المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بذريعة إجراء الجيش الإسرائيلي تدريبات بالنيران الحية في شمال الأغوار، أقام مستوطنون بؤرة استيطانية عشوائية جديدة وآخذة بالتوسع تحت أنظار ضباط جيش الاحتلال.

وكشفت صحيفة "هآرتس" يوم الجمعة الماضي، أن حوالي 15 مستوطنا شابا وبينهم قاصرون، استولوا على أرض تعرف باسم خلة حمد، كان يستخدمها الفلسطينيون لرعي مواشيهم، ووضعوا فيها خزان مياه وكوخا خشبيا ومدوا أنبوب ماء ووضعوا جرارا زراعيا وحظيرة مسقوفة وكراسي بلاستيكية وأرائك، جلبوها من البؤرة الاستيطانية التي أقيمت قبل ذلك عند سفوح التلة.

وذكرت الصحيفة أن ضباطا إسرائيليين من "مديرية التنسيق والارتباط" و"الإدارة المدنية" زاروا موقع البؤرة الاستيطانية العشوائية الجديدة. وقال قائد "مديرية التنسيق والارتباط" إنه سلم المستوطنين في الموقع أوامر وقف العمل، لكنه أضاف أنه "ينبغي الآن البحث في مكانة هذه الأراضي"، في إشارة إلى ما إذا كانت سلطات الاحتلال ستعتبرها "أراضي دولة" وتصادرها. لكن المستوطنين لم ينتظروا قرارا بشأن "خلة حمد" وواصلوا العمل في بناء البؤرة الاستيطانية الجديدة فور انصراف الضباط.

وتمارس سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة هدم البيوت الفلسطينية بشكل واسع في الأغوار خصوصا، وهي منطقة معرفة بأنها من المنطقة "ج" بموجب اتفاقيات أوسلو، وهي منطقة خاضعة لإدارة مدنية وأمنية إسرائيلية، وتعادل مساحتها 60% من مساحة الضفة الغربية. وفي محاولة لتجميل وجه الاحتلال، صادق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت)، قبل ثلاثة أسابيع، على خطط ومشاريع بناء في المنطقة "ج"، بموجب اقتراح قدمه وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، في إطار سياسة "العصي والجزر" التي أعلن أنه سيمارسها بحق الفلسطينيين.

وتبين أن هذه مشاريع هزيلة وصغيرة لا تسد احتياجات الفلسطينيين، الذين مُنعوا على مدار سنين طويلة من تنفيذ مشاريع بناء في هذه المنطقة. ورغم أن المشاريع التي صادق عليها الكابينيت صغيرة، مثل خطط بناء ملاعب وروضات أطفال في بعض القرى، إلا أنه لم يعلن عن هذا القرار لأكثر من أسبوعين، بادعاء منع المستوطنين من ممارسة ضغوط، علما أن الوزراء الذين يمثلون المستوطنين، مثل وزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، حضر الاجتماع وعارض القرار.

ترحيل وتنكيل متواصلان

سيضطر السكان الفلسطينيون، في خربة الرأس الأحمر الواقعة في أراضي بلدة طوباس في شمال الأغوار، اليوم الثلاثاء، لأن يحملوا أولادهم ويجمعوا مواشيهم وطعامهم وخزانات المياه وغير ذلك من أغراضهم والرحيل، بموجب أمر من الجيش الإسرائيلي الذي يريد إجراء تدريبات في المكان. وقد تلقى السكان إخطارا بالرحيل عن أراضيهم الأسبوع الماضي. وهذه ليست المرة الأولى التي سيرحلون فيها عن أراضيهم، إذ أنهم اضطروا للرحيل عنها، بأمر من الجيش أيضا، قبل خمسة أشهر، وعادوا بعد ثلاثة أيام.

إن تنكيل جيش الاحتلال بهؤلاء السكان، الذين يسكنون الخيام ويعتاشون على رعي المواشي، لا يعرف حدودا. ففي بداية العام الحالي طولبوا بالرحيل عن أراضيهم مرتين خلال شهر كانون الثاني. ورغم أن هذا التجمع السكاني مقام منذ سنوات طويلة، وقبل أن يقرر الجيش الإسرائيلي الإعلان عن المنطقة التي يقع فيها أنها منطقة تدريبات بالنيران الحية، إلا أنه في العام الماضي طولب السكان بالرحيل عن أراضيهم، مؤقتا، ثماني مرات لصالح هذه التدريبات. ووفقا لمعطيات منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية، فإن الجيش الإسرائيلي ارغم 67 عائلة فلسطينية في الأغوار على الرحيل عن أراضيها بادعاء إجراء تدريبات. وتمتد فترة الرحيل هذه ما بين عدة ساعات في اليوم أو طوال ساعات اليوم وحتى إلى أيام متعاقبة بكاملها.

وفي التاسع من تشرين الأول الفائت، هدم الجيش الإسرائيلي عشرة بيوت و17 حظيرة أغنام تابعة لتسع عائلات في خربة الرأس الأحمر. وكانت سبعة بيوت منها مأهولة أثناء الهدم، وفقد 24 شخصا بيوتهم في غضون دقائق.

قبل ذلك، في 27 أيلول الماضي، داهمت قوات الجيش خيام عائلة أيوب في خلة حمد، وهدمت 18 بيتا، بينها ستة استخدمت للسكن وست حظائر. وفقد 25 شخصا مأواهم. وحدث ذلك بعد أيام معدودة من إقامة بؤرة استيطانية عشوائية، ومنع المستوطنون أبناء عائلة أيوب من رعي مواشيهم في التلة الواقعة فوق خيامهم، والتي كانت مكانا يرعون فيه مواشيهم منذ سنوات. وفي هذه الأيام يعمل المستوطنون على توسيع بؤرتهم الاستيطانية كما ذكر أعلاه.

وتشير المعطيات إلى أن الجيش الإسرائيلي داهم تجمعات فلسطينية كهذه وهدم بيوتا وحظائر 35 مرة منذ مطلع العام الحالي. وتستخدم سلطات الاحتلال ذريعة البناء غير المرخص، علما أن سلطات الاحتلال لا تصدر تصاريح بناء للفلسطينيين في المنطقة "ج"، بسبب عدم وجود خرائط هيكلية لهذه التجمعات أو لأنهم يسكنون في مناطق يعرفها الجيش أنها مناطق تدريبات عسكرية. وجراء عمليات الهدم هذه، فقد 260 شخصا، بينهم 110 أطفال، مأواهم، وفقا لتقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق العمليات الإنسانية "أوتشا".

وتفيد المعطيات بأنه منذ بداية العام، هدم جيش الاحتلال 780 مبنى في التجمعات السكنية الفلسطينية في الأغوار، وفي العام الماضي هدم 453 مبنى، وذلك بادعاء البناء غير المرخص. وبلغ عدد الذين فقدوا المأوى هذا العام 1129 شخصا، و580 شخصا في العام الماضي.

وبموجب تقديرات "أوتشا"، فإنه في الفترة ما بين مطلع العام الحالي وحتى التاسع من تشرين الأول الفائت، تضرر حوالي 2000 إنسان من عمليات الهدم التي نفذها الاحتلال. وارتفع العدد هذا العام لأن قوات الاحتلال ألحقت أضرارا بالغة بشبكات تزويد المياه لهذه التجمعات، حيث دمرت أنابيب المياه وخزانات ومواقع تجميع مياه. وتزداد معاناة هذه العائلات الفلسطينية على ضوء أوضاعهم المعيشية والفقر.

كذلك فإن قوات الجيش هدمت مباني صغيرة تستخدم كمراحيض.
ونقلت "هآرتس" عن الناشطة في حركة "محسوم ووتش" المناهضة للاحتلال، دافنا بناي، قولها لمجموعة نشطاء إسرائيليين خلال جولة في الأغوار، إن "النساء بينكم يدركن بشكل خاص إلى أي مدى يجعل هذا الهدم حياة النساء صعبة ويعرقل إمكانية الحفاظ على النظافة".

وقال الناشط اليساري الإسرائيلي عاموس غفيرتس للنشطاء في الجولة، إن "كل الخطاب الإسرائيلي حول ما يحدث في الأغوار والمنطقة ’ج’ كاذب. وهم (الاحتلال الإسرائيلي) يصورون ذلك على أنه تطبيق للقانون. لكنهم في الواقع يصورون جريمة حرب كأنها تطبيق للقانون".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات