المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 2094
  • سليم سلامة

ما زال من المبكر التكهن بما ستؤول إليه التحقيقات الجنائية المتشعبة التي يخضع لها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وما ستتمخض عنه من نتائج في المستوى القانوني ـ الجنائي (خلافا للمستوى الجماهيري العام) ـ هل ستنتهي بتقديم لائحة أو، ربما، لوائح اتهام جنائية أم لا؟ وهل إذا ما قُدمت لائحة (لوائح) اتهام كهذه، ستنتهي بإدانته قضائياً بمخالفات وجرائم جنائية؟

 

والأسئلة المركزية التي يجتهد حشد من الحقوقيين والقضائيين هذه الأيام في الإجابة عنها تتلخص في التالي: ماذا تقول النصوص القانونية القائمة عن مثل هذه الحالات وبماذا تقضي؟ وهل هي كافية من حيث توفيرها الرد القانوني المناسب أم تحتاج إلى تعديلات، جوهرية وعميقة، لتناسب روح العصر وتطورات الحياة العامة؟

من بين الذين حاولوا الإجابة عن هذه الأسئلة باحثان من "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، هما عوفر كينغ وغاي لوريا، في مقالة مشتركة نشرها المعهد في أوائل الشهر الجاري. الأول خبير في السياسات المُقارِنة والثاني خبير في تاريخ القضاء وتاريخ الفكر السياسي.

يشير الكاتبان، في مستهل مقالتهما، إلى أن "كل واحدة من مراحل الإجراء الجنائي الثلاث ـ التحقيق، تقديم لائحة الاتهام والإدانة ـ تحظى بمعالجة مختلفة في النصوص القانونية" وإلى أن مقالتهما تعالج هذه المراحل من الناحية القانونية، لكنها لا تقتصر على ذلك.

المرحلة الأولى ـ التحقيق

هي المرحلة التي يمر بها رئيس الحكومة، نتنياهو، الآن، لدى كتابة هذه المقالة. وهي مرحلة تمهيدية نحتاج إلى الانتظار حتى انتهائها كي نعرف ما إذا كان سيتم تقديم لائحة اتهام جنائية ضد رئيس الحكومة أم لا.

النصوص القانونية السارية اليوم لا تأمر رئيس الحكومة، ولا تلزمه بالطبع، بترك منصبه، سواء بصورة مؤقتة أو نهائية (تقديم استقالة)، في هذه المرحلة. والتفسير الأرجح لهذا الوضع هو أن التحقيق الجنائي لا يوصل بالضرورة وبالتأكيد إلى تقديم لائحة اتهام جنائية دائماً. ولذا ـ كما يقول فريق من الخبراء والمحللين ـ فليس من العدل ولا من المنطق السوي اضطرار شخصية عامة إلى الاستقالة (أو ترك المنصب لفترة مؤقتة) طالما لم تتم إدانتها من قبل المحكمة وطالما هي تتمتع بقرينة البراءة، كأي متهم آخر وفق مبدأ مساواة الجميع أمام القانون. في المقابل، يقول فريق آخر ـ يسند موقفه على ما أقرته "محكمة العدل العليا الإسرائيلية" في أكثر من حالة واحدة ـ إن قرينة البراءة لا تسري خارج الإجراء الجنائي وإن الوزن الذي يتعين إعطاؤه لها، بالتالي، يجب أن يكون أقلّ عند الحديث عن تعيين لمنصب ما أو عن إقصاء من المنصب؛ وإنه على الرغم من أن النص القانوني لا يفرض عقوبات محددة على رئيس الحكومة الخاضع لتحقيق جنائي، إلا أن ذلك لا يقلل من إشكالية الوضع ولا يلغيها، وخاصة عند الحديث عن مجموعة من التحقيقات الجنائية المتشعبة التي من الصعب تحديد، أو توقع، الفترة الزمنية التي ستستغرقها، وقد تكون فترة طويلة جدا، نسبيا. في مثل هذه الحالة، يمكن الادعاء، بقوة، أن هذا الوضع يحول دون تأدية رئيس الحكومة مهام منصبه وممارسة مسؤولياته بكفاءة وبطريقة مرضية، مما يعني وجوب اعتزاله منصبه، ولو بصورة مؤقتة، حتى انتهاء التحقيقات الجنائية ضده.

