المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1444

يواجه رئيس الوزراء وزعيم حزب "الليكود" بنيامين نتنياهو في هذه الأيام، مناورة جديدة في حزبه، من خلال محاولة قسم من أعضاء المجلس المركزي للحزب، اصدار قرار يلغي الانتخابات الداخلية المفتوحة، لمرشحي الحزب للانتخابات العامة ولرئاسة الحزب، ويعيد مركز الثقل إلى المجلس المركزي، ما من شأنه أن يُضعف سيطرة نتنياهو على الحزب. ولكن ليس هذا وحده، ففريق خائبي الأمل، والذين دحرهم نتنياهو تباعا على مر السنين من مسار منافسته يتزايد عدده، ورغم أن ليس بينهم أي مرشح قوي لمنافسة نتنياهو، إلا أنهم قد يتفقون على شخصية، يكون بإمكانها اقصاء نتنياهو عن زعامة الحزب حتى الانتخابات القادمة.

ويتولى نتنياهو رئاسة حزب الليكود، منذ شهر تشرين الثاني 2005، إثر انشقاق رئيس الحزب في حينه أريئيل شارون، واقامة حزب "كديما". ومنذ ذلك الحين يفوز نتنياهو في كل واحدة من الانتخابات الداخلية. وفي الانتخابات الأولى التي جرت في العام 2006، كان منافسه المركزي، الوزير سلفان شالوم، إلا أن شالوم الذي طمح على مدى سنوات للوصول إلى المنصب، توقف عن منافسة نتنياهو، ليظهر له منافس جديد، هو المتطرف موشيه فيغلين، الذي أيضا يئس من المنافسة المتكررة، وتوقف عنها في الانتخابات التمهيدية التي جرت قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ليظهر فيها منافس "جديد"، هو الوزير داني دانون، لكن هو أيضا ليس الشخصية القيادية التي تقنع حزبه، فحصل على أقل من 20% من الأصوات، في غالبيتها الساحقة هي تصويت احتجاج على استمرار تولي نتنياهو رئاسة الحزب في هذه السنوات الطوال.

وإذا ما استعرضنا الوضع القائم في داخل حزب "الليكود" فمن الصعب الاشارة بالبنان إلى شخصية قادرة على أن تكون منافسة جدية لنتنياهو.

فريق "الخائبين"

عرضنا ضمن سلسلة المقالات التي نشرناها بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حالة التململ في داخل حزب الليكود من نهج بنيامين نتنياهو، خاصة مع تشكيل الحكومة الجديدة. ولربما باستثناء موشيه يعلون وزير الدفاع، لم يكن أي وزير أو نائب من حزب الليكود قد حصل على ما كان يتوخاه، ولم يشفع لأي منهم موقعه المتقدم في لائحة الليكود في الانتخابات الأخيرة.

ونذكر من هؤلاء:

غلعاد إردان: حصل على المقعد الثاني مباشرة بعد نتنياهو في لائحة الليكود، وطمح للحصول على حقيبة رفيعة، وطالب لاحقا بحقيبة الخارجية، إلا أن نتنياهو أبقى الحقيبة لنفسه، بادعاء انه سيبقيها لكتلة برلمانية قد تنضم لحكومته. وبعد جدل وبقائه خارج الحكومة، حصل إردان على حقيبة "الأمن الداخلي" (الشرطة) والمسؤولية عن الدعاية السياسية في العالم، وحقيبة "التهديدات الاستراتيجية"، التي سحبها نتنياهو من وزير الهجرة والاستيعاب زئيف إلكين.

زئيف إلكين: العقل المدبر لائتلافات حكومات نتنياهو الثلاث الأخيرة، وحصل على موقع متقدم في لائحة الليكود، حصل على حقيبة الهجرة والاستيعاب، وأراد أكبر منها، خاصة بعد أن سحب منه نتنياهو حقيبة "التهديدات الاستراتيجية". وكي يشتري نتنياهو هدوء الكين، فقد منحه المسؤولية عن القدس المحتلة، رغم معارضة رئيس بلدية الاحتلال، الذي يريد بقاء المسؤولية في عهدة رئيس الوزراء. كما منحه نتنياهو عضوية جزئية في الطاقم الوزاري المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية، على حساب العضوية الكاملة التي كانت للوزير يوفال شتاينيتس.

يوفال شتاينيتس: الأقرب والأكثر إخلاصا لشخص نتنياهو، توخى حصوله على حقيبة ذات شأن، وهو من كان وزيرا للمالية في حكومة نتنياهو (2009- 2013)، وقد حصل على حقيبة البنى التحتية والطاقة والمياه، وهي حقيبة ذات شأن، إلى حد ما في هذه المرحلة، على ضوء اكتشافات الغاز. إلا أن شتاينيتس توخى الحصول على ما هو أكبر، يضعه ضمن دائرة المشاورات المقلصة، فمنحه نتنياهو عضوية الطاقم الأمني السياسي، ليتفاجأ في مطلع الاسبوع الحالي، أن نتنياهو سيجعل عضويته جزئية، لصالح إلكين، فعبر شتاينيتس عن استهجانه، حينما علم بالأمر من وسائل الإعلام.

والحال لم تختلف عند يسرائيل كاتس، وزير المواصلات منذ العام 2009، و2013 وفي الحكومة الحالية أيضا، وقد توخى حقيبة أفضل، فأسند له نتنياهو بالإضافة، حقيبة المخابرات. وكذا الوزيرة ميري ريغف، التي رغبت في الحصول على حقيبة الداخلية بعد أن كانت في الخماسية الأولى في لائحة الليكود، فحصلت على حقيبة الثقافة والرياضة. أما سلفان شالوم، فقد حصل على حقيبة الداخلية، بعد أن سحب منها نتنياهو أهم قسم: التخطيط والتنظيم، وأسنده إلى وزير المالية موشيه كحلون، بموجب اتفاقية الائتلاف. وهناك وزراء آخرون يشعرون بامتعاض من حصتهم من "كعكة" الحكومة.

ولا يقتصر الأمر على الحقائب الوزارية، بل أيضا على المناصب البرلمانية، وهنا نقول إن بنيامين بيغن، الذي استعان نتنياهو بترشيحه، كي يضفي طابعا يمينيا تقليديا على لائحته الانتخابية، وجد نفسه وزيرا لـ 17 يوما لا أكثر، ليضطر للاستقالة من منصبه، بعد تعيين غلعاد إردان، إذ أن لليكود 12 وزيرا، ورفضت أحزاب الائتلاف زيادة وزير في الحكومة على حساب موازين القوى.

ومن أبرز الخائب أملهم من بين النواب تساحي هنغبي، الذي توخى حصوله على حقيبة وزارية، فأسند له نتنياهو رئاسة لجنة الخارجية والأمن، ورئاسة الائتلاف الحاكم. كذلك فإن رئيس جهاز المخابرات العامة الأسبق، آفي ديختر، لم يشفع له ماضيه الأمني، ووجد نفسه على قارعة الطريق، عضو كنيست عادي، من دون أي من المسؤوليات.

وليس هؤلاء فقط، بل علينا أن لا ننسى وزير الداخلية السابق غدعون ساعر، الذي اعتزل العمل البرلماني قبل انتهاء الدورة السابقة، بسبب محاولات نتنياهو محاصرته، حسب ما تردد في وسائل الإعلام والمصادر الحزبية، وحتى أن الأمر انعكس على عمل زوجته الثانية، المذيعة التلفزيونية ومقدمة البرامج السياسية المعروفة، غيئولا إيفن، لكن اسم ساعر ما زال يحلق في فضاء السياسة والإعلام، وقد ظهر في يوم ذكرى احتلال القدس في العام 1967، إلى جانب غلعاد إردان، حينما كان الأخير ما زال خارج الحكومة الجديدة، وأطلقا معا تصريحات سياسية، تتهم نتنياهو بأنه لا يدفع بمشاريع استيطانية كافية في القدس المحتلة.

وهذا يعني أنه من الصعب الآن أن تجد أيا من شخصيات الصف الأول أو الصف الثاني يتملكه الرضى عن أداء نتنياهو، على مستوى كل واحد من هؤلاء شخصيا، وعلى مستوى حزب "الليكود"، وهناك اتهام واضح أن نتنياهو يسعى إلى دحر كل من يشعر أنه قد يُشكل عليه خطرا مستقبليا، في قيادة الليكود.

ولكن كما يبدو فإن هذه الحال لن تدوم طويلا، إذ أن نتنياهو عاد ليواجه محاولات لتقويض سيطرته شبه المطلقة على الحزب، ولهذا بات يواجه الآن مسعى لإعادة صلاحية انتخاب قائمة الحزب للانتخابات البرلمانية ورئاسة الحزب إلى المجلس المركزي الذي يضم حاليا ما يزيد عن 3700 عضو.

المجلس المركزي

يواجه نتنياهو في هذه الأيام، كما ذكر، مسعى قسم جدي من أعضاء الحزب، من بينهم وزراء ونواب، ومسؤولي فروع مركزية، ورؤساء مجالس بلدية، لاستصدار قرار في مجلس الحزب يعيد إلى المجلس صلاحية انتخاب قائمة مرشحي الحزب للانتخابات البرلمانية ورئيس الحزب، بدلا من الانتخابات المفتوحة، التي تضم عشرات آلاف الأعضاء الذين بغالبيتهم ينتسبون لوقت قصير لغرض الانتخاب، ثم ينهون عضويتهم.

وقد بدأ حزب الليكود يتبع هذا النمط الأميركي في العام 1996، بعد حزب "العمل" الذي اتبعه قبل انتخابات 1992. ويشعر نتنياهو أن بقاء الانتخاب في مجلس الحزب سيضعه أمام مخاطر اصطفافات تضعف مكانته، في حين أنه في الانتخابات المفتوحة، يتلقى دعما من جهات من خارج الحزب، خاصة حيتان المال، تجعله يُحكم السيطرة أكثر على نتيجته، وهذا ما لا يريده خصومه في الحزب.

وكان في الماضي يواجه مجلسا مركزيا يخضع لتكتل أقلية متينة في داخل الحزب، نواتها المستوطنون وممثلوهم في الكنيست. إلا أنه قبل عامين، أقدم نتنياهو على تغييرات في المجلس، زاد من خلالها المئات على عضوية المجلس، من خلال اقرار عضوية مباشرة، لمختلف منتخبي الجمهور في المجالس البلدية والنقابات وغيرهم، ما قلل من وزن ذلك التكتل، ولكن هذا لم يسعفه كثيرا كما يبدو.

وإذا اعتمدنا على تجارب الماضي، من حيث شكل أداء نتنياهو، ونوعية الضغوط التي يمارسها، فإنه قد ينجح في احباط تلك المحاولة، مستغلا عاملين اثنين: أولهما السمعة السيئة للمجلس المركزي لحزب الليكود، الذي يطغى على قسم من أعضائه طابع الانتهازية، وأنهم يشكلون حلقات ضغط متنوعة على الوزراء لتمرير مصالح خاصة. وهذا انطباع خلقته وسائل الإعلام وصنّاع الرأي العام، اعتمادا على سلسلة من الأحداث التي جرت على مر السنين. وثانيهما، أن غالبية صنّاع الرأي الإسرائيليين، إن لم يكن كلهم، هم من أنصار الانتخابات المفتوحة "البرايمرز"، ولهذا فإنهم سيهاجمون قرارا يعيد صلاحية تشكيل القائمة الانتخابات إلى المجلس المركزي إياه.

غياب النجوم

كثيراً ما يصف المحللون نتنياهو بأنه "شكاك"، وأن مشروعه الأهم هو الحفاظ على منصبه، وتسجيل أكبر عدد من السنوات في قيادة الليكود، ولكن هذه صفات شائعة بين القيادات. ورغم أن أداء نتنياهو يعزز هذا الانطباع، إلا أنه في داخله يعرف أنه حتى الآن لا يوجد من بين أسماء الصف الأول في الليكود من بمقدوره أن يكون منافسا على قيادة الحزب. وهذا شبه مؤكد بالنسبة لجميع وزراء الليكود في حكومته الحالية، لأنه حتى وسائل الإعلام، العامل الأكبر في صناعة الشخصيات السياسية في عصرنا الحالي، لا تشير إلى أي من وزراء الليكود كمرشح جدي لخلافة نتنياهو.

لكن مشكلة نتنياهو تبقى عند شخص غدعون ساعر، الذي غادر الحلبة البرلمانية إلى عالم الاقتصاد، وهو يظهر في ما ندر في وسائل الإعلام، وفقط في أوقات أزمات حزبه الليكود، كما شهدنا في الأسابيع الثلاثة الماضية، على خلفية شكل بلورة الحكومة الجديدة.

من جهة أخرى، فإن تجارب الماضي الإسرائيلية، في غالبيتها الساحقة، تشير إلى أن من يقرر الاعتزال ويتجه إلى الأعمال الخاصة، إما أن يشعر هنا باستفادة مالية، وحياة خاصة أفضل، ويقرر عدم العودة إلى السياسة مطلقا، وإمّا أن ابتعاده عن الحلبة السياسية يؤدي إلى نسيانه في ذاكرة الرأي العام، ما يساهم في ضعف احتمالات عودته.

وقد كسر هذه المعادلة في العقدين الأخيرين اثنان: بنيامين نتنياهو ذاته، الذي اعتزل الحياة البرلمانية في العام 1999، بعد خسارته الانتخابات أمام إيهود باراك، لكنه عاد إلى فضائها مستعجلا بعد عامين، وإلى البرلمان في العام 2003. غير أن نتنياهو لم يبتعد كليا عن الحياة السياسية في تلك الفترة.

أما الثاني فقد كان إيهود باراك، زعيم حزب "العمل"، الذي غادر الحياة البرلمانية في أوائل 2001، بعد خسارته رئاسة الوزراء لصالح أريئيل شارون، وعاد إلى زعامة حزبه العمل في العام 2007، وقاد الحزب في انتخابات 2009، ولكنه انشق عنه بعد أقل من عامين، ليخوض فشلا سياسيا كبيرا، اعاده إلى خارج الحلبة السياسية.

كل التقديرات تشير إلى أن هذه الحكومة، وفق المعادلات السياسية القائمة حاليا، لن يكون بمقدورها أن تعمّر طويلا، وإذا لم ينجح نتنياهو في اعادة بناء حكومة أوسع، فإن الانتخابات البرلمانية المقبلة قد تجري في غضون عامين، ما سيضع نتنياهو أمام امتحان جديد، لكنه في ذلك اليوم قد يشعر أن شعبيته في داخل الحزب وفي الشارع قد تراجعت، لأنه يتربع على رئاسة الوزراء منذ العام 2009، وبشكل متواصل، وهذا سيُضعفه سياسيا أكثر، خاصة إذا وجد أن عددا من "خائبي الأمل" قد تحالفوا وراء شخصية من بينهم.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات