المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
بينيت: جرعة ثالثة من كورونا، و"جرعات" سياسية واقتصادية قد تطيل عمر حكومته. (إ.ب.أ)
بينيت: جرعة ثالثة من كورونا، و"جرعات" سياسية واقتصادية قد تطيل عمر حكومته. (إ.ب.أ)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1035
  • برهوم جرايسي

 تلقى رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت، الأسبوع الماضي، دعوتين: الأولى لزيارة قريبة إلى واشنطن، سيبدأها يوم الثلاثاء هذا الأسبوع، والثانية لربما ستكون بعدها بقليل، لزيارة القاهرة، بعد أن كان بينيت قد التقى الملك الأردني عبد الله الثاني، بعيدا عن الأضواء، في شهر تموز الماضي. وهذه اللقاءات الدولية، التي تبدو روتينية، إلا أنها في واقع حال بينيت أمام ساحته الداخلية تعزز مكانته، وتساهم في إقناع جمهور أكبر بأنه رئيس حكومة ثابت.

في المقابل، وفي حين أن التخبط بشأن فرض إغلاق أو لا يتزايد من يوم إلى يوم، بفعل استفحال انتشار كورونا، فإن معطيات الاقتصاد الإسرائيلي الجديدة تشير إلى قفزات تفوق التوقعات، خاصة على صعيد النمو الاقتصادي وانخفاض البطالة التقليدية.

فبعد أن خرج الكنيست مطلع الشهر الجاري، آب، لعطلة صيفية تدوم شهرين، مع مؤشرات ثبات في الحكومة التي ترتكز على أغلبية برلمانية هشة، ما زال الانطباع في الشارع الإسرائيلي بأن هذه الحكومة قد تسقط قريبا، وبالإمكان القول إنه بعد 12 عاما على رئاسة بنيامين نتنياهو، فإن رئاسة نفتالي بينيت لم تتغلغل بعد في وعي الجمهور.

تلقى بينيت دعوة رسميا لزيارة واشنطن، والالتقاء بالرئيس جو بايدن، يوم الأربعاء من هذا الأسبوع؛ في حين أن سلفه بنيامين نتنياهو لم يلتق بايدن بعد انتخابه، رغم مرور 5 أشهر على وجود بايدن في البيت الأبيض، إلى حين غادر نتنياهو رسميا رئاسة الحكومة. وليست هذه حال العلاقات الإسرائيلية- الأميركية، فعند انتخاب رئيس أميركي جديد، أو رئيس حكومة إسرائيلية جديدة، فإن اللقاء بين الاثنين يكون في أقرب وقت بعد الانتخابات في الجانبين، كمؤشر على جودة وعمق العلاقات بينهما. إلا أن ممارسات نتنياهو ومناوراته في الساحة الأميركية الداخلية، وانحيازه المكشوف للحزب الجمهوري ورئيسه، والتصرف بشكل صدامي مع الرئيس الأسبق باراك أوباما، كل هذا عكّر العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية برئاسته، وبين الحزب الديمقراطي الذي عاد إلى الحكم في مطلع العام الجاري، متوعدا نتنياهو بتصفية حسابات، إن صحّ التعبير، ولكن ليس بالشكل الذي يمس العلاقات الاستراتيجية العميقة بينهما.

وتقول التقارير الإسرائيلية إن ما يسمى بـ "الملف الإيراني"، سيكون على رأس جدول أعمال المباحثات. ولكن استنادا لتقارير سابقة أخرى، فإن الشأن الفلسطيني سيكون مطروحا بقوة من جانب الرئيس بايدن، الذي سيكون أمامه أحد أبرز قادة اليمين الاستيطاني الإسرائيلي. وعلى الأغلب فإن أحد أبرز المطالب سيكون إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس المحتلة، لتقديم خدمات للفلسطينيين، بعد أن كان دونالد ترامب قد أغلقها بالتزامن مع نقل السفارة الأميركية إلى القدس.

كذلك فإن بينيت قاد مع شركائه في الحكومة مسعى تحسين العلاقات مع الجانب الأردني، فقد صادق بينيت ومعه وزير الخارجية يائير لبيد ووزير الدفاع بيني غانتس، على طلب الأردن استيراد 50 مليون متر مكعب من المياه، هذا العام، ككمية إضافية لما نصت عليه معاهدة وادي عربة. وفي الأسبوع الماضي أعلن الأردن عن توقيع اتفاقية مع الجانب الإسرائيلي تمنح المنتوجات الزراعية الأردنية أولوية في السوق الإسرائيلية في العام العبري المقبل، من أيلول 2021 إلى 2022، وهو يسمى "عاما سبتيا"، يكون فيه محظورا حصد محاصيل في الكروم والحقول التي تتبع الشريعة الدينية اليهودية، وهو حسب الشريعة يحل مرّة كل سبع سنوات. وقال الأردن إن هذا سيزيد الصادرات الزراعية الأردنية إلى إسرائيل بنحو 50 ألف طن.

في الشأن المصري، فإن الزيارة ولقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، عدا عن كونها زيارة لأول رئيس حكومة إسرائيلية منذ سنوات ليست قليلة، فإنها قد تكون محاولة لدفع المفاوضات غير المباشرة مع حركة حماس، بشأن الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى الحركة.

وكما ذكر فإن هذا المشهد الحاصل، والذي من المؤكد أن تتبعه لقاءات دولية أخرى، خاصة في الساحة الأوروبية، ستجعل الجمهور الإسرائيلي أو أجزاء منه يستوعب أكثر أن عهد نتنياهو بات في بدايات مسار الغياب، وكلما طال عمر هذه الحكومة ابتعد نتنياهو عن احتمال العودة إلى رئاسة الحكم أيضا ارتباطا بمحاكمته؛ ولكن في السياسة، وفي السياسة الإسرائيلية خاصة، لا وجود لمستحيلات كهذه.

مواجهة كورونا

تتركز القضية المركزية في مسألة مكافحة انتشار كورونا، والسعي للجم انتشار الفيروس، حاليا في كيفية عمل السنة الدراسية المدرسية، التي ستفتتح في الأول من شهر أيلول المقبل، وهذا يجب أن يتم حسمه حتى نهاية الأسبوع الجاري، وفق التقارير اليومية. فحتى مطلع الأسبوع الجاري كان الحديث عن أنه فقط في البلدات "الحمراء"، حيث نسبة الانتشار عالية، ستكون تقييدات مشددة في المدارس، مثل فرض التعليم عن بُعد، ولكن هذا قد يمتد لدرجات انتشار أقل. وحتى مطلع الأسبوع الجاري، بلغ عدد الحالات النشطة حوالي 70 ألف حالة، زيادة بأكثر من 20 ألف حالة في أسبوع واحد، كما أن عدد الموتى عاد للارتفاع، وبات يقترب من 6800 ضحية. ولكن في المقابل، فإن عدد من تلقوا وجبة التطعيم الأولى بلغ 5.9 مليون شخص، من بينهم قرابة 5.5 مليون شخص تلقوا الوجبة الثانية، ومن هؤلاء أيضا حوالي 1.5 مليون شخص تلقوا وجبة التطعيم الثالثة.

الجانب الثاني، هو كيفية التعامل مع الأعياد اليهودية التي ستمتد على مدى شهر أيلول المقبل، رأس السنة العبرية في السابع من أيلول، يليه بأيام يوم الغفران، ويلي هذا بأيام عيد العُرش، الذي يمتد أسبوعا كامل، إذ هناك من يطالب بفرض قيود مشددة تمنع التجمهرات الكبيرة، وبضمنها، فرض قيود على عدد الحضور في الكُنس اليهودية.

قفزة عالية للنمو الاقتصادي

"احتفلت" الأوساط الاقتصادية الإسرائيلية، في الأسبوع الماضي، بتقرير مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، الذي أعلن أن النمو الاقتصادي في الربع الثاني من العام الجاري، من شهر نيسان إلى حزيران، سجل قفزة عالية بارتفاعه بنسبة 15.4%. وليس هذا فحسب بل عدّل مكتب الإحصاء نسب الانكماش في الربع الأول من العام الجاري بنسبة 1.4%، وهي أقل من النسبة التي ذكرت سابقا، 6.2%. وأيضا تم تخفيض نسبة الانكماش الاقتصادي في العام الماضي 2020، من 2.4% إلى 2.2%.

وتبين من التقرير ذاته أن النسب الحادة في النمو والاستهلاك الفردي نابعة من فتح القطاع الاقتصادي والأسواق بعد الإغلاق الأخير، فقد سجل القطاع الاقتصادي وحده نموا بنسبة لامست 20%.

ويقول التقرير إن المذهل في معطيات الربع الثاني الاقتصادية هو أن الاستهلاك الفردي سجل في الأشهر الثلاثة ارتفاعا بنسبة تجاوزت 36%، وفي تفاصيل هذه النسبة يتبين أن الصرف على شراء معدات البيت والألبسة والأحذية والأمور المتعلقة بالاحتياجات اليومية، سجل وحده ارتفاعا بنسبة تجاوزت 53%. كما شهد الاقتصاد بشكل عام ارتفاعا بنسبة لامست 10% في الاستثمار في العقارات مثل شراء البيوت، وارتفاعا بنسبة تجاوزت 18% في صادرات البضائع والخدمات. أما الاستيراد، فقد سجل ارتفاعا لامس نسبة 16%.

وحسب تقرير مكتب الإحصاء، فإن الناتج للفرد ارتفع بحساب سنوي بنسبة 15.5%، ولكن بعد اختزال نسبة التكاثر السكاني السنوية يكون الناتج للفرد ارتفع بنسبة 13.5% في الربع الثاني.

دفعت هذه المعطيات الجديدة المحللين إلى بث تفاؤل لربما سابق لأوانه. ويقول المحلل الاقتصادي ناتي توكر، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر"، إن بعض المحللين باتوا يتحدثون عن احتمال ارتفاع النمو الإجمالي هذا العام إلى نسبة تتجاوز 6.5%، في حين أن تقديرات وزارة المالية الجديدة للعام الجاري تتحدث عن نسبة نمو 5.5% في العام الجاري، بينما تقديرات بنك إسرائيل المركزي ما تزال محافظة، وتتحدث عن 5.1%. وهي نسبة شبيهة بتقديرات صندوق النقد الدولي، التي تتوقع أن يرتفع نمو الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 5%.

ويتابع توكر أنه في حال استمرت وتيرة الاقتصاد الحالية، فإن النمو قد يسجل بالفعل نسبة تزيد عن 6.5%، وفي هذه الحالة، لن تكون الحكومة بحاجة لإجراء تقليص شبه عام في ميزانية الدولة بنسبة 1.5%، لتغطية الزيادة في ميزانية وزارة الصحة.

بهذه التقديرات للنمو، تكون إسرائيل على لائحة الدول المتطورة، المتوقع لها أن تسجل أعلى نسب نمو في العام الجاري، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، المتوقع أن يصل فيهما النمو هذا العام إلى 7%، وفرنسا وإسبانيا- في محيط 6%، ومعدّل الدول المتطورة هو 5.6%. وفي الحالة الإسرائيلية فإن تسجيل نمو اقتصادي يفوق 5.5% واستنادا إلى أن نسبة التكاثر السكاني في محيط 2%، يعني أن النمو المتوقع في العام الجاري سيغطي الانكماش الذي حصل في العام الماضي، ويحقق نموا فعليا للعامين الماضي والجاري معا، في حين أن تقديرات بنك إسرائيل في نهاية العام الماضي، كانت تتحدث عن أن الاقتصاد الإسرائيلي سيعوّض انكماشه الاقتصادي في العام 2020، فقط بعد العام 2023، إذ كان من المتوقع أن يكون الانكماش أكثر من 5.8%، ولكنه على أرض الواقع بلغ 2.2%.

اللافت جدا في المعطيات التي تم الإعلان عنها في الأسبوع الماضي، أنه خلافا للانطباع السائد حتى الأيام الأخيرة، فإن عدد المصالح الاقتصادية على مختلف تنوعاتها سجل في العام الماضي ارتفاعا ملحوظا وليس تراجعا كما كان يعتقد، إذ جرى الحديث حتى مطلع العام الجاري عن أنه في العام الماضي تم إغلاق حوالي 80 ألف مصلحة، غالبيتها مصالح مهنية فردية، وتم فتح حوالي 40 ألف مصلحة جديدة، بمعنى أن عدد المصالح في إسرائيل تراجع بنحو 40 ألف مصلحة. إلا أن المعطيات الجديدة دلت على أن الحقيقة مختلفة كليا، وتنقض تلك التقديرات، بعد استكمال كافة التقارير، وتنظيم المصالح الجديدة نفسها في المؤسسات المالية. ولقد تبين أن عدد المصالح التي أغلقت في العام الماضي كان 38209 مصالح اقتصادية، في حين تم فتح 51436 مصلحة جديدة، أي أن عدد المصالح ارتفع بنحو 13200 مصلحة.

وتعكس هذه التقلبات الكبيرة في معطيات التقارير حالة الفوضى الاقتصادية، إن صح التعبير، التي عصفت بالمؤسسات المالية والاقتصادية الرسمية، ما جعلتها تبث توقعات مضخمة. كما أن التأخير في عرض الصورة الحقيقية يعود الى انتهاء عملية استكمال تقديم الوثائق والتقارير المالية عن العام الماضي 2020.

وانعكس هذا الارتفاع في الاستهلاك الفردي والحركة الاقتصادية أيضا على وتيرة التضخم المالي، التي عادت إلى ما كانت عليه قبل سبع سنوات. وبلغ التضخم في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام نسبة 2%، وساهم في هذا ارتفاع حاد في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، ولكن أيضا ارتفاع الطلب في الكثير من القطاعات، بعد عام من الإغلاقات في الأسواق والاقتصاد.

كما انعكس الأمر في استمرار التراجع في نسب البطالة، فقد أعلن مكتب الإحصاء الحكومي الرسمي في الأسبوع الماضي أن "البطالة الموسعة" هبطت في نهاية شهر تموز الماضي إلى 7.6%، بينما البطالة الأساسية التقليدية، بحسب تعريفات القانون الإسرائيلي، هبطت إلى نسبة 4.6%.

والقصد بالبطالة الموسعة هم العاطلون عن العمل بفعل فصل من العمل ويتلقون مخصصات بطالة وفق القانون، ومعهم من تم فرض إجازات غير مدفوعة الأجر، وأيضا معطّلون مزمنون عن العمل، بمعنى أنهم غارقون في البطالة منذ أكثر من عام. أما البطالة الأساسية فتعني من تنطبق عليهم تعريفات قانون البطالة، ويستحقون مخصصات بطالة عادية.

وتقول وزارة المالية ودائرة التشغيل ومؤسسة التأمين الوطني إن وقف مخصصات البطالة الاستثنائية، لمن هم دون سن 45 عاما، في نهاية شهر حزيران، أدى إلى انخفاض نسبة البطالة. وفي حال لم تكن هناك إغلاقات جديدة في الاقتصاد، فإن نسب البطالة مرشحة للتراجع أكثر حتى نهاية العام الجاري.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات