نُشرت في الأيام القليلة الماضية عدة تقارير تمحورت حول حزب الله، وتناولت القتال الذي يخوضه في سورية إلى جانب قوات النظام هناك وقوات الجيش الروسي، وتخوف إسرائيل من احتمال حصوله على أسلحة متطورة، ووصف حزب الله بأنه التهديد الأول على إسرائيل قبل أي تهديد آخر.
واعتبرت دراسة إسرائيلية جديدة أن حزب الله حسّن قدراته العسكرية، وخصوصا الهجومية، بفضل التدخل الروسي المتزايد في الحرب الأهلية الدائرة في سورية. وقال العميد موني كاتس، وهو القائد السابق لفرقة الجليل العسكرية (الفرقة 91) في الجيش الإسرائيلي، في مقال كتبه سوية مع الباحث نداف بولك، إنه لأول مرة في تاريخ حزب الله يقوم الحزب بتنفيذ اجتياح هجومي في إطار القتال الذي يخوضه في سورية.
وأضاف الكاتبان، اللذان نشرا مقالهما في موقع "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط" الالكتروني قبل شهر وتناولته صحيفة "هآرتس أمس الاثنين، أن الوجود العسكري الروسي المتزايد، سيعزز خبرة حزب الله ويمنحه القدرة على استخلاص دروس ذات قيمة عالية للمواجهات العسكرية المقبلة.
ووفقا لبولك وكاتس، فإن إستراتيجية حزب الله اعتمدت حتى الآن على الدفاع والاستنزاف في المواجهات ضد إسرائيل، وأن الحزب كان يعتبر أنه طالما لا ينهار أمام ضربات الجيش الإسرائيلي فإن بإمكانه البقاء ويصف ذلك بالانتصار، لكن الحرب في سورية غيرت النموذج الدفاعي للحزب.
وأشارا إلى أن حزب الله اضطر في سورية إلى تغيير أهدافه والاستيلاء على منطقة والسيطرة عليها لفترة طويلة، خلال قتاله ضد التنظيمات التي تحارب في سورية. ويزج الحزب بوحدات تضم مئات المقاتلين في هجمات معقدة في مناطق ليست معروفة له جيدا، وهذه الوحدات تستعين بوسائل قتالية متنوعة جدا.
وكتب كاتس وبولك أنه "بالنسبة لمقاتلي حزب الله، فإن تجربة كهذه بإمكانها أن تغير رأيهم حيال الطريقة الأكثر فاعلية من أجل الانتصار في المعركة، والتدخل الروسي يعني أنهم يتعلمون هذه الدروس من أحد أفضل الجيوش في العالم". وبحسبهما فإن الروس وحزب الله أقاما غرف عمليات مشتركة في دمشق واللاذقية، كما أن حزب الله شارك في إنقاذ الطيار الروسي الذي أسقطت تركيا طائرته في تشرين الثاني الماضي.
واعتبر بولك وكاتس أن حزب الله سيطلع على أسلوب التفكير والتجربة للضباط الروس، كما تبلورت في الحرب في الشيشان، وسيتمكن من التعلم منهم كيفية تفعيل القوات بصورة فعالة خلال الهجمات التي تنفذ في مناطق مأهولة ومكتظة بالسكان. كذلك فإن حزب الله قد يكتسب خبرة في استخدام أسلحة لم تكن بحوزته في الماضي.
وكتبا أن "هذه ستكون فرصة أولى لحزب الله لمشاهدة كيف أن قوة عسكرية من الدرجة الأولى تخطط لعملية عسكرية"، وأشارا إلى أن مشاركة سورية في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد العراق في حرب الخليج الأولى، في العام 1991، دفعت سورية إلى إحداث تغيير كبير في إعداد إستراتيجيتها ومفهوم الحرب ضد إسرائيل. وتوقعا أن حزب الله سيتلقى معلومات استخبارية روسية والتعلم من طريقة حصول الروس على معلومات وتحليلها من مصادر مختلفة ومتنوعة.
وأضافا أن حزب الله لم يعد على ما يبدو ملتزما بمفهوم "عدم الخسارة" الذي وجهه طوال سنوات المواجهة مع إسرائيل، وأشارا إلى تهديدات أمين عام الحزب، حسن نصر الله، في السنوات الأخيرة باحتلال بلدة إسرائيلية قريبة من الحدود مع لبنان في حرب مستقبلية.
ورأى كاتس وبولك أن القتال الذي يخوضه حزب الله إلى جانب الجيش الروسي في سورية سيساعده في توازن القوى في لبنان، وأن قدرات حزب الله ستتحسن قياسا بالجيش اللبناني، الذي لا يكسب تجربة عسكرية مشابهة. برغم ذلك أشارا إلى أن الخصوم الذين يحاربهم حزب الله في سورية، مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"جبهة النصرة"، ليسوا شبيهين بالمستوى العسكري الذي لدى الجيش الإسرائيلي.
يدلين: حزب الله أصبح التهديد الأكبر لإسرائيل!
من جانبه، أوحى رئيس "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، عاموس يدلين، وهو الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، بأن الأزمة السورية تبعد الحروب عن إسرائيل.
وسعى يدلين إلى تدريج التهديدات التي تواجهها إسرائيل في العام الحالي 2016، وقال في مقابلة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، نُشرت يوم الجمعة الماضي، إن حزب الله يقف على رأس تدريج هذه التهديدات، وليس البرنامج النووي الإيراني أو حماس أو تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وغيره من التنظيمات الجهادية.
وقال في هذا السياق إن "المقاييس التي تحدد ذلك هي كمية المواد المتفجرة التي يقدر الطرف الآخر على إنزالها على إسرائيل وعمقه الإستراتيجي، أي دعم دولة عظمى إقليمية أو عالمية، ليتمكن من استمرار المعارك. وبناء على ذلك، لا شك في أن حزب الله موجود في المكان الأول. فهو الجهة الوحيدة التي لم تضعف قوتها في السنوات الخمس الأخيرة، وتواصل التسلح بصواريخ طويلة المدى. وإيران تقف خلفه، وبعد تدمير صواريخه ستجدد مخزونه. ولداعش، مثلا، لا يوجد دعم كهذا".
وفيما تسود تقديرات في إسرائيل أن بحوزة حزب الله 150 ألف صاروخ، رأى يدلين أن "العدد ليس مهما. المهم هو أن حزب الله يحسن طوال الوقت قدرات دقة الصواريخ الطويلة المدى وقدرتها على حمل رؤوس حربية متفجرة. فهذه صواريخ يمكنها ضرب تجمعات سكانية ومواقع إستراتيجية لإسرائيل. وفي موازاة ذلك يتزود الحزب بطائرات من دون طيار، بما في ذلك طائرات هجومية، وبصواريخ بر – بحر وبطاريات متطورة للدفاعات الجوية".
وأردف أنه "صحيح أن حزب الله منشغل بسورية، بأمر من سيده الإيراني، في محاولة لإنقاذ الرئيس الأسد. وصحيح أنه خلال المعارك فقد أكثر من ألف مقاتل. لكن من الجهة الأخرى هو يكتسب خبرة عسكرية هامة. ومحفزات حزب الله لفتح جبهة ضد إسرائيل موجودة طوال الوقت وستتزايد عندما يقرر حسن نصر الله أن يمحو عن نفسه شارة المجرم الشيعي الذي يشارك في قتل السنة ويحاول كسب شعبية العالم العربي مرة أخرى. عندها سيتمكن من توجيه قواته جنوبا واستغلال التجربة، العتاد والخبرة التي اقتناها في سورية".
وتابع يدلين أن حربا كهذه ليست قريبة "وطالما أن المواجهة في سورية مستمرة، وستستمر لسنوات"، لكنه استدرك قائلا إنه "في العام 2006، رأينا كيف أن نصر الله دخل حربا لم يرغب بها".
واعتبر يدلين أن إيران في المرتبة الثانية في تدريج التهديدات على إسرائيل،"رغم أنها منشغلة حاليا بترميم اقتصادها، في محاولة لتحقيق أفضليات الاتفاق النووي، وبإنقاذ نظام الأسد وفي محاربة داعش والمواجهة مع السعودية، لكن محفزاتها لم تتغير. وينبغي أن نتذكر أن بحوزة إيران بضع مئات من الصواريخ القادرة على الوصول إلى إسرائيل".
وحلت في المكان الثالث في تدريج يدلين سورية، لأن نظامها أبقى لديه قسما من السلاح الكيميائي "وغايته الدفاع عن النظام". رغم ذلك قال يدلين إن "احتمال استخدام هذا السلاح ضد إسرائيل ضئيل جدا".
وتابع يدلين أن حركة حماس تحتل المكان الرابع في سلم التهديدات على إسرائيل.
وأشار هنا إلى أن "شكل انتهاء عملية الجرف الصامد (العدوان على غزة في صيف العام 2014) لم يمنع تزايد قوة الحركة. فلديها عشرات الصواريخ الطويلة المدى والقادرة على الوصول إلى مراكز تجمعاتنا السكانية، وفي موازاة ذلك رممت الأنفاق. ومن دون شك أنه في المواجهة المقبلة، ستستغلها حماس لكي تحاول السيطرة على بلدة أو قاعدة عسكرية. وينبغي الاعتراف بأن تهديد الأنفاق موجود في الشمال أيضا، وإن كان بحجم أصغر. ولن أفاجأ إذا ما عمل حزب الله بطريقة مشابهة، بحيث يكون الهدف مشابها، وهو السيطرة على بلدة أو قاعدة".
ويختتم يدلين سلم التهديدات بتنظيم "داعش"، لكن يدلين ليس قلقا حياله. فـ"داعش هو جزء من الإرهاب الذي نواجهه منذ ستين عاما. بإمكانه أن يلتقي بنا في خمسة أماكن: الجولان، سيناء، المناطق (المحتلة)، لدى عرب إسرائيل وفي خارج البلاد. ولكن الحديث ليس عن تهديد وجودي في أي من هذه الأماكن. وجهازنا الأمني يمكنه مواجهته".
ورأى أن "وضع إسرائيل الإستراتيجي مريح، خلافا للرأي السائد لدى الجمهور. وفي الأمد القريب سيطرأ تحسن أيضا. فالدول التي تنازعنا معها ضعفت عسكريا والدول التي أبرمنا معها اتفاقيات سلام (مصر والأردن) تستقر، رغم التخوفات في بداية الربيع العربي. وإلى جانب كل ذلك، فإن انخفاض أسعار النفط تقلل من قدرة دول النفط على إملاء عمليات سياسية على الغرب والاستمرار في تزايد قوتها".
وفي غضون ذلك، اعتبر ضابط كبير في سلاح البحرية الإسرائيلي أن روسيا زودت سورية بصواريخ بر- بحر من طراز "ياخونت"، وأن قسما من هذه الصواريخ وصل إلى أيدي حزب الله، الذي قد يستخدمه ضد بوارج حربية أو غواصات إسرائيلية.
ونقلت صحيفة "معاريف" يوم الجمعة الماضي، عن هذا الضابط الإسرائيلي قوله إنه "توجد بحوزة سورية صواريخ ياخونت روسية، وتوجد تقديرات أنها انتقلت إلى أيدي حزب الله. وفرضية العمل لدينا هي أن حزب الله سيطلق صواريخ كهذه من سورية".
ووفقا للضابط فإنه يتعين على إسرائيل اليوم أن تواجه مجموعة تهديدات محتملة واسعة في جبهتها البحرية، بدءا من حزب الله وسورية في الشمال وحتى تنظيم "داعش" وحركة حماس في الجنوب. واعتبر هذا الضابط "أننا نأخذ بالحسبان أن كل من بحوزته سلاحا سيستخدمه في وقت ما" في إشارة إلى التنظيمات المسلحة في سيناء وسورية.
وكان الطيران الحربي الإسرائيلي قد أغار أكثر من مرة في الأراضي السورية بحجة استهداف قوافل أسلحة تنقل إلى حزب الله، وبضمن ذلك استهداف نقل صواريخ "ياخونت". وتعتبر إسرائيل نقل هذا الصاروخ إلى حزب الله "خطا أحمر". وكرر الضابط أقوال مسؤولين أمنيين إسرائيليين بأن "حزب الله لديه صواريخ تهدد مناطق واسعة (في إسرائيل)، وأية سفينة تخرج من الميناء تكون مهددة". وقال إن سلاح البحرية يجري مناورات أسبوعية غايتها التدرب على مواجهة هجمات كهذه، أو تسلل خلايا إلى إسرائيل عن طريق البحر، أو السيطرة على سفن.