يبدو أن العقبة الأساسية التي ستكون أمام حكومة بنيامين نتنياهو الرابعة، التي منحها الكنيست في الأسبوع الماضي ثقته بأغلبية هشّة، هي القاعدة الائتلافية التي ترتكز على 61 نائبا من أصل 120 نائبا، ما سيخلق مصاعب كثيرة خلال العمل البرلماني. وستتعاظم هذه العقبة على ضوء نقاط التصادم العديدة في قضايا داخلية لا اتفاق حولها، مثل التعامل مع الجهاز القضائي، وضرب المراكز الحقوقية، و"قانون القومية"، وحتى قانون منح حق التصويت في الانتخابات البرلمانية لحملة الجنسية الإسرائيلية في الخارج.
وفي المرحلة الأولى، وبهدف تجاوز عقبة قاعدة الائتلاف الضيقة، قد يسارع نتنياهو إلى سن القانون الذي يُعرف باسم "القانون النرويجي"، وهو الذي يتيح للوزير بأن يستقيل من عضوية البرلمان ويبقى وزيرا، ليدخل مكانه عضو آخر إلى البرلمان من لائحة كتلة حزبه البرلمانية، وفي حال استقال الوزير من منصبه خلال الولاية البرلمانية، يحق له العودة إلى عضوية البرلمان، مقابل خروج من دخل مكانه.
ويقترح نتنياهو حتى الآن سن "قانون نرويجي جزئي"، بحيث يقتصر تطبيق القانون على وزير واحد لكل كتلة برلمانية لديها حتى 12 مقعدا برلمانيا، وفي حال تم عرض الاقتراح، فقد نراه أوسع مما أراده نتنياهو بداية، وهذا يتيح للائتلاف مجال عمل أوسع بقليل، أمام اضطرار الوزراء للتغيب عن جلسات الهيئة العامة للكنيست.
ولكن في كل الأحوال فإن نتنياهو لا يستطيع الاستمرار بالعمل في ظل ائتلاف ضيق، خاصة على ضوء سلسلة من التناقضات في المواقف بين كتل الائتلاف في قضايا تقف على رأس أولويات نتنياهو وحزبه الليكود، ولكنها لا تحظى بإجماع ائتلافه، وقد يستعين نتنياهو من حين إلى آخر بدعم افتراضي، ولكن ليس مضمونا، من حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان، الذي قد يقرر في مرحلة متأخرة الانضمام إلى الحكومة، وضمان استقرارها لفترة أطول.
"قانون القومية"
كان مشروع قانون "إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي" في العالم، موضع خلاف مركزي في ائتلاف حكومة بنيامين نتنياهو قبل الحالية، ولكن هذا الخلاف بقي مغلفا نظرا لما فيه من "حرج" للمجتمع اليهودي. فالائتلاف الحاكم كان فيه اجماع حول بنود هذا القانون العنصرية التي تضرب الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، ولكن من جهة أخرى، فإن مركبات الائتلاف اختلفت في ما بينها حول بنود أخرى في القانون، وأولها مكانة الشريعة اليهودية، إذ حسب عرض نتنياهو وأحزاب المستوطنين، فإن الشريعة هي مرجعية القضاء والقانون حيث وجدت ثغرة لا تجاوب على الحالة الماثلة أمامها، اضافة إلى أن نص القانون يثبت كليا سلسلة من قوانين الاكراه الديني.
أضف إلى هذا، أن اليمين العقائدي التقليدي رفض القانون، ولم ير فيه حاجة، لما فيه من جوانب ستثير قلق أبناء الديانة اليهودية في العالم، مثل أن القانون سيطرح من جديد مسألة "من هو يهودي"، وهي قضية تعلو وتخبو من حين إلى آخر، كما أن القانون بطابعه العنصري يخلق حالة حرج لليهود في أوطانهم في العالم.
كذلك في الائتلاف الحالي تتحفظ كتلتا المتدينين المتزمتين "الحريديم" من القانون، من جوانب الشريعة اليهودية. فالحريديم يتخوفون من طابع القوانين "الدستورية"، أو تلك التي يطلق عليها مصطلح "قانون أساس"، فمثلا نص قانون "القومية" المتداول، يقول إن الكيان الإسرائيلي الحالي هو دولة اليهود في العالم، وهذا ينقض رواية "مملكة إسرائيل" التوراتية، التي سيقيمها المسيح حينما يأتي إلى العالم لأول مرّة، ولكن الحريديم لا يجاهرون بهذا الخلاف، ويكتفون بالقول إن مكانة الشريعة ليست بالقدر الكافي في هذا القانون.
