المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قدم رؤساء "معهد سياسات الشعب اليهودي"، مطلع الشهر الجاري، تقرير المعهد السنوي بعنوان "وضع الشعب اليهودي ـ التقييم السنوي للعام 2019"، إلى رئيس وأعضاء الحكومة الإسرائيلية واستعرضوا أمامهم أبرز استنتاجات التقرير وأهم توصياته، وذلك في لقاء شارك فيه من جانب "المعهد" كل من: الرئيس المشارك للمعهد، دنيس روس، ومدير عام المعهد، أفينوعام بار يوسف، والباحثين دوف ميمون وعنبال هكمان، بينما شارك من جانب الحكومة، رئيسها، بنيامين نتنياهو، وعدد كبير من الوزراء.

يذكر أن "معهد سياسات الشعب اليهودي" يعدّ هذا "التقييم السنوي" ويعرضه أمام الحكومة الإسرائيلية سنوياً منذ العام 2004 ويبحث فيه "ديناميكيات أوضاع الشعب اليهودي".

"واجب الساعة الاستراتيجي"!

وأفاد بيان صادر عن "المعهد" بأن دنيس روس قد عرض، أمام أعضاء الحكومة الإسرائيلية ورئيسها، "خارطة التحديات والفرص في المجال الجيو سياسي" وقدم معطيات "تعكس ارتفاعاً حاداً في ظاهرة اللاسامية في أنحاء العالم"، معتبراً أنها "الوجهة الأبرز التي ميزت السنة المنصرمة"! وقال إنها انعكست في "ارتفاع حاد جدا في عدد الأحداث وقوتها، والتي بلغت ذروتها في الهجومين اللذين تعرض لهما كنيسان يهوديان في الولايات المتحدة".

وحذر رؤساء المعهد من أن تفشي مظاهر اللاسامية في ظل "تقاعس السلطات المحلية المسؤولة في أوروبا عن القيام بما هو كاف ولازم لتعزيز أمن اليهود"، من شأنه التسبب "بأذى جدي للتجمعات اليهودية، خاصة وأن كثيرين من اليهود قد بدأوا يبحثون إمكانية الهجرة من هناك أو القدوم إلى إسرائيل، بينما قد يتخلى آخرون عن هويتهم اليهودية"!!

ودعا مدير عام المعهد، أفينوعام بار يوسف، الحكومة إلى إقامة "طاقم عمل خاص لمحاربة اللاسامية"، موضحاً أنه "على الحكومة الإسرائيلية إصدار تعليمات، في أسرع وقت ممكن، لإقامة طاقم خاص يتولى مهمة الرصد الدقيق واللصيق لأبعاد ظاهرة اللاسامية، إجراء تقييمات للتهديدات والمخاطر، ثم إطلاق مبادرات فعلية مقابل الحكومات، التجمعات والعناصر ذات العلاقة في المجالات المختلفة"، معتبراً أن الأمر بمثابة "واجب الساعة الاستراتيجي"!

كما عرض بار يوسف، أيضاً، معطيات تعكس ازدياداً في عدد اليهود في العالم، منوهاً بشكل خاص بالزيادة في عدد اليهود التقليديين في الولايات المتحدة، التي أصبح أبناء هذه المجموعة (اليهودية الأرثوذكسية) يشكلون نحو ثُلث اليهود الأميركان في هذه الشرائح العمرية ونحو الثلثين من اليهود في نيويورك من الشرائح العمرية ذاتها. وقال بار يوسف: "ثمة لهذه الزيادة في عدد اليهود الأرثوذكس تداعيات وآثار هامة جدا على المدى البعيد. فإلى جانب سعيها إلى تعزيز العلاقات مع التيار الإصلاحي والتيار المحافظ، يتعين على حكومة إسرائيل أيضاً دعم وتشجيع انخراط اليهود الأرثوذكس في قيادة التجمعات اليهودية في أنحاء العالم، في المجتمع الأميركي وفي السياسة، من أجل صيانة وتعميق التأثير اليهودي على الجمهور الواسع عموما".

في إطار استعراض التطورات الجيوسياسية التي حصلت خلال السنة الماضية، توقف رؤساء "معهد سياسات الشعب اليهودي" في مداخلاتهم أمام وزراء الحكومة ورئيسها عند تعميق وتمتين "العلاقة التحالفية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والرئيس ترامب" وهو ما انعكس، بشكل خاص، في نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان. وعلى الصعيد الجيو سياسي، أيضاً، حذر دنيس روس من تعاظم قوة روسيا واتساع دورها في الشرق الأوسط، رغم تقييمه الإيجابي للتعاون التكتيكي بين إسرائيل وروسيا مقابل إيران وسورية.

تراجع في تأييد إسرائيل بين الديمقراطيين

وشدد رؤساء "المعهد"، بصورة خاصة، على ضرورة تنمية وتعزيز العلاقات مع كلا الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة، وخاصة على خلفية التقاطب المتعمق والمتصاعد في أوساط الجمهور الأميركي. وأوضح هؤلاء أن "مظاهر التعاطف مع إسرائيل والتأييد لها تنتشر بوضوح بين أوساط الجمهوريين والتحالف مع الرئيس ترامب يبدو أقوى وأمتن من أي وقت مضى، لكن يوجد تراجع جدي في تأييد إسرائيل بين أوساط المعسكر الديمقراطي. وبكوننا على عتبة سنة انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة، ينبغي على إسرائيل عمل كل في وسعها من أجل المحافظة على هذا التأييد لها في أوساط كلا الحزبين".

وتطرق رؤساء المعهد إلى "صفقة القرن" التي أسموها "مبادرة السلام التي وضعها الرئيس ترامب ويسعى إلى دفعها قدما"! وقالوا إن "رفض الفلسطينيين لهذه المبادرة وغياب شريك سياسي يحتّمان على إسرائيل النظر في اتخاذ خطوات عمليّة من جانب واحد ترمي إلى إبعاد خطر الانزلاق نحو دولة ثنائية القومية". وأشار دنيس روس إلى أن "الفلسطينيين قد ينتقلون إلى استراتيجية التأييد لدولة ثنائية القومية يكون فيها لكل مواطن حق متساو في التصويت"! وأضاف أن "على إسرائيل استغلال علاقات الصداقة الحميمة مع الرئيس ترامب من أجل البحث مجدداً في بناء تحالف استراتيجي طويل المدى مع الولايات المتحدة".

من جهته، أعلن رئيس الحكومة، نتنياهو، أمام رؤساء "معهد سياسات الشعب اليهودي"، تبنيه توصيتهم بشأن إقامة "طاقم خاص لمحاربة اللاسامية"، بحيث يكون جسماً ذا صلاحيات وقدرات تنفيذية، يحصل على كل الأدوات المناسبة واللازمة للعمل المتعدد المستويات والمجالات. وقال نتنياهو إن "الطريق الوحيدة لمحاربة اللاسامية هي تعزيز العَظَمة اليهودية"! وأضاف إن اتساع ظاهرة اللاسامية يحتم على حكومة إسرائيل "الاستعداد بصورة صحيحة وناجعة لتحقيق فرص استيعاب الهجرة اليهودية، وخصوصا من الدول الأوروبية".

أما رؤساء المعهد فأوصوا، من طرفهم، بالتركيز على التوجيه المهني للمهاجرين اليهود إلى إسرائيل، من خلال الاعتراف بشهاداتهم الأكاديمية وإنشاء برنامج تأهيلي خاص لهم يسهل عليهم الاندماج في المجتمع الإسرائيلي، ناهيك عن أن دمج المهاجرين الجدد في سوق العمل بصورة سلسة يعود بفائدة كبيرة على الاقتصاد الإسرائيلي برمّته.

هذا، وبحثت الحكومة الإسرائيلية، في جلسة خاصة، توصيات إضافية أخرى قدمها رؤساء "معهد سياسات الشعب اليهودي". وشدد الوزير ياريف ليفين على خطورة "مشكلة الاختلاط" (اختلاط اليهود مع الأغيار!) بينما أكد الوزير غلعاد أردان ضرورة "إنشاء صندوق مشترك لدولة إسرائيل ويهود العالم من أجل تعميق التربية اليهودية".

يذكر أن "معهد سياسات الشعب اليهودي" (The Jewish People Policy Institute) هو مؤسسة بحثية أنشأتها "الوكالة اليهودية" في العام 2002 (وكان اسمه سابقا: "معهد تخطيط سياسات الشعب اليهودي") بهدف "دفع وضمان ازدهار الشعب اليهودي ودولة إسرائيل" من خلال "التفكير الاستراتيجي، بحث التهديدات والتحديات والفرص التي تواجه الشعب اليهودي، وتخطيط سياسات مهنية وبدائل استراتيجية في قضايا الأساس التي تخص الشعب اليهودي".

يتولى رئاسة المعهد اليوم يهوديان أميركيان هما ستيورات آيزنشتات، السفير ونائب وزير الخارجية الأميركي سابقاً، ودنيس روس، المستشار السابق لثلاثة من الرؤساء الأميركيين (من كلا الحزبين، الديمقراطي والجمهوري) ومسؤول ملف "العملية السياسية في الشرق الأوسط" في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية.

ويقوم مقر المعهد في حرم "الجامعة العبرية" في القدس، في تلة الشيخ بدر (غفعات رام).

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات