خصّص مراقب الدولة الإسرائيلية، في الجزء الثاني من تقريره لهذا العام، والموسوم بـ (70 ب)، فصلا بعنوان "مكافحة الجريمة بواسطة العقوبات الاقتصادية". وهو يفتتح كالتالي: في العقدين الأخيرين ازدادت القناعة لدى سلطات إنفاذ القانون في البلاد والعالم، بأن العقوبات والسجن والغرامات والقانون الجنائي هي أدوات غير كافية لمحاربة جميع أنواع الجريمة، وعلى وجه الخصوص ما يعرّف كـ "الجريمة الخطرة والمنظمة". وتمت على هذا الأساس بلورة خطة للإنفاذ القانوني الاقتصادي وهدفها الأساس نفي إمكانية الانتفاع المادي لدى المخالف حين يرتكب جريمته.
كانت الحكومة الإسرائيلية قررت منذ العام 2006 تشديد مكافحة الجريمة المنظمة بواسطة إقامة هيئة تضم أذرع قانونية عدة بينها الشرطة، النيابة، الوصي العام، سلطة الضرائب وسلطة منع غسل الأموال. وفي العام 2018 انضمت إسرائيل الى المنظمة الدولية Financial action task FORCE وهي تضم 37 دولة ومنظمتين إقليميتين تركز العمل ضد ممارسات غسل الأموال، وهذه تعني، بحسب تعريفها في المنظمة، تمويه الممتلكات التي تم الحصول عليها واقتناءها نتيجة لممارسة إجرامية لتبدو ذات طابع قانوني لهدف منع تعقب مصادرها غير القانونية. تلك المنظمة انطلقت من أن محاربة غسل الأموال هي خطوة استراتيجية أساسية في محاربة الجريمة المنظمة وخصوصا في مجال المخدرات، المقامرة والتجارة بالبشر، مما يتطلب تعاونا دوليا لتحقيق هذا الهدف.
يقول تقرير المراقب إنه تم قبول إسرائيل بعد استيفائها معايير دولية تحددها تلك المنظمة وحتى أنه تم تدريج إسرائيل كإحدى أكثر الدول تطبيقا لسلطة منع غسل الأموال بعد الولايات المتحدة وبريطانيا. ويستدل أن إحدى أهم الوسائل التي أتاحت النجاح هي مصادرة الممتلكات التي بحوزة المجرم المُدان ونقلها الى ملكية الدولة بأمر قضائي. "هذا حمل رسالة معيارية مهمة أقوى أثرا من الرسالة التي يبثها الاجراء الجنائي بحد ذاته"، يضيف.
لكن، على أرض الواقع تستصعب سلطات إنفاذ القانون وضع اليد على ممتلكات مرتبطة مباشرةً بتنفيذ الجريمة، وذلك بسبب طرق غسل الأموال التي تزداد براعة بمرور الوقت. ومن أجل مواجهة هذه الصعوبة نص قانون منع غسل الأموال أنه يمكن مصادرة ممتلكات "معادِلة القيمة"؛ أي أنه لا حاجة لمصادرة ممتلكات مرتبطة مباشرة بتنفيذ الجريمة، وإنما ممتلكات أخرى بنفس قيمتها تكون بحوزة المخالف.
خلفيّة حول واجب وطرق التصريح عن حركة الأموال عبر الحدود
وفقاً للقانون والأنظمة المعمول بها، كما تفيد الوثائق الرسمية لوزارة العدل، يسري بموجب قانون منع غسل الأموال من العام 2000، وأنظمة منع غسل الأموال (طرق التصريح عن أموال عند الدخول إلى إسرائيل أو الخروج منها) من العام 2001، واجب التصريح على إدخال/ إخراج أموال من إسرائيل، وتشمل عُملات نقديّة، حوالات بريديّة، حوالات مسافرين، شيكات مصرفية، أوراق قابلة للتداول وبطاقات الدفع.
بشكل عام، المبلغ الذي يستوجب التصريح عنه هو 50 ألف شيكل أو أكثر. عند الدخول والخروج من قطاع غزّة أو الدخول والخروج عبر المعبر الحدودي البري مع الأردن، المبلغ الذي يستوجب التصريح عنه هو 12000 شيكل أو أكثر.
