المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 2313
  • سليم سلامة

قالت راحيل ليئيل، المديرة العامة المنتهية ولايتها لـ"الصندوق الجديد لإسرائيل"، إن حملة التحريض المنهجية التي تشنها أوساط اليمين الإسرائيلي المختلفة وشخصياتها القيادية الأبرز على هذه المؤسسة (الصندوق) وسواها من منظمات المجتمع المدني الأخرى في إسرائيل، خلال السنوات الأخيرة ـ وبصورة أكثر حدة وكثافة خلال الأشهر الأخيرة بشكل خاص ـ تشكل تعبيرا عن الأزمة المتواصلة التي يعيشها اليمين الإسرائيلي وتدفعه إلى البحث عن عدو محدد يمارس ضده أساليبه التقليدية في التخويف والتحريض.

 

واعتبرت ليئيل أن الهجوم الحاد الذي شنه يائير نتنياهو، الابن البكر لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، على "الصندوق الجديد لإسرائيل" حين وصفه، مؤخرا، بأنه "الصندوق لإبادة إسرائيل"، هو "هجوم مثير للغضب والحزن، معاً، لكنني أعرف أنه (الهجوم) يكشف حقيقة الابن، الأب واليمين المتطرف بشكل عام".

وكان نتنياهو الابن استخدم هذا الوصف / الاسم في سياق مدونة نشرها على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) عقب من خلالها على تحقيق أجراه مركز "مولاد ـ لتجديد الديمقراطية في إسرائيل" ونشره تحت عنوان "خمسة أشياء لا تعرفونها عن ولي العهد". وكتب نتنياهو الابن، في مدونته: "قرأت بعض القذارات التي نشرتها عني صفحة قذرة تمولها بصعوبة منظمة "مولاد" الراديكالية والمعادية للصهيونية، التي تحصل، بدورها، على تمويل من الصندوق لإبادة إسرائيل والاتحاد الأوروبي. لم أستطع تمالك نفسي، فكتبت رداً.... فيه رسالة مني إلى جميع أعضاء الصندوق لإبادة إسرائيل وأتباعهم".

غياب المعارضة السياسية وكبش الفداء

توضح ليئيل، في مقابلة مطولة أجرتها معها مجلة "غلوبُس" (18/8) لمناسبة إنهائها ولاية من ثماني سنوات في منصب المدير العام لـ"الصندوق الجديد لإسرائيل"، مؤخرا، أن "اليمين يشعر بأن الأرض تهتز من تحته. فالعالم ليس معه، العالم لا يصفق للاحتلال ويبدي قلقا شديدا حيال ما يجري هنا وما سيؤول إليه من نتائج. الليكود مسيطر على مقاليد السلطة منذ سنوات طويلة جدا، لكنه لا يزال يشعر بأنه أقلية ملاحَقة ويمتنع عن تقديم أجوبة حقيقية على الأسئلة الجوهرية التي يطرحها المواطنون. ولهذا، بكل بساطة: يحتاج هذا اليمين إلى عدو. هذه أساليب معروفة في التخويف والتحريض والتضحية بكبش فداء. فمن سيكون كبش الفداء هنا، إذن؟".

وتضيف: "في الوضع الطبيعي، كان ينبغي أن تكون المعارضة السياسية في الواجهة وأن تكون هي العنوان لأي هجوم أو تحريض سياسي. لكن لا معارضة سياسية قوية في إسرائيل، بل هي لا تعرف حتى تحديد موقعها الأيديولوجي الصحيح في كثير من الأحيان. أنظروا ما يحدث في حزب "العمل". أما حركة "ميرتس" فهي حزب صغير أكنّ التقدير له ولأعضائه، لكنه غير كاف. وأما "القائمة المشتركة" فلا يأخذونها في الحسبان، أصلاً. فمن هي المعارضة السياسية، إذن؟ ... رغماً عنا، اضطررنا نحن إلى ملء الفراغ، ولذا نتعرض للهجوم الحاد. مَن الذي ينشر، كل الوقت، عما يجري في هذه الدولة، ليس في قضية الاحتلال فقط، وإنما في قضايا تشكل لبّ الحياة العامة أيضا، مثل التديين، التهويد وحائط المبكى (حائط البراق) وغيرها الكثير؟ إنها منظمات المجتمع المدني فقط، والتي نموّل نحن أغلبيتها الساحقة... حتى السلطة تعرف أن مَن يسبب لها وجع الرأس هذا هو ليس السياسيين اليسار، وإنما المنظمات الاجتماعية التي تضع لها، أحيانا، مرآة لا تحب النظر إليها. ولهذا، يشكل "الصندوق" هدفا للهجوم من قبل سياسيي اليمين ومؤيديه، بينما نحن ننشط من أجل سلامة إسرائيل على قاعدة "وثيقة الاستقلال" بكونها الوثيقة التأسيسية التي تبناها "الصندوق" لرؤيته ونشاطه".

"إسرائيل على أسس الرؤية التي وضعها مؤسسو الدولة"

تأسس "الصندوق الجديد لإسرائيل" في العام 1979، في ولاية كاليفورنيا الأميركية، باعتباره "المنظمة العليا في إسرائيل لإقامة مجتمع مدني وحماية حقوق الإنسان"، إنطلاقا من إيمانه بأنه "يمكن لإسرائيل أن تقوم - ويجب أن تقوم - على أسس الرؤية التي وضعها مؤسسو الدولة، تلك الرؤية التي تضمن المساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لكافة المواطنين، بصرف النظر عن المعتقد الديني أو العرق أو الجنس"، كما ورد ضمن تعريف "الصندوق" بنفسه، على موقعه على شبكة الانترنت.

بلغت ميزانية "الصندوق" في إسرائيل في العام 2016 (21) مليون دولار، بينما بلغت ميزانيته الإجمالية ـ على مستوى النشاط الدولي بأسره ـ 30 مليون دولار. قدم "الصندوق الجديد لإسرائيل"، عبر سنوات نشاطه، معونات مالية بقيمة إجمالية بلغت أكثر من 300 مليون دولار لأكثر من 900 منظمة اجتماعية تنشط في مجال "التغيير الاجتماعي"، من بينها: "بتسيلم"، "لنكسر الصمت"، "سيكوي"، "محسوم ووتش"، "أطباء من أجل حقوق الإنسان"، "لوبي النساء" وغيرها الكثير، في القطاعين اليهودي والعربي.


تقول ليئيل: "خلال السنوات الأخيرة، تحولنا من منظمة متواضعة تنشط في الظل وترى أن دورها المركزي هو تمكين أكبر عدد من التنظيمات الاجتماعية للقيام بهذه المهمات (في مجال "التغيير الاجتماعي") إلى منظمة وجدت نفسها رأس حربة. فالصندوق يُعتبر اليوم رمزاً ـ إيجابيا أو سلبيا، حسب ما يراه الشخص المعني".

وتضيف: "نحن، في نهاية الأمر، جسم صغير لكن أنظروا كم نبدو مصدر تهديد، حتى على نتنياهو (رئيس الحكومة)، ريغف (وزيرة الثقافة والرياضة، ميري ريغف) وبينيت (وزير التعليم، نفتالي بينيت). ما معنى هذا؟ معناه أن "الصندوق" أصبح جسماً ذا تأثير كبير وغير عادي حتى يبدو أنه يشكل مصدر تهديد على نهجهم ورؤيتهم السياسية. نحن القائد لمعسكر أيديولوجي. بل يحدث العكس أحيانا: حين يظهر قادة اليمين وممثلوه على منابر دولية وفي مؤسسات دولية، بماذا تراهم يُفاخرون؟ ـ بإنجازات الصندوق (دون أن يشيروا إليه بالاسم، بالطبع).... يُفاخرون بأن إسرائيل هي دولة عظمى في مجال حقوق مثليي الجنس، مثلا. ولكن، مَن كان أول من دعم حقوق هؤلاء ومطالبهم؟ نحن. وكذلك الحال بالنسبة للنساء، إذ تتباهى الدولة بحقوق النساء فيها. لكن، من كان أول مَن موّل ملاجئ النساء المضروبات، بينما قالت الدولة إن اليهود لا يضربون نساءهم وإن هذه "ظاهرة منتشرة بين الأغيار فقط"؟ نحن. وفي المعركة التي تشنها ميري ريغف اليوم لزيادة الموارد الثقافية لليهود الشرقيين وللسكان في الضواحي البعيدة عن المركز؛ من كان أول من دعم هذه المُطالَبات والمنظمات التي نشطت في هذا المجال، بينما لم يكن ثمة وعي لهذا الموضوع ولم يكن مطروحا على طاولة البحث العام؟ نحن.... أشعر برضى كبير من حقيقة أن "الصندوق" هو الذي جلب العديد من القضايا التي كانت في الهوامش ووضعها في المركز، مثل ـ التحرش الجنسي، الاتجار بالنساء، ضرب النساء، حقوق ذوي المحدوديات والاحتياجات الخاصة، مساواة أجور النساء، السكن الشعبي، النضال ضد حيتان الاحتكارات وأصحاب الرساميل، ضد أرباح شركات التنقيب عن الغاز، ضد مظاهر العنصرية وغيرها الكثير ـ نجحنا في جعل إسرائيل دولة أكثر عدالة".

وترى ليئيل أن "ثمة مسعى للقضاء على منظمات المجتمع المدني في إسرائيل. نتنياهو يتحدث الآن عن قانون جديد يُضاف إلى "قانون الجمعيات" ويمنع، نهائيا، حصول الجمعيات على أي تمويل أجنبي. ثمة محاولة للقضاء على المجتمع المدني الذي يمثل أكسُجين النظام الديمقراطي. ما زلنا نقف بالمرصاد، لكن لا أحد يعرف إلى أين ستؤول الأمور، إذ إن القوى التي تقوم بهذه المحاولات قوية جدا وتمتلك أموالا طائلة. إنها حكومة"!

ورداً على سؤال حول مصادر تمويل "الصندوق الجديد لإسرائيل" وما إذا كان صحيحا الاتهام الموجه إليه بأن الجزء الأكبر من تمويله يأتي من الاتحاد الأوروبي، لأغراض سياسية بالطبع، قالت ليئيل: "الجزء الأكبر من ميزانيتنا مصدره تبرعات سخية يقدمها أشخاص مستقلون من الولايات المتحدة، يهود صهيونيون. وهنالك عدد قليل من المتبرعين الداعمين من أوروبا، لأننا نقوم بجهد تجنيدي واسع هناك، إذ لدينا فروع في بريطانيا وألمانيا وغيرهما. أما ما نحصل عليه من الاتحاد الأوروبي فهو جزء قليل جدا، ولا أدري إن كان يصل إلى 2% من مجمل ميزانية الصندوق أصلاً".

ثلاثة خطوط حمراء!

تؤكد ليئيل، خلال المقابلة، أن "الصندوق الجديد لإسرائيل" لا يقدم الدعم المالي للجمعيات الأهلية والمنظمات المدنية المختلفة، في القطاعين اليهودي والعربي في إسرائيل، إلا "ضمن جملة من المعايير وتحت مراقبة لصيقة متواصلة، وقد قمنا بوقف الدعم والتمويل لبعض هذه الجمعيات والمنظمات لأنها تجاوزت خطوطنا الحمراء".

وردا على سؤال "ما هي خطوطكم الحمراء"، عددت ليئيل "ثلاثة خطوط حمراء مشددة جدا"، هي: "1. لا يقدم "الصندوق" أي دعم، ولا بحال من الأحوال، لأية منظمة مؤيدة لحملة "المقاطعة، سحب الاستثمارات والعقوبات" (BDS) التي تدعو إلى مقاطعة إسرائيل، على الرغم من أن الأمر قانوني تماما، وذلك لأن BDS تعارض إسرائيل، وليس الاحتلال فقط. ولهذا لا يمكن أن نتعاون مع مثل هؤلاء. كانت هنالك بعض التنظيمات التي شعرنا بأنها تؤيد الـ BDS فأوقفنا دعمنا لها، على الفور؛ 2. لا يدعم "الصندوق" تنظيمات تدعو إلى تقديم مسؤولين إسرائيليين كبار (سياسيين وعسكريين) إلى محاكمات دولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب؛ 3. لا يقدم "الصندوق" أي دعم لرفض تأدية الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي".

وردا على سؤال آخر عما إذا كانت لا تزال متفائلة بشأن "حل الدولتين"، قالت ليئيل: "هنالك انحسار كبير لهذه الفكرة وهو ما يدعو إلى القلق، لكن الأغلبية لا تزال تؤمن به. ما زالت الأغلبية تؤمن بأنه من الممكن البدء بهذه العملية، رغم أن الأغلبية تقول، من جهة أخرى، بأنها لا تؤمن بإمكانية تحقيق السلام مع الفلسطينيين خلال وقت قريب. وهذا ما يقوله، أيضا، كثيرون من اليساريين في إسرائيل. لكن هذا يختلف عند الحديث عن عملية قد تنقل المنطقة إلى حالة من التعقل، بعد بضع سنوات".

يذكر أن ليئيل (67 عاما) متزوجة من ألون ليئيل الذي أشغل في الماضي سلسلة من المناصب الدبلوماسية أبرزها مدير عام وزارة الخارجية، سفير إسرائيل في تركيا ثم في جنوب أفريقيا.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات