المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

 أصدرت جمعية "سيكوي لدعم المساواة في إسرائيل" بحثا جديداً حول الفشل بتعليم اللغة العربية في المدارس اليهودية، هو السادس ضمن سلسلة "من العوائق إلى الفرص"، ويتضمن استعراضا للعوائق التي أدت إلى هذا الفشل من جهة، ويستعرض من جهة أخرى توصيات سياسية قد تشكل فرصة لتجاوز الوضعية القائمة اليوم. وبحسب البحث، فإن 6ر1% من المواطنين اليهود البالغين في إسرائيل فقط يتحدثون اللغة العربية، بفضل دراستها في مدارسهم.

ويؤكد القائمون على البحث أن لتدريس اللغة العربية في المدارس العبرية أهمية قصوى في إزالة الجدران ما بين المجتمعين العربي واليهودي ومن أجل بناء مجتمع مشترك.

ويشير الموجز التنفيذي للبحث إلى أن عدد الطلاب الذين يتعلمون العربية "منخفض طوال سنوات التعليم وبعيد عن تحقيق سياسة وزارة التعليم وتصريحات وطموحات منتخبي الجمهور وواضعي السياسات." وبحسب البحث فإن اللغة العربية تُدرّس في المدارس العبرية وفقا لتعريفها القانوني بالنسبة للطلاب اليهود على أنها "لغة أجنبية ثانية"، إضافة للإنجليزية. وفي مقارنة لها مع اللغة الإنجليزية يتبين أن قرابة 60 بالمئة من مجمل اليهود أبناء الـ20 عاماً فما فوق يعرفون الإنجليزية، مقابل 6ر8 بالمئة من مجمل اليهود الذي عرّفوا أنفسهم كأصحاب معرفة باللغة العربية. ومن بين هؤلاء، فقط 6ر18 بالمئة صرحوا أنهم قد اكتسبوها في المدرسة. بكلمات أخرى، فإن من صرّحوا بأن معرفتهم للغة العربية واكتسابها كان عن طريق المدرسة، يشكّلون 6ر1 بالمئة فقط من مجمل المجموعة السكانية اليهودية أبناء الـ20 عاماً فما فوق، مقابل ذلك فإن 5ر40 بالمئة من أبناء الـ20 عاماً فما فوق يعرفون اللغة الإنجليزية واكتسبوا معرفتها في المدرسة.

ويتضح من البحث أيضا أن وزارة التربية والتعليم لا تقوم بمتابعة ومراقبة عدد المدارس التي تُدرّس العربية، أو عدد الطلاب الذين يدرسون الموضوع ونتائج تعليمه. وهذا لوحده يُشكّل عائقاً أساسياً أمام تطوير تدريس العربية. وبالرغم من شح المعطيات، لكن الصورة التي تتشكّل من المعطيات التي عرضتها وزارة التعليم في الكنيست هي صورة قاتمة جداً: ففي التعليم الابتدائي طرأ في العقد الأخير ارتفاع تدريجي على عدد طلاب العربية الدارجة (غير الفصحى) في الصفوف الابتدائية، وأما في المرحلة الإعدادية فبالرغم من أننا نتحدّث عن موضوع إلزامي، طرأ انخفاض على عدد طلاب العربية في العقدين الأخيرين. وفي المدارس الثانوية تم في العام 2014 إلغاء الإلزام بتدريس العربية في الصفوف العاشرة، وفي أعقاب ذلك طرأ انخفاض حاد بمقدار الثلثين على عدد طلاب العربية في الصفوف الثانوية. وهذا كله أثر على عدد المتقدمين لامتحان البجروت (التوجيهي)، ففي الأعوام 2011-2015 طرأ انخفاض بقرابة 70 بالمئة على عدد المُمتَحنين في بجروت اللغة العربية، وذلك نظراً لإلغاء إمكانية التقدّم للامتحان بمستويات 1-3 وحدات تعليمية.

وفي التحليل لهذه المعطيات، يقرّ البحث بأن هناك عوائق سياسية واجتماعية بنيوية عميقة، إلا أنه وبالرغم من هذه العوائق، فإن وزارة التعليم قادرة على اتخاذ عدد من الخطوات الكفيلة بتجاوز الحالة الراهنة. ففي الجانب التربوي، على وزارة التعليم أن تخصص ساعتين أسبوعيتين بشكل ثابت وعيني لتدريس اللغة العربية في المدارس اليهودية وذلك لضمان تخصيص ساعة ثالثة لنفس الهدف. ويفيد البحث بأن سياسة الوزارة الحالية تتيح المجال للمدارس للتهرب من تدريس اللغة العربية، ويمكن تجاوز هذه الحالة في حال أقرت وزارة التعليم اشتراط استحقاق الحصول على شهادة البجروت بالنجاح في موضوع اللغة العربية، وإلغاء إمكانية التقدم لامتحان باللغة الفرنسية كبديل للغة العربية، والتوقف عن منح إعفاء من تعلّم العربية ابتداءً من الصف الثامن للطلاب ذوي العسر التعليمي.

أما العوائق في الجانب الإداري، فتتعلق أولا بانعدام المتابعة والرقابة من قبل الوزارة للمدارس التي تُدرّس العربية ولعدد الطلاب الذين يدرسون العربية في كل مدرسة. كنتيجة لذلك لا يُمكن وضع أي هدف لزيادة عدد طلاب اللغة العربية أو متابعة تطورّهم أو تطوير سياسة ناجعة لرفع عددهم. كما أنه ليس بالإمكان وضع أهداف لتأهيل كوادر تدريسية ملائمة. ولم يجرِ تحديد معيار أو مقياس لمستوى المعرفة والإلمام باللغة، إذ ليست هناك أي متابعة أو مراقبة عامة لتحصيل الطلاب مقارنة مع المستوى المنشود. ولا يُمكن تطوير أي سياسة فعّالة لتحسين مستوى تدريس العربية أو تحديد أهداف عينية والتي يُتوقع من خريجي جهاز التعليم تحقيقها.

وأشار البحث إلى انعدام دوافع قوية كافية لجعل الطلاب يختارون دراسة اللغة العربية، ومن بين هذه المحفزات: طموح الفرد للاندماج في المجتمع متحدّث اللغة، والغالبية اليهودية في إسرائيل لا تسعى للانخراط في بيئتها المتحدّثة بالعربية؛ إدراك اللغة كوسيلة للقبول للتعليم العالي أو لتحصيل أجر أعلى وهو الأمر الذي لا ينطبق على اللغة العربية، إذ أنه خلافاً للعرب، المحتاجين للعبرية للانخراط بشكل أفضل في التعليم العالي وسوق العمل، فالاعتبارات الاقتصادية الوجودية لا تؤثر تقريباً على متحدثي العبرية في سياق تعلّم العربية؛ بالإضافة إلى العوائق المتعلقة بجودة التعلّم والشعور بأنه مفيد بالفعل لمعرفة اللغة، وجودة منهاج التعليم وجودة التدريس، والتي يعالجها البحث.

وتضمن البحث فصلا خاصا بالتوصيات العينية والمفصلة، ومنها: إضافة ساعة تشجيع بحيث تكافأ كل مدرسة إعدادية تُخصص ساعتين في جدول الحصص لتعليم العربية بساعتين مخصصتين إضافيتين لهذا الغرض، ورصد الميزانيات لبناء مناهج مشوّقة، وجولات، ولقاءات وساعات إثراء ستعمل على تعزيز المحفّزات بين الطلاب والمعلمين، وتوسيع سنوات تدريس اللغة العربية للصفوف الابتدائية اذ على وزارة التعليم تطبيق التصريحات التي أطلقتها قبل سنتين حول النية ببدء تعليم العربية في سنّ مبكرة، والسعي لجعل العربية موضوعاً إلزامياً في امتحانات البجروت، بحيث يتم في البدء وضع حدّ معرفة أدنى للغة العربية كشرط للحصول على شهادة بجروت، كما في المواضيع العلمية والثقافة العامة في الصف العاشر (ما يُعرف بمواضيع العلوم والتكنولوجيا في المجتمع).

ومن بين التوصيات أيضا، إلغاء كل بديل لتعليم العربية كلغة أجنبية ثانية (على سبيل المثال، إمكانية تبديلها بالفرنسية) وترسيخ انفراد اللغة العربية بالموقع الثاني في ترتيب اللغات الأجنبية، والعمل بفاعلية لتقليص عدد حالات الإعفاء من تعلّم العربية، من خلال تطبيق وتفتيش مشدَّدَين حول استخدام المواءَمات المناسبة للطلاب ذوي العسر التعليمي. وفي الحالات التي يتم فيها منح إعفاء من تعلّم اللغة، على الوزارة ضمان أن يتعلّم هؤلاء الطلاب مضامين بديلة تعنى بالتعرّف على العالم العربي والإسلامي عوضاً عن التنازل كلياً عن هذا المجال المعرفي.

وعلى المستوى التنظيمي، يوصي البحث بأن يقوم قسم اللغات في وزارة التعليم، بمتابعة منهجية لمدى تعليم العربية (المدارس والطلاب) وبنشر هذه النتائج، ووضع هدف بشأن تحصيل الطلاب ومستوى معرفتهم للغة العربية وتطوير مؤشر موحّد لتقييم مستوى المعرفة والإلمام باللغة العربية، على شاكلة النموذج الأوروبي الذي أنتج إطاراً موحّداً لاختبار اللغات، ووضع أهداف وتدريج للتحصيل المطلوب في كل من سنوات تدريس اللغة، ومتابعة تطبيق هذه الأهداف بواسطة أدوات التفتيش المتاحة أمام الوزارة.

وعلى مستوى القوى البشرية، يوصي البحث بأن تجري الوزارة فحصاً شاملاً لعدد المعلمين المؤهلين لتدريس العربية كلغة أجنبية، وأن تقوم بالتغييرات الضرورية على سياسات مجلس التعليم العالي من أجل ضمان تأهيل ملائم للوصول للهدف وأن تضع الوزارة هدفا بعقد استكمالات تطوير مهني للمعلمين، بهدف ضمان تأهيل ملائم لتدريس اللغة العربية كلغة أجنبية، وأن تطور الوزارة برنامجا مفصلا متعدد السنوات لدمج معلمات ومعلمين عرب في المدارس العبرية، وبالأساس تقديم برامج التحوّل المهني لتدريس العربية كلغة أجنبية أيضاً كسد النقص المزمن بمعلمي العربية وأيضاً لتجيير الأفضلية القائمة لصالح هؤلاء المعلمين كون العربية هي لغة الأم لديهم.

ويوصي البحث أيضا باتخاذ خطوات لتعزيز التحفيز وخلق العوامل المحفزّة، ووضع برامج تأهيل واستكمال لمديري المدارس وإطلاق حملة جماهيرية واسعة النطاق لتشجيع تعلّم اللغة العربية، والعمل على ضمان التطرّق لمكانة اللغة والثقافة العربية في مناهج التعليم لمجالات معرفية أخرى ذات صلة، وتأسيس وتمويل أطر وفرص للتعلّم للمناسبات الثقافية ولأيام خاصة (مثال على ذلك، تحديد يوم للغة العربية في جهاز التعليم)، والتي تهدف إلى إبراز اللغة العربية ومكانتها كلغة الجوار، ولغة التراث، ولغة أجداد ما يقارب نصف المجموعة السكانية اليهودية في إسرائيل.

وتتضمن التوصيات أن تقوم الوزارات وأذرع السلطة المختلفة بالعمل لزيادة انكشاف المتحدثين بالعبرية على اللغة العربية من خلال تعزيز وجودها في الحيز العام، بطرق شتى كالكتابة والإعلان الصوتي باللغة العربية في الأماكن العامة، والمواصلات العامة، والمراكز التجارية، والمطارات ومؤسسات عامة أخرى، وتشجيع إنتاج برامج تلفزيونية شعبية للأطفال والبالغين بالعربية.

كما يدعو البحث مفوضية خدمات الدولة لأن تدرج طلب معرفة العربية من ضمن الأفضليات الأولى للقبول لوظائف في سلك خدمات الدولة وحتى كشرط لوظائف تشمل تقديم خدمات لمجمل السكان ولوظائف عامة في المراتب المرموقة.

 

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات