المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 3117
  • انطوان شلحت

يصدر هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" غداة بدء أعمال الدورة الشتوية للكنيست الإسرائيلي واستئناف الجهود المحمومة التي يبذلها رئيس الليكود والحكومة بنيامين نتنياهو لتبكير موعد الانتخابات العامة، ضمن مسعاه الذي لا يكلّ للهروب إلى الأمام من ملفات التحقيق معه بشبهات فساد، وللاستئثار بشعبية جارفة في هذه الانتخابات، في حال إجرائها، من شأنها أن تشكل عنصراً رادعاً لـ"سلطات تطبيق القانون" و"حراس التخوم".

وكان من الطبيعي، بالتزامن مع بدء هذه الدورة الجديدة من الكنيست، أن يتم التركيز على الدور العموميّ للبرلمان الإسرائيلي في كل ما يتعلق بالحفاظ على القيم الديمقراطية. وفي إطار هذا التركيز صدر، الأسبوع الفائت، عن "جمعية حقوق المواطن" تقرير جديد بعنوان "تقلّص الحيز الديمقراطي في إسرائيل ـ الكنيست الـ 20: صورة الوضع"، امتد على 30 صفحة تضمنت استعراضاً لجميع التشريعات والمبادرات التشريعية المعادية للديمقراطية خلال دورة الكنيست الحالي، الـ 20، منذ بدايتها في ربيع 2015، وحتى موعد إعداد التقرير. وهو يشكل بحقّ وثيقة تفصيلية لنتائج ما قامت به هذه الجمعية من رصد ومتابعة في مجال التشريعات والمبادرات الأخرى التي تقلص الحيّز الديمقراطي في إسرائيل وتحاصره.

ويؤكد التقرير، من ضمن أمور أخرى، أن الحقيقة المثيرة للقلق بشكل خاص هي أن إحدى الحلبات المركزية التي تُستخدم لدوس الديمقراطية وقيَمها، وللمس بقواعد اللعبة الديمقراطية هي الكنيست نفسه ـ قلب النظام الديمقراطي، الذي يُفترض فيه أن يشكل رمزاً للديمقراطية الإسرائيلية، وللدفاع عنها وحمايتها!.

ويقول التقرير بصريح العبارة إن الغاية المُتوخاة من وراء ذلك الدوس هي ترسيخ استبداد الأكثرية. وفي قراءة التقرير يصبح هذا الأمر أكثر خطورة في عصر "السياسة الجديدة" الراهنة، حيث تتآكل قواعد اللعبة، الشكلية وغير الشكلية، على نحو يبدو فيه أنه لم يعد ثمة مجال بعد، ولا احترام ولا استعداد، للإصغاء وللبحث مع من لا يتبنى موقف الأكثرية ويتماثل معها.

وثمة في العرض المُقدّم للتقرير ما يوضّح كيفية تجسيد المساس بالديمقراطية عن طريق تشكيلة واسعة من الممارسات المرتبطة ببعضها البعض، بما في ذلك محاولة مس مكانة وصلاحيات وعمل المؤسسات التي تشكل الهيكلية الديمقراطية ومنظومة التوازنات والكوابح الحيوية جداً في النظام الديمقراطي، وتضمن سيادة القانون، والإدارة السليمة، وحماية حقوق الإنسان والأقليات، كما تضمن انعدام الفساد واستبداد الأغلبية، على غرار المحكمة العليا، رئيس الدولة، المستشار القانوني للحكومة والنيابة العامة للدولة، الشرطة، مراقب الدولة، وسائل الإعلام؛ ومحاولات مس النشاط الشرعي والحيوي الذي تقوم به منظمات حقوق الإنسان والتغيير المجتمعي ومحاولات نزع الشرعية عن هذه المنظمات وعن نشاطاتها، ومس الحريات الأكاديمية والمؤسسات الأكاديمية والحياة الثقافية ـ الفنية الحُرّة وغيرها.

وما من شك في أن قائمة مشاريع القوانين المطروحة في جدول أعمال الكنيست خلال دورته الجديدة تثبت أن سيرورة تقليص الحيّز الديمقراطي سائرة في اتجاه التصعيد. وعند هذا الحدّ يجدر الإعراب عن الموافقة على تقويم كاتب التقرير بأن مُجرّد طرح مشاريع قوانين كهذه، أو مجرد محاولة الدفع قدماً بها، حتى وإن لم يتم إنجازها نهائياً، يُحدث، فعلياً، "تأثيراً مبطناً" وواسعاً في المجتمع الإسرائيلي بأسره، ويتسبب بأضرار فادحة للجهات التي يمسها الأمر وللديمقراطية عموماً.

قد يقول قائل إن صراخ "جمعية حقوق المواطن" بهذا الشأن هو على قدر وجعها، نظراً إلى وقوعها تحت وطأة الهجوم الذي تشنّه الحكومة الإسرائيلية الحالية على منظمات حقوق الإنسان. غير أن التحذير من تداعيات مثل الإجراءات التي أشار إليها تقرير هذه الجمعية لم يعد مقتصراً عليها أو على غيرها من منظمات المجتمع المدني التي تتبنى أجندة ليبرالية ولا سيما في مجال حقوق الإنسان، بل يشمل معاهد أكاديمية ومراكز أبحاث متعددة، لعلّ آخرها "مركز هرتسليا بين المجاليّ"، الذي أصدر في نهاية أيلول الفائت وثيقة الرؤى والتصورات الناتجة عن مؤتمره الأخير حول "ميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي" الذي عقده في أيار 2018.

وفضلاً عن أبرز التحديات الخارجية، السياسية والأمنية، تناولت هذه الوثيقة العديد من القضايا الإسرائيلية الداخلية حيث أشارت، على نحو خاص، إلى تنامي اتجاهين خطرين يشكلان تهديداً لـ"مناعة الديمقراطية الإسرائيلية" هما: الأول، الاتجاه الساعي إلى تقويض مكانة المحكمة العليا كمحكمة دستورية تحافظ على نظام الضوابط والكوابح والتوازنات الديمقراطية. والثاني، الفساد الحكومي العميق وواسع الانتشار. وحذرّت من أن هناك خطراً متزايداً بأن تصبح أعمال الفساد التي لا تنجم عنها إدانة جنائية مشروعة.

وعلى ما يبدو فإن هذا الفساد أصبح يطاول الجهاز القضائي الإسرائيلي أيضاً، كما أظهرت قضية التحقيق مع رئيس نقابة المحامين.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات