من المقرر أن تجري اليوم، الثلاثاء، تظاهرة كبيرة بادر إليها اليمين الإسرائيلي من أجل التضامن مع الجندي الذي قتل الشاب الفلسطيني عبد الفتاح الشريف فيما كان جريحا وممددا على الأرض وعاجزا عن الحركة، في تل الرميدة في الخليل الشهر الماضي.
وأثبت تشريح جثمان الشريف أن هذه الرصاصة التي أطلقت على رأسه من مسافة قريبة، كانت قاتلة وهي التي أدت إلى استشهاده.
وما حدث في إسرائيل حول هذه القضية هو أمر غير مألوف. فقد أطلق وزير الدفاع، موشيه يعلون، ورئيس أركان الجيش، غادي آيزنكوت، تصريحات تكاد تدين الجندي، برغم أن هذه ليست المرة الأولى التي يجري فيها إعدام جريح فلسطيني ولا يشكل خطرا على أحد.
وكانت النيابة العسكرية أبلغت الجندي القاتل غداة جريمة إعدام الشريف بأنه مشتبه بالقتل العمد، لكن بعد مرور أيام قليلة أعلنت النيابة العسكرية نفسها أنه مشتبه بالقتل غير العمد، ولائحة الاتهام تضمنت هذه التهمة.
حول هذه القضية ودلالاتها، أجرى "المشهد الإسرائيلي" مقابلة خاصة مع المحاضر في الجامعة المفتوحة الإسرائيلية والباحث المتخصص في مثلث العلاقات الجيش – المجتمع – السياسة، البروفسور ياغيل ليفي.
(*) "المشهد الإسرائيلي": هل خالف الجندي التعليمات العسكرية عندما أطلق النار على شخص جريح، ممدد على الأرض وعاجز عن الحركة؟
ليفي: "وفقا لفهمي للأمور فإن هذا الحدث يتناقض مع تعليمات إطلاق النار، لأنه كان هنا إطلاق نار موجه نحو إنسان لم يكن، على ما يبدو، قادرا على إلحاق أي أذى بالجنود، وإنما كان ينبغي معالجته".
(*) وقعت أحداث مشابهة، خلال الأشهر الماضية، وكان أحدها في يافا عندما أطلق شرطي النار على فلسطيني جريح بعد تنفيذه عملية طعن وقتله. لماذا الضجة الحاصلة الآن؟
ليفي: "الضجة الحاصلة حول إطلاق الجندي النار في الخليل سببها الأول أنه تم تصوير الحدث وتوثيقه. ولو أنه لم يصوّر ولم يوثّق لكانت الضجة أقل بكثير. الأمر الثاني هو أنه صدر رد فعل فوري من قيادة الجيش، بعد أن صرح قائده في خطاب علني أن تعليمات إطلاق النار يجب أن تكون موزونة وملجومة وأنه لا ينبغي قتل من ليس قادرا على المس بالجنود الإسرائيليين. وقد استخدم تعبيرا معينا وهو عدم إفراغ ذخيرة بندقية في جسد صبية تحمل مقصا. ولأنه كان هنا خرق لسياسة مباشرة يبثها رئيس الأركان إلى المستويات الأدنى، فإن رد فعل الجيش كان شديدا جدا. وبالنسبة لجهات يمينية، حدث هنا تغيير في قواعد اللعبة. وما كان يتم غض الطرف عنه في الماضي، أصبح فجأة أمرا محظورا ويعتزم الجيش تطبيق القانون وقواعد الطاعة العسكرية حياله".
