يعد انعدام الأمن الغذائي، خاصة بين الأطفال، مشكلة اجتماعية خطيرة لها تأثير سلبي على الصحة البدنية والصحة النفسية لمن يعانون منه، وقد تسبب ضرراً حقيقياً لنمو الأطفال والمراهقين وتساهم في إدامة حلقة الفقر والحد من الحراك الاجتماعي- هذا ما جاء في مقدمة بحث صدر مؤخراً عن معهد الأبحاث التابع للكنيست وتناول الموضوع من زاوية عمل الحكومة الإسرائيلية في هذا الشأن في الأوقات الاعتيادية وخلال أزمة جائحة كورونا المتواصلة بوتائر مختلفة.
تورد دراسة معهد الكنيست معطيات سابقة منها مسح أجرته مؤسسة التأمين الوطني في عام 2016 أظهر أن حوالي 25% من الأطفال حتى سن 18 عاماً في إسرائيل يواجهون انعدام الأمن في التغذية، وترتفع في صفوف المواطنين العرب واليهود الحريديم خصوصاً، معدلات انعدام الأمن الغذائي بشكل كبير. وهناك قلق من أن انتشار الكورونا قد زاد من انعدام الأمن الغذائي بين الأطفال، حيث منعهم من الوصول إلى قنوات الدعم التي كانت قائمة قبل اندلاعه، بما في ذلك التغذية في المؤسسات التعليمية.
على هذه الخلفية، وبعد مناقشات لجنة حقوق الطفل في الكنيست خلال الدورة السابقة حول موضوع نشاط مشروع التغذية في أزمة، تتناول هذه الورقة القضية فتعرض بيانات محدثة عنها، عارضة السياسة الحكومية الرئيسة وأدوات المساعدة للأطفال الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي في أجهزة التعليم والرعاية. وتشير الدراسة إلى أن نظام التعليم والرعاية يشمل العديد من الأطر التي توفر التغذية للأطفال والمراهقين كجزء من الخدمات المقدمة فيها.
ضرر للنمو الطبيعي والصحة والتنمية
يعرّف قانون المجلس الوطني للأمن الغذائي للعام 2011 الأمن الغذائي بأنه "إمكانية الاستهلاك بطريقة ما لغذاء منتظم يشمل جميع العناصر الغذائية اللازمة للنمو الطبيعي وصحة الإنسان". وقد يؤدي انعدام الأمن الغذائي إلى سوء التغذية ونقص التغذية وسوء التغذية وفي الحالات القصوى- الجوع. بين الأبناء قد يتسبب انعدام الأمن الغذائي للشباب في ضرر حقيقي لعمليات النمو والتنمية، بما في ذلك الضرر في الدراسة والعلاقات الاجتماعية. هناك العديد من الهيئات الحكومية وغير الحكومية التي تشارك في تقديم المساعدات الغذائية لجميع السكان، بما يشمل إجراء البحوث وصياغة السياسات في مجال الأمن الغذائي. ومع ذلك، فإن النشاط الذي يجري ميدانياً يفتقر لسياسة عامة محددة ولجهاز ينسقه ويشرف عليه.
وترى الدراسة أن من تبعات عدم وجود سياسة عامة في مجال الأمن الغذائي، انعدام بيانات حديثة ومحدثة بأيدي المخوّلين بوضع وصنع القرارات عن أبعاد ظاهرة انعدام الأمن الغذائي بشكل عام وبين الأطفال على وجه الخصوص. وليس هناك حتى معلومات كاملة ومتاحة عن خصائص هذه الشريحة واحتياجاتها الفريدة.
بلغ عدد الأطفال الفقراء في إسرائيل في العام 2020 حوالي 907 آلاف طفل. معدل الفقر بين الأطفال في العام 2020 بلغ حوالي 30%. وفقاً لبيانات المكتب المركزي للإحصاء، كان يعيش في إسرائيل العام 2016، حوالي 2.85 مليون طفل. وتبيّن وجود مستوى عال من انعدام الأمن الغذائي بين الأطفال في الأسر أحادية الوالد (حوالي 52%)، بين الأطفال العرب (حوالي 51%)، وبين الأطفال الحريديم (26%). وهناك مستوى أعلى من انعدام الأمن الغذائي بين الأسر التي تتلقى دعم الدخل، ونسبة الأطفال الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي فيها بلغت أكثر من 76%، وهذا مقارنة بالأطفال اليهود غير المتدينين (حوالي 17%).
أما في مسوحات التغذية التي أجرتها وزارة الصحة للعامين 2015-2016 فقد تبين أن نسبة الأسر التي لديها أطفال تتراوح أعمارهم بين عامين و11 عاماً، وتعاني من مستوى منخفض في الأمن الغذائي، قد بلغت 9.7%، ومعدل الأطفال العام الذين يعانون من انخفاض مستوى الأمن الغذائي من بين جميع الأطفال في هذه الأسر، بلغ 7.5%. ولوحظ في هذا المسح أيضاً وجود فجوة كبيرة بين الأطفال اليهود والعرب. في استطلاع تم إجراؤه بين الشبيبة (طلاب الصف السابع إلى الثاني عشر)، أفاد 6.1% من الطلاب أنهم في الأسبوع الذي سبق المسح ذهبوا إلى الفراش وهم جائعون بسبب نقص الطعام في البيت.
وتنوه دراسة معهد أبحاث الكنيست ببيانات من دراسة دولية فحصت صحة المراهقين ورفاههم أجرتها مؤسسة (HBSC) بيّنت أن حوالي 11% من الطلاب (حوالي 14% من الأولاد وحوالي 8% من البنات) أفادوا بأنهم ذهبوا إلى الفراش وهم جائعون "أحياناً" أو بوتيرة أكبر.
450 ألف طالب بحاجة إلى دعم التغذية
الهيئات الحكومية الرئيسة المسؤولة عن إطعام وضمان الأمن الغذائي للأطفال والشباب في إسرائيل وتدير برامج مخصصة في هذا المجال هي وزارة التربية والتعليم ووزارة العمل والرفاه والخدمات الاجتماعية. يفترض بهذه الهيئات تقديم المساعدة في مجال الغذاء للأطفال من خلال ثلاث قنوات رئيسة: التغذية في رياض الأطفال والمدارس، التغذية في أطر الرعاية العامة من وزارة الرفاه، والمساعدة في مجال غذاء ضمن خدمات الرعاية الاجتماعية التي تُقدم لجميع السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، والذين يشكل الأطفال جزءاً أساسياً منهم. وتلاحظ الدراسة أنه في تقديم هذه المساعدة، تعتمد الدولة بشكل كبير على أنشطة الجمعيات التي تعمل في هذا المجال.
برامج التغذية الأساسية للأطفال في إسرائيل هي برامج يتم من خلالها توزيع وجبات ساخنة للأطفال في رياض الأطفال والمدارس الابتدائية وبرامج ما بعد المدرسة التابعة لوزارة التربية والتعليم. حوالي 450 ألف طالب وطالبة في جهاز التعليم يتلقون دعم التغذية سنوياً: حوالي 240 ألف طالب في أطر التعليم قبل الابتدائي وفي الصفين الأول والثاني كجزء من برنامج الحضانات النهارية "نيتسانيم"؛ 191 ألف طالب وطالبة في رياض الأطفال والمدارس الابتدائية، الذين يحصلون على وجبة ساخنة، وحوالي 23 ألف طالب يتلقون وجبة من خلال برنامج مخصص للطلاب المعرضين للخطر في رياض الأطفال والتعليم الابتدائي. بالإضافة إلى حوالي 15 ألف طفل في مراكز الرعاية النهارية في رياض الأطفال في الشرائح الاقتصادية المنخفضة وفقاً للمقياس الرسمي المعمول به، وذلك في مراكز الرعاية النهارية المعترف بها والمدعومة من قبل وزارة العمل والرفاه والخدمات الاجتماعية.
وتشير الدراسة الى أنه لا توجد في إسرائيل برامج تغذية مخصصة لطلاب المدارس الإعدادية والمدارس الثانوية، وهذا على الرغم من أن انعدام الأمن الغذائي موجود أيضاً بين هؤلاء الأطفال في هذه المراحل التعليمية.
بحسب البيانات الواردة من وزارة التربية والتعليم، فإن إجمالي الميزانية التي تخصصها الوزارة لبرامج التغذية بلغت في السنتين (2019- 2020) حوالي 650 مليون شيكل، منها 406 ملايين شيكل تقريبا مخصصة لدعم التغذية المباشرة. ولكن هذا العام تم تخفيض ميزانية التغذية من وزارة التربية والتعليم بحوالي 62 مليون شيكل، وذلك بعد إغلاق المؤسسات التعليمية بسبب انتشار فيروس كورونا، وهذا بالرغم من وجود زيادة في عدد الطلاب الذين يجب أن يتلقوا التغذية. أي أن هناك عدداً متزايداً من الأطفال المحتاجين للدعم الغذائي بالتزامن مع تراجع الدعم بعشرات ملايين الشواكل، ويمكن تصوّر المدى التي اتسعت فيه هذه الظاهرة/ المأساة بالنسبة لألوف الأسر الفقيرة.
يتم تقديم التغذية أيضاً للأطفال الموجودين في مختلف الأطر الخاضعة لمسؤولية وزارة العمل والرفاه، ولكن ليست هذه خطط تغذية محددة ومعرّفة، ولكنها عبارة عن جزء من الخدمات العامة للوزارة. خلال العام الدراسي الأخير، تلقى حوالي 39 ألف طفل وفتى التغذية في أطر الرعاية المختلفة المخصصة للأطفال والشبيبة المعرضين للخطر في المجتمع. وهذا لا يشمل 15 ألف طفل في مراكز الرعاية النهارية المدعومة من قبل وزارة العمل الرفاه ويتلقون التغذية أثناء إقامتهم في هذه الأطر.
ليست هناك سياسة عامة وهناك أضرار
يؤكد معهد أبحاث الكنيست أنه في ظل عدم وجود سياسة شاملة لتوفير الأمن الغذائي، يبدو أنه لا يوجد تبادل منهجي للمعلومات والتنسيق بين الجهات المختلفة، وخصوصا الحكومية منها. والنتيجة هي أنه قد تكون هناك ازدواجية في المساعدة المقدمة لطفل معين، والعكس صحيح: أطفال يحتاجون إلى المساعدة في مجال الغذاء ولا يتلقونها.
وقد تسبب انتشار وباء كورونا الذي بدأ في آذار 2020 في زيادة مخاطر انعدام الأمن الغذائي وسط تراجع الدخل بين العديد من الأسر وارتفاع معدلات البطالة والحجر الصحي. عامل الخطر الفريد الآخر الذي ظهر وهدد الأطفال هو وقف أنشطة الأطر التربوية، التي تلقى فيها العديد من الأطفال سابقاً (بمن في ذلك الأطفال والشبيبة المعرضون للخطر) وجبة ساخنة على أساس يومي، مجاناً أو بتكلفة رمزية، قبل اندلاع الوباء.
لقد تم، من آذار 2020 إلى آذار 2021، إغلاق جميع المؤسسات التعليمية ثلاث مرات بسبب انتشار وباء كورونا. في المجموع واجه طلاب التعليم قبل الابتدائي حوالي 60 يوما من انعدام المساعدة في التغذية.
جرت في تشرين الأول 2020، إثارة موضوع انعدام الأمن الغذائي بين الأطفال والمراهقين خلال أزمة كورونا في اجتماع واسع في مكتب رئيس الحكومة. بعد ذلك نوقشت هذه المسألة مرتين من قبل لجنة الكنيست لحقوق الطفل، حيث تبيّن أنه لا يوجد جهاز واحد يشرف على قضية الأمن الغذائي لدى الأطفال والمراهقين في ذلك الوقت. أثارت الأزمة مخاوف من أن العديد من الأطفال الذين كانوا مؤهلين للحصول على التغذية في أطرهم التعليمية، قبل انتشار الوباء، لم يعودوا يتلقونها على الرغم من احتياجهم إلى المساعدة في الغذاء.
ولكن، تؤكد الدراسة، على الرغم من مرور أكثر من عام على تفشي الوباء، فلا أحد لديه بيانات عن تأثير الأزمة على انعدام الأمن الغذائي عند الأطفال. بينما تشير البيانات الواردة من وزارة العمل والرفاه الاجتماعي إلى أن عدد الأسر التي احتاجت إلى الدعم الغذائي في العام 2020 ارتفع بنحو 57% مقارنة بالعام 2019. وبحسب مصادر الوزارة، معظم الأسر المدعومة هي أسر لديها أطفال. وأظهر فحص أجراه مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست أنه خلال فترة الإغلاق الأولى (آذار- أيار 2020) كان هناك تعاون بين وزارات العمل والرفاه والتربية والتعليم والصحة والمالية لغرض ضمان الأمن الغذائي. أما في الإغلاقات التي كانت في أيلول- تشرين الأول 2020 وكانون الثاني- شباط 2021 فلم تتوفر مساعدة مخصصة للطلاب الذين كانوا مؤهلين لتناول وجبة يومية كجزء من مشروع التغذية. في نفس الوقت زادت الوزارة، كما قالت، دعم رعاية الأسر المحتاجة خلال فترة كورونا بميزانية تبلغ نحو 15 مليون شيكل. ولم تقدم وزارة العمل والرفاه أية معلومات حول عدد الأطفال حتى سن 18 الذين تلقوا المساعدة في إطار هذا المشروع.
صادقت الحكومة في آب 2020، على ميزانية بمبلغ 700 مليون شيكل، ضمن الميزانية المخصصة لغرض التعامل مع أزمة كورونا، لتفعيل برنامج الأمن الغذائي للأسر المحتاجة على خلفية أزمة كورونا. الجهة المسؤولة عن تنفيذ الخطة هي وزارة الداخلية، من خلال موردين خارجيين. وحسب البيانات من الوزارة، حتى أيار 2021 تم توزيع المساعدات على حوالي 280 ألف أسرة. حاليا، لم تقدم الوزارة أي بيانات حول عدد الأطفال من بين هذه الأسر.