تسود حالة من الترقب والتوتر الشديدين في أوساط حركة "ميرتس" الإسرائيلية خاصة، وفي أوساط "اليسار الإسرائيلي" عامة، مع اقتراب موعد المؤتمر الخاص الذي ستعقده الحركة في نهاية شهر كانون الأول الجاري، بما سيُطرح خلاله من قضايا تخص تنظيم الحركة ونهجها الفكري والسياسي وبما ستتمخض عن ذلك من نتائج، يرى كثيرون أنها "قد تعلن وفاة حركة ميرتس وزوالها عن الخارطة السياسية ـ الحزبية في إسرائيل".
تشهد إسرائيل منذ أكثر من عقد ونصف العقد تصاعدا مستمرا في قوة التيار اليميني والاستيطاني الديني، وينعكس هذا التصاعد سياسيا في مساعي هذا التيار من أجل التحكم والهيمنة في وجهة إسرائيل المستقبلية من خلال حسم موضوعين أساسين: الأول هو حسم الصراع مع الفلسطينيين ومستقبل الأراضي المحتلة عام 1967، والثاني حسم هوية الدولة وطابعها كدولة "قومية يهودية".
أصدرت جمعية حقوق المواطن في إسرائيل تقريرها السنوي حول حقوق الإنسان- واقع الحال في عام 2017، جاء في مقدمته: يخيّل للمرء أنّنا في إسرائيل 2017 قد عُدنا في الزّمن إلى الوراء في كلّ ما يتعلّق بحقوق الإنسان. فالقيم التي ظننّا أنّها أصبحت بمرور السنين مفهومة ضمناً، كالحقّ في المساواة وحرّية التعبير، تبيّن أنّها ما زالت تحتاج إلى حماية. وحتّى الخصائص الأساسية للديمقراطية يتهدّدها الخطر، كسلطة القانون، فصل السلطات، صَوْن حقوق الإنسان وحماية حقوق الأقلّية من دكتاتورية الأغلبية.
وأضافت: المنحى أو الاتّجاه المقلق، الذي حذّرنا منه مراراً وتكراراً في السنوات الأخيرة، ونقصد: تآكل الحيّز الديمقراطي في إسرائيل، هبط في هذه السنة إلى درَك جديد. تجلّى هذا المنحى في الأبعاد التالية - إسكات الآراء والنقد العموميّ، المسّ بالتعدّدية وبشرعيّة وجود تشكيلة من المواقف والأفكار والآراء المختلفة؛ نزع الشرعية عن الخصوم السياسيّين، الصحافيّين، الأقلّيات ومنظمات حقوق الإنسان، ووصمهم كـ"خوَنة"؛ المسّ بحرّية التنظيم والتضييق على أصحاب المواقف والنشاطات غير المقبولة على الأغلبية السياسية. غير أنّه أضيف بُعد جديد، إذ تميّزت السنة الماضية بمساعٍ مقلقة لإنهاك قوى وصلاحيّات ونشاط المؤسّسات التي تعدّ "حرَس الديمقراطية" وتشكّل منظومة التوازنات والكوابح الضرورية للديمقراطية، وتضمن سلطة القانون، الإدارة السليمة، حماية حقوق الإنسان وانعدام الفساد. ومن المؤسّسات المستهدفة، المحاكم، المستشار القانوني للحكومة، الشرطة وغيرها.
ولقد مرّت نحو ثلاثة عقود على إلغاء الرقابة على المسرحيّات، لكنّنا شهدنا تراجعاً مقلقاً إلى الأيّام التي كانت السلطة تستطيع فرض رقابة على الإنتاج الثقافي وإسكات فنّانين لأسباب سياسيّة. إلى يومنا، لا تزال محكمة العدل العليا مضطرّة للتدخّل وحماية الحقّ الأساسيّ في التظاهر والاحتجاج، إزاء مطالب باطلة ومخالفة للقانون تضعها الشرطة أمام متظاهرات ومتظاهرين. ويثير القلق أيضاً انعكاس منحى المسّ بحرّية التعبير في التشريعات الخاصّة بالإنترنت، إذ تريد منح الدولة صلاحيات حجب مواقع أو إزالة موادّ ذات مضامين معيّنة عن الشبكة.
وقال التقرير إن تعامُل السلطة مع الأقلّية العربية تميّز في هذه السنة بتصريحات تحريضيّة وطرح مشاريع قوانين تمييزيّة وعنصريّة. أمّا طالبو اللّجوء فقد واصلت الحكومة مراكمة الصعوبات أمامهم بطرق مختلفة وصلت حدّ المعاملة القاسية، بهدف إرغامهم على مغادرة البلاد. واتّجاهات العزل والإقصاء هدّدت مكانة النساء في إسرائيل وحقّهن في المساواة والكرامة، وسعت لدحرهنّ إلى هوامش الحيّز العامّ. وكجزء من تقليص الحيّز الديمقراطي طرأ تآكل على الحرّية الدينية والتحرّر من الدين والتعدّدية اليهودية.
وتابع: فوق هذا كلّه يربض ظلّ الاحتلال. في هذه السنة، سنة اليوبيل للاحتلال، أخذ يتعمّق اقتران الاحتلال بعمليّة الضمّ، استناداً إلى منظور يرفض بالمطلق المساواة وحقوق الإنسان والديمقراطية. من طاولة الحكومة لا يرَون، وبالتالي لا يناقشون هناك الآثار السياسية والأخلاقية الخطيرة لمشروع المستوطنات، ولا الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان التي للفلسطينيين القابعين منذ خمسين سنة تحت حُكم عسكريّ إسرائيلي. قيادات الدولة، ليس فقط لا يهمّها وجود جهازين قضائيّين (ومنظومتَي قوانين) في الأراضي المحتلة، واحد للفلسطينيين والثاني للإسرائيليين، بل هي معنيّة بتعميق وجودهما. هذا التوجّه أدّى في السنة الماضية إلى فيض من مشاريع القوانين التي تقترح الضمّ المباشر أو غير المباشر، بلغ ذروته (الحاليّة) بسنّ "قانون التسوية"، برغم اعتراض المستشار القانوني للحكومة.
وأشار التقرير إلى أن المسّ بالديمقراطية، وخصوصاً عبر مبادرات وتصريحات الحكومة والائتلاف الحكومي، انعكس في مستويات عدّة، كلٌّ منها منفرداً، وبالأساس كلّها مجتمعة، تندرج ضمن أداء مؤسّساتي منظّم، يقضم أسس الديمقراطية إلى حدّ التهديد بتهاويها. أكثر ما يثير القلق حقيقة أنّ إحدى الحلبات المركزيّة لدوس الديمقراطية وقيمها والمسّ بقواعد اللعبة الديمقراطية هي البرلمان نفسه، الذي يُفترض أنّه رمز الديمقراطية الإسرائيلية ومعقل حمايتها. فأقوال وأفعال مسؤولات ومسؤولين كبار في الجهاز السياسي في إسرائيل، وخاصّة أولئك القادمين من الكنيست، لها آثار بعيدة المدى على الجمهور الإسرائيلي - تشكيل مواقفه ونظرته إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان وجماعات الأقلّية السياسية أو الاجتماعية أو الإثنية وغير ذلك.
وعرض التقرير جزءاً من المبادرات ومشاريع القوانين التي طُرحت في السنة الماضية وتهدّد الحيّز الديمقراطي في إسرائيل، كأمثلة فقط على منحًى آخذ في التفاقم، وذلك على النحو التالي:
المسّ بـ"حرَس" الديمقراطية: قام أعضاء في الحكومة، في السنة الماضية، بخطوات كثيرة تعكس تصوّراً يرى أنّ دور العاملين في خدمة الجمهور - المستشارون القانونيون، القضاة وحتى مراقب الدولة - تمرير سياسات الحكومة، وليس مراقبتها أو ضبط نشاطها. اشتملت تلك الخطوات، فيما اشتملت عليه: مبادرة الائتلاف الحكومي إلى تقليص صلاحيات مراقب الدولة؛ تجاهل توصيات المستشار القانوني للحكومة ومحاولة تقييد صلاحياته؛ خطوات حثيثة نحو مزيد من التعيينات السياسية في الوظائف العامة والشركات الحكومية والجهاز القضائيّ؛ محاولات للتدخّل في عمل لجان التعيين. وجميع هذه الخطوات تلازمت مع قيام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وأعضاء الحكومة والائتلاف الحكومي بحملة لنزع الشرعية عن "حرَس" الديمقراطية وشنّ هجوم غير مسبوق عليهم، عندما انتقدوا سياسة الحكومة أو عملوا خلافاً لما ترتئيه أو حين قاموا بتحقيقات، بمقتضى وظيفتهم.
محاولات المسّ بالجهاز القضائي، وخاصّة بمكانة المحكمة العليا.
المسّ بالإعلام وإسكات النقد.
التضييق على منظّمات حقوق الإنسان ومنظّمات أخرى: التصوّر المغلوط والخطر الذي يرى أنّ منظّمات حقوق الإنسان تعمل ضدّ الدولة ويجب بالتالي مكافحتها، عبّرت عنه في هذه السنة - وبشكل فظّ – وزيرة العدل أييلت شاكيد، حين قالت إنّ الصهيونيّة لن تطأطئ رأسها أمام حقوق الإنسان. وفقاً لهذه الرّوح، زخرت السنة الماضية بالمبادرات والتصريحات ومشاريع القوانين الساعية إلى نزع الشرعية عن منظمات وناشطين ووصمهم، فقط لكونهم ذوي أجندة تختلف عن أجندة الأغلبية السياسية.
المسّ بمكانة وحقوق الأقلّية العربيّة في إسرائيل: قوانين ومشاريع قوانين تسعى إلى المسّ بمكانة وحقوق الأقلّية العربية في إسرائيل وتتعارض مع مبدأ أساسيّ في الديمقراطية، هو مبدأ حماية الأقلّية من دكتاتوريّة الأغلبية. واصلت الكنيست في هذه السنة طرح وتمرير مشاريع قوانين كهذه، ومنها "قانون القوميّة" و"قانون المؤذّن".
المسّ بحرّية التعبير وبالتعدّدية: أقرّت الكنيست تعديل قانون يمنع دعاة مقاطعة إسرائيل من الدخول إليها؛ طُرح مشروع قانون يسعى إلى تقييد نشاط منظمات في المدارس إذا كانت مواقفها لا تنسجم ومواقف الحكومة؛ استمرّت المحاولات، وخاصّة من جانب وزيرة الثقافة، لسلب ميزانيات من مؤسّسات ثقافية أو منع إقامة نشاطات بسبب الموقف السياسي الذي تعبّر عنه؛ وغير ذلك. والمنحى الذي برز على نحوٍ خاصّ في السنة الماضية هو المسّ بالتعدّدية اليهودية.
وختم التقرير: من المهمّ أن نفهم أنّه حتّى لو كان من المناسب تمرير مبادرة كهذه أو تلك من المبادرات التي ذكرناها، أو على الأقلّ مناقشتها، وأنّه حتّى إذا لم تصل جميع المبادرات ومشاريع القوانين المطروحة إلى حيّز التنفيذ، فالخطر يكمن في إحداث ضرر تَراكُميّ يطال الحيّز الديمقراطي في إسرائيل تسبّبه هذه المبادرات ككلّ. إسكات النقد الموجّه إلى سياسة الحكومة والتحريض على مؤسّسات ومنظّمات وجماعات سكّانية لا يتيح المجال لنقاش ديمقراطيّ، بل هو يؤجّج الكراهية. التآكل الزاحف في الحيّز الديمقراطي ينجم عنه الرّدع والشلل وتفعيل "الرقابة الذاتيّة" في المجتمع الإسرائيلي، وعوضاً عن أن يكون لدينا مجتمع يطمح إلى إصلاح الخلل وحلّ الخلافات، تتزايد أكثر وأكثر صعوبة التحدّث عنها بانفتاح. بالتالي فإن المسّ بـ"حرَس" الديمقراطية يقلّص القيود (الكوابح) المفروضة على قوّة السلطة التنفيذية ويزعزع سلطة القانون.
أكد تقرير جديد لمنظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان أن جزءاً كبيراً من جهاز معالجة النفايات المنتَجة ضمن حدود إسرائيل موجود خارج الحدود السياديّة للدولة، في أراضي الضفة الغربية.
وجاء في التقرير أنه عبر استغلال مكانتها كدولة احتلال، وضعت إسرائيل تعليمات للحفاظ على البيئة أقلّ تشدّداً في المناطق الصناعية الواقعة ضمن المستوطنات المقامة في الأراضي المحتلة، بل هي عرضت في تلك المناطق محفّزات اقتصاديّة - كامتيازات ضريبيّة ودعم حكوميّ. وبسبب هذه السياسة أصبحت إقامة معامل معالجة النفايات في الأراضي المحتلّة أكثر منفعة من إقامتها في إسرائيل التي داخل الخطّ الأخضر.
تبنى المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية- الأمنية (الكابنيت)، في جلسة خاصة عقدها صباح أمس الاثنين، توصية المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، التوجه إلى "محكمة العدل العليا" الإسرائيلية بطلب إجراء بحث إضافي، مجدد، في مسألة احتجاز جثامين شهداء فلسطينيين "لغرض المساومة في المفاوضات"، مؤكدا إصرار الحكومة الإسرائيلية على مواصلة احتجاز تلك الجثامين ومهددا بالمبادرة إلى تشريع قانون جديد يتيح لها ذلك، رسميا وقانونيا، من خلال تجاوز قرار المحكمة العليا الأخير الذي منع الحكومة من مواصلة احتجاز الجثامين.
وصفت مصادر رفيعة في ائتلاف اليمين الحاكم في إسرائيل الأجواء السائدة هذه الأيام بين الأحزاب المكونة للائتلاف الحكومي وفي داخلها بأنها "أجواء تصفيات نهاية الموسم"! التي تؤشر إلى اقتراب "نقطة اللاعودة"، المتمثلة في اضطرار الحكومة الحالية وشخص رئيسها، بنيامين نتنياهو، تحديدا، إلى تقديم الاستقالة القسرية والذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة "قد لا يكون أي من الشركاء في هذه الحكومة معنيا حقا بخوضها الآن"، كما أكدت المصادر ذاتها.
الصفحة 226 من 324