صحيح أن "قانون أساس: الحكومة" يتطرق إلى مسألة غياب/ انعدام القدرة (الموضوعية) لدى رئيس الحكومة على تأدية مهام منصبه، بصورة مؤقتة، وينص على تولي القائم بأعماله تأدية هذه المهام بدلا منه، لكنه يحدد فترة زمنية قصوى لهذا الغياب لا تزيد عن 100 يوم يتعين على رئيس الحكومة بعدها العودة إلى مزاولة مهام منصبه بنفسه، وإلا تحول الغياب المؤقت إلى غياب دائم، يؤدي بصورة فورية إلى إنهاء ولاية الحكومة ورئيسها، ما يوجب إجراء انتخابات برلمانية جديدة. لكن القانون لا يتضمن نصا واضحا وصريحا بشأن الجهة المخولة بإرغام رئيس الحكومة على ترك منصبه لانعدام القدرة، المؤقتة، على إدارة شؤون الدولة. ولهذا، حين خضع رئيس الحكومة السابق، إيهود أولمرت، لتحقيقات جنائية (بتهم فساد، أدين بها لاحقا وقضى محكومية بالسجن الفعلي) خلال العامين 2007- 2008 وأصر على الاستمرار في مزاولة مهام منصبه، بموازاة التحقيقات الجنائية وتحت وطأتها، تعالت أصوات عديدة طالبت بتعديل النص القانوني بحيث يوضح هوية الجهة المخولة بإلزام رئيس الحكومة بترك منصبه، مؤقتا. لكن أولمرت عاد، بعد بضعة أشهر، وقدم استقالته (واستقالة حكومته) نهائيا، في أعقاب ضغوط سياسية شديدة موست عليه.

المرحلة الثانية ـ تقديم لائحة اتهام

ينص القانون على أن المستشار القانوني للحكومة هو الجهة الوحيدة المخولة صلاحية تقديم لائحة اتهام ضد رئيس الحكومة. وكأيّ عضو كنيست، يحق لرئيس الحكومة الطلب من الكنيست منحه حصانة برلمانية من المحاكمة الجنائية، لأسباب محددة ينص عليها القانون، وذلك خلال 30 يوما منذ حصوله على نسخة من لائحة الاتهام المقدمة ضده.

رغم أن تقديم لائحة الاتهام يمثل مرحلة متقدمة، نسبيا، في الإجراء الجنائي، إلا أن النصوص القانونية السارية اليوم لا تلزم رئيس الحكومة، صراحة، بإخلاء منصبه ـ لا مؤقتا ولا نهائيا ـ فور أو بعد تقديم لائحة الاتهام بحقه.

لكن المقرر هنا، في حال تقديم لائحة اتهام جنائية بحق رئيس الحكومة، هو المبدأ الموجه الذي وضعته المحكمة العليا ضمن قرارين منفصلين أصدرتهما في قضيتي درعي ـ بنحاسي (الوزير أرييه درعي وعضو الكنيست السابق رفائيل بنحاسي) قبل أكثر من عشرين سنة: تقديم لائحة اتهام تنطوي على مخالفة خطيرة يُلزم بإقصاء وزير عن منصبه إذا لم يبادر إلى تقديم استقالته بنفسه. وقد توصلت المحكمة إلى هذا المبدأ بعد التمييز بين "شروط الأهلية لممارسة المنصب" كما حددها القانون، من جهة، وبين "مدى معقولية تحكيم الرأي من جانب رئيس الحكومة بشأن إقصاء وزير عن منصبه بعد تقديم لائحة اتهام جنائية خطيرة بحقه" من جهة أخرى.

ويقول مؤيدو استقالة رئيس الحكومة إنه إذا كان هذا ما أقرته المحكمة بالنسبة لمنصب الوزير، فكم بالحري أنه ينطبق، بصورة أعمق وأوسع، على منصب رئيس الحكومة، الأكثر مسؤولية والأشد خطورة، بينما يقول المعارضون إن الحالتين مختلفتان ـ فالوزير يتم تعيينه من قبل رئيس الحكومة، بينما رئيس الحكومة يتم انتخابه من قبل الجمهور، حتى وإن بصورة غير مباشرة. وإضافة إلى ذلك، فإن استقالة رئيس الحكومة تؤدي إلى استقالة الحكومة كلها والذهاب إلى انتخابات برلمانية جديدة، بينما استقالة/ إقصاء وزير لا توصل إلى مثل هذه النتيجة الحادة والبعيدة الأثر.

وعلى هذا، يرى الكاتبان ـ وهو موقف "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" أيضا ـ ضرورة تعديل القانون ("قانون أساس: الحكومة") بحيث يُلزم رئيس الحكومة بترك منصبه، بصورة مؤقتة، فور تقديم لائحة اتهام جنائية ضده.

المرحلة الثالثة ـ الإدانة

ماذا تقول النصوص القانونية القائمة عن وضع تقوم فيه المحكمة بإدانة رئيس الحكومة بتهم جنائية؟. هنا ثمة تمييز، في النصوص القانونية، بين حالتين من الإدانة الجنائية: الأولى ـ إذا أدانته المحكمة بتهم جنائية، لكن من دون وصمة عار. في هذه الحالة، يمكن لرئيس الحكومة الاستمرار في تأدية مهامه ومسؤولياته كالمعتاد، دون أي شرط أو قيد أو حرج! والثانية ـ إذا كانت المحكمة قد أقرت، في منطوق حكمها، بأن الإدانة تنطوي على وصمة عار. في هذه الحالة، تنتهي ولاية رئيس الحكومة بصورة فورية تلقائية بعد أن يصبح قرار الحكم نهائيا (أي، بعد استغلال مهلة تقديم الاستئنافات وبعد البت في هذه الاستئنافات، إذا ما تم تقديمها). ومعنى هذا، مثلا، أن رئيس الحكومة يستطيع الاستمرار في مزاولة مهام منصبه ومسؤولياته حتى في حال إدانته في المحكمة المركزية بتهم جنائية تنطوي على وصمة عار، لأن من حقه تقديم استئناف على ذلك إلى المحكمة العليا. فخلال الفترة حتى تقديم الاستئناف وحتى البت النهائي به، يمكنه مواصلة القيام بمهامه ومسؤولياته كالمعتاد، وهي فترة قد تطول لأشهر عديدة، بل أكثر. وفقط في حال رفض التماسه من قبل المحكمة العليا، يصبح لزاما عليه تقديم استقالته (واستقالة حكومته كلها). ولهذا، يحدد القانون آلية تتيح للكنيست عزل رئيس الحكومة عن منصبه، بمجرد إدانته بالمخالفات الجنائية (إذا كان فيها وصمة عار بالطبع) في الجولة القضائية الأولى (أي، دون انتظار تقديم الاستئناف والبت به). لكن هذه الآلية تتميز بالتعقيد المقصود الرامي إلى ضمان أن يكون عزل رئيس الحكومة نابعا من اعتبارات موضوعية، لا سياسية ضيقة. وتشمل هذه الآلية الخطوات والمراحل التالية:

1. المرحلة الأولى ـ خلال شهر من إدانة رئيس الحكومة في المحكمة المركزية، تبحث "لجنة الكنيست" البرلمانية ما إذا كانت ستوصي بعزله أم لا. وينص القانون هنا على ضرورة تمكين رئيس الحكومة من عرض موقفه ووجهة نظره أمام هذه اللجنة، قبل اتخاذ قرارها.

2. المرحلة الثانية ـ بعد استيفاء البحث واتخاذ القرار، تنقل "لجنة الكنيست" توصيتها إلى الهيئة العامة للكنيست. أما إذا لم توص اللجنة بعزل رئيس الحكومة، فمن حق رئيس الكنيست طرح مسألة عزل رئيس الحكومة على الهيئة العامة لمناقشتها، مع ضمان حق رئيس الحكومة في عرض موقفه ووجهة نظره.

3. بعد انتهاء الهيئة العامة من بحث الموضوع، يُعرض على التصويت فيها. وكي يكون قرار الكنيست ملزما بإنهاء ولاية رئيس الحكومة (وحكومته كلها) يجب أن يحظى بتأييد أغلبية من 61 عضو كنيست على الأقل.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات