المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1984
  • هشام نفاع

لم يكن خبر نيّة سلطات أية دولة السماح بقطف نبتة ما، أن يثير هذا القدر من الاهتمام والتداعيات المرافق لاحتمال قيام سلطة الطبيعة والمتنزهات الإسرائيلية بالقطف المحدود لنبتة الزعتر. هنا يقف في طرفي المعادلة ندّان رمزيّان قويّان: نبتة دخلت القصيدة والقصة مثلما دخلت الصحن ورغيف الخبز، وسلطة تضرب يمنة ويسرة كلّ ما يرتبط بموروث وقيم الفلسطينيين في وطنهم. مجرّد سماع حظر قطف الزعتر، ومثله العكوب، هو نبأ يُتلقى ويُتلقّف في باب لإعلان الحروب.

وكما نقلت صحف عبريّة اهتمّت بالموضوع، لمعرفتها المساحة التي يحتلها في مساحات التوتّر قوميّ المصدر في هذه البلاد، فإنه يتم الترويج لهذه الخطوة بعد سنوات عديدة من الشكاوى التي قدمها المواطنون العرب الذين يحتجون على حظر قطف الأعشاب الرئيسية في مطبخهم. علماً بأن القرار لا يزال يتطلب موافقة نهائية من السلطة المكلفة بالطبيعة والمتنزهات. أو كما قال شاؤول غولدشتاين، الرئيس التنفيذي لهذه السلطة لصحيفة "هآرتس"، إن سياسة التنفيذ ستوضع في صيغتها النهائية في الأشهر المقبلة.

مركز عدالة لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، أخذ على عاتقه هذا الملفّ الذي يعجّ بالمضامين الحقوقية الجماعية، فتوجه الى ووزير البيئة، زئيف إلكين، مطالباً بتغيير سياستها لغرض السماح بالاستهلاك الذاتي والحفاظ على الثقافة التقليدية للمطبخ الفلسطيني مع نباتات الطبيعة المحلية.

وتشير بيانات سلطة الطبيعة إلى أنه في الفترة من 2016 إلى 2018، تم تقديم 26 لائحة اتهام على ما يسمى "مخالفات" تتعلق بقطف وحيازة أعشاب فيما ينتهك قانون الأعشاب، وتم فرض 151 غرامة. وهي غرامات باهظة تبلغ آلاف الشواكل وأحيانا يكون المبلغ بعشرات الألوف.

ضُبط مع خمسة كغم من العكوب وأُدين في محكمة!

على سبيل المثال، نشر موقع "واللا" العبري قبل أشهر أن أحد سكان قرية الرامة الجليلية الذي "أدين بقطف العكوب"، قد قدم استئنافاً ضد إدانته على أساس أن قطف هذه النبتة هو عادة قديمة كانت جزءاً من الثقافة المحلية لسنوات. وأضاف أن القطف لم يؤد إلى تهديد النبات. وقد حاجج بأن أهمية هذه النباتات واضحة في الثقافة العربية الفلسطينية الحديثة، وأكد أن التفسير القانوني الذي يعطي أفضلية للمصلحة العامة، يفترض أن يؤيد المستأنف في مقاضاة وحماية نفس الممارسات الثقافية التي لم يثبت أنها ضارة بالطبيعة أو للجمهور.

وكان قد تم القبض على الرجل، وهو رجل يبلغ من العمر 70 عاماً، قبل عامين ونصف عام من استئنافه، من قبل مفتشي سلطة الطبيعة والمتنزهات، مع خمسة كغم من نبات العكوب. وأُدين في محكمة الصلح في طبريا بمخالفة "حيازة قيمة طبيعية محمية والإضرار بقيمة الطبيعة المحمية. وتم تغريمه بمبلغ 5 آلاف شيكل".

