تضمن كتاب "العقد الهادئ – حرب لبنان الثانية ونتائجها، 2006 – 2016"، مقالا لمستشار الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، إليوت أبرامس، بعنوان "حرب لبنان الثانية وتبعاتها: نظرة من البيت الأبيض".
يذكر أن حرب لبنان الثانية اندلعت أثناء ولاية بوش الثانية. ووفقا لأبرامس، فإن هذه الحرب فاجأت الولايات المتحدة. واعتبر أن "نتائج الحرب كانت تنطوي على أهمية بالنسبة لإدارة بوش، فقد غيّرت النظرة الأميركية إلى الوضع بين إسرائيل والفلسطينيين ومسّت بشكل كبير بالعلاقات بين رئيس الحكومة (الإسرائيلية)، ايهود أولمرت، ووزيرة الخارجية، كوندوليزا رايس".
وكتب أبرامس أنه "في البداية لم تشكك الإدارة الأميركية بقرار أولمرت شن الحرب. ومثل معظم دول أوروبا والدول العربية، اعتقدنا أن هذه الحرب ستدار جيدا وأن الجيش الإسرائيلي سينزل ضربة شديدة وسريعة بحزب الله. وفرصة توجيه ضربة شديدة لحزب الله كانت ستمنح عدة فوائد للولايات المتحدة وحليفاتها في الشرق الأوسط. فقد كان من شأنها أن تضعف الحزب من الناحية الداخلية وأن تعزز الحكومة الجديدة في لبنان برئاسة فؤاد السنيورة، التي حازت على دعم أميركي. كما كان من شأنها أن تضعف تأثير إيران وتؤدي إلى تعزيز إسرائيل ومكانتها الإقليمية، وكانت ستضع أولمرت في نقطة بداية أفضل من أجل التقدم في الحلبة الفلسطينية، سواء بواسطة مفاوضات أو عن طريق خطوات أحادية الجانب" وذلك في أعقاب تنفيذ حكومة أريئيل شارون خطة الانفصال عن قطاع غزة، في صيف العام 2005.
وأضاف أبرامس أنه "اتضح أن الدول العربية أيضا توقعت هزيمة حزب الله بصورة واضحة ومطلقة. بل إن دبلوماسيين عربا كثيرين أيدوا الجيش الإسرائيلي خلف الأبواب المغلقة".
وأشار أبرامس إلى أن البيت الأبيض عارض وقف إطلاق نار فوري. وبعد أسبوعين على الحرب، عقد اجتماع لوزراء الخارجية في روما، رفضت خلاله رايس وقف إطلاق النار، رغم خطاب ألقاه السنيورة بعيون دامعة ورغم ضغوط كافة المشاركين في الاجتماع. وبحسب أبرامس، فإن تخطيط الولايات المتحدة كان تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1559، الذي دعا إلى نزع سلاح الميليشيات في لبنان، وبينها حزب الله، وبسط سيادة الحكومة اللبنانية خصوصا في جنوب لبنان.
لكن أبرامس أضاف أنه بعد أسبوعين من نشوب الحرب "اتضح الواقع الجديد. فالجيش الإسرائيلي لم يهزم حزب الله كما توقع الجميع، واستمرار الحرب ألحق أضرارا لا يمكن منعها بالبنية التحتية وأضرارا أخرى بالسكان المدنيين في لبنان، وحزب الله نجح في حملة دعائية، استخدمت أكاذيب من أجل تعظيم حجم الضرر الذي ألحقته الحرب بإسرائيل، وفيما كان يستعين بالسنيورة وحكومته من أجل دفع هدفه إلى الأمام. واجتمعت كل هذه الأمور من أجل عزل الولايات المتحدة والضغط عليها. وبحسب فهمي للأمور، فإنه لم يكن لذلك تأثير كبير على الرئيس بوش، لكن كان له تأثير على وزيرة الخارجية رايس. والحكومات العربية فقدت صبرها لأن ’الشارع’ اطلع على التقارير الكاذبة لـ’الجزيرة’ حول الدمار المطلق في لبنان. وكما هو متوقع، صفق الأوروبيون لكنهم لم يظهروا أية نية للقيام بعمل حقيقي" بعد رفض تشكيل قوة شرطية لحراسة الحدود اللبنانية – السورية ومنع نقل أسلحة إلى حزب الله.
وتابع أبرامس، وهو أميركي – يهودي، أنه في الأسبوع الثالث للحرب، تبين أن الحل التي حاولت الولايات المتحدة دفعه آخذ بالتلاشي "عندما اتضح أنه لن يكون هناك انتصار إسرائيلي واضح؛ ولم يكن هناك حلفاء يساعدون على تسوية تكون أفضل من العودة إلى الستاتيكو؛ وفؤاد السنيورة تصرف كمحام لحزب الله لاعتباراته الخاصة؛ وكوندوليزا رايس اعتبرت السياسة الإسرائيلية فشلا وبدأت تفقد الثقة بأولمرت والجيش الإسرائيلي". وكان أولمرت يطالب بتمديد الحرب لعشرة أيام أخرى، بينما "لم يكن هناك أي دليل على أنه يتوقع إلحاق ضربة شديدة ومؤثرة بحزب الله، حتى لو تم منح أولمرت مزيدا من الوقت. والحديث هنا عن نقطة بالغة الأهمية، لأنها قوضت المنطق الذي كان في صلب المعارضة الأميركية لضغوط دولية ومنطق استمرار القتال".
وأشار أبرامس إلى أن السنيورة كان يطالب في كل مناسبة باستعادة لبنان مزارع شبعا، وأنه "بعد أسبوعين من نشوب الحرب قالت رايس لأولمرت ووزيرة خارجيته، تسيبي ليفني، إن أي قرار للأمم المتحدة حول إنهاء الحرب يجب أن يذكر مزارع شبعا، وهو موقف رفضه الاثنان وبحق. وفي بداية الأسبوع الثالث للحرب بدأنا ندرك أنه على الرغم من مقولة ’لن تكون عودة إلى الستاتيكو’ إلا أنه على ما يبدو هذه هي النتيجة التي ستكون. وعمليا، كلما طالت الحرب وكلما نجح حزب الله في الصمود أمام الهجمات الإسرائيلية، تعاظمت شعبية حزب الله".
رايس تفقد الثقة بأولمرت
في ظل هذا الوضع، بدأت رايس ببلورة شروط وقف إطلاق النار بحيث تبدو أنها منسجمة مع المواقف الأميركية والإسرائيلية، "وكان يتوقع أن تحظى هذه المبادئ بموافقة شاملة، وإن اعتقد الكثيرون أن الحديث عن بيان وحسب". وكان يتعين على رايس أن تزور إسرائيل ولبنان وتعود إلى نيويورك من أجل الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق نار.
لكن في ليلة 29 – 30 تموز، خلال الأسبوع الثالث للحرب، وقعت مجزرة قانا الثانية، عندما قصفت إسرائيل مبنى وسقط عشرات القتلى. وكتب أبرامس أن "التقارير حول الواقعة التي حولتها إسرائيل إلينا تغيرت كل ساعة تقريبا وعمّقت انعدام ثقة رايس بأولمرت والجيش الإسرائيلي".
ولفت أبرامس إلى أنه عندما وقعت مجزرة قانا كانت رايس تعتزم الوصول إلى بيروت من أجل الحصول على موافقتها على خطتها لوقف إطلاق النار، ثم العودة إلى الأمم المتحدة من أجل إنهاء الحرب والاحتفال بانتصارها. ووفقا لأبرامس، فإنه "بالنسبة لإدارة بوش، الذي كان يغوص في وحل الحرب الفاشلة في العراق وعانى من شعبية متدنية، كان من شأن إنجاز كهذا أن يكون بالغ الأهمية. لكن كل شيء تبدد دفعة واحدة. واتصلت رايس بالسنيورة صبيحة 30 تموز، فأبلغها بألا تأتي إلى بيروت".
وانتهت الحرب في 13 آب 2006، بصدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701. وكتب أبرامس أنه "لم يكن بإمكان إسرائيل أن تحقق في الأمم المتحدة ما لم تنجح في تحقيقه في ميدان القتال، ولم يكن بإمكان الولايات المتحدة أن تحقق ذلك من أجلها. فإسرائيل لم تهزم حزب الله، والفشل في تحقيق الأهداف العسكرية التي وضعتها لنفسها لم يسمح بتحقيق غاياتها في الحلبة السياسية".
وأضاف أنه "بالنسبة لرايس، كانت لذلك تبعات هامة في السياق الإسرائيلي – الفلسطيني. فقد كانت السياسة الأميركية تجاه الفلسطينيين، في العامين 2004 – 2005، هي دعم رئيس الحكومة شارون وسياسته بالانفصال عن قطاع غزة. وعندما صعد أولمرت إلى الحكم، في العام 2006، كانت السياسة الأميركية تقضي بدعمه ودعم خطته بـ’الانطواء’... وبعد حرب لبنان الثانية أدركت الولايات المتحدة عمليا أن فكرة ’الانطواء’ في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) ماتت في لبنان عمليا. وبهذا المفهوم، تم مد خط مباشر بين قانا وأنابوليس، بين اللحظة التي توصلت فيها رايس إلى الاستنتاج أنه لا يمكنها الاعتماد على قوة إسرائيل وحكمتها وبين العملية السياسية التي بادرت إليها في محاولة للتوصل إلى اتفاق إسرائيلي – فلسطيني".
ووفقا لأبرامس، فإن رايس أدركت عدم قدرة إسرائيل على إدارة موضوعها الأمني بنفسها، إضافة إلى انعدام ثقة شخصية بينها وبين أولمرت. "وبرأي رايس انتهت احتمالات أن يتوجه أولمرت إلى الفلسطينيين. وخططت رايس أن تملأ الفراغ الحاصل، وهكذا وُلد مؤتمر أنابوليس".
وأكد أبرامس أن مؤتمر أنابوليس لم يكن ناجحا، لكنه "لم يلحق ضررا بإسرائيل"، بل إن إدارة بوش "ملأت الحيز السياسي بين حرب لبنان الثانية ونهاية ولاية بوش، وبذلك حمت إسرائيل من ضغوط إضافية، مثل خطط جديدة وجهود أوروبية وما إلى ذلك".
واعتبر أبرامس أن "الضرر اللاحق بمكانة إسرائيل في المنطقة بدأ يتحسن فقط في أيلول العام 2007، عندما قصفت المفاعل النووي السوري. وعندما أتذكر النقاشات الداخلية في البيت الأبيض حول طريقة العمل بعد اكتشاف المفاعل، عليّ أن أقول إني كنت متفاجئا في البداية من قرار الرئيس بوش بعدم قصف القوات الأميركية للمفاعل. لكن بنظرة إلى الوراء، من الجائز أنه آمن بأن مهمة كهذه يجب إبقاؤها لإسرائيل، لأنه إذا نفذتها إسرائيل، ستكون هذه خطوة هامة في ترميم الثقة بقوتها العسكرية، سواء بعينها نفسها أو بأعين الدول العربية المجاورة. فقوة الدولة اليهودية يجب أن تكون بيدها كي تصمد في الشرق الأوسط".