قال تقرير جديد لمركز "أدفا" للقضايا الاقتصادية الاجتماعية إن السياسة الاقتصادية التي يقودها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووضع أسسها حينما كان وزيرا للمالية في حكومة أريئيل شارون في العام 2003، ساهمت في اتساع الفجوات الاقتصادية. فرغم ارتفاع مستوى المداخيل لكافة شرائح المجتمع، إلا أن الفجوات الاجتماعية بقيت قائمة، وحتى أنها اتسعت.
ويقول التقرير إن الحكومة خفضت صرفها خلال السنوات على الجوانب الاجتماعية، من حيث حجم الصرف مقارنة بحجم الناتج العام. فمثلا، بلغ حجم الصرف على القضايا الاجتماعية، التي من شأنها أن تساعد الشرائح الفقيرة، مثل المخصصات الاجتماعية من شيخوخة وبطالة وعائلات من دون مداخيل، ما يعادل 1ر16% من حجم الناتج العام، بينما معدل هذه النسبة في منظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD بلغ 21%.
وهذا انعكس، حسب تقارير سابقة، في ارتفاع الصرف الفردي المباشر على قطاعي الصحة والتعليم، ما زاد أكثر من الفجوات الاجتماعية بين الشرائح المختلفة. كما يشير التقرير إلى أن ارتفاع مستوى المعيشة لم يكن متساويا بين السكان، إذ أنه كان أعلى بدرجات كبيرة لدى الشرائح العليا، وبدرجة أقل بكثير لدى الشرائح الفقيرة. وكما سنرى فإن جزءا كبيرا من اتساع الوظائف في سوق العمل، كان في جانب تقديم الخدمات للشرائح العليا.
ارتفاع الرواتب واتساع الفجوات
ويقول تقرير "أدفا" إنه منذ العام 2012 وحتى الآن، ارتفعت مداخيل جميع الشرائح الاجتماعية، وحسب التدريج الاقتصادي الاجتماعي في درجاته العشر، بما بين 10% إلى 17%. وعلى الرغم من هذا، فإن الفجوات في المداخيل بقيت قائمة في العام 2016، واستمرت في العام التالي. ففي حين بلغ معدل الدخل الشهري غير الصافي لعائلة من الشريحة الأغنى (في الدرجة العاشرة) في العام 2016، ما يلامس 59 ألف شيكل، فإن معدل دخل العائلة غير الصافي في الشريحة الأشد فقرا (الأولى) يلامس 4900 شيكل، وهذه فجوة بـ 12 ضعفا.
ويشار إلى أن التدريج يتم وفق معدلات المداخيل للعائلة، وليس بحسب أعداد السكان، ما يعني أن أعداد السكان في الشرائح الفقيرة الدنيا أعلى بما لا يقاس عمن هم في الشرائح الوسطى العليا، والشرائح العليا. ويقول التقرير إن الفجوات قائمة أيضا داخل الشرائح الميسورة والغنية، ففي الدرجة العاشرة العليا، فإن معدل مدخول العائلات الـ 10% الأعلى لهذه الشريحة، بلغ ما يقارب 114 ألف شيكل شهريا، بينما معدل مدخول العائلات الـ 90% الأخرى في ذات الشريحة أقل من 52 ألف شيكل.
وأحد أبرز العوامل التي ساهمت في رفع المداخيل في السنوات الأخيرة، كان رفع الحد الأدنى من الأجر، الذي استفادت منه بالضرورة الشرائح الفقيرة، ولكن أيضا بعض الشرائح الوسطى الدنيا، التي رواتبها مرتبطة أيضا بمستوى الحد الأدنى من الأجر، بمعنى أنها تتلقى علاوات، في حال تم رفع الحد الأدنى من الأجر، حتى لو أن رواتبها أعلى.
وكان الحد الأدنى من الأجر قد سجل في السنوات الماضية سلسلة من الارتفاعات، كان آخرها في مطلع الشهر الأخير من العام 2017، إذ ارتفع إلى مستوى 5300 شيكل، زيادة بنسبة 6% عما كان من قبل، وهو ما يعادل 1550 دولارا (بموجب سعر صرف 42ر3 شيكل للدولار). إلا أنه بعد فحص عدة سنوات للوراء، يتبين أنه على الرغم من رفع الحد الأدنى من الرواتب بنسبة 48% خلال 12 عاما، إلا أنه ما زال عند مستواه مقارنة بمعدل الرواتب العام. فقد كان الحد الأدنى من الرواتب في العام 2005، يعادل ما نسبته 8ر50% من المعدل العام للرواتب. وفي شهر كانون الاول من العام الماضي بلغت النسبة 6ر51%، من معدل الرواتب.
وقد شهد الحد الأدنى من الرواتب جمودا ابتداء من العام 2002 وحتى العام 2011، باستثناء ارتفاعات هامشية، حتى بدأ في مسار ارتفاع تدريجي، وحتى مطلع العام الماضي 2017، حينما بلغ مستوى 5 آلاف شيكل، ثم 5300 شيكل في آخر شهر من العام الماضي.
ولأن رواتب النساء هي الأقل، ونسبة تقاضيهن رواتب الحد الأدنى أعلى، فقد دلّ تقرير "أدفا" على أنه منذ العام 2000 وحتى العام 2015، كانت نسبة ارتفاع رواتب النساء أكثر من الرجال. ففي العام 2000، كانت 6ر18% من النساء العاملات يتقاضين رواتب أعلى من معدل الرواتب. وارتفعت النسبة في العام 2015 إلى 26% (بمعنى زيادة بنسبة 40%). أما الرجال ففي العام 2000، كان 7ر37% منهم يتقاضون رواتب أعلى من المعدل العام، وارتفعت النسبة في العام 2015 إلى 44% (زيادة بنسبة 7ر16%).
وكما على مر السنوات، فعلى رأس سلم تدريج معدل الرواتب، نجد الرجال اليهود الأشكناز- حوالي 15100 شيكل، وهو يعادل 155% من معدل الرواتب العام، والرجال الشرقيين- 14406 شواكل، وهو ما يعادل 148%، من معدل الرواتب العام. بينما معدل رواتب الرجال العرب بلغ 7500 شيكل، ما يعادل 76% من معدل الرواتب الذي كان قائما في العام 2016. وهذا يعني أن معدل رواتب العرب هو نصف معدل رواتب الرجال الأشكناز.
وتبقى الشريحة الأكثر غبنا في معدلات الرواتب هي النساء العربيات، اللاتي بلغ معدل رواتبهن في العام 2016، حوالي 5 آلاف شيكل، وهو ما يعادل 51% من معدل الرواتب العام، بينما معدل رواتب النساء اليهوديات من الأشكناز، يزيد بقليل عن 9 آلاف شيكل، وهذا 93% من معدل الرواتب العام، والنساء اليهوديات الشرقيات 8640 شيكلا، ما يعادل 89% من معدل الرواتب العام.
وبعد دمج معدل الرجال والنساء، نجد أن معدل رواتب الأشكناز في حدود 131% من معدل الرواتب العام، بينما معدل رواتب اليهود الشرقيين 114%، ومعدل رواتب العرب 67% من معدل الرواتب العام.
يتنازلون عن وجبات وأدوية
يستعرض تقرير "أدفا" جوانب الفقر المدقع لدى شرائح في المجتمع ككل، وبالذات جانب شكل الإدارة المالية للعائلات الأشد فقرا، إذ يقول التقرير إنه في العام 2013، قال قرابة 39% من الفقراء من أبناء 20 عاما وأكثر، إنهم تنازلوا عن وجبات غذائية، بسبب صعوبات مالية، وهذه النسبة بقيت شبه ثابتة في السنوات التالية.
ويقول التقرير إنه صحيح أن الاقتصاد سجل في السنوات الماضية ارتفاعا في النمو، إلا أن هذا النمو في قسم كبير منه ارتكز على الاستهلاك الفردي للشرائح العليا، مثل استيراد السيارات، الذي سجل في السنوات الثلاث الماضية مستويات غير مسبوقة، وبلغ عددها حوالي 800 الف سيارة في السنوات الثلاث مجتمعة. ويقول التقرير إن هذا رفع من مستوى معيشة الشرائح الوسطى العليا، والشرائح العليا. ولكن هذا لم يكن شاملا لكافة الشرائح.
ويضيف التقرير أن الوجه الآخر لرفع مستوى معيشة الشرائح العليا، كان اتساع حجم الوظائف الخدماتية برواتب متدنية، مثل خدمة المطاعم والبيوت والحراسة والتنظيف، وهذه وظائف لخدمة الشرائح الميسورة عادة. وهذا ساهم في الفجوات الاجتماعية الكبيرة، وحقيقة أن الخروج إلى سوق العمل، لم يكن يعني خروجا فوريا من دائرة الفقر. أضف إلى هذا، أن 25% من أفراد العائلات التي فيها عامل واحد في جيل العمل ويعمل، يعملون في وظائف من دون ضمانات اجتماعية، بمعنى تأمين تقاعدي. وهذه إشارة إلى العاملين في الوظائف غير المستقرة، أو لدى شركات القوى العاملة ذات شروط العمل الاستبدادية.
وكان تقرير الفقر الرسمي الصادر عن مؤسسة الضمان الاجتماعي (مؤسسة التأمين الوطني)، الذي نشر في نهاية العام الماضي 2017، عن العام 2016، قد أظهر أن الفقر سجل ارتفاعا طفيفا على مستوى الافراد، وتراجعا في نسبة العائلات، مقارنة مع نسبته في العام الذي سبق 2015. وهذا يدل على أن الفقر بات أكثر في العائلات كثيرة الأولاد. إلا أن الفقر بقي أكثر عمقا بين العرب، ففي حين "أنقذت" المخصصات الاجتماعية قبل سنوات قليلة 11% من العائلات العربية، فقد هبطت النسبة في 2016 إلى 1ر6%، في حين أن المخصصات ذاتها "أنقذت" 5ر46% من العائلات اليهودية.
وحسب تقرير الفقر ذاته، فإن عدد الذين تحت خط الفقر في العام 2016، بلغ 809ر1 مليون نسمة، من بينهم 39% من العرب، في حين أن نسبتهم وفق التقرير الذي يستند على تعداد سكاني يشمل القدس والجولان المحتلين، 21% من السكان. كذلك قال التقرير إن عدد الأطفال الفقراء وحدهم، بلغ 843 ألف طفل، وعدد العائلات الفقيرة بلغ 463 ألف عائلة.
وقال التقرير إن الفقر بين الجمهور العام ارتفع من 7ر21% في العام 2015، إلى 22% في العام 2016. إلا أنه هبط على مستوى العائلات، من 1ر19% في العام 2015 إلى 6ر18% في العام 2016. وعلى مستوى الشرائح، فقد هبط الفقر بين عائلات اجمالي اليهود من 8ر13% في العام 2015 إلى 3ر13% في العام 2016. بيد أن الفقر بين عائلات الحريديم وحدهم ارتفع من 6ر44% إلى 1ر45% ما يؤكد أن الفقر بات يتركز أكثر في العائلات كثيرة الأولاد.
وبموجب تقرير الفقر ذاته، فقد سجل الفقر بين العرب هبوطا، ولكن ازداد عمقا، فقد هبط الفقر على مستوى الافراد من 8ر54% في 2015 إلى 2ر52% في 2016. وعلى مستوى العائلات، هبطت النسبة من 3ر53% إلى 7ر49%. وبين الأطفال من 6ر65% إلى 62% في العام 2016. ولكن على الرغم من هذا التراجع، الذي قد يكون متأثرا من رفع الحد الأدنى من الأجر، ومن رفع طفيف لمخصصات الأولاد، التي تتلقاها العائلات عن كل ولد لديها دون سن 18 عاما، فإن الفقر ما زال أعمق بين العرب، إذ كما ذكر، فإن المخصصات الاجتماعية انتشلت 1ر6% من العائلات الفقيرة العربية إلى ما فوق خط الفقر، بينما كانت النسبة بين اليهود أكثر من 45%.