المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
×

تحذير

Joomla\CMS\Cache\Storage\FileStorage::_deleteFolder فشل الحذف f16d94b1071f07182af95ac737a8584d-cache-com_content-98330423711c4659e46bf0dcafe6327d.php

  • كلمة في البداية
  • 1556
  • انطوان شلحت

- تطالعون في صفحة الملف الخاص لهذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" (ص 6) تغطية خاصة استثنائية لشكل تعامل الإعلام الإسرائيلي مع نبأ وفاة الرئيس السابق للمحكمة الإسرائيلية العليا مئير شمغار، الذي شفّ عن جانب مثير من جوانب تشييد الأساطير في ممارسة الكلام واللغة بالنسق الإسرائيلي المتبّع، وهو جانب تحويلها إلى سرديّة راسخة في الوعي الجمعي، تجاهر بأنها تمتلك الحقيقة بقوتها الخارقة بالرغم من أنها تجافي الواقع ولا تمت بأي صلة إليه.

والقصد هو أسطورة تسويق المحكمة الإسرائيلية العليا بصفتها حصناً لحماية الحقوق الفردية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات، عبر التجاهل مسبق البرمجة والأدلجة لدور هذه المحكمة حتى في ظل رئاسة شمغار، الذي يوصف بأنه أحد "القضاة العمالقة"، في شرعنة الاحتلال. وهو بالضبط ما أشارت إليه تعليقات توقفنا عند ما أوردته من وقائع مثيرة بهذا الشأن.

ومن المفارقات الملفتة أن كل نزعة الأسطرة هذه تزامنت مع صدور تقرير جديد لمنظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة يعرض كيفية تماشي المحكمة الإسرائيلية مع سياسة احتجاز جثامين الفلسطينيين لـ"غرض التفاوض" التي تمارسها إسرائيل، والذي شدّدت فيه على أن هذه المحكمة أكدت مرة أخرى عبر التماشي المذكور أنها ذراع للاحتلال الإسرائيلي لا أكثر (طالع عرضاً للتقرير ص 2).

ولا شك في أن مثل هذه التقارير المسنودة بالواقع والوقائع فيها ليس فقط ما يفنّد تلك الأسطورة، بل وأيضاً ما يكشف عن الشركاء الحقيقيين في مشروع الاحتلال الذي لا ينحصر تأجيجه في الساسة والأحزاب.

2- تطالعون في الصفحة الأخيرة من العدد ترجمة لأهم مقاطع دراسة نشرها الباحث الإسرائيلي دان تامير في جريدة "هآرتس" حول قصة أوائل اليهود الفاشست في فلسطين والذين تأثروا إلى حد بعيد بأفكار الفاشية في أوروبا إبان أعوام ما بين الحربين العالميتين وكانوا في معظمهم من "المعسكر التنقيحي" الذي يعتبر من ناحية تاريخية بمثابة الأب الروحي لليمين الإسرائيلي الحالي. ويحاجج الباحث بأن نشوء مزيج من أزمة دستورية حرجة، وتهديد قومي استثنائي، ووضع اقتصادي صعب، وظهور زعيم صاحب كريزما وعديم الكوابح، قد يخلق فاشية جديدة في إسرائيل. ولكنه في الوقت عينه يؤكد: "لم نصل إلى هناك بعد، غير أنه من الممكن أن نكون في الطريق المؤدية إليه".
وقبل هذه الدراسة قال باحثون آخرون إن إسرائيل تسير نحو الفاشية بوتائر سريعة منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى سدّة الحكم العام 2009. والأدوات الظاهرة للعيان، المستخدمة في ترسيخ التمييز والعنصرية ومعاداة الليبرالية، تتمثل في مجموعة ما يُسمى "قوانين قومية" وآخرها القانون الذي يعرّف إسرائيل بأنها دولة قومية للشعب اليهودي وقبله "قانون المواطنة" على سبيل المثال وليس الحصر، وتشكيل حركة فوقية لليمين الإسرائيلية هي حركة "إم ترتسو" (إذا أردتم)، وإقامة "مؤسسات قومية" جديدة مثل "معهد الإستراتيجيا الصهيونية" الذي يضم زعماء المستوطنين وكبار الوزراء الإسرائيليين. وهناك أيضاً ما يحدث في وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي يشترك الكثيرون من صحافييها في الحملة اليمينية ضد العرب والليبراليين اليهود، مثلما حدث قبل عدة أعوام لدى ملاحقة المسؤولين عن "الصندوق الجديد لإسرائيل" الذي يموّل جمعيات ومؤسسات مجتمع مدني.

في الوقت ذاته هناك أدوات ليست ظاهرة للعيان، وتجري بلورتها على ما يبدو في الخفاء، وهي أدوات أمنية.

ولتوضيح جوهر هذه المسألة لا بُدّ من أن نستعيد جانباً من الجدل الذي جرى ويجري بين أكاديميين إسرائيليين منذ العام 2010 حول طبيعة النظام الناشئ في إسرائيل، في ضوء الهجمة المُمأسسة على المواطنين العرب، ومشاريع القوانين العنصرية التي تتغطى بـ"المصلحة القومية".

ومن بين هؤلاء الأكاديميين عضو الكنيست السابقة وعميدة "مدرسة الحكم والمجتمع" في الكلية الأكاديمية تل أبيب- يافا، البروفسور نعومي حزان، التي أكدت في 2010 أن الإمكان القول بكل تأكيد إنه توجد في إسرائيل توجهات فاشية مقلقة، والتعبير المركزي عنها يتمثل أكثر شيء بعدم وجود جدل عام مفتوح وإنما عكس ذلك، إذ إن هناك قوى تعمل طول الوقت على تقليصه، وتدفع نحو الحديث عمن هو وطني أكثر ومن هو وطني أقل. وينعدم أي جدل حول المضامين والأفكار وإنما فقط حول الولاء والإخلاص لإسرائيل.

وأضافت أن الدولة تمر بتغيير جوهري، ولا أحد ينتبه إلى ذلك. فحملة انتخابية يكون شعارها "لا مواطنة من دون ولاء" (حملة حزب أفيغدور ليبرمان إسرائيل بيتنا" خلال انتخابات 2009) هي حملة عنصرية، وعندما تمر حملة كهذه بهدوء نصل بسهولة إلى سن قوانين عنصرية... وعندما تتدهور الأمور لن يتمكن أحد من وقفها.

وقالت أيضاً: "في البداية تمت مهاجمة العرب، ولأنني لست عربية سكتّ. بعد ذلك هاجموا ناشطي حقوق الإنسان، ولأنني لست كذلك سكت!. وبعد ذلك هاجموا الأكاديميين... وهكذا دواليك. في نهاية المطاف ستصل التهجمات إلينا جميعاً، لكن الوقت سيكون متأخراً، ولن يتمكن أحد من النهوض والتحدث ورفع صوته من أجلنا. وهذه هي الفاشية بالضبط".

ورأى البروفسور روبرت باكستون، وهو من كبار الباحثين في موضوع الفاشية، أن هناك تصاعداً كبيراً للنزعات اليمينية والقومية المتطرفة في إسرائيل، ويجري تسويغها بأنها في إطار "ردات الفعل الإسرائيلية على الانتفاضتين الفلسطينيتين". وأضاف أن التوجّه الإسرائيلي المرتبط باحترام حقوق الإنسان آخذ في الاندثـار. وبرأيه يعود ذلك إلى سببين: الأول، التشدد في المواقف في مقابل الفلسطينيين؛ الثاني، انتقال مركز الثقل بين السكان من اليهود الأوروبيين الذين كانوا حاملي راية تراث ديمقراطي إلى اليهود من شمال أفريقيا وأماكن أخرى في الشرق الأدنى الذين لا يبالون بهذا التراث. وهو يعتقد أن نموذج الفاشية الذي من المحتمل أن ينشأ في إسرائيل هو الفاشية الدينية إذ إن الفاشية الكلاسيكية تنفر من الدين وتتطلع إلى أخذ مكانه كمركز قوة وحيد.

ويبقى المؤرخ البروفسور زئيف شتيرنهيل الأكثر وضوحاً حيث أنه يشدّد على أن اليمين المتطرف في إسرائيل موجود في الطريق إلى الفاشية.

بالإضافة إلى ذلك تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن المجتمع اليهودي في إسرائيل ضد السلام والديمقراطية والتنوّر عموماً، وأكثر ميلاً نحو التطرف القومي، وتبني المواقف العنصرية، وتأييد التمييز بين اليهود والعرب، ومحاربة حرية التعبير، وملاحقة ليس كل من يحمل فكراً فحسب وإنما أيضاً مجرد رأي تُشتم منه رائحة ليبرالية.

وحتى لو لم يتسق ما تقوم به إسرائيل مع "معايير الفاشية" فإن ما تفعله لا يقل وحشية عما فعلته الأنظمة الفاشية.

 

 

 

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات