توجه عشرة مواطنين فلسطينيين بواسطة المحامية نوعا ليفي من اللجنة العامة لمناهضة التعذيب مطالبين بفتح تحقيق جنائي ضد عناصر شرطة قاموا باقتحام باحات المسجد الأقصى واستخدام شتى وسائل الاعتداءات التي شملت القنابل الصوتية والرصاص الأسفنجي والركلات والقبضات والإذلال والاهانات المنهجية.
وتؤكد اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في رسالة الدعوى المقدمة باسم عدد من المعتقلين، إلى قسم التحقيقات مع عناصر الشرطة الإسرائيلية المعروف بـ"ماحش"، أن الحقائق التي يصفها المصلون المعتقلون ضحايا الاعتداء البوليسي ليلة الخميس القاتمة المُشار اليها أعلاه، تطرح بقوة الشبهة بأن أصحاب سلطة اقترفوا مخالفات جنائية خطيرة ضد المدّعين وفقا لما ينص عليه قانون العقوبات.
وتشمل المخالفات حسب الشبهة: التسبب بأضرار جسدية خطيرة واعتداءات محظورة واعتداءات في ظروف خطيرة ومهاجمة قاصرين واستخدام سيء للقوة والسلطة والتهديدات. وجميع هذه الممارسات تناقض كل بند من بنود قانون العقوبات الذي تم تشريعه عام 1977.
تم توجيه الرسالة إلى المحامي اوري كرميل من قسم التحقيقات مع عناصر الشرطة الإسرائيلية، وأرسلت نسخٌ منها إلى كل من: المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت، قائد شرطة إسرائيل روني ألشيخ، ضابط حرس الحدود يعقوب شبتاي، ضابط لواء القدس يورام هليفي، وكذلك نسخة إلى مدير عام منظمة أطباء لحقوق الإنسان ران غولدشتاين.
تقول اللجنة إن الاعتداء على المصلين في المسجد في ذلك اليوم وفي تلك الظروف، يطرح شبهة بأن المخالفات جاءت بدوافع عنصرية أو عدائية ضد الجمهور المقدسي. العنف الكلامي والتهديدات المتكررة التي تمت صياغتها كتهديدات باعتداءات جنسية على المعتقلين تطرح الشبهة بارتكاب جريمة تحرش وتنكيل جنسي، مثلما ينص عليه قانون منع الاعتداءات الجنسية الذي تم تشريعه عام 1998.
يشار هنا إلى أن "مركز القدس للمساعدة القانونيّة وحقوق الإنسان" وجمعيّة "عدالة، المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل"، كانا قدّما اعتراضاً، في تلك الفترة، بسبب إغلاق البلدة القديمة ومحيطها في القدس، ومنع الفلسطينيين من الوصول إليها. واستند الاعتراض إلى أنّ هذه الإجراءات تعتبر عقاباً جماعياً ينافي القوانين المحليّة والقانون الدولي، كما أنّه يُعتبر مسّاً بحريّة الحركة وحريّة العمل، ويمثّل تمييزاً عنصرياً، فقد وثّق المركزان سماح سلطات الاحتلال بدخول اليهود والأجانب إلى البلدة القديمة من باب الخليل، ومنع دخول المقدسيين، ما أدّى إلى شلل تام في الحياة الاقتصاديّة (بسبب عدم فتح المحلّات التجاريّة). هذه السياسة ذات دوافع مخفية تهدف إلى الانتقام وفرض العقوبات الجماعية على السكّان المحليين وأصحاب المحال التجارية، فهذه السياسة أولاً وقبل كل شيء، تعارض مبادئ القانون الإداري والتي تلزم السلطة الإدارية بالامتناع عن اتخاذ أية تصرفات أو القيام بأية أعمال مبنية على أساس اعتبارات سياسية أو عنصرية مخفية.
واللجنة لمناهضة التعذيب تؤكد ان سلوك عناصر الشرطة الذين شاركوا في التنكيل والاعتداء والمعاملة الوحشية غير الإنسانية والمهينة بحق المشتكين، وكل من شارك في المصادقة على هذا السلوك وعلى طرق الاعتقال التي مورست، سواء بشكل مسبق أو لاحقا، يشكل انتهاكا فظا للحظر على التعذيب وعلى التعامل الوحشي غير الإنساني والمهين. هذا الحظر ينص عليه القانون الدولي الإنساني العرفي. كما أنه مناقض لمعاهدة جنيف (1949) الرابعة وللمعاهدة حول الحقوق المدنية والسياسية (1966) وللمعاهدة ضد التعذيب وضد العقوبات الوحشية وغير الإنسانية والمهينة (1984).
وجوب توفير الحماية للطواقم الطبية
وتطرقت الدعوى أيضا إلى الاعتداء على الطواقم الطبية التي تنص القوانين الدولية على وجوب توفير الحماية لها كجزء أساسي من قانون حقوق الإنسان الدولي، وهو يسري على المناطق الفلسطينية المحتلة ويشكل قانونا عرفيا، أي أن الاعتداء على المسعفين الثلاثة في داخل باحة المسجد يشكل انتهاكا لذلك الحظر.
