قال تقرير نشره موقع "إزرائيل ديفينس" الإلكتروني المتخصّص في الشؤون الأمنية، يوم 6 تشرين الأول الحالي، إن النتائج المهولة للهجوم الذي شنته روسيا بواسطة طائرات مُسيّرة من دون طيّار إيرانية على بلدة بيلا تسيركفا في أوكرانيا ينبغي أن تقضّ مضاجع إسرائيل.
جاء هذا التقرير بعد أن بثت وكالات الأنباء العالمية نبأً يفيد أن عشرات رجال الإطفاء في أوكرانيا هرعوا، يوم 5 تشرين الأول 2022، لإخماد حرائق في البلدة المذكورة التي تقع على بعد 75 كيلومتراً جنوبي العاصمة كييف، في إثر ضربات متعدّدة نفذتها، بحسب مسؤولين محليين، طائرات مسيّرة إيرانية الصنع، تُعرف غالباً باسم "الطائرات المسيّرة الانتحارية (كاميكازي)". وقال حاكم منطقة كييف إن ست طائرات مسيّرة ضربت أحد المباني خلال الليل في بيلا تسيركفا. وسبق أن بلغت أوكرانيا عن سلسلة من الهجمات الروسية بطائرات مسيّرة إيرانية الصنع من طراز "شاهد-136" خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، لكن الضربات على تلك البلدة كانت الأقرب إلى كييف.
وتنفي إيران تزويد روسيا بطائرات مسيّرة، بينما يحجم الكرملين عن التعليق على هذا الموضوع. ويبدو أن القوات الأوكرانية تشعر بالتهديد بسبب هذه الطائرات، التي تقول كييف إن موسكو بدأت في استخدامها في ساحة المعركة في شهر أيلول الماضي. وأوضح الناطق بلسان القوات الجوية الأوكرانية أن الطائرات المسيّرة انطلقت من مناطق محتلة في جنوب أوكرانيا، وأن ست مسيّرات أخرى أُسقطت قبل أن تصل إلى أهدافها. وأضاف: "هذا تهديد جديد لجميع قوات الدفاع الأوكرانية، ونحتاج إلى استخدام جميع الوسائل المتاحة لمحاولة مواجهته"، ووصف حجم الطائرة المسيّرة بأنه مثل حجم قذيفة مدفعية.
وفي خلفية ذلك كلّه أشير كذلك إلى صفقة جرى توقيعها بين إيران وروسيا مؤخراً تسمح بتزويد هذه الأخيرة بمئات المسيّرات الإيرانية التي قيل إنها ستتيح لها زيادة مخزونها من المسيّرات، بعد أن تضرّر كثيراً خلال الحرب مع أوكرانيا.
ووفقاً للموقع الإسرائيلي المذكور، فإنه مباشرة بعد الهجوم الذي شنته إيران والحوثيون ضد السعودية في أيلول 2019، بدأوا في إسرائيل يطرحون أسئلة بشأن المخاطر التي تشكلها الطائرات المسيّرة الإيرانية بالنسبة إلى إسرائيل. ومنذ ذلك الوقت كانت هناك عدة محاولات لشنّ هجمات في الأراضي الإسرائيلية من خلال طائرات مسيّرة إيرانية، جاء قسم منها من الشرق، وجاء قسم آخر من الشمال. كما أن موضوع المسيّرات أصبح يعود إلى العناوين مرة تلو الأخرى.
ففي مطلع شهر تموز الماضي، أطلق حزب الله ثلاث مسيّرات لم تكن محتوية على متفجرّات في اتجاه منصة الغاز الإسرائيلية "كاريش"، شرقي البحر الأبيض المتوسط. وبحسب ما أعلن في حينه، فقد رصدتها أنظمة الكشف الجوي الدفاعي التابعة للجيش قبل وصولها، وأسقطتها منظومة "باراك 1" المنصوبة على سفن سلاح البحر، وطائرات "إف 16" التابعة لسلاح الجو. واعترف حزب الله بإطلاق المسيّرات، وأكد أن المهمة التي أطلقت من أجلها أُنجزت.
بموازاة ذلك نُشرت أخبار حول مشروع تطوير مسيّرات من طرف كتائب عز الدين القسّام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، التي كشفت عن مسيّرات طوّرها ناشط في الحركة تم اغتياله خلال حملة "حارس الأسوار" العسكرية ضد قطاع غزة (2021).
كما انتشرت فيما بعد أخبار تفيد بوقوع هجوم على قاعدة "التنف" الأميركية في سورية، يوم 15 آب الماضي، باستخدام مسيّرات شغلتها ميليشيات مدعومة من إيران. وبحسب التقديرات، جاء الهجوم رداً على هجوم نُفِّذ في الأسبوع نفسه ونُسب إلى إسرائيل.
ووفقاً لدراسة نشرها "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب في شهر آب الماضي، فعلى الرغم من أنه يتم التعامل مع الحدث في تموز على أنه ردّ ناجح للجيش، من المبكر القفز إلى الاستنتاجات بشأن قدرة إسرائيل على مواجهة هذا الخطر المتزايد الذي يشكله وجود هذه المسيّرات في متناول دول و"منظمات عدائية". وتجزم الدراسة بأن هذا التهديد يتحوّل، في الأعوام الأخيرة، من ظاهرة هامشية إلى إحدى الأدوات الأكثر أهمية في أيدي "حماس" وحزب الله وميليشيات أُخرى مدعومة من إيران، والتي تساعدهم على إزعاج إسرائيل وحلفائها. وهذا بالإضافة إلى التهديد الدراماتيكي من جانب إيران ذاتها، التي تبدو كـ"قوة دولية عظمى صاعدة في هذا المجال"، على حدّ ما تنوّه الدراسة.
كما تؤكد دراسة "معهد أبحاث الأمن القومي" أن مشروع المسيّرات الإيراني هو التهديد المحتمل الأخطر على إسرائيل، وأن إيران تظهر في الأعوام الأخيرة شجاعة كبيرة إزاء كل ما يخص الهجوم عبر مسيّرات على أهداف في الشرق الأوسط. وإلى جانب ذلك فإنها تساعد أذرعها في الساحات المتعددة، وتمرّر لهم المعرفة بهدف تطوير الأدوات الخاصة بهم. ويُنسب إلى هذه التنظيمات العديد من الهجمات في الشرق الأوسط، بينها هجمات على قواعد أميركية في سورية والعراق، الأكثر شهرة بينها حدثت في تشرين الأول 2021 وأدت إلى وقوع أضرار في المباني، ومحاولة اغتيال رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي في شهر تشرين الثاني، وقبل ذلك الهجمات على سفن بملكية إسرائيلية، أو يشغلها إسرائيليون، والأبرز كانت الهجمة على سفينة "مارسر ستريت" في تموز 2021، والتي أدت إلى مقتل اثنين من طاقم السفينة. كما أن الهجوم الذي استهدف قاعدة التنف في سورية يشكل استمرارية لهذه السياسة المُوجهة إيرانياً.
وتخلص الدراسة من جهة إلى أن هذه الأحداث التي جاءت واشية بتركيز الجهود في مجال المسيّرات من جانب لاعبين غير دولانيين، تتعاظم قدراتهم بدعم من إيران، إنما تشير إلى زيادة حدّة الخطر الجوي على إسرائيل. وتعيد إلى الأذهان أن استخدام البعد الجوي، عبر أدوات متعددة وخاصة، كان في الماضي حكراً على الدول التي تمتلك قوة وجيوشاً وأذرعاً جوية ممأسسة. ومن جهة أخرى تخلص إلى أن خطر الطائرات من دون طيار، والتي يتم التحكم فيها عن بُعد، أو لديها قدرة على القيادة الذاتية، ينضم إلى خطر الصواريخ والقذائف الذي لا يزال هو الأهم، ومن شأنه الاندماج فيه. وتشير في الوقت ذاته إلى أنه في الأعوام الأخيرة يزداد البحث في البلاد والعالم حول المخاطر المتعددة النابعة من استخدام المسيّرات بأنواعها المختلفة كأسلحة جدية ورخيصة ومتوفرة على الصعيدين الاستخباراتي والهجومي، إلى جانب الصواريخ المنحنية المسار، ومن هنا تنبع الحاجة إلى صوغ رد ناجع على هذه التهديدات، بعد أعوام من التركيز على الصواريخ المنحنية المسار ولا سيما مع زيادة الصواريخ الدقيقة في الآونة الأخيرة.
وبموجب ما يتداوله محللو الشؤون الأمنية، على إسرائيل أن تفترض في الوقت الحالي أن مكوّن المسيّرات وخصوصاً تلك الهجومية سوف يُستخدم إلى جانب الصواريخ المنحنية المسار، ويصفون ذلك بأنه "تهديد مزدوج" يحتاج إلى إجابات تكنولوجية وعملانية تم تطويرها للردّ على الخطر المعروف للصواريخ ولكن يجب أن تكون هناك أدوات ردّ خاصة، بالأساس كهذه التي تتطرق إلى سيناريو إطلاق أسراب من المسيّرات سيتم تفعيلها في الوقت نفسه، أو بشكل منفرد عن القصف الصاروخي.
كما ينوّه معظم هؤلاء المحللين بأن هناك تحدّياً إضافياً، هو الحجم الكبير المتوقع للتهديدات الجوية المتعددة، والذي سيسمح بتنفيذ هجوم بأدوات مختلفة ضد أهداف حيوية، وقواعد عسكرية وأمنية، وكذلك ضد تجمعات سكنية مدنية. وهذا يستلزم بناء قدرات متطوّرة للدفاع الكثيف في مقابل احتمالات هجوم واسع، وبصورة خاصة خلال مواجهة شاملة ومستمرة. وفي الوقت نفسه، يجب على أجهزة الأمن التطرق إلى أسئلة معقدة مثل تحديد أولويات مناطق دفاعية، ورفع المخزون الدفاعي للردّ على التهديد المتزايد، سواء على صعيد عدد الجنود أو على صعيد أنظمة الدفاع المطلوبة.
أخيراً يذكّر معظم محللي الشؤون الأمنية وكذلك دراسة "معهد أبحاث الأمن القومي" أنه "لا يوجد ردّ كاف من شأنه أن يؤمّن دفاعاً كاملاً"، لذا يجب تحسين الحلول والدفاعات المطلوبة في الجبهة الإسرائيلية الداخلية غير الكافية حالياً في كثير من البلدات. وفي ضوء ذلك فإن الجهوزية في المستقبل يجب أن تتضمن عدّة أبعاد مدنية، وفي مقدمها ما يتعلق بالملاجئ، وبخطط إخلاء السكان.. وما إلى ذلك.