(*) في أعقاب تصريحات يعلون وآيزنكوت ضد أداء الجندي، شن اليمين حملة ضدهما ما زالت جارية حتى اليوم. هل تعتقد أن حملة اليمين هذه تذبح بقرة إسرائيلية مقدسة، هي الجيش؟
ليفي: "لقد تم ذبح الجيش كبقرة مقدسة منذ زمن طويل. ولا ينبغي النظر إلى الجيش كبقرة مقدسة وإنما إلى المضامين التي يتعامل بها. ففي الماضي كانت المؤسسة السياسية لا تتعامل مع هذه المضامين العسكرية وتتركها للجيش. وأنا أوافق على أمرين: الأول هو أن النقاش حول تعليمات إطلاق النار بات نقاشا سياسيا وعاصفا أكثر بكثير مما كان في الماضي. ولأنه بحسب ادعاءات قوى مختلفة في اليمين وفي اليمين الديني أن تعليمات إطلاق النار الحالية تشكل خطرا على الجنود، كونها تفرض على الجنود قدرا معينا من ضبط النفس، رغم أنه لا يوجد لذلك أساس في الواقع. الأمر الثاني الذي نراه كتغيير مقارنة بالماضي، هو هذا التجند العلني من جانب أجزاء من الجمهور الإسرائيلي، مثل التظاهرة في تل أبيب، لمصلحة جندي يقوم الجهاز القضائي العسكري بمحاكمته. بينما في الماضي، كانت تحدث احتجاجات ضد الجهاز القضائي العسكري لكنها لم تصل إلى حد مظاهرة تأييد ودعم كالتي نشهدها الآن. وهذا الأمر يعكس تغييرا عميقا للأجواء العامة، مقابل إدراك مجموعات، وبالأساس مجموعات في اليمين، بشكل أكبر أن الجيش يستند على المتطوعين لخدمته، وخاصة الوحدات القتالية، بحيث أن من يخدم فيه يجب أن يحصل على معاملة خاصة من الدولة. وهذا التحول مألوف في جيش يتحول من تجنيد إلزامي عام إلى تجنيد إلزامي انتقائي. وباسم هذه النظرة وباسم الأجواء العامة التي ترى بالجيش نوعا من التطوع الذي يستوجب تعاملا خاصا من الدولة، نرى حملات شعبية غير مسبوقة في دعمها لهذا الجندي".
(*) هل ترى أنه يوجد هنا صدام بين الجيش والصهيونية الدينية؟
ليفي: "أرى أنه توجد توترات بين الجيش والصهيونية الدينية، وتوجد هنا، بالأساس، عملية نمو لجيشين (إسرائيليين). والجيش الذي يتطور في الضفة الغربية منذ عدة سنوات هو جيش مختلف عن الجيش الرسمي، بمعنى أنه صهيوني أكثر ويتم تفعيله بواسطة روح وشيفرة قومية أكبر، وهو متأثر من حاخامي الضفة الغربية ومن المستوطنين، وهو متداخل مع المستوطنين. والمستوطنون يشاركون فيه في إطار فرقهم المحلية إلى جانب مشاركتهم الرسمية فيه. ونشأ هنا توتر بين هيئة الأركان العامة للجيش التي لديها منطق مختلف وأوامر ومحفزات مختلفة، وبين الجيش الذي يعمل في الضفة وهدفه الأول هو الدفاع عن المستوطنين. وهذا الجيش يعمل بموجب مبادئ ليست بالضرورة تتلاءم مع الجيش الرسمي. وهذا نوع من الصدام، ونراه في الآونة الأخيرة، وهو صدام بنيوي أكثر من كونه أيديولوجيا".
(*) هل تعتقد أن الضغوط التي يمارسها اليمين تؤثر على قرار النيابة العسكرية، التي أعلنت في البداية أنها ستوجه تهمة القتل العمد للجندي وبعد ذلك أعلنت أنها ستوجه تهمة القتل غير العمد؟
ليفي: "أريد أن أؤمن أنها لا تؤثر وأنه توجد هنا اعتبارات قانونية".
(*) ما هي الاستنتاجات التي تستخلصها من كل هذه القضية؟
ليفي: "لقد قلت الاستنتاجين المركزيين، وهما ظهور جيش آخر في الضفة الغربية هو ليس الجيش الرسمي، والحملة الشعبية التي تطالب الدولة، بصورة غير مسبوقة، بأنماط جديدة من الدفاع عن الجنود".