تؤكد مصادر الحكومة الإسرائيلية أن الكنيست سيقر ميزانية العام 2019 بالقراءة النهائية حتى نهاية آذار الحالي، قبل 9 أشهر من بدء العام المقبل، وهو أمر غير مسبوق، إذ واجه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على مدى السنين انتقادات لشكل تعامله مع مواعيد اقرار ميزانيات الدولة، كي يبعد الأزمات عن حكومته. ويبلغ حجم الميزانية قرابة 480 مليار شيكل (137 مليار دولار). وميزانية الأمن قد تصل إلى 70 مليار شيكل (20 مليار دولار)، بعد سلسلة اضافات مخططة سلفا.
وكان الكنيست قد اقر مؤخرا بالقراءة الأولى ميزانية الدولة للعام المقبل 2019، دون أن يكون أي خلاف في داخل الائتلاف الحاكم، ما يوحي بأن الميزانية قد تقر بالقراءة النهائية دون عقبات، ما يؤكد على تماسك الائتلاف الحاكم، حتى بعد صدور توصيات الشرطة بتقديم نتنياهو للمحاكمة في قضيتي تلقي رشوة. إلا أن نتنياهو يواجه على مدى السنوات التسع الماضية انتقادات على شكل تعامله مع موعد اقرار الميزانية العامة. فقد وضع في العام 2009 نهج الميزانية المزدوجة لعامين، وكان الأمر وكأنه لمرة واحدة، لكنه تحول إلى نهج ونظام دائم، باستثناء العام الذي من المفترض أن تجري فيه الانتخابات البرلمانية وفق الموعد القانوني، كما هو الحال في العام المقبل. وهذا ما جعل الحكومة الحالية تعد وتقر ميزانية للعام 2019 وحده.
وقد بدأ هذا النهج في العام 2009، الذي جرت فيه الانتخابات في شهر آذار، دون أن تكون حكومة إيهود أولمرت قد نجحت في تمرير ميزانية لذلك العام حتى نهاية العام 2008. وعمليا حتى تمت اقامة الحكومة، في شهر أيار من ذلك العام، لم يتبق وقت كاف لإقرار ميزانية لعام واحد بعد أن اجتاز نصفه، ومن ثم التحضير لميزانية لعام آخر، وكل هذا في غضون سبعة أشهر. ولذا بادرت حكومة نتنياهو إلى تغيير القانون كي يجيز لها اقرار الميزانية لعامي 2009 و2010.
ولاحقا بادر نتنياهو لإقرار ميزانية العامين التاليين، وهذا ما جرى لاحقا، وسط انتقادات كثيرة من خبراء الاقتصاد لهذا النهج، لأن الميزانية في هذه الحالة تكون مبنية على فرضية وتوقعات اقتصادية لا تستند إلى أرضية قوية، ولا تأخذ بعين الاعتبار تقلبات اقتصادية خارجية ومحلية. وهذا ما جعل الكثير من تقديرات وزارة المالية للنشاط الاقتصادي تتقلب باستمرار، من حيث انعكاسها على الموازنة العامة، مثل تقديرات العجز المالي، وتقديرات مدخولات خزينة الضرائب وغيرها.
غير أن حسابات نتنياهو لم تكن في أي وقت الاعتبارات الاقتصادية، حسب ما يزعم طيلة الوقت، إذ يقول إن اقرار الميزانية المزدوجة يبث حالة استقرار اقتصادي أمام العالم. لكن نتنياهو يسعى طيلة الوقت إلى ابعاد حكوماته عن الأزمات الداخلية، لأنه معروف على مر عشرات السنين، أنه في موسم إعداد واقرار الميزانية العامة، فإن كل أحزاب الائتلاف تبدأ بممارسة الضغوط لتحصيل انجازات خاصة بها، وعدد من الحكومات الإسرائيلية قد حُلت في موسم اقرار الميزانيات، وهذا ما لا يريده نتنياهو، والائتلاف الحالي مساند له في هذا النهج اكثر من الحكومتين السابقتين.
وفي الحالة القائمة، فإن اقرار ميزانية العام المقبل قبل 9 اشهر من بدء العام، يضعها في ضعف أمام الفرضيات القائمة عليها الميزانية. لذا يتوقع عدد من المحللين الاقتصاديين، مثل تسفي زراحيا في صحيفة "ذي ماركر"، أنه بعد أن يقر الكنيست الميزانية بالقراءة النهائية حتى نهاية آذار، فإن الميزانية ستشهد عدة تعديلات حتى بدء العام المقبل.
خطوط عامة للميزانية الجديدة
يبلغ حجم الميزانية العامة ما يلامس 480 مليار شيكل، وهو ما يعادل حوالي 137 مليار دولار (وفق سعر صرف 5ر3 شيكل للدولار)، وهي ميزانية أعلى بنسبة 6% (بالشيكل) من موازنة العام الجاري- 2018. كما أقرت الحكومة رفع العجز في الميزانية العامة من 5ر2% من اجمالي الناتج القومي، كما كان مخططا من قبل، إلى نسبة 9ر2%، خلافا لتوصيات بنك إسرائيل المركزي بتخفيض العجز في الموازنة العامة، ورفع الضرائب. ومن المفترض أن يضمن رفع 4ر0% بالعجز، ما يزيد عن 4 مليارات شيكل.
وحسب مشروع الموازنة، فإن 82 مليار شيكل من الميزانية العامة ستصرف على تسديد الديون والفوائد، ما يعني أن ميزانية الصرف ستكون 398 مليار شيكل تقريبا. ومن أبرز بنود الصرف، أنه لأول مرة تتجاوز ميزانية وزارة التعليم ميزانية وزارة الدفاع التي تصرف على الجيش. إذ بلغ حجم ميزانية التعليم 59 مليار شيكل، مقابل حوالي 56 مليار شيكل لميزانية الأمن، إلا أن الجيش سيتلقى زيادة بقيمة 4ر9 مليار شيكل، لمرة واحدة واضافات أخرى نأتي عليها.
وتحل في المرتبة الثالثة من حيث حجم الميزانية، مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية (مؤسسة التأمين الوطني)، إذ بلغ حجم ميزانيتها 44 مليار شيكل، إلا أن حصة الأسد من هذه الميزانية تتم جبايتها من الرسوم التي يدفعها العاملون من أصل رواتبهم غير الصافية، وكذا من الشركات. وهذه المؤسسة مكلفة بدفع كافة المخصصات الاجتماعية.
وفي المرتبة الرابعة تحل ميزانية وزارة الصحة، التي بلغت ما يقارب 38 مليار شيكل. ثم ميزانية وزارة المواصلات- ما يقارب 22 مليار شيكل. وبلغ حجم ميزانية التعليم العالي 4ر11 مليار شيكل، وحصة كبيرة من هذه الميزانية هي رسوم التعليم التي يدفعها الطلاب للجامعات والكليات الرسمية.
وكما هو الحال منذ العام 1985، فإنه يرافق قانون الميزانية العامة ما يسمى "قانون التسويات الاقتصادية"، وهو يقر سوية مع الميزانية، ويتضمن سلسلة كبيرة من الاجراءات الاقتصادية، التي تطلبها وزارة المالية، لضمان تطبيق ميزانية الدولة، وعادة يشمل هذا القانون تجميد تطبيق قوانين كان قد أقرها الكنيست في سنوات مضت، كي لا يتم الصرف عليها، من بينها مثلا، قانون مجانية التعليم ما قبل الالزامي، الذي أقره الكنيست في العام 1997، ومنذ ذلك الحين يتم تأجيل دخوله إلى حيز التنفيذ.
ومن المفترض أن يصل اجمالي الميزانية الاحتياطية في الموازنة العامة إلى حوالي 4 مليارات دولار (14 مليار شيكل)، إذ أن الحكومة قررت اضافة 5ر1 مليار شيكل، إلى نسبة 3% الثابتة كميزانية احتياطية في الموازنة العامة، من أجل سد احتياجات مفاجئة، ولكن هذه الميزانية الاحتياطية لا تسد احتياجات عادية قد تنشأ، ولذا فإن الحكومات تبادر عادة إلى اجراء تقليص في ميزانيات الوزارات، وتتجنب المس بالاحتياط في بحر العام.
ويلفت المحلل الاقتصادي عومري ميلمان في صحيفة "كالكاليست"، إلى أن قرابة 28% من الموازنة العامة، بمعنى أكثر من 110 مليارات شيكل، هي لدفع الرواتب في مختلف الوزارات والمؤسسات التي يصرف عليها من الموازنة العامة. ما يعني أن 45% من اجمالي الموازنة ميزانية صلبة لا يمكن التعامل معها، تسديد الديون 17%، والرواتب 28%.
كما يشير ميلمان إلى أن تسديد الفوائد في العام المقبل سيكون بقيمة 39 مليار شيكل، وهذا أقل بـ 700 مليون شيكل عما يتم دفعه في العام الجاري- 2018. وهذا يعود إلى تراجع حجم الدين العام، كما أوردت من قبل وزارة المالية، إذ أعلن المحاسب العام في وزارة المالية الإسرائيلية أن حجم اجمالي الدين العام للحكومة سيهبط لأول مرة عن حاجز 60%، من اجمالي الناتج العام، وحسب التوقعات الأولية فمن شأنه أن يكون مع نهاية العام الماضي 2017، بنسبة 4ر59%، مقابل أعلى بقليل من 61% في العام 2016. كما أن الدين العام، الذي يجمع ما بين الدين الحكومي ودين الحُكم المحلي، من شأنه هو أيضا أن ينخفض، ويصل إلى حدود 61%، بعد أن كان في 2016، أكثر بقليل من 62%.
ميزانية الأمن
كما ذكر، فإنه لأول مرّة تحل ميزانية الأمن في المرتبة الثانية بعد ميزانية التعليم، ولكن الحديث هنا عن الميزانية الأساسية وليس الميزانية الفعلية. وكما هو معروف فإن ميزانية الأمن التي تصرف على الجيش، تحصل سنويا على اضافات تتراوح ما بين 5ر1 مليار وحتى 2 مليار دولار، من فائض ميزانيات الوزارات، ومن الاحتياطي العام. وفي ميزانية العام المقبل 2019، مخطط أن يحصل الجيش على زيادة بقيمة 4ر9 مليار شيكل (68ر2 مليار دولار)، عدا الاضافات التي ستأتي تباعا.
فبعد يومين من سقوط طائرة إف 16 بصاروخ أطلقه الجيش السوري، يوم السبت 10 شباط، قالت مصادر في وزارة المالية لوسائل إعلام إسرائيلية إنها "تتخوف" من أن تكون تلك الحادثة لطلب زيادات جديدة من الجيش، باعتبار أن ما حدث شكّل مفاجأة تتطلب اجراءات جديدة.
وحسب ما ذكرت الصحافة الاقتصادية، فإن ما يعزز "مخاوف" وزارة المالية هو أن رئيس الحكومة نتنياهو، يقف بشكل دائم إلى جانب جميع طلبات الجيش لزيادة الميزانية، حتى في حالة اعتراض وزارة المالية، خاصة وأنه في السنوات الأخيرة طالبت أوساط حكومية واقتصادية الجيش بإعادة هيكلية ميزانيته، من أجل تقليصها، ولكن فقط في جانب القوى البشرية، والامتيازات وشكل احتساب الراتب التقاعدي للضباط في كافة المستويات.
إلا أن الصرف على الأمن وما يتبعه من صرف على الاحتلال والاستيطان لا يتوقف على صرف وزارة الدفاع، بل يأتي أيضا من وزارات أخرى، ما يرفع الصرف الاجمالي على الأمن بميزانيات أكبر بكثير، وخاصة من ميزانية وزارة الأمن الداخلي، التي تصرف على الشرطة، ولكنها تصرف أيضا على قوات "حرس الحدود". وهي قوات تُحسب وكأنها جزء من عمل الشرطة، إلا أن أساس عملها في الضفة والقدس المحتلة، وفي فترات الحروب تسند لها أيضا مهمات عسكرية، وتشارك الجيش في الحرب. وبلغت ميزانية وزارة الأمن الداخلي، 7ر17 مليار شيكل. كذلك فإنه في غالبية الوزارات هناك ميزانية مخصصة لهذا الجانب أو ذاك للأمن، وهي أيضا تصب في ذات الهدف. وكانت أبحاث عديدة قد دلّت على أن اجمالي الصرف على الجيش والاحتلال والاستيطان، يصل إلى نحو ثلث إجمالي الموازنة العامة.
المصطلحات المستخدمة:
حرس الحدود, التأمين الوطني, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو