دعا قضاة المحكمة العليا الإسرائيلية، في جلسة عُقدت أول من أمس الأحد للنظر في التماسات ضد خطة الغاز الحكومية، إلى ضرورة سن قانون حول "بند الاستقرار" في الخطة، الذي يمنح شركتي "ديلك" الإسرائيلية و"نوبل إنرجي" الأميركية احتكارا لاستخراج الغاز من حقلين عملاقين، هما "تمار" وليفياتان" في البحر المتوسط، لفترة تتراوح ما بين 10 – 15 سنة.
وحضر جلسة المحكمة العليا بصورة غير مألوفة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، من أجل الدفاع عن خطة الغاز التي صادقت عليها الحكومة والكنيست. وقال نتنياهو للقضاة "طلبت الظهور أمامكم بسبب الأهمية الهائلة التي أوليها لتطوير آبار الغاز، وبسبب تقديري أننا موجودون في نقطة زمنية مصيرية من حيث المخاطر والاحتمالات. نحن في الدقيقة 90 من حيث إمكانية تطبيق القدرة الكامنة في الغاز. وأي تأخير آخر، وأي تراجع سيؤدي إلى نتائج خطيرة وثمة شك فيما إذا كنا سنتمكن من التغلب عليها".
وسعى نتنياهو إلى الرد على انتقادات واسعة لخطة الغاز الحكومية، وخصوصا في ما يتعلق ببندين، هما "بند الاستقرار" و"البند 52"، الذي يسمح بتجاوز المسؤول عن منع الاحتكارات، ديفيد غيلو، الذي عارض الخطة الحكومية لأنها لا تأخذ بالحسبان إبقاء احتياطي غاز في إسرائيل وتمنح الشركتين المذكورتين مكانة احتكارية وإمكانية تصدير الغاز.
واعتبر نتنياهو أنه "لا يوجد بديل حقيقي وواقعي لخطة الغاز التي تمت المصادقة عليها، وأنا خائف جدا من أي تأخير آخر سيلحق ضررا خطيرا وطويل الأمد بإسرائيل. ومن دون الخطة الحكومية لن تكون هناك منافسة ولا استثمارات وتطوير آبار موجودة وجديدة. وبوجود الخطة هناك مخاطر واقعية لتحقيق كافة هذه الغايات".
وأضاف نتنياهو، الذي ادعى في الماضي أنه توجد لخطة الغاز الحكومية أبعاد سياسية وأمنية: "إنني أسعى إلى ربط الغاز الطبيعي لصالح تعاون إقليمي. وقد نفقد التعاون بيننا وبين الأردن والفلسطينيين وقبرص ومصر والاتحاد الأوروبي. وخطة الغاز الحكومية هي رافعة سياسية من الدرجة الأولى وستغير وجه المنطقة".
وقال نتنياهو "كنا على وشك التوقيع على اتفاق مع الأردن، وعندما جاء قرار المسؤول (عن منع الاحتكارات) ألغي الاتفاق. ولو تم توقيع الاتفاق قبل سنة، لساعد ذلك كثيرا جارتنا الأردن التي تواجه مليون ونصف مليون لاجئ".
وتابع نتنياهو أن "دولة إسرائيل تعتمد على منصة غاز واحدة. وهي مهددة من الناحية الأمنية، وكانت هناك محاولة لمهاجمتها أثناء الجرف الصامد. ووضع تكون فيه منصة غاز واحدة يشكل خطرا على الدولة وأمن الطاقة فيها. فأكثر من نصف الكهرباء في إسرائيل يولد من الغاز الطبيعي. وأعداؤنا يعرفون أنه توجد لدينا منصة غاز واحدة. وأنا أتحدث عن أعداء من الشمال والجنوب والشرق، البعيدين والقريبين".
وقال إن "استخدام البند 52 من قانون منع الاحتكارات غير مألوف لكنه برأيي يتلاءم مع الظروف الموجودة". وأضاف أنه في حال عملت شركتا "ديلك" و"نوبل" على تطوير آبار الغاز الأخرى فإنهما ستحصلان على "بند الاستقرار".
وتطرقت منظمة OECD في تقرير أصدرته في نهاية كانون الثاني الماضي إلى خطة الغاز الحكومية الإسرائيلية، ووجهت انتقادات لهذه الخطة لأنها تمنح مكانة احتكارية للشركتين ولأن أسعار الغاز في إسرائيل مرتفعة بالنسبة لدولة تستخرج الغاز، كما انتقدت عدة بنود وبيع الغاز لشركة الكهرباء الإسرائيلية بسعر مرتفع جدا. ورغم ذلك، فإن المنظمة دعت إسرائيل إلى تطبيق الخطة الحكومية، مشيرة إلى أنه "في الأمد القصير لا يوجد احتمال كبير للمنافسة في تزويد الغاز إلا بإدخال منافسين جدد".
ورأت المحللة الاقتصادية في صحيفة "ذي ماركر"، ميراف أرلوزوروف، في تحليل نشرته أمس الاثنين، أنه على الرغم من المشاكل المعقدة جدا لخطة الغاز الحكومية، إلا أنه "يتضح أن هيئات دولية كبيرة تعتقد أن محاسن خطة الغاز تتغلب على مساوئها، وأن الخطة هي الاحتمال الأفضل لإسرائيل من أجل جذب مستثمرين جدد، وبذلك ستنجح في كسر احتكار ديلك – نوبل في تزويد الغاز لإسرائيل".
وأضافت أرلوزوروف أن خطة الغاز تخلو من الإبداع، لكنها أيضا "ليست درجة واحدة قبل إفساد مطلق لإسرائيل. والموقف الذي يحظى بشعبية وكأن الخطة هدامة لمستقبل الدولة هو على ما يبدو متطرف ومبالغ فيه".
لكن أرلوزوروف لفتت إلى أنه في الوقت الذي يهدر فيه الجمهور الطاقة في نقد خطة الغاز الحكومية، فإنه "من الناحية الفعلية يجري تدمير الدولة أمام أعيننا غير المبالية، والجمهور لا يحرك ساكنا حيال ذلك. هذا تدمير منهجي، ولن يكون بإمكان الجمهور في المستقبل الادعاء ضد خطوات مثل خطة الغاز، لأنه لن يكون هناك أحد يمكن تقديم الادعاء ضده: كل سلك الموظفين المهني سيهدم، وسيهدم معه مستقبل الدولة".
وأردفت أن هذا الوضع سيحصل "بسبب الهجمة التي يشنها السياسيون، بتشجيع من رئيس الحكومة، ضد كبار الموظفين الحكوميين، والرغبة في تحويلهم من موظفين مستقلين ومهنيين إلى موظفين خاضعين لتخرصات السياسيين".
وكانت تشير أرلوزوروف بذلك إلى مطالبة وزراء من حزب الليكود بأن تكون لديهم صلاحية تعيين نواب المدراء العامين للوزارات والشركات الحكومية وتحويل هذه الوظائف الرفيعة إلى تعيينات سياسية، "أي أن الوزير يختار، والوزير يعين وكذلك يقيل". ويطالب الوزراء بذلك من أجل منع بقاء هؤلاء الموظفين في مناصبهم لفترة طويلة، وإنما يجري تعيينهم لفترة محددة، لأربع سنوات بالإمكان تمديدها إلى ما بين سنتين إلى أربع، بادعاء أن بقاء الموظف في منصبه من شأنه أن يكون مفيدا.
وطرح مكتب نتنياهو حلا لذلك بأن يبقى تعيين نواب المدراء العامين تعيينا مهنيا، لكن في الوقت نفسه تكون إقالتهم من مناصبهم أسهل، ووفقا لقرار المستوى السياسي. ورأت أرلوزوروف أن "الرسالة لنواب المدراء العامين هي أن من لا يجعل الوزير والمدير العام راضيين عنه، سيكون مرشحا للإقالة بإجراءات سريعة".
وأشارت المحللة إلى أن "كل من يلجم قوة السياسيين ويشكل جزءا من نظام التوازنات والكوابح للنظام الديمقراطي، سيعتبر عدوا. والموظفون الذين يؤدون واجبهم ويجرؤون على معارضة الوزير سيتحولون إلى ضحية هجوم شخصي وإقالة وكلام عنيف ضدهم من جانب وزراء وأعضاء كنيست".
وخلصت أرلوزوروف إلى أنه بدلا من الموظفين الرسميين والمهنيين "يعدّ نتنياهو لنا سلكا حكوميا ضعيفا ويفتقر إلى عمود فقري مهني، وهو سلك حكومي لا يمكنه أن يطور دولة إسرائيل".