المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1537

تجري وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، الأسبوع الحالي، استجوابا ضد معلمة يهودية من مدينة حيفا، في أعقاب شكوى قدمتها إحدى طالباتها بأن المعلمة قالت إن "جنود الجيش الإسرائيلي هم قتلة". لكن المشكلة، على ما يبدو، لا تكمن في الاستجواب، وإنما في الهجوم على المعلمة بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي ونشر اسمها وصورتها وتفاصيل شخصية أخرى.

ويرى خبراء في موضوع التربية أن ما حدث لهذه المعلمة، وما حدث في قضية المعلم آدم فيرتي، من بلدة طبعون، قبل عامين، الذي فُصل من وظيفته بعد أن اشتكت طالبته من أنه يعبر عن "آراء يسارية" في الدروس، من شأنهما أن يجعلا المعلمين يمارسون رقابة ذاتية على أنفسهم وعدم التعبير عن آراء سياسية، خاصة إذا كانت خارج نطاق الإجماع الإسرائيلي.
وذكر تقرير نشرته صحيفة "هآرتس"، يوم الجمعة الماضي، أن أحد المواضيع الأكثر اشتعالا، والتي تنطوي معالجتها على خطورة، هو موضوع عنصرية تلاميذ المدارس، وخاصة ضد العرب. لكن هذه العنصرية في المدارس اليهودية، وخاصة في جهاز التعليم الديني، موجهة أيضاً ضد مجموعات مختلفة بين اليهود.

وبين استطلاع، أجراه "مركز التكنولوجيا التربوية"، أن الكثير من المعلمين يشكون من نقص في التأهيل والأدوات المطلوبة للتعامل مع ظاهرة العنصرية بين التلاميذ. ولأن هذه الظاهرة ليست جديدة، فإن الحديث يدور عن فشل متواصل من جانب المسؤولين في الوزارة. وشمل الاستطلاع حوالي 200 معلم، شاركوا في دورة استكمال نظمها "مركز التكنولوجيا التربوية" في العام الدراسي الماضي وتم تخصيصها للمواجهة التربوية للعنصرية.

واستعرض البروفسور نمرود ألوني نتائج الاستطلاع خلال يوم دراسي عقد في "كلية الكيبوتسات" لتأهيل المعلمين، في تل أبيب، قبل أسبوعين، لكن نتائجه نُشرت لأول مرة في نهاية الأسبوع الماضي. وحذر ألوني من أنه ينبغي التعامل بحذر مع نتائج الاستطلاع، بسبب العدد القليل للمستطلعين، وبالأساس لأن نسبة عالية من المشاركين في دورة الاستكمال والاستطلاع هم معلمون يرفضون تجاهل ظاهرة العنصرية في المدارس، والتي وصفوها بـ"الغول الذي بداخلنا".

وقال ثلث المعلمين الذين شاركوا في الاستطلاع إنه ليس بحوزتهم طرق متنوعة تمكنهم من مواجهة مظاهر العنصرية في غرف الدراسة، بينما ذكر 40% أنه يوجد نقص في مواد التدريس الملائمة. وعندما سئلوا عن مواد تدريس في موضوع "مجموعات اجتماعية مصنفة بأفكار سلبية" قال 43% إن الصعوبة في مواجهة مظاهر العنصرية أكبر.

وذكر 48% أنهم يمتنعون عن المبادرة إلى مناقشة قضايا العنصرية خلال الدروس، بينما قال 35% إنهم يشعرون بـ"عجز" حيال مظاهر العنصرية في صفوفهم. وقال 20% إنهم يشعرون بمثل هذا العجز في أوقات متقاربة، بينما قال 9% إن هذا الأمر يحدث في معظم الدروس، وقال 71% إنهم يشهدون مظاهر العنصرية في الصفوف "بين حين وآخر".

والجدير بالذكر أن عدد المعلمين الذين يشاركون في دورات استكمال في مواضيع مثل دفع الحياة المشتركة بين اليهود والعرب وتشجيع الديمقراطية ومحاربة العنصرية لم يتجاوز 1200 معلم، وهناك منظمات صغيرة تمرر دورات كهذه، لكن الصحيفة أكدت على أن إجمالي عدد المشاركين في دورات كهذه لا يتجاوز 1% من المعلمين في إسرائيل.

وقالت المسؤولة عن دورة الاستكمال، مريم درموني، إنه "توجد لدينا مشكلة في تجنيد معلمين لدورات الاستكمال. فما هو عدد المعلمين الذين لديهم شعور بأنهم يحملون رسالة من أجل مواجهة أكثر الأمور إثارة للجدل ويخوضون مواجهات مع التلاميذ؟ وكل واحد من المعلمين الذين شاركوا في الدورة هو إنسان شجاع ومتميز جدا".

الوزارة تمارس غسيل دماغ

رغم أن وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية تشجع المعلمين على المشاركة في دورات الاستكمال، لكن تعاملها مع دورات من هذا النوع يتراوح ما بين التوجس منها والمعارض لها. وأكد البروفسور ألوني أنه "منذ سنوات طويلة تجري في جهاز التعليم عملية غسيل دماغ منهجية، هدفها تعزيز مركزية اليهود. وهذه العملية تركز على صخرة وجودنا وجرفنا الصامد وجذور ثقافتنا، وكل الباقي لا أهمية له. والهدف هو تحصين موقف واضح ومستقر وواضح بصورة لا لبس فيها بين مواطني إسرائيل، بأن شعب إسرائيل هو الشعب المختار، وأن أرض إسرائيل مُنحت لنا كأرض موعودة، وأن توراة إسرائيل مقدسة، وأن الله واحد وهو لنا فقط ويعمل لمصلحتنا. ومن هنا، عندما تصبح هذه الأمور حقيقة ثابتة ويوجد إجماع علماني وديني حولها، فإنه حتى لو كان هناك شك صغير فإنه لا يظهر في وعي غالبية المواطنين بأن هذا المفهوم ينطوي على استعلاء عنصري، تماما مثلما هي الحال في الفاشية القومية والإسلام الجهادي. فهذه نظرية تمنح سلفا حقوقا بالغة لليهود وتتعامل مع الآخرين بأنهم منحطون".

ويتبيّن من تقرير الصحيفة أن "السياسة المفضلة على رؤساء وزارة التربية والتعليم هي تجاهل قضية العنصرية". ولعل أفضل تعبير عن هذه السياسة، حاليا على الأقل، هو قرار الوزارة بدفن مبادرة رئيس السكرتارية التربوية، الدكتور نير ميخائيلي، بتشكيل لجنة استشارية لهيئة التربية المدنية والحياة المشتركة.

وأوضح مصدر مطلع على تفاصيل هذه المبادرة التي جرى إحباطها أن "المسؤولة عن التربية المدنية في وزارة التربية والتعليم لا يمكنها أن تكون الجهة الوحيدة التي تعمل في هذا المجال. وفي كل مرة يحدث شيء ما، يطالبونها بإعداد برنامج دراسي ضد العنصرية. لكن لا يوجد أي احتمال لأن ينجح هذا الأمر، إذ يجب أن يعمل إلى جانبها طاقم مهني، يساعد على بلورة برنامج كامل ومستحدث".

ويرأس اللجنة التي تشكلت بموجب مبادرة ميخائيلي، الخبير والباحث القانوني نائب رئيس "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، البروفيسور مردخاي كرمنيتسر، ورئيس كلية هيرتسوغ الأكاديمية، الحاخام الدكتور يهودا برانديس، والرئيس السابق في كلية القاسمي في باقة الغربية، الدكتور محمد عيساوي. وكان عيساوي قد ترأس، سوية مع البروفسور غابي سلمون، لجنة حكومية قدمت قبل سبع سنوات إلى وزارة التربية والتعليم تقريرا مفصلا حول التربية على الحياة المشتركة. لكن هذا التقرير لم يطبق أبدا.

وقال عيساوي إن "وزارة التربية والتعليم بذلت جهدا لكي تقنعنا بأن نواياها جدية. وفي نهاية الأمر وافقت على المشاركة في اللجنة وقلت إني جندي في النضال من أجل الحياة المشتركة. لسنا ملزمين بأن نتفق على كل شيء، لكن الجهل بما يتعلق بتراث 20% من السكان (أي الأقلية العربية) هو أكبر تهديد على دولة إسرائيل".

وفي يتعلق باللجنة التي يرأسها كرمنيستر، فقد أرسلت وزارة التربية والتعليم رسائل التعيين إلى كرمنيتسر وبرانديس وعيساوي، في شباط الماضي، وجاء فيها أنه سيتم تحديد موعد للاجتماع الأول خلال فترة قصيرة. وبعد تشكيل حكومة إسرائيل الحالية، وتولي رئيس حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف، نفتالي بينيت، منصب وزير التربية والتعليم، في أيار الماضي، سعى مستشاروه إلى استيضاح عمل هذه اللجنة، لكن لم يتم عقد اجتماع للجنة حتى اليوم، وثمة شك في ما إذا كان عملها سيخرج إلى حيز التنفيذ. فقبل شهرين أقال بينيت الدكتور ميخائيلي الذي بادر إلى هذه اللجنة.

ووفقا لمصدر في وزارة التربية والتعليم، فإن "بينيت قرر تجميد اللجنة قبل أن تبدأ بمزاولة عملها، لأنه بعد ذلك ربما سيكون من الصعب السيطرة على التوصيات التي ستضعها".

وقال مصدر آخر مطلع على هذا الموضوع إن "أعضاء اللجنة أرادوا منذ البداية دب الحياة في أفكار التربية المدنية، لكن الحقيقة هي أن احتمالات ذلك كانت ضئيلة منذ البداية، إذ أن المؤسسة السياسية، خاصة بطبيعتها الحالية (اليمينية)، لن تسمح بحدوث ذلك".

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, نمرود, نفتالي بينيت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات