المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1434

يؤكد محللون وخبراء اقتصاد إسرائيليون أن القانون الذي أقر في العام 2008، لغرض تقديم إعفاء ضريبي على النشاط الاقتصادي لكل يهودي مهاجر إلى إسرائيل، أو عائد اليها بعد طول غياب، لم يحقق الأهداف التي أرادها المبادرون، بل أفاد قلة ضئيلة، ومن بينها المستفيد الأكبر، الثري أرنون ميلتشين، الذي أغدق على نتنياهو هدايا رشوة لتحقيق أهداف، بضمنها ضمان تمديد سريان القانون لعشر سنوات أخرى. وتبين أن عشرات حيتان المال هاجروا مؤقتا إلى إسرائيل، ولم ينقلوا ثرواتهم للاستفادة والتهرب من دفع الضرائب في الخارج.

 

ويجري الحديث عن تعديل لقانون الضرائب تم اقراره في العام 2003، بمبادرة وزير المالية في حينه، بنيامين نتنياهو، وكان ساريا لمدة خمس سنوات، ثم جرى تمديده في العام 2008 إلى عشر سنوات أخرى بعد اضافات. ويمنح المهاجرين اليهود إلى إسرائيل، وحتى الإسرائيليين الذين هاجروا قبل سنوات وعادوا إلى إسرائيل، اعفاء من دفع الضرائب على كل نشاطهم الاقتصادي في الخارج لمدة عشر سنوات، حتى وإن كان الأمر متعلقا ببيع عقارات وأعمال في الخارج وما شابه. وهذا أحد الأنظمة التي سنتها إسرائيل في السنوات الأخيرة، بحثا عما يسمى "الهجرة النوعية"، بمعنى استقدام مهاجرين يهود من ذوي الامكانيات المالية والعلمية.

وقد ظهر ذلك القانون في حينه كما لو أنه يهدف إلى تحفيز الهجرة إلى إسرائيل، التي بدأت في تلك المرحلة بالتراجع بنسبة حادة، مقارنة مع معدلاتها التي كانت قائمة في سنوات التسعين من القرن الماضي. وكان هدف المُشرّع المُعلن هو ضمان تأقلم المهاجرين اقتصاديا في إسرائيل، في سنوات هجرتهم الأولى، إلا أن هذا التعديل جعل كثيرين من كبار المستثمرين من يهود العالم، يرون بإسرائيل "دفيئة" للتهرب من دفع الضرائب. ومع مرور السنين تبين أن من وقف وراء المبادرة حيتان مال كبار، وبضمنهم أرنون ميلتشين، أكبر المستفيدين من هذا القانون.

وأكدت سلسلة من التقارير الصحافية، وحتى تقارير شبه رسمية إسرائيلية صدرت بشكل دائم على مدى السنوات الماضية، أن إسرائيل باتت "دفيئة لمتهربي دفع الضرائب" من يهود العالم، الذين يستفيدون من قانون الإعفاء الضريبي المذكور. وتأجج الجدل الإسرائيلي حول هذا القانون، الذي لا يستفيد منه سوى بعض الأفراد مع عائلاتهم، على ضوء تقارير ومطالبات دولية من إسرائيل بوقف العمل بهذا القانون، الذي يقف حاجزا أمام تبادل المعلومات المالية لمحاصرة متهربي الضرائب في العالم.

كما أن هذا القانون كان سببا في تورط بنوك إسرائيلية أمام السلطات الأميركية، إذ كان بنك ليئومي أول المتورطين، وقد تكبد غرامة بـ 400 مليون دولار. بينما جرت مفاوضات مع بنك "هبوعليم"، أكبر البنوك الإسرائيلية، وبنك "مزراحي طفاحوت" الذي يحل رابعا من بين البنوك الخمسة الكبار. أما البنك الأخير، فهو "هبينلئيومي هريشون"، إلا أن قضيته لم تثر في الفترة الأخيرة، وليس واضحا إلى أي نقطة وصلت.

وكانت قضية بنك ليئومي قد تفجرت في نهاية العام 2014، حينما تبين للسلطات الأميركية أن هذا البنك وبنوكا إسرائيلية أخرى، قد تسترت على متهربي ضرائب أميركان، بين العامين 2002 وحتى 2010، ويبدو أن جميعهم من الأميركان اليهود، بفعل القانون الذي تم سنّه في إسرائيل في العام 2003 لمدة خمس سنوات، إلا أنه تم تمديده في العام 2008 لعشر سنوات أخرى، وكان الهدف منه تشجيع هجرة أصحاب رأس المال اليهود إلى إسرائيل، كما ذُكر.

لم يحقق أهدافه

ويقول المحلل الاقتصادي البارز في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيفر بلوتسكر، إن التعديل القانوني إياه أطلق عليه منذ اللحظة الأولى اسم "قانون ميلتشين"، كونه المستفيد الأكبر من هذا القانون، وهو من كبار منتجي الأفلام في هوليوود الأميركية، إذ أن القانون يمنح اعفاء ضريبيا، وإعفاء من تقديم تقارير ضريبية في إسرائيل، لفترة عشر سنوات، عن الأملاك، وعن كافة أنواع المداخيل، التي مصدرها في الخارج، وبضمنها رواتب ومصالح اقتصادية على أنواعها، والحصول على فوائد، وعلى أرباح من الأسهم، وأرباح شركات في الخارج وغيرها، على أن يكون المستفيدون قد هاجروا أو عادوا إلى إسرائيل بعد غياب لا يقل عن 10 سنوات متواصلة وأكثر.

ويضيف بلوتسكر أن حاجة القانون نشأت بسبب انتقال إسرائيل من نظام الضريبة على أساس جغرافي، إلى نظام ضريبي على أساس شخصي، قبل التعديل القانوني ببضع سنوات. ففي النظام السابق، كانت تفرض ضرائب على مداخيل المواطن الإسرائيلي على مداخيله التي مصدرها إسرائيل فقط، بينما بعد التعديل على أساس شخصي، بدأت جباية الضرائب على مداخيل الشخص في كافة أرجاء المعمورة. وهذا كما يبدو جعل كثيرين لا يهاجرون، ولا يطلبون الجنسية الإسرائيلية.
وتكشفت المشكلة أكثر، حينما بدأت مطالبة المهاجرين والعائدين بمدفوعات ضريبية، على نشاطهم الاقتصادي ومداخيلهم الشخصية في الخارج، ما يعني أن الهجرة إلى إسرائيل أو العودة اليها باتت مكلفة لذوي الامكانيات المالية، وأكثر لدى كبار أصحاب رؤوس المال، وحيتان المال خاصة.

وفي العام 2008، سعت حكومة إيهود أولمرت، ووزير المالية في حينه روني بار أون، إلى استغلال الأزمة الاقتصادية المتنامية في العالم، والتي طالت إسرائيل لعدة أشهر، من نهاية 2008 وحتى منتصف 2009، بتقديم امتيازات ضريبية لتحفيز "الهجرة النوعية" السابق ذكرها. وحسب كل التقارير التي وردت في الأشهر الأخيرة، فقد طلب ميلتشين تمديد فترة سريان القانون بعشر سنوات أخرى، بمعنى حتى العام 2028. وقد فحص نتنياهو الأمر في العام 2014، مع وزير المالية في حينه يائير لبيد، إلا أن رد المستوى المهني في وزارة المالية جاء حادا ورافضا للطلب. ولهذا فإن لبيد حاليا هو أحد شهود النيابة ضد نتنياهو في هذه القضية العينية.

ويسأل بلوتسكر في مقاله في "يديعوت أحرونوت": "هل حقق قانون ميلتشين هدفه؟ حسب تقديري كلا. إذ ليس معروفا تدفق حشود القادمين (المهاجرين)، أصحاب رؤوس مال، إلى إسرائيل، ولا جعلوا من إسرائيل مركز حياتهم الأساسي، كما ليس معروفا لنا عن عودة مئات المواطنين الإسرائيليين من الخارج، للاستفادة من هذا القانون. ففترة السنوات العشر بدت لهم وكأنها قصيرة ومرفوضة، ولهذا تم البحث في هذه القضية مجددا، خلال ولايتي يوفال شتاينيتس (2009- 2013) ويائير لبيد (2013- 2014) في وزارة المالية".

ويستذكر بلوتسكر كيف أن ميلتشين طلب من نتنياهو مضاعفة فترة الامتياز الضريبي. ويقول إنه لو تم تمديد فترة الاعفاء، لخلق تمييزا من دون فائدة في الامتيازات الضريبية. ويضيف أن على إسرائيل أن تعود إلى النظام الضريبي السابق، أي على أساس جغرافي، كما هو الحال القائم في الدول المتطورة، الأعضاء في منظمة التعاون OECD، "ففي هذه الحالة لن تكون حاجة لإرسال زجاجات شمبانيا وسيجار إلى بيت رئيس الحكومة"، في إشارة إلى رشوة ميلتشين لنتنياهو.

لصالح حيتان المال

ويدعي وزير المالية الأسبق روني بار أون، في مقابلة إذاعية في الأسبوعين الماضيين، أن القانون إياه "مُبرر"، وأنه قد "دفع بيهود أثرياء كثيرين من كل العالم، لنقل أموالهم إلى إسرائيل، ما ساهم بشكل كبير في الاقتصاد الإسرائيلي".

وتقول المحللة الاقتصادية في صحيفة "ذي ماركر"، ميراف أرلوزوروف، في مقال لها، "إنه من الصعب أن نصدق ادعاءات بار أون، لأنها تثبت عدم معرفته بتفاصيل القانون، إذ أن ما حصل هو نقيض تام لما قاله بار أون. فقانون ميلتشين يمنح اعفاء ضريبيا، فقط على الأرباح التي تتم في النشاط الاقتصادي في الخارج، وليس على الأرباح الحاصلة في النشاط الاقتصادي في إسرائيل، ولهذا فإن القانون لا يساعد على دفق رؤوس أموال إلى إسرائيل، لأنه في اللحظة التي يدخل فيها رأس المال إلى الاقتصاد الإسرائيلي، سيكون خاضعا للضرائب، بينما سيبقى معفيا من الضرائب طالما بقي في الخارج".

وتتابع أرلوزوروف كاتبة أن ادعاء بار أون بأن اليهود يواصلون دفع ضرائب في دول العالم، هو ادعاء خاطئ من أساسه، لأن القانون يسمح للأثرياء اليهود بالهجرة إلى إسرائيل والتوقف عن دفع الضرائب في الخارج. وبما أنهم تلقوا اعفاء ضريبيا في إسرائيل، فهم عمليا باتوا معفيين من إسرائيل والخارج، ولا يقدمون تقارير ضريبية للسلطات الإسرائيلية، ولا لسلطات الدول التي ينشطون فيها، ما يعني أنه لم تعد أمامهم قناة دفع ضريبة.

وتشير أرلوزوروف إلى أن القانون كما أقر في العام 2003، كان "قانونا متواضعا"، يجيز للمهاجرين الجدد التأقلم في إسرائيل، قبل أن يكونوا ملزمين امام سلطة الضريبة الإسرائيلية، ثم جرى توسيع نطاقه وصلاحياته في العام 2008، إبان حكومة إيهود أولمرت، ووزير ماليته روني بار أون. وقالت إن تمديد القانون في العام 2008، لعشر سنوات اضافية، لم يكن له علاقة بالهجرة إلى إسرائيل، ولا لراحة المهاجرين الجدد، وإنما لخدمة كبار أصحاب رأس المال.

وتقول أرلوزوروف إنه لا يوجد في قانون ميلتشين أي محفز للأثرياء لنقل أموالهم إلى إسرائيل، "ولهذا فإن كل ما حصلنا عليه هو عدة عشرات أو مئات من حيتان المال، الذين هاجروا بشكل مؤقت إلى إسرائيل، من أجل أن يوفروا على أنفسهم دفع ضرائب، وبالأساس ليوفروا على أنفسهم تقديم تقارير ضريبية. وهكذا تحولت إسرائيل إلى دفيئة ضريبية، من النوع الأكثر وضاعة في العالم".

وتابعت أرلوزوروف "من المجدي متابعة مسألة مواطنة أصحاب المليارات اليهود، الذين بعضهم شرع في مغادرة إسرائيل، مع انتهاء فترة سريان قانون الاعفاء الضريبي، التي امتدت على 10 سنوات. فمن الممكن الافتراض أن الأثرياء اليهود الذي وجدوا فجأة مدينة هرتسليا مناسبة أكثر من مدن مينسك، وكييف، أو لوس أنجلوس، سيغيرون ذوقهم بعد مرور السنوات العشر. فهؤلاء الأثرياء لم يستثمروا في إسرائيل، أو يطوروا مشاريعهم فيها، بل فقط استغلوا إسرائيل كمحطة انتقالية، من أجل أن يوفروا على أنفسهم دفع ضرائب وتقديم تقارير ضريبية".

وتشير أرلوزوروف إلى أنه من الصعب معرفة العدد الحقيقي للأثرياء اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل، لغرض الاستفادة من القانون، لأنهم لم يكونوا ملزمين بتقديم تقارير مالية وضريبية. كما أن في القانون بندا لم يتم تطبيقه، وكان يقضي بتمديد الاعفاء الضريبي لعسر سنوات اضافية، لمن ينقل استثماراته للاقتصاد الإسرائيلي، إذ أن أحدا من أولئك المهاجرين مؤقتا، لم يفعل هذا. وتقول "جيد أنه لم يتم تفعيل هذا البند، لأن رائحته النتنة وصلت إلى الأعالي".

وتختم أرلوزوروف كاتبة "إذا لم يكف كل هذا، فإن هذا القانون ورّط رئيس حكومة يزاول مهامه (نتنياهو) بشبهات مخالفات جنائية. فهل يجب تفسير لماذا آن الأوان لشطب وصمة العار الماثلة في قانون ميلتشين من كتاب القوانين؟".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات