المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 3915
  • برهوم جرايسي

 يستدل من تقرير منظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD، وفق تحليل مديرية التخطيط في وزارة الصحة الإسرائيلية، أن 58% من خريجي الطب في إسرائيل في السنوات الأخيرة، درسوا في الخارج، بتمويل كامل وباهظ جدا من عائلات الطلاب. وترتفع النسبة إلى 82% بين أطباء الأسنان. والأعداد والنسب الأكبر هي بين الطلاب العرب الذين يدرسون في جامعات الأردن وجامعة جنين وجامعات أوروبا، إذ أن اختيار العرب للطب بات أكبر على وقع زيادة فرص العمل، في الوقت الذي بات يتجه اليهود إلى مواضيع عصرية أكثر.

وفي سياق متصل، قال استطلاع جديد إن الأكاديميين العرب يعانون من بطالة بنسبة 44%، ومن رواتب متدنية، في حدود الحد الأدنى من الأجر، بالرغم من تحصيلهم العلمي.

ويقول تحليل وزارة الصحة الإسرائيلية لتقرير OECD، إن نسبة خريجي المعاهد في الخارج بموضوع الطب، 58%، تصل إلى ثلاثة أضعاف المعدل القائم في الدول الـ 35 الأعضاء في OECD. وهناك فجوات ضخمة جدا بين ما هو قائم في إسرائيل، وبين دول أخرى في المنظمة. ففي حين أن النسبة في إسرائيل هي 58%، فإن المعدل في OECD يقفز بقليل عن 20%. وفي نيوزيلندا 42% وفي النرويج 39% وفي بريطانيا 28% وفي الولايات المتحدة وكندا في حدود 25%، لكن في إيطاليا تقل عن 1% (8ر0%)، وفي ألمانيا 11%.

ومن مسببات هذه الظاهرة أن في إسرائيل مقاعد الطب تبقى أقل بكثير من الحاجة، ويتم فرض شروط قبول ضاغطة جدا، وتستفحل من حين إلى آخر؛ وآخرها أنه بعد أن يجتاز الطالب الامتحانات، ويكون قد حقق تحصيلا علميا عاليا في المدرسة، يتم عرضه على لجنة قبول، لفحص جاهزيته النفسية لدراسة هذا الموضوع. والكثير من الطلاب لا ينجحون في عبور هذه الحواجز، بينما يختار كثيرون توفير هذا الجهد، وعدم التقدم للمعاهد الإسرائيلية، والتوجه فورا إلى الخارج.

وبعد عودتهم يكون في انتظارهم شرط اجتياز امتحان وزارة الصحة الإسرائيلية، الذي يعد من أصعب الامتحانات في العالم، ونسبة عالية من بين خريجي الخارج يضطرون للتقدم أكثر من مرة للامتحان، ونسبة صغيرة تفقد إمكانية الانخراط في العمل. وفي السنوات الأخيرة، تم السماح لطلاب الخارج باجتياز امتحان أميركي بدلا من الامتحان الإسرائيلي من أجل الحصول على رخصة المهنة.

والأمر يستفحل أكثر في موضوع طب الأسنان، إذ بحسب التقرير ذاته فإن 82% من الخريجين في السنوات الأخيرة درسوا في الخارج. وبحسب تقارير سابقة، فإن هذا الحال يسري على مواضيع طبية أخرى، مثل الصيدلة، والعلاجات الطبيعية وما شابه.

ارتفاع حاد في  نسبة العرب

 ووفق التقارير، التي نشرتها صحيفة "ذي ماركر"، فإن نسبة الطلاب العرب الذين يدرسون الطب في المعاهد العليا الإسرائيلية، بلغ في العام الماضي 2ر19% من إجمالي طلاب الطب، وهذه نسبة أعلى من نسبة العرب الفلسطينيين في الداخل من إجمالي السكان، من دون القدس ومرتفعات الجولان السورية المحتلة، ولكنها تبقى أقل من نسبة شريحة الجيل، التي هي في حدود 23%.

إلا أن نسبة 2ر19% في الجامعات الإسرائيلية هي بمثابة نسبة من "عالم الخيال"، مقارنة مع ما كان في عقود مضت، وحتى سنوات التسعين، حينما كانت نسبة طلاب الطب العرب في المعاهد الإسرائيلية، تتراوح ما بين 2%، إلى 3%. وقد ساهم بقدر كبير في تلك النسب المنخفضة القيود والشروط الصعبة، التي تعرقل انخراط الطلاب العرب في المعاهد الإسرائيلية العليا بشكل عام، وفي المواضيع العصرية، ومنها الطب وعلم الحاسوب بشكل خاص.

ولذا، على سبيل المثال، كان 70% من الأطباء العرب في إسرائيل حتى أوائل سنوات التسعين من القرن الماضي، من خريجي الدول الاشتراكية، وقرابة 25% من دول غربية، خاصة إيطاليا، والباقي من المعاهد الإسرائيلية. لكن بعد انهيار الدول الاشتراكية، بسنوات قليلة، تم فتح أبواب الجامعات الأردنية أمام الطلاب الفلسطينيين من الداخل، بدءا بمنح ملكية، ومن ثم عبر انتساب مباشر. وبدأ التدفق الكبير بالآلاف سنويا على الجامعات الأردنية، وحسب إحصائيات ليست رسمية فقد بلغ عدد هؤلاء الطلاب حتى قبل ثلاث سنوات، ما بين 13 ألف إلى 14 ألف طالب. ومن المتوقع أن يكون قد تراجع هذا العدد بنسبة جدية، مع بدء استيعاب الجامعة الأميركية في جنين طلابا من الداخل، ومعها جامعات فلسطينية أخرى في الضفة المحتلة.

وفي السنوات الأخيرة، بدأت تعمل جامعات أميركية في دول أوروبية، وبشكل خاص هنغاريا، وهناك نسبة عالية تدرس في عدة دول أوروبية مثل ألمانيا وإيطاليا وروسيا ومولدوفا وأعداد صغيرة جدا في أرمينيا. وهذا يعني أن نسبة انخراط الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيلية، لا تعكس حقيقة انخراط الطلاب في التعليم العالي، لأن نسبتهم وأعدادهم أكبر بكثير من الطلاب اليهود في الخارج. والغالبية الساحقة جدا من هؤلاء لم ينتسبوا للجامعات الإسرائيلية، لأنهم وجدوا صعوبة في تلبية شروط القبول، أو عرفوا مسبقا أن الحواجز أكبر من أن يتعدوها، فاختاروا العلم في الخارج، ولكن غالبيتهم الساحقة عادت إلى الوطن، ونجحت في امتحانات الوزارة الإسرائيلية الصعبة جدا.

واللافت في تقرير وزارة الصحة الإسرائيلية أن نسبة نجاح طلاب الطب في الأردن والجامعة الأميركية في جنين هي الأعلى وبفجوة كبيرة عن باقي الطلاب في الدول الأوروبية، علما أن أعداد الخريجين من الأردن وجنين هي الأعلى. وتتراوح نسب النجاح من الأردن ما بين 86% إلى 92%، ومن جنين ما بين 60% إلى 75%. ويجري الحديث عن اجتياز الامتحان من المرة الأولى، في حين أن الطلاب الذين لم يجتازوا يتقدمون للامتحانات من جديد.

وهناك سببان مركزيان وراء ارتفاع نسبة الطلاب العرب الذين يتقدمون لدراسة موضوع الطب. والأول هو تراجع أعداد الطلاب اليهود الذين يتقدمون لموضوع الطب في المعاهد الإسرائيلية، إذ باتوا يتوجهون بنسب أعلى إلى المواضيع الأكثر تطورا، والتي تضمن مداخيل أكبر مستقبلا، ما أتاح استقبال طلاب أكثر في المعاهد الإسرائيلية.

والسبب الثاني، هو ضيق فرص اندماج الخريجين العرب في مجالات العمل العصرية، وخاصة مواضيع التقنيات العالية، والدراسات العلمية الجديدة، مثل الهندسة العلمية على أنواعها. وتشير الكثير من التقارير إلى أن انخراط الخريجين العرب في قطاع التقنية العالية يبقى صعبا.

لكن هناك سبب آخر اقتصادي لا يقل أهمية، إذ أن هناك من تنبّه إلى حقيقة تدفق آلاف الطلاب إلى الخارج سنويا، في حين أن الصرف على الطالب الواحد سنويا يتراوح ما بين 25 ألف إلى 30 ألف دولار، وأحيانا أكثر. وبمفهوم اقتصادي، يعني ذلك تدفق مئات ملايين الدولارات سنويا إلى الخارج، ولذا بدأ التفكير في كيفية استيعاب الطلاب، وخاصة الطلاب العرب، بنسبة أعلى في المعاهد الإسرائيلية.

وهذا الحال انعكس في تقرير مجلس التعليم العالي، الصادر في شهر شباط من العام الجاري، إذ أشار إلى أن أعداد الطلاب العرب في الجامعات والكليات الإسرائيلية ارتفعت بنسبة 60%، من العام 2010 وحتى العام قبل الماضي 2016. وكذا أيضا نسبتهم من إجمالي الطلاب في المعاهد الإسرائيلية العليا.

وقال تقرير مجلس التعليم العالي إنه منذ العام 2010 وحتى العام 2016، ارتفعت أعداد الطلاب العرب ونسبتهم في الجامعات الإسرائيلية بنسبة 60% في مرحلة اللقب الأول وحدها. وبالمجمل ارتفعت أعداد الطلاب العرب في كل المراحل الدراسية في الجامعات والكليات بنسبة 5ر78%، من 26 ألف طالب في العام 2010، إلى 47 ألف طالب في العام الدراسي الجامعي 2016/2017.

ومن حيث النسب المئوية، فإن نسبة الطلاب العرب من مجمل الطلاب في اللقب الأول، ارتفعت من 2ر10% في العام 2010، إلى نسبة 1ر16% في العام الجامعي الماضي. كما ارتفعت نسبة الطلاب العرب للقب الثاني في الفترة ذاتها من 2ر6% إلى 13%، ما يعني أكثر من الضعفين. كما ارتفعت نسبة الطلاب العرب للقب الثالث في الفترة ذاتها من 9ر3% إلى 3ر6%. لكن تبقى هذه النسبة أقل بكثير من نسبة العرب في الشريحة العمرية التي تدرس في الجامعات، وهي في حدود 23% من دون القدس والجولان المحتلين.

وفي سياق متصل، قال استطلاع عن أوضاع الأكاديميين العرب، من الحاصلين على شهادات جامعية في المستويات الثلاثة، نشرت معطياته في الأسبوع الماضي، إن نسبة البطالة بينهم تتراوح ما بين 40% إلى 44%، وإن مستويات رواتبهم متدنية، وحتى أقل من معدل الرواتب الفعلي، الذي هو أصلا يشكل 67% من معدل الرواتب الرسمي.

وقد بادر على هذا الاستطلاع صندوق "إدموند دي روتشيلد"، بالتعاون مع جمعية "كاف مشفيه" الإسرائيلية، وشمل الاستطلاع ألف جامعي عربي. واتضح من المعطيات أن 40% من الحاصلين على ألقاب من الجامعات عاطلون عن العمل، وترتفع النسبة إلى 52% لدى الحاصلين على الشهادات والألقاب من كليات أكاديمية. وأعلن 8% من الأكاديميين العرب أنهم يعملون كمستقلين، فيما يعمل 92% كأجيرين.

ويقول الاستطلاع إن 44% فقط من بين الذين يعملون في هذه الفترة، يعملون بوظائف كاملة، و23% بنصف وظيفة، و22% بقدر ربع وظيفة، بينما يعمل 11% بحسب ساعة العمل. وعن الفترة التي يجد فيها الشخص مكان عمل، فقد قال 56% إنهم احتاجوا من بضعة أشهر إلى نصف سنة. و21% استغرق بحثهم سنة كاملة، و14% بضعة أسابيع، و9% بضعة أيام.

وهذا انعكس أيضا في معدلات الرواتب. وبحسب الاستطلاع، فإن معدل رواتب الحاصلين على شهادة من الجامعات بلغ 5796 شيكلا (1610 دولارات)، ولدى الحاصلين على شهادة من كليات أكاديمية 4994 شيكلا (1387 دولارا). ومعدل رواتب الرجال 6015 شيكلا (1670 دولارا)، ومعدل رواتب النساء 4704 شواكل (1306 دولارات). وهذا في حين أن أجر الحد الأدنى من الرواتب حاليا هو 5300 شيكل (1472 دولارا). ومعدل الرواتب الرسمي في حدود 10280 شيكلا، ومعدل الرواتب الفعلي حوالي 6800 شيكل.

 انهيار في دراسة الآداب

 وفي سياق متصل بسلك التعليم العالي، ظهرت في الأسبوع الماضي معطيات جديدة حول دراسة الآداب في الجامعات والكليات الأكاديمية الإسرائيلية، التي شهدت في العقدين الأخيرين انهيارا بنسبة 70% في أعداد الطلاب المقبلين على هذه المواضيع. وهذا كما يبدو يعود إلى أن الخيار الأول للطلاب والأجيال الناشئة هو المواضيع العلمية العصرية، وبشكل خاص المواضيع التي يحظى فيها الخريج برواتب أعلى بما لا يقاس، ما يضمن له مستوى معيشيا أعلى.

وحسب المعطيات التي نشرها ملحق "مامون" الاقتصادي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن نسبة الطلاب الذي يختارون الآداب هبطت من 5ر18% من إجمالي طلاب المعاهد العليا الإسرائيلية في العام 1996، إلى نسبة 8ر5% في العام 2016. وفي المواضيع الاجتماعية، هبطت من 5ر23%، في العام 1996 إلى نسبة 6ر18% في العام 2016. وتراجع أعداد الطلاب يكون أكبر من حيث النسب المئوية، بعد الأخذ بعين الاعتبار ارتفاع عدد مقاعد التعليم العالي خلال السنين.

وقالت صحيفة "ذي ماركر" إن مجلس التعليم العالي خصص ميزانية 100 مليون شيكل تصرف على مدى خمس سنوات، لغرض تحفيز المعاهد العليا والطلاب على الانخراط أكثر في المواضيع الأدبية. ومن ضمن المخططات أن يتعلم الطلاب مواضيع ثنائية في ذات الفترة التعليمية تدمج بين موضوع علمي وآخر من الآداب.

 

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات