المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قال قاضي المحكمة الإسرائيلية العليا تسفي زلبرتال في إعلان مفاجئ صدر عنه في نهاية الأسبوع الفائت، إنه ينوي التنحي من مقعده القضائي في هذه المحكمة في العام المقبل، أي قبل خمس سنوات من بلوغ سن التقاعد الإلزامي لهذه المحكمة.

وذكر بيان صادر عن المحكمة أن زلبرتال (64 عاما)، سيتقاعد في 17 نيسان 2017.

ولم يذكر البيان سبب اتخاذه هذا القرار، على الرغم من أن مصادر مقربة من المحكمة تقول إن زلبرتال يشعر أن لديه الكثير من الواجبات المرهقة من هذه المحكمة.

وعمل زلبرتال كقاض لمدة 27 عاما، وحاز على أول تعيين قضائي له في محكمة الصلح في القدس العام 1990، تلاه ترقية إلى المحكمة المركزية في القدس العام 2000، وإلى المحكمة العليا في العام 2012.

وإعلان زلبرتال هذا يجعله القاضي الرابع الذي سيتقاعد في العام 2017، إلى جانب رئيسة المحكمة العليا مريم ناؤور، والقاضيين سليم جبران وإلياكيم روبنشتاين، الذين وصلوا جميعهم إلى سن التقاعد.

وباستثناء زلبرتال، فإن توقيت التقاعد يصادف مع بلوغهم سن 70 عاما.

ويترك تقاعد هؤلاء القضاة الأربعة أعضاء "لجنة تعيين القضاة" التسعة أمام مهمة غير عادية لاختيار ما يقارب ثلث المحكمة الإسرائيلية العليا في غضون بضعة أشهر.

وتتكون هذه اللجنة من أربعة سياسيين - اثنان من أعضاء الكنيست واثنان من وزراء الحكومة - إلى جانب ممثلين اثنين عن نقابة المحامين في إسرائيل وثلاثة قضاة من المحكمة العليا.

ومن المتوقع أن تشهد هذه اللجنة معركة حول هذه التعيينات.
وسبق أن أشرنا مرات عديدة إلى أن "لجنة تعيين القضاة" هذه تعتبر إحدى الجبهات الرئيسة في المعركة المتواصلة على صورة ما يسمى "الجهاز القضائي في إسرائيل"، أي السلطة القضائية، بما يشمل من محاكم مختلفة الدرجات والمستويات والصلاحيات في مقدمتها وعلى رأسها المحكمة العليا، وخاصة حينما تمارس مهامها القضائية بصفة "محكمة العدل العليا" (التي تبحث وتبتّ في كل ما يتصل بالقضايا الدستورية وما يدور في صلبها من حقوق وحريات أساسية)، وليس مجرد هيئة استئناف أخرى (وأخيرة) على ما يصدر من قرارات حكم قضائية عن ما دونها من محاكم.

ولأنها كذلك، فهي تشكل ميدانا أساسيا للتجاذبات المختلفة، السياسية ـ الحزبية والقضائية، عشية انتخاب أعضائها بعيد انتخاب هيئة جديدة للكنيست.

وهذا ما حصل العام الفائت، أيضا، كما حصل في السابق. فقد وجد حليفا الأمس وخصما اليوم، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو (زعيم الليكود) وأفيغدور ليبرمان (زعيم "إسرائيل بيتنا") قاسما مشتركا جعلهما يضعان جانبا، ولو مؤقتا، جميع الخلافات السياسية ـ الحزبية ـ الائتلافية وغيرها والتحالف في مسألة عينية على غاية من الأهمية لكليهما معا ولكل منهما على حدة، وهي: موقع اليمين وقوته في "لجنة تعيين القضاة"، ومدى تأثيره على قراراتها، وذلك في سياق الحرب الشعواء التي تشنها أحزاب اليمين وتنظيماته وقياداته المختلفة على الجهاز القضائي في إسرائيل، وفي مقدمته تحديدا "محكمة العدل العليا"، سعيا إلى تقليص صلاحياتها بالحدّ من قدرتها على إلغاء قوانين غير دستورية يسنها الكنيست والحدّ من قدرتها على توفير الحماية (ولو الجزئية والمنقوصة) للأقليات والفئات الضعيفة والمهمشة في المجتمع الإسرائيلي بما يضمن حقوقها وحرياتها الأساسية.