اللجنة لمناهضة التعذيب تطرقت أيضا إلى ضرورة التحقيق في شبهات اقتراف جرائم تعذيب وتنكيل، وهذا نابع من واجب وقف ممارساتها وواجب معاقبة المسؤولين عن اقتراف تلك الجرائم وفقا للأعراف التي تبناها القانون الإسرائيلي أيضاً. حيث أن عدم إجراء التحقيق يشكل قسما من جريمة التعذيب.
وتؤكد اللجنة لمناهضة التعذيب أن قانون حقوق الإنسان الدولي سواء بجانبه العرفي أو من ناحية المعاهدات التي صادقت عليها دولة إسرائيل، يلزم بإجراء تحقيق مستقل وسريع في الشكاوى ضد انتهاك حقوق الإنسان وخصوصا فيما يخص التعذيب و/أو التعامل غير الإنساني، و/أو الوحشي و/أو المهين، والتي تعتبر في حالات معينة جريمة ضد الإنسانية، وقد تشكل في بعض الحالات مبررا لمحاكمة دولية لأنها تشكل انتهاكا خطيرا لحقوق الانسان. وتشير بشكل خاص إلى بند في معاهدة الحقوق المدنية والسياسية، قرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة والتي تؤكد كلها على وجوب التحقيق الفعال السريع والمعمق، في مثل تلك الحالات.
وتطالب اللجنة، بناء على كل ذلك، قسم التحقيقات مع عناصر الشرطة الإسرائيلية، بتفعيل وتطبيق صلاحياته كما يوجب القانون، بفتح تحقيقات جنائية فورية ضد عناصر الشرطة المتورطين مباشرة، وكذلك المسؤولين عنهم. وكذلك طالبت اللجنة لمناهضة التعذيب قسم التحقيقات بالتصديق على حضور مرافقين للمدعين خلال اخذ شهاداتهم من قبل جهات التحقيق، وخصوصاً في حالة القاصرين منهم، وذلك استنادا إلى قانون حقوق المتضررين من المخالفات الذي نص على ان: "المتضرر من مخالفة عنف يحق له مرافقة من قبل شخص يختاره بنفسه ويكون حاضرا خلال التحقيق، ما عدا في حالات يؤدي الأمر إلى المساس بمجريات التحقيق".
الأمر ليس مجرد قرار خاطئ لشرطي منفرد
بين الأسئلة المفتوحة: من أصدر الأوامر باقتراف هذا الاعتداء الجماعي العشوائي الوحشي على مصلين داخل مسجد؟ من هي الجهات التي تتجاوز القوة البوليسية المحدّدة وضباطها الميدانيين في المكان، والتي سمحت بتلك الممارسات؟ أين كانت السلطات المختلفة والوزارات المسؤولة ومكتب رئيس الحكومة نفسه الذي كان ضالعا في كل كبيرة وصغيرة بشأن الأزمة في منطقة الحرم القدسي الشريف، وكيف قامت قوة بوليسية كبيرة تعدادها نحو مئة شرطي، وليس نفَراً ضئيلا، بتنفيذ اعتداء كبير ومنهجي، وطويل زمنياً، كهذا دون ان "تصلها عين رقابة" كبار المسؤولين؟
وكما تقول المحامية ليفي: لا تدل الشهادات على أن الأمر كان مجرد قرار خاطئ لشرطي منفرد في الميدان، بل هو عمل نابع من مستوى القيادات. فعناصر الشرطة الملثمون الذين نفذوا اعتداءات جماعية وعشوائية طبقوا أوامر ضباطهم، ولهذا السبب تحديدا هناك حاجة إلى تحقيق معمق لاستنفاد أحكام ومجريات القانون ضد كبار المسؤولين أيضاً، لمنع تكراره.
الشرطة ووزارة العدل لم تقدما أي تفسير لهذا العدوان الوحشي. وتراوحت تعقيباتهما ما بين التملص من الرد بدعوى أن "المسألة قيد الفحص"، وبين إطلاق شعارات من الصنف الديماغوغي للتلاعب بالغرائز والهرب من الحقائق. فمكتب الناطق بلسان الشرطة راح يتحدث كيف أن الشرطة "احتوت حالات انتهاكات للنظام العام" وتصرفت "بشكل حازم فقط مع المشاغبين"! بل إن مكتب الناطق بلسان الشرطة رد على موقع "سيحا ميكوميت" العبري الجريء، والذي ابرز هذه القضية ونشرها وحده خلافاً لسائر وسائل الإعلام العبرية، بكلمات كالتالي: إن اختيار موقعكم بمنهجية عرض المشاغبين كمواطنين مساكين هو ما يشكل مساسا بسلطة القانون.. واعتبرت الشرطة النشر في الموقع "مجرد ضجيج في الخلفية ولن يخفف من قبضات الشرطة لمواصلة تطبيق القانون والحفاظ على النظام العام في القدس وفي كل مكان آخر في إسرائيل".. وهذه لهجة تفوق في ديماغوغيتها ما يصدر عن أدنى سياسي في أصغر هيئة سياسية خلال أردأ عملية شعبوية...