تقول الوزارة: إن المكافحة الدوليّة للجريمة، وخصوصاً في مجال المخدّرات الخطيرة والجرائم الصعبة الأخرى، يرتكز، في العقد الأخير، على ظاهرة غسل الأموال، التي ينفّذها أساساً تجّار المخدّرات وأفراد المنظمات الإجراميّة، بحنكة ودهاء يتطوّر مع الزمن، كوسيلة للمحافظة على أرباح أعمالهم المخالفة للقانون. غسل الأموال هو إجراء عمليّة ما في الممتلكات، بواسطة النظام الاقتصاديّ أحياناً، بهدف استيعاب الممتلكات، التي مصدرها عمل إجراميّ، ضمن ممتلكات ذات طابع قانونيّ وساذج، لإخفاء المصدر غير القانونيّ للممتلكات. طرق غسل الأموال كثيرة ومتنوّعة، لكنّ القاسم المشترك لأغلب هذه الطرق هو استغلال نجاعة، حوسبة، وعولمة النظُم الاقتصاديّة العالميّة ضمن عمليّة ممنهجة في استخدام هذه النظُم، بهدف إيداع أموال ونقلها من مكان إلى آخر بتمويه هويّة أصحابها، ومصدرها.
المسار يتضمّن، فيما يتضمّنه، عمليّات "وضع" الأموال، وهي غالباً مبالغ نقديّة كبيرة، في إطار اقتصاديّ مشروع بطريقة تخفي قدر الإمكان مصدرها الممنوع بحيث من الصعب أن يُضبَط. المسار يتضمّن عمليّات اقتصاديّة مشروعة أخرى؛ كتغيير العملة، إيداع وسحب أموال، وغير ذلك من العمليّات التي تجري بين أطراف عديدة في دول مختلفة. العمليّات المذكورة تجري عن طريق "استيعاب" الممتلكات في النظام الاقتصاديّ المشروع، بحيث لا يمكن العودة إلى مصدره الإجراميّ.
أكثر الوسائل استخداماً في غسل الأموال
1. تهريب الأموال النقديّة إلى دول فيها الرقابة واهية على العملات، وقوانين السرّيّة المصرفيّة مشدّدة ولا تتضمّن وجوب التصريح عن عمليّات مصرفيّة مشكوك فيها.
2. تحويل إلكترونيّ ملفَّق للأموال، كخطوة أولى لمَوضَعَة الممتلكات في إطار اقتصاديّ معترف به.
3. "تركيب" أو تجزئة إيداعات وتحويلات لمجموعة عمليّات معفاة من وجوب التصريح والتوثيق، حيث يسري هذا فقط على عمليّات مصرفيّة بمبالغ معيّنة.
4. استخدام شركات وهميّة كقناة لنقل الأموال، وكذلك استخدام شركات "في الواجهة" ذات أعمال مشروعة؛ هي بشكل عامّ شركات لديها حركة من السيولة النقديّة العالية التي من الصعب تتبّعها، ويتمّ التلاعب بالتقارير التجاريّة للشركة نفسها.
5. تضخيم الأرباح الماليّة في التقارير المقدّمة للسلطات.
6. استيراد وتصدير بحسابات مزوّرة بها تقدير مضخّم للبضائع.
7. إقامة نُظُم مصرفيّة مخادعة، تمكّن من تنفيذ تحويلات إلكترونيّة دوليّة للأموال.
8. استخدام صرّافي أموال لعمليّات تغيير العملة وتحويل مبالغ كبيرة من الأموال.
9. صفقات لـ "قروض" وهميّة.
10. شراء ممتلكات ذات قيمة (ألماس، ذهب، أعمال فنّيّة، عقارات).
11. استثمار أموال في شركات غنيّة في المجال التجاريّ (مقاولات، تأمين، شركات استثمار).
12. استخدام شخصيات وشركات "ساذجة" لتنفيذ صفقات مبيِّضة للأموال.
تجري كل هذه العمليّات من خلال استغلال قواعد السرّيّة المصرفيّة، وكذلك من خلال استغلال اهتمام الدول باستثمارات ماليّة واقتصاديّة كبيرة في مجالها، إلى درجة تجاهل مصدر الأموال المستثمرة.
139 وحدة استخبارية مالية ناشطة اليوم في العالم
هناك وحدة خاصة مسؤولة عن مصادرة الممتلكات وهي تعالج طيفا واسعا منها يشمل الأراضي والعقارات، الشيكات، الشركات، السيارات، حسابات بنكية، وحتى ملفات استثمار وائتمان. كان حجم ما تمت مصادرته في نهاية 2018 نحو 817 مليون شيكل منها 183 مليون شيكل تم إقرار مصادرتها بشكل نهائي. هذه الوحدة تدير الأموال من خلال ثلاثة صناديق مخصصة لهذا الهدف مثلما تنص عليه عدة قوانين بينها قانون العقوبات وقانون مكافحة المخدرات الخطيرة وقانون مكافحة الاتجار بالبشر.
