يصدر هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" في ظل أزمة حادّة عصفت بحكومة بنيامين نتنياهو الرابعة على خلفية إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان يوم الأربعاء الفائت استقالته من منصبه وانسحاب حزبه "إسرائيل بيتنا" من الائتلاف الحكومي. فقد ترك انسحاب هذا الحزب الائتلاف الحكومي مع أغلبية ضئيلة، 61 مقعداً في مقابل 59 مقعداً للمعارضة، وهو ما عزز احتمال إجراء انتخابات مبكرة قبل موعدها الرسمي في تشرين الثاني 2019. لكن سرعان ما تبين أن هذا الاحتمال أرجئ إلى أجل غير مسمى.
ومنذ أن اندلعت الأزمة لوحظ أن اللازمة التي تبناها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والضاربون بسيفه فحواها أنه لا يجوز إسقاط حكومة يمينية في هذه الفترة التي جرى وصفها بأنها "حساسة للغاية" من الناحية الأمنية.
ومما قاله نتنياهو، في سياق مؤتمر صحافي خاص عقده بعد اجتماع مع وزير المالية الإسرائيلي موشيه كحلون، رئيس حزب "كلنا" الشريك في الائتلاف الحكومي، مساء أول أمس الأحد، وبعد أن نما إلى علمه أن حزب "البيت اليهودي" بنوي الاستقالة من الحكومة احتجاجاً على عدم تلبية شرطه بتسليمه حقيبة الدفاع بعد استقالة ليبرمان: "نحن في فترة حساسة للغاية ومُركبة جداً أمنياً، ونحن في خضم معركة، وفي هذه الحالات ممنوع إسقاط الحكومة، وخصوصاً حكومة يمينية، وإسقاطها في مثل هذه الفترة هو انعدام للمسؤولية".
وأضاف نتنياهو أنه ما زالت أمام الحكومة سنة كاملة لاستكمال ولايتها حتى تشرين الثاني 2019، وفي مثل هذه الظروف لا يجوز اللعب بالسياسة، وأمن الدولة يتجاوز الاعتبارات السياسية والمصالح الشخصية. وأكد أنه من غير الضروري وغير الصحيح الذهاب إلى الانتخابات، وأشار إلى أن الجميع يتذكرون جيداً ما حدث عندما قامت عناصر داخل الائتلافات اليمينية بإزاحة حكومتي الليكود مرتين في العام 1992 والعام 1999 وجاء حزب العمل إلى السلطة، وفي المرّة الأولى جلب علينا كارثة اتفاقيات أوسلو.
ما يمكننا قوله هو أن استجابة "البيت اليهودي" لتحذير نتنياهو وإعلان رئيسه وزير التربية والتعليم نفتالي بينيت أنه لن ينسحب من الائتلاف الحكومي في الوقت الراهن برغم الخلافات الحادة، وأنه سيمنح نتنياهو الوقت الكافي لتصحيح مسار الأمور في سلسلة قضايا، يشفّان عن القناعة بأنه ما زال لدى حكومة نتنياهو ما تفعله. ووفقاً لما قاله بينيت: "إذا كان رئيس الحكومة جاداً في نياته، وأنا أريد أن أصدق ما قاله، فأنا أقول له إننا نسحب حالياً كل مطالبنا السياسية وسنساعدك في المهمة الضخمة لجعل إسرائيل تكسب مُجدّداً".
لا شكّ في أن مقولة ما زال لدى حكومة نتنياهو ما تفعله تعني الساحتين الخارجية والداخلية على حدّ سواء، وإذا كان جوهر الجدل بخصوص الساحة الخارجية متعلقاً أساساً بما ينبغي فعله حيال قطاع غزة، والذي تفاقم إلى حدّ تفجير هذه الأزمة الأخيرة، فإنه بخصوص الساحة الداخلية ثمة إجماع داخل كل مركبات الائتلاف الحكومي الحالي على اتخاذ كل ما من شأنه إسكات أو إقصاء أي صوت معارض لسياسات اليمين.
ولعلّ من أفدح المظاهر الأخيرة لهذا الإسكات، وليس آخرها، هو "قانون الولاء في الثقافة" الذي صودق عليه بالقراءة الأولى مؤخراً.
في كل مرة تندلع أزمة حكومية فيها ما يؤشر إلى احتمال التوجّه نحو انتخابات مبكرة تتجّه الأنظار إلى استطلاعات الرأي العام التي تتنبأ بمشهد اصطفاف الأحزاب في الكنيست المقبل، ووفقاً لآخر هذه الاستطلاعات ما يزال حزب الليكود بزعامة نتنياهو يحظى بمكانة الحزب الأكبر المرشح لتشكيل الحكومة المقبلة، وما يزال معسكر اليمين- الحريديم الذي يدعم نتنياهو يشكل أغلبية مقاعد الكنيست.
وربما هذه هي أفضل مناسبة لنكرّر أنه بمدى ما إن هذه الاستطلاعات تعكس ترسّخ مفاهيم اليمين في أوساط الرأي العام الإسرائيلي بمدى ما إنها تثبت أن نتنياهو مستفيد أيضاً من واقع غياب معارضة سياسية جوهرية له، قادرة على إقصائه عن منصبه، لا بل إن المعارضة القائمة تبدو منساقة وراء الخط الذي يفرضه نتنياهو منذ عدة أعوام، ولا سيما حيال المسألة الفلسطينية والقضية الإيرانية.
المصطلحات المستخدمة:
الليكود, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, نفتالي بينيت, أفيغدور ليبرمان