يصعب في معركة الانتخابات الحالية للكنيست رؤية فروق جوهرية بين الأحزاب الصهيونية، في كل ما يتعلق بالفلسطينيين والاحتلال والاستيطان. بل إن قائمة "المعسكر الصهيوني"، أي التحالف بين حزبي العمل و"هتنوعا" برئاسة تسيبي ليفني، يعمل جاهدا من أجل كسب أصوات ناخبين في اليمين. ويبدو واضحا في هذه المعركة ابتعاد الأحزاب التي تخوضها عن الحديث عن عملية سلام، ولكن العديد من مرشحي الأحزاب يزورون المستوطنات ويسعون إلى كسب أصوات المستوطنين ويعبرون عن تأييدهم للاستيطان.
حول هذا الموضوع أجرى "المشهد الإسرائيلي" مقابلة خاصة مع الباحث في المجتمع والسياسة والاقتصاد في إسرائيل والمحاضر في جامعة بن غوريون في بئر السبع، البروفسور ليف غرينبرغ.
(*) "المشهد الإسرائيلي": الادعاء في إسرائيل هو أنه توجد كتلة أحزاب يسار وكتلة أحزاب يمين، لكن لا نجد في غالب الأحيان فوارق جوهرية بينهما، خاصة في فترات الحروب وكذلك في المعارك الانتخابية، ومثال على ذلك أن قائمة "المعسكر الصهيوني"، التي يصفها اليمين بأنها يسارية، تحاول جذب ناخبين من اليمين. ما رأيك؟
غرينبرغ: "جميع هذه المصطلحات حول اليمين واليسار إشكالية جدا عندما تحاول فهم السياسة الإسرائيلية. وما نعرفه منذ سنوات السبعين والثمانين وحتى العام 1992، أنه نشأت كتلتان من الأحزاب حول الحزبين الأكبرين، إما العمل أو الليكود، وكانت تدور في فلكيهما أحزاب صغيرة. وهكذا حصل في انتخابات العام 1977 عندما حدث ’الانقلاب الكبير’ وفاز حزب الليكود والأحزاب التي تدور في فلكه بـ61 عضو كنيست، أي أكثر من 50% من أعضاء الكنيست، وبذلك سد الطريق أمام حزب العمل للوصول إلى الحكم. وتكرر الأمر نفسه في انتخابات العام 1992 عندما حصل حزب العمل، بزعامة إسحق رابين، سوية مع حزب ميرتس والجبهة والحزب العربي الديمقراطي على أغلبية بين أعضاء الكنيست وسدوا الطريق أمام حزب الليكود لتشكيل الحكومة. لكن هذا الوضع لم يعد قائما منذ ذلك الحين، لأن الكتلة اليسارية لا يمكنها أن تكون موجودة لوحدها من دون التعاون مع أحزاب مثل الجبهة أو أحزاب عربية أخرى. وعمليا، بدون التعاون مع الأحزاب التي تمثل العرب ليست هناك أية إمكانية لوجود كتلة يسارية. السبب هو أن اليمين يرفض بالمطلق إمكانية تشكيل حكومة حتى لو كانت مدعومة من أعضاء الكنيست العرب من خارج الائتلاف. وفي حينه دعمت الجبهة والحزب العربي الديمقراطي حكومة رابين من خارج الائتلاف، لكنهما كانتا جزءا من الكتلة. والآن، في الانتخابات الحالية للكنيست، فإنه إذا لم يتم الأخذ بالحسبان القوة المتوقعة للقائمة العربية المشتركة، فإنه من الواضح أنهم سيشكلون ائتلافا يمينيا، إذ يوجد احتمال في الانتخابات الحالية أن تتزايد قوة الأحزاب العربية، وبإمكان هذه الأحزاب التي توحدت ضمن القائمة المشتركة أن تصبح إحدى القوائم الكبرى في الكنيست".
(*) ترسخ لدى جميع الأحزاب الصهيونية تقريبا مفهوم يقول إنه لا يمكن الاعتماد على الأحزاب العربية لدى التصويت على انسحاب من أراض محتلة.
غرينبرغ: "بعض الأحزاب لا تقول ذلك صراحة، لكن جميعها تقول إن تصويتا كهذا يجب أن يعتمد على أغلبية يهودية. وهذا كان الادعاء ضد رابين، بأنه أبدى استعدادا بالتنازل عن مناطق بالاعتماد على أغلبية ليست يهودية. وينبغي أن يكون واضحا في هذا السياق، أن الأحزاب التي تؤيد أرض إسرائيل الكاملة لا تشكل أغلبية بين أعضاء الكنيست. فإذا أخذنا الأحزاب التي تؤيد أرض إسرائيل الكاملة، وهي ’البيت اليهودي’ والليكود و’يسرائيل بيتينو’ بقيادة أفيغدور ليبرمان، فإنها ممثلة اليوم بـ43 عضو كنيست. وفي جميع الأحوال لا يتعدى عددهم 40 إلى 45 عضو كنيست. لكن جميع الأحزاب الأخرى ليست قادرة على تشكيل ائتلاف يصنع السلام. وهذه هي المشكلة. أي أن الأحزاب التي تعرف بأنها يسار أو يسار وسط ليست قادرة على العمل سوية".
