يبدأ الكنيست الإسرائيلي، مع انتهاء هذا الأسبوع، عطلة تستمر لمدة شهرين، ولكن خلالها ستطلب الحكومة من الكنيست إقرار مشروع الموازنة العامة، للعامين الجاري والمقبل، بالقراءة الأولى، تمهيدا لإقرارها نهائيا في مطلع تشرين الثاني. هذا في الوقت الذي يتصاعد فيه الجدل حول شكل مواجهة موجة تفشي الكورونا الجديدة، التي نسبة عالية من الإصابات فيها هي بين الفتية والأطفال. ويتمحور الجدل حول تطعيم الوجبة الثالثة، وكيفية لجم سفر السياحة إلى خارج البلاد، وكيفية سير التعليم في السنة التعليمية المدرسية، التي ستفتتح في مطلع أيلول المقبل.
ومن المفترض أن تكون العطلة البرلمانية مريحة للحكومة، ولكل حكومة، لأنه حسب أنظمة الكنيست، فإنه خلال العطلة البرلمانية، التي قد تتخللها جلسات استثنائية تطلبها المعارضة لبحث قضايا طارئة، لا يجوز طرح مقترحات حجب الثقة عن الحكومة، كما لا يمكن طرح مشاريع قوانين يبادر لها نواب وكتل برلمانية. في المقابل، فإنه يحق للحكومة طلب عقد جلسات استثنائية، لغرض تمرير قوانين عاجلة، لتسيير أمور. وفي هذه العطلة بالذات، وحسب المخطط، فإن الحكومة ستطلب عقد جلسة للكنيست في نهاية شهر آب الجاري، لإقرار مشروع الموازنة العامة للعامين الجاري والمقبل، بالقراءة الأولى. وعادة فإن الائتلاف يتفق على تمرير الميزانية بالقراءة الأولى، لتبدأ الضغوط داخل الائتلاف لدى إعداد مشروع الموازنة للإقرار بالقراءتين النهائيتين، الثانية والثالثة معها، والمفترض أن تكون في الأسبوع الأول من شهر تشرين الثاني المقبل.
حسب المشهد الحاصل، فإن الميزانية لن تكون عقبة جديّة أمام الحكومة، إذ أن الميزانية التي عليها تقليص مصروفات، سيكون عليها التجاوب أيضا مع بعض مطالب كتل الائتلاف. والاعتقاد السائد أن كل أحزاب الائتلاف الثمانية، ليست معنية بتفكيك الحكومة بعد أشهر قليلة من بدء عملها. ولكن مشكلة هذه الحكومة هي في الأغلبية الهشة التي ترتكز عليها، 61 نائبا من أصل 120 نائبا.
حتى الآن فشل الائتلاف الحاكم في تمرير قانونين، قانون حرمان العائلات الفلسطينية من لم الشمل، ولهذا فهو يعد قانونا بديلا، يصب في ذات الهدف. والقانون الثاني بادرت له نائبة من الائتلاف ودعمته الحكومة، يقضي بعدم تسجيل من ضُبط باستخدام الماريحوانا في السجل الجنائي.
إلا أنه في المقابل نجح الائتلاف في تمرير كافة القوانين المتعلقة بتسيير عمل الحكومة الحالية، وبضمن ذلك منصب رئيس الحكومة البديل، والتناوب على رئاسة الحكومة، وتوسيع نطاق ما يسمى بـ"القانون النرويجي" الذي يجيز للوزير ونائب الوزير الاستقالة من عضوية الكنيست، ليدخل نائب مكانه من ذات الحزب ويعود المستقيل إلى عضوية الكنيست في حال استقال من منصبه الوزاري.
جدل حول التطعيم الثالث
ترى إسرائيل نفسها أنها باتت في أوج موجة جديدة لانتشار فيروس الكورونا، ففي حين أنه في منتصف شهر حزيران الماضي كان عدد الحالات النشطة 200 حالة، وكانت تبدو إسرائيل كمن تخرج كليا من الجائحة، بات عدد الحالات النشطة في مطلع الأسبوع الجاري، مطلع شهر آب، ما يلامس 19 ألف حالة، مع فارق أن عدد الحالات الصعبة ما زال أقل نسبيا، مقارنة مع موجات الانتشار السابقة.
والقلق، كما في دول أخرى، نابع من أن نسبة إصابات الفتيان والأطفال عالية جدا. وفي بدايات الموجة الجديدة، كانوا يشكلون أكثر من نصف الإصابات الجديدة يوميا. وتقول التقارير الصحية إن 70% من الإصابات الأخيرة هي من متحور "دلتا"، ولهذا صدرت التعليمات ببدء تطعيم هذه الشريحة العمرية.
وتقول التقارير إن أكثر من نصف الأطفال والفتية في هذا الجيل لم يتطعموا بعد، ولكن حسب التقديرات فإن الأهالي لا يسارعون لتطعيم أبنائهم ليراقبوا النتائج أولا، والمتوقع أن ترتفع نسبة الأطفال والفتيان المطعّمين مع اقتراب موعد افتتاح السنة الدراسية.
وبدأت في مطلع الأسبوع الجاري، حملة تطعيم وجبة ثالثة لمن هم في عمر 60 عاما وما فوق، رغم أن الشركات المنتجة، وبالذات فايزر، لم تعلن رسميا مدى فاعلية أو ضرورة وجبة التطعيم الثالثة.
وإذا كانت إسرائيل من أول الدول التي شرعت بالتطعيم، في الشهر الأخير من العام الماضي 2020، فإنه بعد مرور هذه الأشهر، سيكون السؤال الماثل أمام خبراء الصحة في الجهاز الرسمي: ما هو مصير التطعيم الأول، وإذا ما كان فاعلا؟، ولهذا، هناك خبراء يطالبون بعدم الإسراع في تقديم التطعيمات، بل أن تسبق هذا فحوصات لحجم المضادات لدى الذين حصلوا سابقا على التطعيمات.
من ناحية أخرى، وحتى مطلع الأسبوع الجاري، لم يكن مطروحا على جدول الأعمال فرض قيود على الحياة العامة، وعلى القطاعين الاقتصادي والتجاري، باستثناء المطالبات بوقف السفر السياحي، والسفر غير الملح الى خارج البلاد، إذ بحسب التقارير الإسرائيلية، فإن نسبة جدية من إصابات الشهر الأخيرة نابعة من السفر السياحي خارج البلاد.
القلق من ارتفاع أعداد المسافرين
بعد عام كامل وأكثر، لم يخرج فيه المواطنون في إسرائيل إلى رحلات استجمام وسياحة خارج البلاد، تدفق مئات الآلاف منهم، منذ نهاية شهر حزيران وشهر تموز الماضيين، لقضاء عطلات نقاهة، وسط دعوات مكثفة من الحكومة والأجهزة الصحية لعدم السفر إلى الخارج، بسبب اندلاع الموجة الجديدة لفيروس كورونا، خاصة من متحوّر "دلتا" الذي يتسبب بـ 70% من الإصابات الجديدة في إسرائيل.
وحسب معطيات سلطة المطارات، فإنه في شهر تموز الماضي سافر عبر المطار الدولي 800 ألف شخص، غالبيتهم الساحقة جدا لرحلات سياحة واستجمام في المنطقة القريبة، تركيا، قبرص، وجزر اليونان، وقسم سافر إلى أوروبا.
وأمام عدم التجاوب وتزايد أعداد المسافرين، فقد أدرجت السلطات الإسرائيلية، حتى نهاية الأسبوع الماضي، 14 دولة يحظر السفر إليها، إلا في حالات استثنائية، أو فقط من لديهم جنسيات وبطاقات إقامة دائمة في تلك الدول. كما أدرجت 25 دولة أخرى، في قائمة التحذير، وإلزام العائدين منها بسبعة أيام حجر، وفحوصات زائدة عما هو مطلوب.
ومن بين دول التحذير الدول التي توجه لها الجمهور أكثر من غيرها للاستجمام والسياحة، تركيا وجزر اليونان وقبرص، لذا يتوقع قطاع السياحة الخارجة أن ينهار عدد المسافرين إلى الخارج في شهر آب الجاري، وباتت شركات ومكاتب سياحة عديدة تعلن أن عدد إلغاء الحجوزات كبير، ولدى البعض بات الإلغاء أكثر من عدد الحجوزات الجديدة، خاصة وأن من يخطط للسفر لعدة أيام بات عليه أن يأخذ بالحسبان أيام الحجر الصحي التالية.
ويقول مسؤولون في قطاع السياحة إن الحكومة عملت على تضخيم حركة السفر إلى الخارج، رغم أنها بقيت ضعيفة مقارنة مع السنوات العادية، ما قبل كورونا، وأن عدد المسافرين لغرض الاستجمام والسياحة في شهر تموز لم يصل إلى 20% من العدد الذين كان في ذات الشهر من العام قبل الماضي 2019، والحديث يجري عما بين 3 ملايين إلى 3.5 مليون مستجم في ذلك العام.
وهذا التدفق إلى الخارج، وفي المناطق القريبة، هو بسبب الفارق الكبيرة في الكلفة، بين النقاهة في البلاد، وخارجها في دول المنطقة.
وسيستمر الجدل حول السياحة إلى الخارج حتى نهاية شهر أيلول المقبل، الذي سيشهد الأعياد العبرية، رأس السنة، وعيد العُرش، ويوم الغفران، وهذه مناسبات للسفر إلى الخارج لقضاء عطل الأعياد؛ إلا أنه كما يبدو، فإن القيود الجمّة التي تفرض على 39 دولة حتى الآن، ما بين منع كامل، وتحذير، وفيها كل عناوين السفر السياحي، ستوقف من جديد حركة السفر في المطار الدولي، وقد ينضم لها أيضا معبر طابا نحو جزيرة سيناء.
ويقول مسؤولون في شركات السياحة إن هذا التراجع سيضر بنحو 10 آلاف موظف يعملون في مكاتب السياحة، وقد تجد غالبيتهم الساحقة نفسها في البطالة مجددا، أو في إجازات ليست مدفوعة الأجر، ما يوجب على الحكومة أن تمنحهم مخصصات بطالة مجددا. وقد قررت وزارة المالية ومعها مؤسسة الضمان الاجتماعي، في وقت سابق، تمديد مخصصات البطالة الاستثنائية لموظفي قطاع السياحة، ولكن هذا لم يقر في الكنيست بعد.
جدل حول افتتاح السنة المدرسية
أبرز أوجه الجدل حول التفشي الجديد لفيروس كورونا، هو شكل عمل السنة الدراسية المدرسية التي ستفتتح يوم الأول من أيلول المقبل، في حين أن السنة الجامعية سيتم افتتاحها بعد خمسة أسابيع من افتتاح السنة المدرسية، بمعنى في أوائل تشرين الأول المقبل.
التعليمات الأولية الصادرة عن الحكومة ووزارتي الصحة والتعليم، تقول إن العام الدراسي سيتم افتتاحه بشكل عادي، على أن يكون المبدأ العام هو العودة إلى النمط الدراسي العادي ما قبل كورونا، على أن يتم منح مديري المدارس، بالتشاور مع مديرية كل لواء في وزارة التعليم، والمجلس البلدي، القرار بشأن كيفية سير الدراسة للأطفال والفتيان، إن كان بالحضور المباشر للمدرسة، أو إعادة تقسيم عدد الطلاب في الصفوف الدراسية، أو أن يكون التعليم مختلطا ما بين الحضور المباشر وعبر تطبيق الزوم، لمنع اكتظاظ زائد في المدارس.
كذلك فإن الحكومة تطرح فكرة اجراء فحوصات سريعة لطواقم المعلمين، وللطلاب الذين هناك شك في إصاباتهم، خاصة وأن الموجة الجديدة تطال الأطفال بالذات، بمعنى من هم دون 18 عاما، وحتى أن الحديث عن إصابات لأطفال دون سن 12 عاما، وعلى هذا الأساس انطلقت حملة تطعيمات في شهر تموز الماضي للأطفال والفتيان من عمر 12 وحتى 18 عاما، فيما بدأت دعوات لتطعيم من هم أصغر. في الوقت الذي بدأت إسرائيل، كما ذكر، بتقديم وجبة التطعيم الثالثة لمن هم فوق 60 عاما.
وعلى الأغلب فإن كل هذه التعليمات قد تنقلب رأسا على عقب، بحسب تطورات تفشي كورونا في الأسابيع الأربعة المتبقية حتى افتتاح السنة الدراسية المدرسية، ولكن منذ الآن، فإن نقابة المعلمين الإسرائيلية تعترض على التعليمات بسبب كثرة التعقيدات فيها.
وقالت رئيسة نقابة المعلمين، يافه بن دافيد، في تصريحات إعلامية، إنه لا يمكن وصف خطة افتتاح السنة الدراسية وعودة الطلاب إلى المدارس، بأنها خطة مدروسة بالقدر الكافي، "مثلا، فكرة اجراء فحوصات سريعة في المدارس، لا يمكن تطبيقها، فنحن نتحدث عن 4 آلاف مدرسة ابتدائية، ولنأخذ معدل وجود 500 طالب في كل مدرسة. كيف يمكن السيطرة على عدد كهذا؟ هذا غير قابل للتطبيق، ويتطلب موارد وقوى عاملة كثيرة"، مضيفة أن تصريح الأهل حول وضعية أبنائهم الطلبة لم ينجح أيضا.
وأضافت: "نحن قبل شهر من افتتاح السنة الدراسية، لا يوجد من يعلم كيف سيتم إدارة التعليم. هل ستكون الكمامات إلزامية؟ هل سيكون يوم تعليم كامل؟ كيف تتوقعون من طفل في السادسة من عمره أن يجلس 6 ساعات مع كمامة بشكل متواصل؟".
وعارضت نقابة المعلمين اقتراح العودة إلى ما تسمى "خطة الكبسولات"، أي تعليم مجموعات طلابية صغيرة، بالحضور المباشر. وقالت إن هذا يعني أن جزءا من الطلاب سيبقى في المنزل والجزء الآخر في المدرسة في هذه الحالة، وهو أمر مرفوض، وأكدت النقابة أن الحل هو إعادة جميع الطلاب إلى مقاعد الدراسة، ولكن على الوزارة منح المدارس الموارد الكافية من أجل فصل الصفوف وتقسيمها إلى أعداد صغيرة من الطلاب.