كذلك فإن حزب "كولانو" (كلنا) يعارض القانون، من وجهة نظر اليمين العقائدي التقليدي، ويرى أن لا حاجة لإسرائيل به. وبهدف تجاوز هذه العقبة، اتفق حزب "الليكود" مع شركائه على تشكيل لجنة من وزراء ومختصين للبحث في صيغة مقبولة. وحسب محللين، فإن هذه اللجنة ستكون مهمتها "قبر القانون" وعدم عرضه في الدورة البرلمانية الحالية.
لكن نواب الائتلاف سيواجهون حرجا، إذا ما قرر أفيغدور ليبرمان طرح القانون من صفوف المعارضة، بهدف ضرب الائتلاف الحاكم، وهذا سيخلق خلافا في داخل الائتلاف. وكان ليبرمان قد هدد في ذات اليوم الذي اعلن فيه انسحابه من المفاوضات الائتلافية، أنه سيرى المبادرين للقانون من كتلتي "الليكود" و"البيت اليهودي" يعارضون مبادرة حزبه لطرح "قانون القومية".
الجهاز القضائي والمراكز الحقوقية
أحد الأهداف المركزية التي وضعها نتنياهو لنفسه منذ سنوات، ومعه أحزاب اليمين المتطرف و"الحريديم"، هو ضرب مكانة المحكمة العليا، والجهاز القضائي برمته. فبالنسبة للمحكمة العليا، يريد نتنياهو واليمين المتطرف سحب الصلاحية المطلقة للمحكمة بنقض قوانين أقرها الكنيست، ويقترح نتنياهو قانونا يجيز للكنيست سن القانون ثانية، دون امكانية أن تنقضه المحكمة مرّة أخرى. وهذا بند ورد في الاتفاقيات مع كتلتي "الحريديم" "شاس" و"يهدوت هتوراة"، وكتلة المستوطنين "البيت اليهودي"، إلا أنه غاب عن الاتفاق مع كتلة "كولانو"، ويظهر مكانه بند يؤكد رفض "كولانو" له. وفي هذه القضية، لا يحظى نتنياهو بأغلبية، حتى لو تلقى دعما من ليبرمان وحزبه.
ويشار هنا الى أن الخطوط العريضة للحكومة، التي عرضها نتنياهو على الكنيست، غاب عنها اهتمام الحكومة بالحفاظ على الجهاز القضائي واستقلاليته.
والبند الآخر، هو طلب نتنياهو ومعه اليمين المتطرف بتغيير تركيبة لجنة تعيين القضاة، بحيث يزيد من تمثيل الجانب السياسي ويحوله إلى أغلبية في اللجنة، ما يعني تسييس عملية اختيار القضاة، أكثر مما هو قائم حاليا، وهذا بند آخر يعترض عليه حزب "كولانو".
وفي الاتفاقية بين "الليكود" وكتلة المستوطنين "البيت اليهودي"، يظهر بند يدعو إلى سن قانون يهدف إلى محاصرة المراكز الحقوقية، خاصة تلك التي تلاحق الاحتلال وجرائمه، وحقوق الانسان الفلسطيني في إسرائيل والمناطق المحتلة منذ العام 1967، وكانت محاولات كهذه في الدورتين البرلمانيتين السابقتين، ولكنها لم تنجح، منها بسبب ضغوط دولية وخاصة أوروبية. ويريد اليمين المتطرف حظر التمويل الخارجي لهذه المراكز، في حال طرحت تقارير تكشف جرائم جيش الاحتلال وحكومة الاحتلال.
ويعارض هذا البند حزب "كولانو"، بينما لم توضح كتلتا "الحريديم" الموقف، رغم ميلهما لمسايرة اليمين المتطرف في قضية كهذه. وفي هذه القضية أيضا، لن يكون لنتنياهو واليمين أغلبية، حتى لو قرر ليبرمان دعم مشروع الليكود و"البيت اليهودي".
الدين والدولة
في الاتفاقيات المبرمة مع كتلتي "الحريديم"، وكتلة "البيت اليهودي" التي يسيطر عليها التيار "الديني الصهيوني"، أو "الديني القومي"، سلسلة طويلة من البنود التي تثبت الوضع القائم من حيث علاقة الدين بالدولة، وتؤكد على ابقاء كل قوانين الاكراه الديني، كتلك المتعلقة بحركة المواصلات والعمل في أيام السبت والأعياد، وغيرها. وهذه البنود لا تظهر في الاتفاقية مع كتلة "كولانو" ذات الطابع العلماني.
وفي مرحلة ما في سياق العمل البرلماني، لا بد وأن تظهر مبادرات لتحرير حركة المواصلات والحركة التجارية من قبضة القانون القائم، وغيرها من القوانين العلمانية التي ستحتم على حزب "كولانو" أن يتخذ موقفا، خاصة وأنه حصل على كم ضخم من الأصوات من معقل العلمانية الأكبر، منطقة تل أبيب الكبرى.