وبعد استكمال الانتخابات لعضوية هذه اللجنة، أصبحت تركيبتها الجديدة للدورة الحالية على النحو التالي: وزيرة العدل أييلت شاكيد - رئيسة اللجنة، ووزير المالية موشيه كحلون (ممثلا الحكومة)، عضوا الكنيست نوريت كورن وروبرت إيلاتوف (ممثلا الكنيست)، رئيسة المحكمة العليا القاضية مريام ناؤور، قاضيا المحكمة العليا إلياكيم روبنشتاين وسليم جبران (ممثلا الجهاز القضائي / المحكمة العليا)، المحامي خالد حسني زعبي والمحامية إيلانه ساكر (ممثلا نقابة المحامين).

وقد أتاحت الصفقة بين نتنياهو وليبرمان لأحزاب اليمين في إسرائيل التكتل وضمان أن يكون ممثلا الكنيست في عضوية "لجنة تعيين القضاة" اثنين من أعضاء الكنيست من هذه الأحزاب، هما: نوريت كورن (ليكود) وروبرت إيلاتوف (إسرائيل بيتنا)، كما أظهرت نتائج التصويت السري في الكنيست يوم 22 تموز 2015.

ومثلت هذه النتيجة في حينه الإنجاز الأكبر والأبرز للائتلاف الحكومي الحالي منذ تشكيله.

فقد درجت العادة، حتى الآن، على أن يختار الكنيست ممثلّيْه في هذه اللجنة من خلال المحافظة على "التوازن" بحيث يكون أحدهما من كتل الائتلاف والآخر من كتل المعارضة. وهذا ما حصل الآن أيضا: فحزب "إسرائيل بيتنا" وكتلته يجلسان في المعارضة البرلمانية، خارج الائتلاف الحكومي! ومن خلال هذا التحالف بينهما، استطاع نتنياهو وليبرمان قطع الطريق على كتل المعارضة الأخرى (المعسكر الصهيوني، يش عتيد، ميرتس والقائمة المشتركة) بإجهاض مسعاها لإيصال ممثل عنها إلى عضوية "لجنة تعيين القضاة". وهكذا فشل عضوا الكنيست عوفر شيلح (يش عتيد) وأييلت نحمياس ـ فربين (المعسكر الصهيوني) اللذين كانا مرشحين عن كتل المعارضة الأخرى (عدا "إسرائيل بيتنا") مجتمعة!

لكن هذه الصفقة بين نتنياهو وليبرمان، كما ظهرت نتيجتها في هوية عضوي الكنيست اللذين سيمثلان الكنيست في "لجنة تعيين القضاة"، ليست ـ كما يبدو ـ سوى الخطوة العملية الأولى في تحالف يميني شامل وطويل المدى في هذه القضية يستهدف، كما ذكرنا، محاصرة "محكمة العدل العليا"، تحجيم قوتها وتقليص صلاحياتها.

وقد عبر عدد كبير جدا من ممثلي اليمين وقادته عن هذا الهدف خلال السنوات الأخيرة، جهرا ودونما أي خجل أو وجل.

وكان عضو الكنيست موطي يوغيف (من "البيت اليهودي" بزعامة نفتالي بينيت) آخرهم وأكثرهم "جرأة" حينما قال، في أعقاب قرار "محكمة العدل العليا" الذي أمرت فيه بتنفيذ هدم المباني في مستوطنة بيت إيل: "آن الأوان لرفع ذراع جرافة على المحكمة العليا... نحن، كسلطة تشريعية، سنهتم بلجم السلطة القضائية في الدولة"!

أما الخطوة التالية في هذا التحالف فستكون، على الأرجح، تطبيق الخطة السابقة التي كان أعدها رئيس الائتلاف الحكومي في الكنيست السابق ووزير السياحة في الحكومة الحالية، ياريف ليفين (ليكود)، والرامية إلى سن قانون جديد يقضي بتغيير تركيبة هذه اللجنة وتغيير موازين القوى فيها، بحيث يتم تقليص قوة (تمثيل) القضاة الممثلين عن المحكمة العليا مقابل زيادة قوة وتمثيل السياسيين وممثلي الأحزاب السياسية.

وكان ليفين قال في تفسير وتبرير مشروعه هذا: "إن التركيبة الحالية لهذه اللجنة تتيح لقضاة المحكمة العليا الثلاثة ولممثليّ نقابة المحامين تشكيل جسم مانع مقابل الأعضاء الأربعة الآخرين (وزيران وعضوا كنيست)، وهكذا يفرضون عليهم تعيينات غير مقبولة عليهم ومختلف حولها". وأضاف: "سنعمل على تغيير هذا الوضع، لأنه لا يمكن أن يستمر"!!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات