على الرغم من مرور قرابة أسبوعين على سنّ الكنيست "قانون القومية"، الذي يُعرّف إسرائيل بأنها "الدولة القومية للشعب اليهودي"، ويمنح أفضلية للغة العبرية على اللغة العربية، وللاستيطان اليهودي، كما يمنح حصرية تقرير المصير في إسرائيل لليهود فقط، ويعتبر القدس الموحّدة عاصمة أبدية لإسرائيل، فإن هذا الموضوع ما يزال الشغل الشاغل للأنباء المركزية في إسرائيل، ولكن بقدر أكبر لكتّاب المقالات وصنّاع الرأي وشتى المحللين.
وقد برز في الأيام الأخيرة ما كتبه وزير التربية والتعليم السابق في حكومة بنيامين نتنياهو السابقة، الحاخام شاي بيرون، وهو مستوطن من مستوطنة أورانيت، الأقرب إلى خط التماس في الضفة الغربية مع مناطق 1948. وكذلك مقال المؤرخ المعروف شلومو ساند، مؤلف كتب "اختراع الشعب اليهودي" و"اختراع أرض إسرائيل، و"لماذا لم أعد يهوديا"، وهي كتب مترجمة للعربية، وصادرة عن مركز "مدار" في رام الله.
وقد نشر بيرون مقالا في صحيفة "يديعوت أحرونوت" تحت عنوان "خلل أخلاقي"، أكد فيه على كونه صهيونيا "فخوراً"، وقال: "أنا مع قانون القومية. وواضح أن هناك قيمة للتصريحات، وللإعلانات. هذا القانون ما أن نزعت منه كلمة "مساواة"، حتى جعل إسرائيل دولة أخرى مختلفة عن تلك التي أقيمت. جدي وجدتي، هو من أوروبا وهي من أفريقيا، عانيا الأمريّن لأنهما لم يحظيا بالمساواة. انعدام المساواة ليس خللا دستوريا فقط، بل إنه خلل أخلاقي. فقد ضربا واضطهدا وطردا، وجاءا إلى هنا كي يقيما "مملكة النقيض"؛ دولة تقرر هويتها بلا خوف، لكن تحرص على أقلياتها، تعطيها مكانا متساويا".
وتابع بيرون "هل فقط من هو مستعد أن يموت معنا يستحق المساواة؟ ماذا كان سيحصل لو لم يعقد الدروز معنا حلف الدم؟ وهل من الأخلاقي والمناسب أن نشتري مكانتهم في البلاد بالميزانيات؟! وماذا عن الشركس؟ وماذا عن البدو الذين بيد واحدة نحاول أن نقربهم وبالثانية نبعدهم؟ وماذا عمن هاجر إلى البلاد وأمه ليست يهودية؟ متى أصبحت عدوة الصهيونية؟ الدولة لا يفترض بها أن تسن قانونا قوميا بأغلبية 62 نائبا. أنا أدعو إلى سن قانون بروح وثيقة الاستقلال التي وقع عليها الآباء المؤسسون من اليمين ومن اليسار!".
وقال المؤرخ شلومو ساند، في مقال له في صحيفة "هآرتس"، تحت عنوان "قانون القومية لا يشذ عن التراث الصهيوني"، إن صرخات مراسلين وكتاب مقالات وقانونيين ومفكرين بأن هذا القانون عنصري يعارض روح الصهيونية التقليدية تبدو حقيقية، لكن يظهر لي أنه حتى مع إزالة البند الذي خصص بصورة صريحة لإعطاء شرعية قانونية لإنشاء بلدات خاصة باليهود، فإن كل مكونّات القانون الأخرى، وبالرغم من الرائحة المتعجرفة التي تفوح من صياغتها، لا تشذ بصورة كبيرة عن التراث الصهيوني المركزي.
وتابع ساند "هل يوجد أحد ممن يحتجون ضد القانون سأل نفسه: هل كان بإمكان المشروع الصهيوني أن يتحقق دون سياسة عنصرية مركزية (تتمركز حول الذات)، تسمى في اللغة الصحافية والشعبية عنصرية؟ أي لو لم يكن زعماء الصهيونية منذ بداية القرن العشرين قد حرصوا على أن تكون المستوطنات نقية، ولم يحاولوا أن لا يتم تضمين الأطفال العرب في برامج "إحياء اليباب"، هل البنية التحتية لبناء مجتمع يهودي حصري كان يمكن أن تأخذ شكلها الحالي؟".
مركز "عدالة"
وأصدر مركز "عدالة" ورقة موقف حول "قانون القومية"، أكد فيها أنه معادٍ للديمقراطية ويدعم التمييز ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل والفلسطينيين في القدس الشرقية والسوريين في الجولان المحتل ويشرعنه دستورياً.
وأكد المركز في ورقة الموقف أن "قانون أساس القومية" يقع ضمن حدود المحظورات المطلقة بموجب القانون الدولي، وبالتالي فهو غير شرعي كقانون استعماري له خصائص الفصل العنصري (أبارتهايد).
وقال "عدالة" إن "هذا القانون المناهض للديمقراطية سيضمن دستورياً، لأول مرة، هوية إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي. سيضمن طابعها العرقي - الديني الخالص كدولة يهودية ويرسخ الامتياز الذي يتمتع به المواطنون اليهود، بالمقابل سيتم ترسيخ التمييز ضد المواطنين الفلسطينيين وإضفاء الشرعية على الإقصاء والعنصرية والتمييز المتأصل، وهذا القانون يبرز العناصر الأساسية للفصل العنصري، مثل الفصل في السكن وإنشاء مسارين منفصلين للمواطنة على أساس الهوية العرقية والدينية".
وشدد على أن "يهودية الدولة الإسرائيلية ستتجاوز أي مبدأ دستوري أو أي قانون آخر، وستتجاوز حتى إرادة الكنيست نفسه. ومن المفترض أن يضمن الدستور دولة لجميع مواطنيها. ويجب ألا تستبعد صراحة المواطنين الفلسطينيين والأقليات غير المهاجرة الذين يشكلون 20 بالمئة من سكان إسرائيل".
وتحت عنوان: "ما الجديد في قانون القومية الذي يختلف عن واقع الممارسة؟"، جاء في ورقة "عدالة":
"منذ العام 1948 استندت سياسة التمييز ضد الفلسطينيين إلى مبادئ تقوم على فوقية اليهود، وتدعم تهويد الحيز وتقليل النسبة الديموغرافية للفلسطينيين، بما في ذلك إنكار حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة. ومع ذلك، هناك فرق بين ممارسات عرقية وعنصرية، وقانون يلزم، كقيمة مؤسسة، التعامل بعنصرية. الآن، تكتسب الممارسة العنصرية دعماً دستورياً قادراً على نقل رسائله الواضحة إلى جميع أنظمة الحكم، ويلزمها بموجب القانون بالتمييز ضد العرب. وبذلك، فإن قانون الأساس يحول التمييز إلى مبدأ دستوريٍ، ومنهجيٍ، ومؤسساتيٍ، وكأحد أركان النظام القانوني الإسرائيلي. وبخلاف الممارسة اليومية التي يمكن الادعاء بعدم صلاحيتها لكونها تخالف مبدأ سيادة القانون، يعلن هذا القانون عن نيته الواضحة بتحقيق أهدافه، ويحول الممارسة غير المقبولة إلى تعبير عن مبدأ سيادة القانون. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى العلاقة بين النكبة وقانون أساس القومية. فتداعيات النكبة الفورية، المتعلقة بالأساس بفقدان الشعب الفلسطيني لوطنه وتدمير مجتمعه، تم تحقيقها وكل ما ترتب عليها، بشكل رئيسي، من خلال الممارسات التي استندت عليها السلطات الحاكمة. لكن الآن، يسعى قانون الأساس هذا إلى تخليد هذه الممارسات بشكل واضح وصريح، وعلى رأسها إنكار حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في وطنه".
وخلصت ورقة "عدالة" إلى الاستنتاج التالي: "يدخل قانون القومية إلى حيزٍ ممنوع، لأنه يحيّد منظومتي القانون الوحيدتين، اللتين تعتبران شرعيتين في نظر القانون الدولي: منظومة قانون الدولة التي عليها أن تركز على مبادئ المساواة أمام القانون وسيادة القانون، وتعليمات وأنظمة القانون الدولي الإنساني السارية على الأرض المحتلة، والتي تحظر ضمّ الأراضي والتمييز وفرض الهوية الدستورية على السكان من قبل القوة المحتلة، ويشمل ذلك محاولات خلق علاقات ولاء لهذه الهوية وقوانينها من قبل السكان، دون موافقتهم.
"ويؤدي هذا التحييد لمنظومتي القانون أعلاه أيضاً إلى إنكار حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، بشكل مخالف لما ورد في ميثاق الأمم المتحدة، كما يؤدي هذا التحييد إلى الدخول إلى مجالٍ محظور: النظام الاستعماري. ويتجلى هذا النظام في فرض هوية دستورية على الفلسطينيين الأصلانيين (المواطنون والسكان) تلغي علاقتهم بوطنهم دون موافقتهم، ويعزز التفوق العرقي اليهودي والسيطرة. هذا النظام الكولونيالي هو من نوع الأنظمة التي تدخل ضمن المحظورات المطلقة وفقاً للاتفاقية الدولية التي تعتبر ممارسات الفصل العنصري، بما في ذلك التشريع، جريمة ضد الإنسانية.
"إنّ الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها التي تنص على أنّ الفصل العنصري (الأبارتهايد) هو جريمة ضد الإنسانية، تحيل إلى تعريف التمييز العنصري المشمول في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، حيث يُعرَّف "التمييز العنصري" في المادة 1 للاتفاقية بأنه يشمل أي تفريق أو إقصاء أو تقييد أو تفضيل، على أساس الانتماء العرقي أو القومي، بشكل مقصود أو في امتحان النتائج، من خلال خلق تأثير يؤدي إلى إضعاف أو إبطال المكانة المتساوية في تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية في ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو أي مجال آخر من الحياة العامة.
"كما يُعرَّف الأبارتهايد في البند رقم 2 لاتفاقية الأبارتهايد كجريمة تشمل أيضاً إصدار تشريعات، هدفها خلق شيطنة وتراتبية ممنهجة من قبل مجموعة ضد مجموعة أخرى بحيث تؤدي إلى واقع من القمع، والإقصاء المنهجي على مستوى حقوق الإنسان، وفي مجالات الحياة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية.
"إنّ قانون أساس القومية، يعلن عن نيته بالتمييز ضد العرب في معظم المجالات الأساسية والأكثر أهمية والتي تجعل المواطن مواطناً، والمقيم مقيماً، وكذلك جعل من يعيش تحت الاحتلال محمياً. إنه يقصي ويميز ضد العرب في مجالات المواطنة، والممتلكات والأرض، واللغة والثقافة، ويسوّغ دونيتهم في كل مجالات الحياة من خلال إقصائهم من المجتمع السياسي، الذي يشكل السيادة في وطنهم.
"ولذلك يدخل قانون القومية إلى المجال غير الشرعي، ويؤسس لنظامٍ كولونيالي ذي خصائص فصل عنصري سافر، لأنه يسعى إلى الحفاظ على نظام تسيطر فيه مجموعة إثنية قومية على مجموعة إثنية قومية أصلانية أخرى تعيش في نفس المنطقة الجغرافية، في حين يعزز التفوق الإثني، الذي يتجلى في ترسيخ السياسات العنصرية في معظم مجالات الحياة الأساسية".
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, يديعوت أحرونوت, هآرتس, شاي, تهويد, وثيقة الاستقلال, الكنيست, بنيامين نتنياهو