بين أهم وظائف الوحدة إقامة علاقات مع هيئات استخبارية مالية موازية خارج البلاد. المنظمة الدولية تجمع اليوم 139 وحدة استخبارية مالية ناشطة في العالم والتي تستوفي شروط عتبة الحد الأدنى للمنظمة.
تكسب العضوية في المنظمة للسلطة، بين أمور أخرى، الحق في الاتصال بشبكة الإنترنت الآمنة للمنظمة والتي يمكن بواسطتها تبادل معلومات مع وحدات استخبارية موازية. بالإضافة إلى ذلك، تتيح هذه العضوية إمكانية معرفة شخصية مع أصحاب الوظائف الكبيرة في الوحدات الاستخبارية الموازية، مما يسهل تبادل المعلومات بين السلطة وبين هذه الوحدات، وتتيح كذلك التوقيع على مذكرات تفاهم لتبادل المعلومات. يستند نقل المعلومات على مبادئ التبادلية والسرية. وتقول وزارة العدل إن العضوية في المنظمة ترسخ من مكانة إسرائيل كدولة شريكة في الحرب الدولية ضد غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
في شهر شباط 2016 تمت الموافقة على انضمام اسرائيل كمراقبة الى مجموعة FATF ومهمتها قيادة الجهود الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك اعتبارا من حزيران 2016.
كذلك، بدءاً من شهر كانون الثاني 2006، تعمل السلطة كمراقبة ناشطة في منظمة تابعة للمجلس الأوروبي، ويعمل أصحاب وظائف في السلطة أيضاً كمقيّمين عالميين من قبل المنظمة لفحص استيفاء الدول للمعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وكذلك تشارك في مشاريع دولية في مجالات غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
فجوات ومعيقات تصعّب تطبيق إجراءات مكافحة الجريمة المنظمة
في العام 2012 تم تعيين مجلس لتوجيه نشاطات هذه الصناديق وهذا المجلس يعمل تحت إمرة وزارة العدل ويقرر كيفية توزيع الأموال المتراكمة وفقا لمعايير محددة. يتضح من تحليل نشاطات العقوبات الاقتصادية التي تم في إطارها وضع اليد ومصادرة ممتلكات، أن معظم العمليات تمت في مجال مخالفات الضريبة، الاحتيال، الرشاوى وخيانة الأمانة. مثلا وفقا لمعطيات الشرطة، 96% من الحالات كانت مرتبطة بمنع غسل الأموال، 2% متعلقة بمكافحة المخدرات، 1% وفقا لأمر القانون الجنائي و1% فقط وفقا لقانون مكافحة منظمات الجريمة وقانون مكافحة الإرهاب. ولذلك فإن المراقب يعرض الفجوات والمعيقات التي ما تزال تصعّب تطبيقا أوسع لهذه الإجراءات في مجال مكافحة الجريمة المنظمة. وهو يقول إنه قد فحص بين أشهر شباط حتى تموز 2019 مكافحة الجريمة المنظمة بوسائل اقتصادية ومصادرة ممتلكات وتم إجراء استكمال التحقيق في شباط 2020. الرقابة شملت الشرطة، النيابة والأذرع المتعلقة بالمصادرة ووضع اليد.
وعودة إلى العام 2006، فقد أٌقيم بعد تبني الحكومة لاستخدام وسائل الملاحقة الاقتصادية طاقم قيادي وظيفته تحديد سياسة مكافحة الجريمة المنظمة والخطرة ويترأسه المستشار القانوني للحكومة وبين أعضائه عدد من رؤساء سلطات إنفاذ القانون ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. تقرير مراقب الدولة السابق عام 2016 أوصى بأن يعمل هذا الطاقم على إعطاء حلول بنظرة منظومتية عامة وليس كهيئة تعالج قضايا عينية محددة. ولكن وفقا لما تبين فهذا الطاقم لم يستوف قدرته الكاملة والكامنة في جَمع رؤساء جميع أذرع إنفاذ القانون معا، ولا ينجح في بلورة أولويات أبحاثه، واجتماعاته لا تتم بشكل منتظم وناجع، بل تحولت إلى لقاءات تطرح فيها معطيات في قضايا محددة وأحيانا بدون اتخاذ قرارات عملية وبدون تحديد الجهة التي يفترض أن تشرف على تطبيقها.
لقد قبل المستشار القانوني للحكومة تلك التوصيات وأوكل لقائم مقامه بالعمل على تطبيقها. ولكن منذ إقامة هذا الطاقم برئاسة قائمقام المستشار القانوني وحتى موعد إنهاء تقرير الرقابة هذا، عقد 6 اجتماعات وتم فيها تحديد صلاحيات وتوزيع مهام. ولكن بسبب مشاركة عشرات المسؤولين فيها، لا يتسنى إجراء بحث معمق وناجع. ويغيب على نحو دائم مسؤولون كبار عن الاجتماعات والأبحاث مما يصعّب اتخاذ قرارات عملية، ويحول الأبحاث إلى مجرد استعراض معطيات ومحاضرات إثراء فقط بدون أي جانب تطبيقي. ومن هنا يوصي المراقب بتغيير نمط عمل هذه الهيئة بما يجعلها قادرة على اتخاذ قرارات عملية لتطبيق السياسات.
وزارة العدل لا تقدّم معلومات وفقاً لقانون حرية المعلومات
يتوقف المراقب عند مسألة توفير المعطيات والمعلومات للجمهور، فيقول إنه وفقا لقانون حرية المعلومات يتوجب على وزارة العدل أن تنشر تقريرا سنويا يشمل معلومات حول نشاطها ومجالات مسؤوليتها، وظائفها وصلاحياتها. ويضيف أن الوزارة تنشر فعلا العديد من التقارير عن مختلف المجالات، ولكن في إطار التقرير السنوي ليس هناك أي تطرق لعمل المجلس المسؤول عن مصادرة ووضع اليد على الممتلكات، وحجم توزيع الأموال على الأجسام المسؤولة عن إنفاذ القانون. ويؤكد أن قرارات هذا المجلس معنية باستخدام موارد عامة فلذلك يوصي مكتب المراقب وزارة العدل بفحص نشر تقرير حول نشاطات المجلس بما يتضمن تفصيلا للقرارات المتعلقة بشكل توزيع الممتلكات والأموال المصادرة، وذلك للحفاظ على الشفافية وثقة الجمهور.
ثم يتوقف عند المعيقات في مراحل التحقيق المختلفة فيقول إن تنجيع هذه الإجراءات تطلب تغييرات بنيوية وتم إدخال تعديلات في قسم التحقيقات وقسم تطبيق الإجراءات الاقتصادية. هناك عدة "خلايا" مسؤولة عن مجالات مختلفة وطواقم في مختلف الألوية وطاقم فيما يسمى "حرس الحدود" وآخر في وحدة مكافحة الجريمة 433. مجمل هذه الأذرع مسؤولة عن العثور على ملفات غسل أموال وتحديد أهداف للملاحقة والتحقيق والمباشرة بتحقيقيات وتركيزها.
الأمر نفسه ينطبق على النيابة العامة التي وضعت أمامها هدفا مركزيا لزيادة نسبة مصادرة أموال الضالعين في الجريمة والمخالفات. وقد أجرت عدة تغييرات بنيوية وتنظيمية. وتم تعيين موظفي نيابة مسؤولين مباشرة عن هذا الجانب ليعملوا مباشرة ويرافقوا طواقم تحقيق وتوفير المشورة القانونية الضرورية لهم.
يكشف تقرير المراقب عن أن هناك إشكاليات في الانتقال من مرحلة التحقيق إلى مرحلة تقديم الدعاوى ولوائح الاتهام. وبكلماته: "هناك عنق زجاجة بين انتقال الملفات من الوحدات المتخصصة بالتحقيق إلى الجهات التي تعالج الدعاوى المختلفة. كذلك فإن تحديد الأهداف لوحدات التحقيق لا يأخذ بالاعتبار قلة الموارد ومحدوديتها بشأن مواصلة سلسلة إنفاذ القانون، مما يخلق فجوة جدية بين زيادة عدد ملفات التحقيق التي يتم فتحها في الشرطة والسلطات الأخرى المتعلقة بالتحقيق، وبين مصادرة ممتلكات وقدرة جهات الادعاء على معالجة تلك الملفات وتطبيق المصادرات".
على سبيل المثال، في العام 2018 أشار ممثل وزارة المالية إلى هذه المشكلة بالكلمات التالية: "يبدو أن المشكلة لا تكمن في التحقيقات وإنما في تتمة السلسلة. إنها تتعلق أكثر بمسألة مسؤولي النيابة. فحتى لو أحضرنا 100 محقق آخر إلى سلطة الضرائب سيظل هذا بلا معنى إذا لم تتم زيادة في وظائف موظفي النيابة. يجب أن نصل إلى وضع من العلاقة المعقولة بين عددهم وبين عدد الملفات".
من هنا يؤكد أنه يتوجب على وزارة العدل، وزارة الأمن الداخلي وقسم الميزانيات في وزارة المالية إجراء بحث مشترك يتناول الفجوات بين منظومة التحقيق ومنظومة الادعاء وفحص طرق المعالجة، من خلال احتياط القوى البشرية العاملة والموارد المخصصة لوحدات التحقيق مقابل تلك الموازية في النيابة وسلطة الضرائب.
سياسة تسريع إنهاء الملفات أدى إلى إغلاق العديد منها دون نتائج
من نتائج هذه الفجوة: تبين في فحص إضافي في كانون الأول 2019 أن حجم الممتلكات المصادرة تراجع من 1.3 مليار شيكل إلى 800 مليون شيكل. ويتضح أن السبب في التراجع هو قيام النائب العام بتحديد سياسة مفادها اتخاذ قرارات وإنهاء ملفات بشكل أسرع مما أدى إلى إغلاق العديد من الملفات. كذلك يتضح أن بعض المعطيات من شهر حزيران 2019 لم تكن دقيقة. وهناك فجوة ما بين الأموال المقدرة للمصادرة في بداية الإجراء وبين ما يتبقى منها فعلا مع استكمال بناء الملفات.
وبالتفصيل، فإن تلك الأموال التي تمت مصادرتها متعلقة بـ13 ملفا ضخما، تلخصت قيمة الممتلكات المصادرة في إطارها بـ800 مليون شيكل وهناك 17 مشتبها بهم لم يحسم أمرهم بعد، رغم مرور عدة سنوات.
المراقب يقول إن المماطلة المستمرة في معالجة ملفات التحقيق تمس بثقة الجمهور في منظومة إنفاذ القانون وقد تؤدي إلى تراجع الردع، وعلاوة على ذلك فإن اختصار وتقصير أزمان معالجة الملفات التي تحتاج إلى إجراءات اقتصادية، سيزيد من نجاعة الإجراء بشكل عام بما في ذلك إجراءات إدارة الممتلكات وتطبيقها وبالتالي تقليل التكاليف المرتبطة بمراحل الإجراء المختلفة. من هنا فهو يوصي النيابة بالعمل الحثيث على ترجمة هذه التوصية.
في خلاصة التقرير الذي يتناول العام الماضي 2019 لم يتم التغلب على اكتظاظ الملفات ففي شهر حزيران بقيت 326 ملفا مفتوحا و13 ملفا تم إغلاقها لعدم توفر الأدلة وتم تقديم 14 لائحة اتهام فقط. وغياب المعالجة يؤدي إلى أضرار فادحة بقدرة الردع لدى هيئات إنفاذ القانون وهذا بالإضافة الى المساس القاسي جدا بالميزانية العامة. هذا ينجم عنه فرار مجرمين ومخالفين في مجالات الحسابات الوهمية التي تضم مئات ملايين الشواكل حيث يتملصون من الوقوف أمام المحكمة.
الصورة العامة هي أن هناك توترات وخلافات بين هيئات سلطة مختلفة مما يبقي الإخفاق على حاله. هناك مشاكل متعلقة بتوزيع العمل والمهام وتحديد قوة بشرية عاملة كافية، وتحديد المعايير السارية على الملفات. فخلافا لما تم الاتفاق عليه بين النيابة وبين سلطة الضرائب نشأت مماطلات منعت توفير حلول ناجعة متعلقة بمئات الملفات التي ظلت بدون علاج وحسم. وهي ملفات، يؤكد المراقب، يحمل علاجها أهمية مدنية عامة كبرى في مقابل الإسقاطات الهائلة المترتبة على غياب العلاج والإضرار بالميزانية العامة. فهذه الملفات استُثمرت فيها أموال كثيرة ولكن منظومة الدعاوى الراهنة غير قادرة على مواصلة العلاج وصولا إلى تقديم المخالفين للمحاكمة.