تنطلق التوصيات المقدمة إلى وزير العدل الجديد (آفي نيسانكورن ـ من "أزرق أبيض") من الحاجة الملحة إلى "تنظيم العلاقات بين سلطات الحكم الثلاث" (التشريعية/ الكنيست؛ التنفيذية/ الحكومة؛ والقضائية/ المحاكم، وفي مقدمتها المحكمة العليا). وهي تضع هذه المهمة على عاتقه شخصياً من خلال التأكيد على أنه هو المطالَب بتخطيط وتنفيذ إجراءات عملية تساعد على تسوية وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث المذكورة، على نحو يضمن ويحمي استقلالية كل منها وقدرتها على القيام بمهامها بصورة ديمقراطية.
تقوم التوصيات هنا على ثلاث ركائز أساسية هي: 1. تعريف الجهاز القضائي، في نص قانون أساس، بأنه "السلطة القضائية"، بما يؤكد ضرورة وأهمية تعزيز استقلالية السلطة القضائية المؤسساتية، سواء في مجال الإجراءات القانونية، أو الميزانيات، أو تعيين مدير المحاكم أو إدارة القوى البشرية العاملة، الإدارية أو القضائية على حد سواء. 2. سن قانون أساس خاص لتكريس المكانة الخاصة الممنوحة لقوانين الأساس وأسبقيتها على القوانين العادية، بغية تجنب إجراء تعديلات متواترة على قوانين الأساس، إلا ضمن مسار تشريعي خاص وبأغلبية 70 عضو كنيست على الأقل في قراءة رابعة (علماً بأن القراءات التشريعية لأي قانون، اليوم، هي ثلاث قراءات). وتنص هذه التوصية على عدم تضمين أي قانون أساس "فقرة التغلب" التي من شأنها، عملياً، انتزاع قدرة المحكمة العليا وصلاحيتها في مجال شطب/ إلغاء أي نص قانوني ـ قانون كامل أو بنود محددة منه ـ بدعوى أنه "غير دستوري"، لتعارضه من أحد قوانين الأساس. 3. تشكيل جهاز حكومي داخلي، حيادي، لمحاربة الفساد السلطوي. تناط بهذا الجهاز مسؤولية الكشف عن مظاهر الفساد السلطوي، العمل لمحاربتها واجتثاثها، سواء من خلال توسيع وتعميق الحماية الممنوحة ـ قانونياً ـ لكل من يكشف عن مظاهر الفساد السلطوي، تحديد التقييدات على عمل مسؤول حكومي يخضع لإجراءات جنائية أو تأديبية، تعميق وتشديد الردع وتعزيز أذرع تطبيق القوانين. ويحتاج هذا كله، أيضاً، إلى تحسين مستوى الشفافية في عمليات اتخاذ القرارات، توزيع الميزانيات العامة وطرق صرفها وغيرها.
تشمل التوصيات هنا جملة من المقترحات المختلفة، في مركزها سن "قانون أساس: التشريع" بحيث يشمل، أيضاَ وبصورة أساسية، تحديداً تفصيلياً وواضحاً، بنص قانون أساس خاص، لصلاحيات المحكمة العليا في كل ما يندرج تحت عنوان "الرقابة القضائية".
تفرد التوصيات حيزاً لتركيبة "لجنة تعيين القضاة"، طرق عملها وأدائها، وتقترح "الإبقاء على لجنة تعيين القضاة"، لكن مع إدخال بعض التعديلات الرامية إلى تنجيع عمل هذه اللجنة وتحسينه: على الوزير الجديد العمل من أجل تحديد وتثبيت التوازنات القائمة في اللجنة، من خلال صياغتها في نص قانوني مُلزم، وفي مقدمتها تقسيمة الأعضاء في اللجنة بين ممثلين عن الائتلاف الحكومي وممثلين عن المعارضة البرلمانية؛ إضافة إلى ضرورة تحسين عمل اللجنة في عدة مستويات، بما في ذلك منع تضارب المصالح، ورفع كفاءة أعضاء اللجنة المهنية، من خلال دورات تحضيرية للعمل القضائي. ويتعين على اللجنة، أيضاً، إطلاق مبادرات فاعلة من جانبها هي لضمان إدراج ممثلين عن مجموعات أقلياتية من المجتمع الإسرائيلي في لوائح المرشحين لإشغال كرسي القضاء، في درجات المحاكم المختلفة، وفي تركيبة الهيئات القضائية في الحاكم. وينبغي على الوزير التحقق من رفض وإجهاض أية محاولة لتسييس عمل لجنة تعيين القضاة وطريقة تعيينهم.
تقترح توصية أخرى تعديل أحكام أنظمة الطوارئ (الانتدابية) في الجهاز القضائي وتوزيع الصلاحيات بشأن الإعلان عن حالة الطوارئ ما بين وزير العدل ورئيس المحكمة العليا. وفي المقابل، تحسين وضبط عمل الطاقم المختص بتنظيم التشريعات الخاصة بحالة الطوارئ وبإلغاء الإعلان الدائم والمستمر عن حالة الطوارئ في إسرائيل.
وتشمل التوصيات، أيضاً، تنفيذ برنامج إصلاحي في مجال التشريع، يشمل ـ من ضمن ما يشمله ـ توفير الدعم والمساعدة الكاملين للمستشار القانوني للحكومة من أجل الاستمرار في مساعي تنظيم الجهد التشريعي، بواسطة الانتقال إلى العمل وفق برنامج تشريعي سنويّ، إلى جانب تحسين التنسيق والتعاون بين الحكومة والكنيست في هذا الجهد.
يقترح باحثو "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، في توصية أخرى، سن قانون جديد لحماية الخصوصية، وذلك في ضوء تجربة أزمة الكورونا والتحديات الجسام التي وضعتها أمام الحكومات وأذرعها التنفيذية، وخصوصاً ـ على سبيل المثال ـ في مجال رصد المواطنين ومراقبتهم بوسائل تكنولوجية متطورة، تستخدمها أجهزة المخابرات في ما تسميه "الحرب ضد الإرهاب"، تشكل ـ في محصلتها النهائية ـ اعتداء فظاً وصارخاً وخطيراً على خصوصية الأفراد، ويثير الحاجة مجدداً إلى تنظيم مسألة الحق في الخصوصية بصورة واسعة ومن خلال تعديل نصوص وأحكام قانونية قائمة و/ أو سن قوانين أخرى جديدة، بما يضمن أقصى درجات الشفافية المطلوبة في عمل تلك الأذرع الحكومية.
وتقترح التوصيات أيضاً تنظيم العلاقات ما بين النيابة العامة، دائرة الادعاء في الشرطة وقسم التحقيقات مع رجال الشرطة (ماحش)، من خلال تعميق الرقابة التي تمارسها النيابة العامة على الادعاء البوليسي، العودة إلى محاولات توحيد الادعاء البوليسي مع النيابة العامة، توسيع صلاحيات مفوض شكاوى الجمهور ضد ممثلي الدولة في المحاكم المختلفة، وتحسين العمل في مجال فحص الشكاوى المقدمة ضد رجال الشرطة، التحقق فيها ومعالجتها.
تتطرق توصية أخرى، من بين التوصيات المقدمة إلى وزير العدل الجديد، إلى ضرورة صياغة لائحة جديدة ومحدثة بالقواعد الأخلاقية والمهنية التي ينبغي أن تسري على جميع الوزراء والوزارات، استناداً إلى "توصيات لجنة شمغار" في هذا الصدد: طهارة المعايير في القطاع العام، ينبغي أن تكون ثابتة ودائمة، لا أن تتحدد وفق قرارات قضائية متغيرة تصدر عن المحاكم أو وفق حالات عينية تعقب عزل وزير قُدّمت لائحة اتهام جنائية بحقه.
تشمل التوصيات إلى وزير العدل الجديد، أيضاً، توصية بالدفع نحو إجراء إصلاح في مجال التحريض العنصري والحض على العنف، بحيث يجري تعديل مخالفتي التحريض العنصري والحض على العنف كما يرد تعريفهما في النص القانوني القائم اليوم، ليصبح في مقدور هاتين المخالفتين، في نصهما القانوني، الحفاظ على حرية التعبير من جهة أولى؛ وتوفير الحماية اللائقة للقيم الديمقراطية الأخرى من جهة ثانية.