وفي هذا السياق، فإن حزب "كولانو" وعلى الرغم من أصوله اليمينية الواضحة، سيكون في موضع مساءلة في موضوع تحويل الميزانيات الضخمة لمؤسسات الحريديم الدينية والتعليمية، ومثلها ولربما أكثر لمؤسسة التيار الديني الصهيوني.
حق التصويت في الخارج
تنص الاتفاقيات المبرمة بين حزب "الليكود" وكل واحد من الأحزاب المشاركة في الحكومة، على أن حزب "الليكود" سيبادر إلى مشروع قانون يجيز لحملة الجنسية الإسرائيلية التصويت في الخارج وفق مقاييس محددة، وهذه ليست مبادرة جديدة، بل ظهرت قبل أكثر من عقدين من الزمن، ولها مؤيدون ومعارضون، فالتأييد يأتي من باب كسر موازين التصويت في الكنيست، باعتقاد أن هذا سيقلل من نسبة الفلسطينيين ضمن سجل الناخبين والحال ليست بهذا القدر، بينما المعارضون يعترضون على هذا القانون من وجهة نظر صهيونية، مؤكدين أنه يشجع الهجرة من إسرائيل.
ومن الواضح أن الدافع الأكبر لبنيامين نتنياهو ليعيد طرح هذه المبادرة، هو نتيجة القائمة المشتركة الوحدوية للفلسطينيين في إسرائيل في الانتخابات الأخيرة، فقد رفعت تمثليهم من 11 مقعدا إلى 13 مقعدا، وهذا مؤشر للمستقبل. ويعتقد نتنياهو أن بإمكانه وضع مقاييس للمصوتين في الخارج تستثني العرب حملة الجنسية الإسرائيلية كمرحلة اولى، ولاحقا ضمان أن تكون مراكز الاقتراع بعيدة عن تجمعات مركزية للعرب في الخارج، أو أن نتنياهو يبني على أنه لن تكون لدى العرب جاهزية للتصويت.
وعلى الرغم من أن جميع الكتل البرلمانية قد وقعت على هذا المشروع، إلا أنه حينما يأتي المشروع إلى الهيئة العامة سيثور من جديد الجدل الصهيوني- الصهيوني حوله، تماما كما جرى حول قانون القومية الذي ساهم في تفكيك الحكومة السابقة، وهذا ما سيثير حفيظة حزب "كولانو" اعتمادا على أنه متمسك بمواقف يمينية تقليدية، فالتقليديون يعارضون قانونا كهذا، لأنه بنظرهم يشجع الهجرة من إسرائيل. كذلك، ليس من الواضح ما إذا ستدعم كتلتا "الحريديم" هذا القانون، لكونه سينعكس سلبا على نسبة قوتهما الانتخابية، لأن أعداد "الحريديم" المهاجرين من إسرائيل قليلة مقارنة مع نسبة العلمانيين.
ويرى اليمين التقليدي ومعهم أيضا اليسار الصهيوني، اعتمادا على جدل سابق ظهر في السنوات الأخيرة، أنه من ناحية أخلاقية، يجب عدم منح حق التمثيل لمن لا يشارك في تحمل مسؤوليته المباشرة، وبموجب هذا المبدأ، فإن ليس مُطالبا بمواجهة قضايا مصيرية مطروحة باستمرار على جدول أعمالها، مثل القضايا الأمنية والحدود، وشكل التعامل مع التهديدات الأمنية وتقاسم الموارد.
كذلك فإن حجر أساس الحركة الصهيونية هو إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في "أرض إسرائيل"، ودولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وهي الدولة الوحيدة التي فيها لليهود استقلال سياسي وشعبي يهودي، وجمع الشتات هو حجر أساس للحركة الصهيونية، ولهذا فإن منح حق التصويت للمهاجرين من إسرائيل يعني منح شرعية للهجرة من إسرائيل، خاصة على ضوء حقيقة أن هؤلاء كانوا في إسرائيل واختاروا الهجرة منها، وحق كهذا يشوّش الحدود بين قيم العيش في إسرائيل والعيش خارجها.
تصادم مستمر
لربما بالإمكان القول إن نتنياهو جعل اتفاقيات الائتلاف بالضبط كمن يعطي لسيارات قادمة من اتجاهات مختلفة حق المرور في آن واحد عند كل تقاطع طرق، ما يعني حالة تصادم مستمر، قد لا نشهده في الأشهر القليلة الأولى للحكومة، ولكنها ستبقى بمثابة ألغام في طريق الحكومة الذي قد يكون قصيرا في حال لم يتم توسيع الائتلاف.
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, سجل الناخبين, دولة اليهود, الليكود, الكنيست, بنيامين نتنياهو, أفيغدور ليبرمان