وستكون، خلافا لوعود شارون الانتخابية، حكومة سمينة وضخمة ـ 23 وزيرًا ( بدلا من 18 كما وعد) ، متخمة بالوزراء بلا حقائب، بلا رغبة في العمل، بلا اهتمام وبلا حاجة. الشركاء في الأئتلاف ـ شينوي، المفدال، والاتحاد القومي ـ حصلوا على حقائب دسمة ستجعل انسحابهم صعبًا جداً. المعارضة المشتتة لن تستطيع، ابدًا، التكتل حول مرشح واحد لرئاسة الحكومة، كما يلزم القانون الجديد. وفي الموضوع الأقتصادي، ثمة اجماع في الآراء حول طاولة الحكومة. فقط ضغط شديد من جانب الولايات المتحدة قد ينجح في احداث تصدعات اولية في البنية الائتلافية وعندئذ قد ينضم حزب العمل اليها. بعض قيادييها ينتظرون هذا اليوم بفارغ الصبر. حتى عمرام متسناع لا يسقط مثل هذا الإجراء من حساباته، اذا ما تأكد من ان شارون سينفذ فعلا ما قاله له خلال لقاءاتهما.
اللغم الأساسي الذي يهدد استقرار هذه الحكومة هو علاقات العمل بين شارون ونتنياهو. بوثيقة او بغيرها، سيضطر الرجلان الى التغلب على ترسبات الماضي من اجل تخليص الاقتصاد من أزمته. ظاهرياً، يبدو ان هذه مصلحة مشتركة: نتنياهو يريد ان ينجح لتعبيد الطريق نحو عودته الى رئاسة الليكود، ومن هناك الى رئاسة الحكومة. شارون يريد ان ينجح لكي يحقق، اخيرًا، نجاحا ما أيا كان. مع تقاطع مصالح كهذا، ربما يفلحان. مقربو نتنياهو الصقوا به امس لقب <رئيس حكومة اقتصادي>. ليس مؤكدًا ان شارون يستسيغ ذلك. لكن اذا فشل نتنياهو، فسيجد من يتهمه.
(يوسي فيرتر، "هآرتس" 28/2 - ترجمة "مدار")
المصطلحات المستخدمة:
هآرتس, الليكود, شينوي, الكنيست, نائب رئيس الحكومة, رئيس الحكومة