(*) لماذا؟
غرينبرغ: "لأن أكبر الصراعات الداخلية في السياسة الإسرائيلية، ليس بين اليسار واليمين، وإنما بين العلمانيين والحريديم. وإذا نظرت حتى إلى حكومة إيهود باراك، التي تشكلت في العام 1999، سترى أن حزب ميرتس انسحب من الحكومة، ليس على خلفية المفاوضات مع الفلسطينيين، وإنما بسبب وجود حزب شاس الحريدي في الحكومة. وهذا الصراع بين العلمانيين والحريديم، الذين تمثلهم اليوم أحزاب ’يش عتيد’ وميرتس من جهة وشاس و’يهدوت هتوراة’ من الجهة الأخرى، هو الصراع الأهم الدائر داخل المجتمع الإسرائيلي وتأثيره أكبر من المطالبة بإنهاء الاحتلال والانسحاب من المناطق المحتلة".
(*) هل هذا يعني أن الصراع العلماني – الحريدي محا كتلتي اليسار واليمين؟
غرينبرغ: "نعم. فأحزاب الوسط منقسمة على نفسها. وتوجد اليوم كتلة كبيرة جدا من الأحزاب التي تبدي استعدادا للانضمام إلى حكومة ليكود أو عمل. والمشكلة هي أن هذه الأحزاب مجتمعة ليست قادرة على السير معا لتشكيل حكومة لوحدها وبدون اليمين. وأتحدث هنا عن أحزاب ’يش عتيد’ وشاس و’يهدوت هتوراة’ والحزب الجديد برئاسة موشيه كحلون. وجميع هذه الأحزاب مستعدة للانضمام إلى حكومة يشكلها حزب العمل أو حزب الليكود. والسبب هو أن السجال بين العلمانيين والمتدينين لا يتعلق بالتعامل مع الآخر، غير اليهودي، وإنما هذا الصراع يدور داخل المجتمع الإسرائيلي ومن يسيطر عليه".
(*) وأنت كتبت في أحد المقالات أن اغتيال رابين قضى على كتلتي اليسار واليمين.
غرينبرغ: "نعم. لأن كتلة اليسار لا يمكن أن تكون موجودة بدون العرب. والادعاءات التي قيلت في حينه من أجل نزع الشرعية عن رابين أنه يخدم مصالح العرب أو ياسر عرفات. هذا كان ادعاء اليمين طوال الوقت. وكانوا ينشرون صور رابين مع الكوفية كأنه عرفات. والمشكلة هي أن حملة نزع الشرعية هذه حققت نجاحا. وبعد ذلك لم يعد أحد يجرؤ على أن يفعل ما فعله رابين في العام 1992، أي الاعتماد على تحالف اليسار والعرب".
(*) أنت تعلم طبعا أن الأحزاب العربية لا تفكر الآن، ولم تفكر في الماضي أيضا، بالانضمام إلى الائتلاف الحكومي.
غرينبرغ: "طبعا هذا أمر واضح. وأعتقد أن واجب الأحزاب العربية هو أن تعمل من أجل تحصيل حقوق الجمهور الذي ينتخبها. وفي هذه الفترة القصيرة، بين 1992 و1995، عندما كانت الأحزاب العربية جزءا من الكتلة، ومنحها رابين مكانا، جرت مفاوضات بين الحكومة والأحزاب العربية حول حقوق الفلسطينيين داخل دولة إسرائيل وجرى تحسين وضعهم ومنح أحزابهم مكانا داخل النقاش السياسي في إسرائيل. وقد شكلت الأحزاب العربية حينذاك ’شبكة أمان’ لحكومة رابين وحصلت على مقابل. وآمل أن تكرر ذلك الآن، لكنني أخشى من أن ’المعسكر الصهيوني’ لا يملك الجرأة لإقامة تحالف كالذي صنعه رابين في العام 1992. فقد حققت الأحزاب العربية في حينه إنجازات، أهمها مخصصات التأمين الوطني وكذلك تم رصد ميزانيات للتعليم وتحسين أوضاع تشغيل العرب وتوسيع مناطق نفوذ بلدات عربية، وهذه أمور هامة وليست هامشية. وثمة أهمية كبيرة لمجرد الحقيقة، في حينه، أن العرب شرعيون في المفاوضات الائتلافية. ومنذ ذلك الحين لم يدعهم أحد لمفاوضات ائتلافية على تشكيل الحكومة. وهذا يعني أنه يتم شطبهم لكونهم يمثلون الجمهور العربي. وبهذا الشكل لا يوجد احتمال، برأيي، لصنع سلام مع الفلسطينيين".
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, التأمين الوطني, باراك, الكتلة, الليكود, الكنيست, أفيغدور ليبرمان