المحامي والباحث ربيع إغبارية من مركز "عدالة" يرى في بحث أعدّه أن قوانين الحظر الإسرائيلية هذه التي أعيد تشريعها بنصوص أشد صرامة منذ 2005 تنم عن مفهوم استعماريّ للطبيعة الفلسطينية. ويكتب: عام 1977، عُدّل القانون الإسرائيليّ وفُرض منع قطف الزعتر البلديّ أو البرّيّ. في الثاني من تشرين الثاني 1977 تحديداً، وقّع أريئيل شارون، وزير الزراعة الإسرائيليّ حينها، قراراً يعدّل لائحة 'النبات المحميّ'، ضُمّت من خلاله نبتة الزعتر إلى اللائحة، بحجّة أنّ قطفه يسبّب أضراراً للطبيعة، وفُرضت بموجب ذلك على كلّ من يقطف أو يحوز أيّ كمّيّة كانت من الزعتر، عقوبات وغرامات كبيرة. حتّى ذلك الوقت، كانت البراري المصدر الوحيد للزعتر في فلسطين، إذ لم تكن زراعته منتشرة في ذلك الوقت.

ويتابع الكاتب: لكن سرعان ما بدأ زئيف بن حيروت، والذي شغل سابقاً منصب ضابط الزراعة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة عام 1967، زراعة وتسويق الزعتر بمساعدة ابنه يورام بن حيروت، في موشاف 'ألون هجليل' المقام على قسم من أراضي قرية صفّورية المهجّرة. وقد صرّح يورام، في مقابلة تلفزيونية بُثّت أوائل الثمانينيات على شاشة التلفزيون الإسرائيليّ، قائلاً: "الزعتر لديّ فخر قوميّ ... أريد أن يقولوا إنّ ’الزعتر إسرائيلي‘، وهذا الشيء بدأ يتحقّق".

شارون لم يكتفِ بملاحقة الزعتر وأصحابه بل قرّر وضع العكوب في المهداف. وكما يكتب إغبارية في بحثه: في عام 2005، حين كان أريئيل شارون يشغل منصب رئيس الحكومة ووزير الزراعة في آن واحد، أجرى تعديلاً آخر في لائحة 'النبات المحميّ'، لتشمل نبتة العكّوب أيضاً، وهي نبتة موسميّة شائكة، يشيع انتشارها في مناطق البطّوف، والنقب، ونابلس تحديداً، وتنظّف من الأشواك، وتعدّ منها أكلات فلسطينيّة شهيرة وشعبيّة. هكذا، أصبح قطف الزعتر البلديّ أو البرّيّ، وكذلك العكّوب، جريمة قانونيّة، يُخالف بسببها عشرات الفلسطينيّين سنويّاً. إدراج الزعتر والعكّوب ضمن لائحة 'النبات المحميّ' لم تكن خطوة تصريحيّة من السلطات الإسرائيليّة فحسب، إنّما وسيلة قانونيّة لمخالفة الفلسطينيّين الذين يقطفون أيّ كمّيّة كانت من الزعتر أو العكّوب الممنوعين.

يظهر من خلال بحث إغبارية أنّه بين العامين 2004 و2016، بتّت المحاكم في 61 قضيّة تتداول العكّوب والزعتر، منها 40 قضيّة تتداول قطف أو حيازة الزعتر، و21 قضيّة تتداول قطف أو حيازة العكّوب. بالإضافة إلى ذلك، شمل البحث حالتين قُدّمت فيهما لوائح اتّهام على خلفيّة قطف نبتة الميرميّة. اللافت أنّه في هذه الحالات جميعها، كان المتّهمون والمتّهمات فلسطينيّين. وعلى الرغم من أنّ لائحة 'النبات المحميّ' تحوي عشرات أصناف النبات، وعلى الرغم من استطلاعات تشير إلى أنّ الإسرائيليّين يقطفون أزهاراً برّيّة مثل شقائق النعمان، والبرقوق، وزهرة الربيع، لم تظهر محرّكات البحث في قرارات المحاكم أيّة حالة أخرى لتقديم لائحة اتّهام، عدا عن قطف الزعتر، أو العكّوب، أو الميرميّة. ومن الجدير ذكره في هذا السياق، أنّ حالات القطف لا تؤدّي جميعاً إلى تقديم لوائح اتّهام في المحاكم، فغالبيّة حالات قطف العكّوب أو الزعتر تنتهي بمخالفة القاطف بغرامة ماليّة، من دون تقديم لائحة اتّهام.

المحكمة تشير إلى العلاقة الفطرية مع النبتة لتلغيها ولتجرّمها

وفقاً للكاتب: يكشف تدقيق النظر في قرارات المحاكم الإسرائيليّة المذكورة، عن المفهوم الاستعماريّ نفسه للطبيعة، والتي تطمح الصهيونيّة من خلاله إلى ضبطها، والسيطرة على علاقة الإنسان الفلسطينيّ بالأرض ونباتها، بمعزل تامّ عن دور العكّوب والزعتر الغذائيّ، ولا سيّما مكانتيهما في الثقافة والهويّة الفلسطينيّتين. مثال على ذلك، أنّه في إحدى قضايا قطف الزعتر، استندت المحكمة إلى أقوال أحد المتّهمين بصفتها دليلاً لإدانتهم: 'اعترف المتّهمون أنّهم متمرّسون منذ طفولتهم بقطف الزعتر... أحد المتّهمين اعترف أنّ بإمكانه تعبئة كيس كامل بالزعتر خلال 3 دقائق'. في حين تربط المتّهم الفلسطينيّ علاقة شبه فطريّة بالزعتر، فإنّ المحكمة تشير إلى هذه العلاقة لتلغيها، ولتجرّمها، ولتدين المتّهم بسببها. كما أنّه في حالات أخرى، أُدين المتّهمون، وفُرضت غرامات باهظة عليهم بسبب قطف أو حيازة كمّيّة لا تتجاوز كيلو أو اثنين من الزعتر أو العكّوب.

يتوقف البحث عند قضيّة تناولت قطف بعض العكّوب، إذ أشار محامي الادّعاء العامّ إلى دور المحكمة المطلوب، كما تبنّته، حقّاً، المحكمة نفسها في غالبيّة القضايا المتعلّقة بالعكّوب والزعتر: 'على المحكمة أن تكون شريكة في محاولة الادّعاء اقتلاع هذه الظاهرة من جذورها، لكن للأسف، الكثير من المتّهمين لا يفهمون خطورة أعمالهم حين يقولون لي، بشكل شخصيّ: ’قطفت كمّيّة قليلة من العكّوب لاستخدامه طعاماً لعائلتي، وهذا جزء من ثقافتي منذ سنين’. لكنّ هذه النبتة أُدرجت ضمن لائحة ’النبات المحميّ’، وعلينا بالتالي معاقبة القاطفين على نحو يجعلهم يفهمون خطورة أعمالهم'. دون الاستناد إلى أدلّة واضحة تثبت خطورة القطف المزعومة، تتبنّى المحكمة الإسرائيليّة موقف الادّعاء غالباً، وتدين المتّهمين بالقطف، ثمّ تفرض عليهم غرامات ماليّة باهظة. لكنّ قراءة أكثر مفصّلة لنتائج البحث، توضح دور هويّة القاضي في النتيجة القضائيّة، إذ في الحالات جميعها التي كانت المحكمة تبرّئ المتّهمين من تهمة قطفهم الزعتر، كان القاضي عربيّاً. وفي هذه المفارقة ما يوضح أنّ تعامل المحاكم الإسرائيليّة وقضاتها مع قطف العكّوب والزعتر ينبع من المفهوم الاستعماريّ نفسه، المتجذّر في تاريخ الحركة الصهيونيّة، في ما يخصّ علاقة الإنسان الفلسطينيّ بالأرض والطبيعة، إذ يصعب على القاضي العربيّ أن يرى في قطف الزعتر مخالفة قانونيّة.

علماء بيئة: الثقافة الفلسطينية تضمن استدامة الزعتر

وفقاً لتقرير نشره موقع "العساس" ففي عام 1977 نشرت حكومة إسرائيل قائمة بالنباتات البرية المحمية، وكان الزعتر والميرمية ضمن النباتات التي يحظر قطفها، إضافة إلى الكثير من الزهور مثل شقائق النعمان والبرقوق، بينما في عام 2005 انضمّ إلى هذه القائمة العكوب بحجة تهديد الانقراض، وهو طعام شعبي في المجتمع الفلسطيني. وتضم قائمة حظر القطف 257 نوعاً من النباتات المهدّدة بالانقراض، في حين ضمّ "الكتاب الأحمر" الصادر عام 2007، ويحتوي "القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض" حوالي 414 نوعاً مهددّا بالانقراض بسبب التوسّع والبناء، وهناك تقاطع بين ما ورد في القائمة والكتاب بحوالي 66 نوعاً، وعلى رأسها الزعتر والعكوب.

يقول التقرير: يعتقد الكثير من علماء البيئة أن حظر قطف الزعتر غير مبرر، كون الثقافة الفلسطينية المتوارثة تضمن استدامته، فهو لا يقطف من الجذور بل تقطف سيقانه فقط، رغم ذلك ما زال قانون حظر الزعتر قائماً حتى اليوم، وبناءً عليه فكل شخص يُلقى القبض عليه وهو يقطف أو يبيع الزعتر أو حتى يُتاجر بأية كمية من النباتات البرية، يسجن لثلاث سنوات، إلا أنه عادة ما تستبدل العقوبة بغرامة مالية. أما السلطات الإسرائيلية، فهي تحاول حثّ الفلسطينيين بمساعدة جهات رسمية على زراعة الزعتر ليحلّ محلّ الزعتر البري، إلا أن معظمهم يٌصرّ على قطف الزعتر البري بالطريقة المتوارثة التي تضمن استدامته، أو كفعل احتجاجي صامت ضد ما يرونه أنه سياسة معادية للفلسطينيين.

عندما يبدأ موسم الربيع، يقول الموقع، يصبح مفتشو الطبيعة أكثر حيطة وحذراً في منطقة وادي عارة، حيث ينمو نبات الزعتر بكثافة ووفرة، ويستعد الناس في فترتين من كل عام لحصاد هذا الموسم ضمن تقليد فلسطيني قديم يجد نفسه في صراع مع التشريعات الإسرائيلية بقانون يمنع قطفه. وتتم معاقبة من يقطفون الزعتر بكميات تجارية تتجاوز الطن الواحد، بغرامة مالية تتراوح ما بين 750 شيكل حتى 10 آلاف شيكل، إذ في مناطق معينة يقطف الزعتر ليتم نقله إلى الأردن.

وحسب معطيات السلطات الإسرائيلية فبين عامي 2010 – 2016، خالف القانون حوالي 780 شخصا، إذ أدى تطبيق القانون في هذه الحالات إلى تضرر النباتات بشكل أكبر، حيث يتمّ قطف النبتة من جذورها بسبب الاستعجال أثناء القطف السريع المتعجل، وفي هذا الشأن تعمل هذه السلطات على تنظيم زيارات إلى المدارس العربية ضمن وادي عارة للتوعية ضدّ قطف هذه النباتات، عبر مرشديها الخاصين. وترتكز سلطات حماية الطبيعة في فرضها لهذا القانون على بحث أجراه الباحث بنيامين روزنبرغ، عندما كان طالباً جامعياً في منطقة الروحة المهجّرة، حيث وجد أن الزعتر المقطوف لم يتجدّد، بينما الزعتر غير المقطوف قد تجدّد ونمى، وخلص بحثه إلى نتيجة مفادها أنه يجب الاستمرار بحظر قطف الزعتر من قبل سلطات حماية الطبيعة.

العكّوب والزعتر ما بين نصوص باللغة الكولونيالية وأخرى  بلغة أهل المكان وطبيعته

 خصصت سلطة الطبيعة على موقعها (بالعبرية) صفحة بارزة عن العكوب. وهي غير موجودة في صفحتها العربية على الموقع، ربما لأنه لا يمكن إقناع أحد من أهل اللغة العربية بهذا النص.

"في فصل الصيف، يقول الموقع، يجف النبات وأوراقه العريضة تتصلب ويصير بمثابة أشرعة. تفصل الرياح التي تهب النبات الجاف عن الأرض وتدحرجه مثل الدولاب. بهذه الطريقة، ينشر النبات بذوره. اختيار العكوب للأكل هو تقليد قديم. ومع ذلك، ففي السنوات الأخيرة أصبح من الواضح أن وجود النبات في خطر. الأسباب الرئيسية لهذا: ينمو السكان الإسرائيليون كثيراً ويطلب المزيد من الناس النبتة. والعديد من المناطق التي نمت فيها المراعي في الماضي لم تعد موجودة بسبب بناء المنازل والمصانع فيها".

وتتابع هذه السلطة التي يصعب على الفلسطيني رؤيتها في سياق "حماية الطبيعة" فتزعم بأن: "استمرار التقاط العكوب كما كان من قبل، يمكن أن يدمر النبات تماماً - الأمر الذي من شأنه أن يلحق الضرر بتراثنا والمناظر الطبيعية لطفولتنا. رأينا أمثلة على القطف غير المنضبط الذي دمر النباتات بالكامل. في الضفة الغربية، على سبيل المثال، دمر القطف البري الزعتر".

طبعاً لا يشير الموقع الى تدمير الاحتلال الإسرائيلي المنظر الطبيعي لجبال الضفة لغرض تكريس وتوسيع مشروع الاستيطان الكولونيالي.

يزعم موقع سلطة الطبيعة: "أدى الوضع الحالي إلى إعلان العكوب نباتاً محمياً ويتوقع معاقبة من يقوم بقطف هذه النباتات، بالاقتران مع تشجيع هيئة الطبيعة والمتنزهات المحاولات الناجحة لزراعة المحاصيل الزراعية للعكوب، والتي قد تلبي الطلب عليه".

من الصعب عدم ملاحظة الجانب الاقتصادي بوجهيه: من جهة حظر قطف النبتة، أي منعها عن العرب، ومن جهة ثانية كيل المديح لزراعتها لأغراض تجارية.

ربما أنه في هذه النقطة المتواضعة يطلّ المشروع الصهيوني بكامل هويته الأيديولوجية الاقتصادية: إقصاء عن قيم طبيعية لغرض تحويلها الى قيم تجارية، سلع مربحة.

تجنيد الجمهور للرقابة والملاحقة.. "الأخ الأكبر" يتكلم

هناك هيئة تسمى "جمعية حماية الطبيعة" وهي غير السلطة المذكورة أعلاه، لكنها خصصت هي الأخرى مساحة للعكوب، بالعبرية فقط طبعاً. وهي تكتب على موقعها "يُعتبر جذر النبات وأوراقه ورأسه من الأطعمة الشهية لدى السكان العرب والبدو الذين يقطفونه. نتيجة لاقتلاعه يتم تقليل انتشار النباتات بشكل كبير، لأن القطف يؤدي إلى الإزهار ثم الإزهار، ولا يتم توزيع البذور. بعد اكتشاف أن النبات آخذ في الانخفاض، تقرر في عام 2005 إعلان النبات كمحمي. ومع ذلك، فإن الملاحظات التي أبداها أعضاء مدرسة سديه جولان وحيرمون من جمعية حماية الطبيعة تشير إلى أن القطف، على الأقل في الجولان، يستمر بكامل قوته، خاصة في هذه الأيام حيث يزدهر".

جيل تشامكي، مدير مدرسة "سديه جولان وحيرمون" من "جمعية حماية الطبيعة"، يزعم أن "المناطق الواسعة التي تغطيها المراعي تتقلص". وقال "إنها كانت عملية مألوفة، والتي مرت أيضا على الزعتر، وانخفض توزيعها بسبب القطف المكثف. نتيجة لذلك تم إعلان العكوب كنوع محمي، لكن ذلك لم يبطئ القطف".

موقع هذه الجمعية يحرّض الجمهور على المشاركة في الملاحقة والمراقبة والمقاضاة، فيطلب من سكان الجليل والجولان الذين يصطدمون بقاطفي العكوب أن يبلغوا عنهم، وينشر عنوان بريد الكتروني ورقم هاتف! "الأخ الأكبر للطبيعة" لا يكتفي بما يمارسه من قمع بل يجنّد عموم المواطنين برتبة مخبرين.

نصوص كتبها أهل المكان

مقابل هذه النصوص العدوانية ضد نبات المكان نقرأ نصوصاً تعريفيّة، لا أدبيّة ولا بحثيّة، كتبها أهل المكان. يقول مركز المعلومات الوطني الفلسطيني: العكوب نبتة شوكية، تنمو في أواخر فصل الشتاء وأول فصل الربيع في المناطق الجبلية والسهلية، خاصة في جبال الخليل ونابلس ومنطقة الأغوار، أوراقها ذات لون أخضر لامع زغبية عليها أوبار ذات حافة مفصصة تنتهي بأشواك طويلة، عروقها تأخذ لونا فضيا، أزهارها بنفسجية محمرة تأخذ شكل رؤوس كبيرة منفردة ذات قنابات تنتهي بأشواك تعطيها شكل النجمة. يعد العكوب أكلة شعبية فلسطينية تشتهر بها مدينة نابلس، يؤكل العكوب مطبوخاً بعد أن ينظف من شوكه، وهو مفيد جداً ونافع لتنحيف جسم الإنسان ومفيد لمن يعاني من ارتفاع الكولسترول والشحوم ولمرضى القولون العصبي وللامساك المزمن، ويساعد في الهضم ولطرد السموم. والعكوب كذلك غني بالأملاح المعدنية وخاصة البوتاس، ولتقوية الأعصاب وتنقية الدم وتقويته، وفيه أيضاً مجموعة من الفيتامينات المفيدة والمغذية للجسم، ويقال أيضاً إنه مدر للبول ومقوي للقلب وغني جداً بالألياف الهامة.

في سورية، بلد الجولان المحتلّ، كتب تحت عنوان "نبتة الجولان الأشهر والأشهى": يعتبر نبات "العكّوب" من أشهر ما تنتجه أراضي الجولان الذي يتمتّع بتنوع نباتاته وأشجاره وأزهاره، وذلك لمناخه المناسب؛ لذا تجعل فترة الإزهار في الجولان من أجمل الأماكن الطبيعة التي يراها الإنسان. المهندس الزراعي حسين محمد بكر قال: يتمتع الجولان بغطاء نباتي متنوع، وهذا يعود إلى عدة أسباب، منها: الموقع الجغرافي، والمناطق المناخية المتنوعة، إضافةً إلى التربة الصالحة لجميع الزراعات المروية أو البعلية منها، وأكثرها شهرة نبات "العكّوب". وهو جنس نباتي يتبع فصيلة النجمة، وهو نبات شائك، يُصنف من النباتات الزهرية "العائلة النجمية"، كما أنه نبات شعبي معروف، له موسم قصير، حيث يظهر أواخر فصل الشتاء وأوائل فصل الربيع، إلا أنه ينتشر بكثرة في شهر آذار، وينمو في المناطق السهلية والجبلية. إن قطاف نبتة "العكّوب" مصدر رزق لكثيرين من سكان الجولان، ويحقق ربحاً وفيراً لهم، على الرغم من أن قطافه من المهمات الصعبة، نظراً إلى طبيعة مكانه.

وعن فوائد هذه النبتة، يؤكد خبراء التغذية أن لهذا النبات الشائك فوائد صحية جمّة، حيث إنه مفيد لتنحيف جسم الإنسان، ولمن يعاني ارتفاع الكولسترول والشحوم والإمساك المزمن، كما أنه غني بالأملاح المعدنية خاصة البوتاس، والفيتامينات المفيدة للجسم، ويُقال أيضاً إنه ينقّي الدم ويقوي القلب، لكونه غنياً جداً بالألياف المهمة.

نص بسيط ثاقب في معنى الاستدامة

فاطمة نزال الطحان من قرية "كودنة" في الجولان، قالت عن العكوب: كنّا ننتظر شهر آذار لنتهيأ أنا وجاراتي لنزهة برية لالتقاط العكّوب الغض الطري في السهول والأودية المحيطة بقريتنا، وكلّ منّا تحمل (صكّها) أو كيسها القماشي و(الخوصة المعدنية)؛ أي السكين القوية المعدّة لهذه المهمة، وننطلق للبحث عن تلك النبتة التي تنتشر في قرى "زاكية" و"النقب" و"وادي العال" و"وادي الشرقي" و"بير طلب"، ومنها إلى "خور سكوفيا" و"العال"، وجميع نسائنا يعرفن أنه يجب قص ساق النبتة على مستوى سطح التربة أو تحتها بقليل، لنحافظ على جذرها سليماً؛ حيث يعاود الإنبات والنمو في العام التالي. لكوننا نعتمد على منتوجات أراضينا في الجولان، فقد كانت النساء يقطفن العكّوب لبيعه في الأسواق، وكان متاحاً لأي شخص جنيه، لكونه من أكثر النباتات انتشاراً، إضافة إلى ذلك، كنّا نقوم بتخزينه بكميات كبيرة ليبقى متوافراً طوال العام.

يجب التوقف باهتمام وتمعّن عند جملة فاطمة التالية: "جميع نسائنا يعرفن أنه يجب قص ساق النبتة على مستوى سطح التربة أو تحتها بقليل، لنحافظ على جذرها سليماً؛ حيث يعاود الإنبات والنمو في العام التالي". هل يوجد نصّ أكثر وضوحاً وبساطة وعُمقاً لمفهوم "الاستدامة". لكن هذه مسائل لا يفهمها المستعمرون!

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات