المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

% من الجمهور الإسرائيلي يعتقدون بأن النظام الحاكم في إسرائيل "فاسد"؛ 55% يعتقدون بأن الديمقراطية الإسرائيلية تواجه خطراً حقيقياً وجدياً؛ التوتر بين اليمين واليسار السياسيين هو الشرخ الاجتماعي الأخطر في إسرائيل، يليه التوتر بين اليهود والعرب ـ هذه من بين أبرز النتائج التي ظهرت في حصيلة "مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية للعام 2019"، الذي أعده "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" وقدمه اثنان من رؤسائه (يوحنان بلسنر، رئيس المعهد، والبروفسور تمار هيرمان، رئيسة مركز غوتمان لدراسة الرأي العام والسياسات في المعهد) إلى رئيس الدولة، رؤوفين ريفلين، يوم السابع من كانون الثاني الحالي.

يشار إلى أن "مؤشر الديمقراطية" هو استطلاع للرأي العام يجريه "معهد الديمقراطية الإسرائيلية" سنوياً، منذ 17 عاماً حتى اليوم باستمرار، ويرمي من خلاله إلى تحديد التوجهات السائدة في المجتمع الإسرائيلي بشأن جملة من القضايا الهامة المتصلة بتحقيق قيم وأهداف ديمقراطية وبأداء منظومات السلطة وأذرعها المختلفة ومنتخبي الجمهور الذين يشغلون أرفع المناصب والوظائف الرسمية. ويساعد تحليل نتائج استطلاع الرأي على رسم صورة مركبة للوضع في كل ما يتعلق بتقييم الجمهور العام لمدى مناعة الديمقراطية الإسرائيلية، مستوى ثقة الجمهور العام بمؤسسات الحكم في الدولة ومدى تقييم الجمهور للخدمات العامة المختلفة التي تقدمها الدولة.

دوامة سياسية ـ حزبية خطيرة

خلال لقائه بمسؤولي "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" اللذين قدما له تقرير "مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية للعام 2019"، قال رئيس الدولة، ريفلين، إنه منذ سنة كاملة، وأكثر بقليل، تحكم في إسرائيل حكومة انتقالية، وهو ما يعني ـ بطبيعة الحال ـ أن التحديات الكبيرة، الأمنية، الاقتصادية، الاجتماعية والدبلوماسية، التي تواجه دولة إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي لا تحظى بالاهتمام والعلاج المناسبين من قبل حكومة ثابتة. وأضاف: ليس من الضروري أن يكون المرء خبيراً كي يفهم أن هذه الدوامة السياسية ـ الحزبية ـ الانتخابية التي نتخبط فيها الآن هي إشكالية، بل خطيرة ربما. خطيرة لأن ثقة الجمهور بالمؤسسات الديمقراطية ـ بالانتخابات، بالأحزاب وبالكنيست ـ قد تآكلت كثيراً. لكن، أكثر من هذا أيضاً: فإن هذا الجمود السياسي ـ الحزبي، هذا العجز وهذا الفراغ ـ هي عوامل تفتت ثقة الشعب في إسرائيل بقدرتنا على العمل سوية وعلى العيش معاً. فحين يرى الشعب قادته يرمون بعضهم بأقذع الأوصاف، يلقون الحرمان على قطاعات واسعة بأكملها ويسعون إلى الفوز بالمقاعد بواسطة استراتيجيات تقسيمية تفتيتية، فما الذي يبقى لديه للإيمان والثقة به؟

وقال رئيس الدولة إن "هذا التقرير الجديد، مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية للعام 2019، يتضمن معطى بسيطاً واحداً، واضحاً وقاطعاً: الأغلبية الساحقة من مواطني إسرائيل ـ اليهود والعرب، العلمانيون والمتدينون والحريديم، اليساريون واليمينيون والوسطيون ـ تريد العيش هنا في إسرائيل. وكلي أمل أن تكون السنة الميلادية الجديدة، التي بدأت للتو، سنة وحدة وشراكة بين جميع المجموعات والأطياف في المجتمع الإسرائيلي، بدون أي استثناء".

وقال رئيس "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، يوحنان بلسنر، إنه على الرغم من أن السنة الأخيرة تميزت بالهجوم الحاد المتكرر على الجهات المهنية وعلى أذرع ومؤسسات تطبيق القانون في إسرائيل، على مهنيتها ومصداقيتها، إلا أن هذه الهجمات ـ كما يتضح ـ لم تؤثر على مواقف الجمهور، إطلاقاً تقريباً. وكما يتبين من معطيات "المؤشر"، فإن ثقة الجمهور بالمحكمة العليا الإسرائيلية لا تزال تعادل أربعة أضعاف الثقة بالأحزاب السياسية. أما السياسيون الذين يسارعون إلى مهاجمة الجهاز القضائي ومؤسسات تطبيق القانون المهنية، فمن الأفضل لهم أن يتحلوا بقليل من التواضع قبل أن يطلقوا الادعاءات الواهمة بأنهم "يتحدثون باسم الشعب".

وقالت البروفسور تمار هيرمان، رئيسة مركز غوتمان لدراسة الرأي العام والسياسات في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، إن "مؤشر الديمقراطية للعام 2019 يكشف استمرار، لا بل تعمق، عدم رضى المواطنين في إسرائيل عن أداء الجهاز السياسي وأحزابه، إلى درجة المس بمناعة الديمقراطية الإسرائيلية". وأضافت: لقد وجدنا، في جميع المواضيع والمجالات تقريباً، أن الانتماء إلى معسكر سياسي معين هو العدسة التي يرى الإسرائيليون من خلالها المشاكل الآنية التي تواجه الدولة. ولهذا، فحين يكون اليمين راضياً، يكون اليسار غير راض ومحبطاً. والعكس صحيح أيضاً. ومع ذلك، لا يعني هذا أن ثمة اغتراباً عن المكان إلى درجة الرغبة في الانتقال للعيش في مكان آخر، وذلك ـ كما يبدو ـ نتيجة شعور قوي بالانتماء إلى الجماعة الإسرائيلية والاهتمام العميق بما يجري في الدولة.

في تقريره لهذه العام، أقحم "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" فقرة لا علاقة لها باستطلاع "مؤشر الديمقراطية للعام 2019" ولا بنتائجه العينية، أثارت جدلاً واسعاً حول مقاصد "المعهد" من هذه "الإضافة" وأهدافها. أما الفقرة التي أضيفت فوردت في سياق عرض النتائج حول ثقة الجمهور الإسرائيلي بمؤسسات الحكم والديمقراطية في إسرائيل وكان نصها: "وكان "مؤشر الصوت الإسرائيلي" الشهري الذي يجريه "مركز غوتمان" في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" قد فحص، في شهر تشرين الثاني الأخير، مدى ثقة الجمهور بالمستشار القانوني للحكومة وبالنيابة العامة، فتبين من نتائجه أن: 5ر46% من الجمهور تثق بالمستشار القانوني، أفيحاي مندلبليت، و42% تثق بالنيابة العامة للدولة".

واعتبرت أوساط سياسية وقانونية وإعلامية إسرائيلية أن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" تعمد إدخال هذه الفقرة، الإضافية التي لا علاقة لها بنتائج المؤشر للعام 2019، في محاولة منه للتصدي للهجوم الذي يتعرض له المستشار القانوني للحكومة والنيابة العامة للدولة، على خلفية أدائهما في قضية محاكمة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وتقديم لوائح اتهام ضده. لكن، أياً يكن الهدف، تبقى هذه الإضافة ـ في نظر كثيرين من الحقوقيين والإعلاميين ـ تصرفاً مرفوضاً في هذا السياق يضع علامة سؤال كبيرة حول مصداقية أداء "المعهد" ومصداقية تقرير "مؤشر الديمقراطية" برمّته.

وعقب "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" على هذه الادعاءات بالقول إن "مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية يعرض تقييما سنوياً لأداء الديمقراطية الإسرائيلية، إذ يفحص ـ سنوياً ومنذ 17 سنة متتالية ـ مدى ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة، استنادا إلى استطلاع آراء واسع يجرى بين اليهود والعرب. ومع مر السنوات، أصبح "المؤشر" علامة تجارية تؤشر على وجهات في المجتمع الإسرائيلي في القضايا الوازنة المتصلة بتحقيق القيم والأهداف الديمقراطية، كما بأداء منظومات السلطة المختلفة وأصحاب المناصب المنتخَبين".

وأضاف "المعهد" في تعقيبه إنه "على ضوء حقيقة أن معطيات المؤشر قد جُمعت في شهر أيار 2019، وكي تبقى المعطيات محدثة، فإننا نجري، إضافة إلى الاستطلاع السنوي، استطلاعات رأي شهرية حسب القواعد المهنية إياها وبالمستوى إياه من الشفافية. ونظراً لأن المستشار القانوني للحكومة والنيابة العامة للدولة كانا خلال الفترة الأخيرة في مركز الجدل العام، فقد وجدنا من المناسب فحص مواقف الجمهور حيالهما في استطلاع شهر تشرين الثاني وتضمين المعطيات المستخلصة منه في نص "البيان إلى وسائل الإعلام" الذي أصدره المعهد. ويجب التشديد على أن التمييز بين جمع المعطيات جرى بشفافية تامة في البيان إلى وسائل الإعلام، مع المحافظة التامة على المعايير المشددة للعمل البحثي المستند إلى سنوات عديدة من التجربة، المعرفة والاختصاص".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات