المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1588

أصدرت "جمعية حقوق المواطن في إسرائيل" في نهاية 2014 تقريراً جديداً تحت عنوان "نظام حكم واحد- جهازان قضائيّان؛ منظومة القوانين الإسرائيلية في الضفة الغربية"، عرضت من خلاله ميزات الجهاز القضائيّ في المناطق المحتلة منذ العام 1967، وعملية إنشاء وتنمية نظام قضائيّ رسميّ ممأسس لجهازي قضاء وقانون منفصلين على أسس إثنية قومية - جهاز قضائي مدني للمستوطنين الإسرائيليين وجهاز عسكري للفلسطينيين.


ويسرد التقرير كيف تم، عبر عملية تدريجية امتدت على أربعة عقود، إحلال وتطبيق جهاز القضاء الإسرائيلي على المستوطنين في الضفة الغربية، ما أدى إلى نشوء تمييز منهجيّ مكرّس في التشريعات وقرارات المحاكم ويؤثر على كلّ مناحي حياة السكان الفلسطينيّين في الضفة الغربيّة الخاضعين لجهاز قضائي عسكري مجحف منذ العام 1967.


ويؤكد المسح الذي يجريه التقرير أنّ الحديث لا يجري عن تمييز عينيّ أو تقنيّ، أو عن قرارات عينيّة فقط، بل عن جهاز يبلور ويكرس التمييز المُمأسس بواسطة التشريعات ومؤسّسات الحكم، ويؤثر بشكل مباشر وحتمي على الفلسطينيين في كافة مجالات الحياة، التي يخص التقرير بعضاً منها مثل: التمييز في المجال الجنائي وفي مجال التخطيط والبناء وفي مجال الحريات الأساسية، مثل حريّة الحركة وحريّة التعبير وقوانين السير وغيرها.


ويستعرض التقرير الوضع القانوني في ظل الحكم الإسرائيلي على الضفة الغربية ويبين كيف نشأت، خلال عقود من الحكم العسكري "المؤقت"، منظومتان قانونيتان وقضائيتان منفصلتان ومختلفتان تميزان بين المجموعتين السكانيتين اللتين تعيشان في المنطقة ذاتها: مواطنون إسرائيليون وسكان فلسطينيون.
ولا يقتصر هذا الفصل القانوني على القضايا الأمنية، الجنائية أو حتى تلك النابعة من المواطنة فحسب، بل يمس مختلف وجميع جوانب الحياة ومجالاتها.
فعبر سلسلة طويلة من الأوامر، التعديلات القانونية والأحكام القضائية، نشأ وضع يخضع فيه المواطنون الإسرائيليون لجهاز القضاء الإسرائيلي وتسري عليهم منظومة القوانين الإسرائيلية، بكل ما تضمنه من الحقوق، على الرغم من عدم تواجدهم (سكنهم) في نطاق المنطقة السيادية التابعة لدولة إسرائيل. وثمة أجزاء من القانون الإسرائيلي تسري في المناطق المحتلة على "يهود مستحقين وفق قانون العودة" رغم أنهم ليسوا مواطنين إسرائيليين.


وبهذا، كان للمحكمة العليا الإسرائيلية دور مركزي في إقرار وترسيخ هذا الفصل بين جهازيّ القضاء في الضفة الغربية، وذلك من خلال تعاملها مع المستوطنات اليهودية بوصفها "جزرا إسرائيلية" في تلك المنطقة، فضلا عن تطبيقها قوانين الأساس التي تحدد حقوق الإنسان الأساسية على الإسرائيليين الذين يعيشون في المناطق الفلسطينية مقابل امتناعها عن البتّ في السؤال عما إذا كانت هذه القوانين تسري، أيضا، على الفلسطينيين الذين يعيشون تحت السيطرة الإسرائيلية أم لا.


وفي المقابل، يخضع السكان الفلسطينيون للقانون العسكري، أي ـ للأوامر العسكرية التي يصدرها الجنرال (الحاكم العسكري) منذ العام 1967 وحتى اليوم، فضلا عن القوانين الأردنية التي كانت سارية قبل الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة.


وبوجه عام، فإن القوانين التي تسري على الفلسطينيين هي أكثر تشددا بكثير جدا. فخلافا للمواطنين الإسرائيليين، تتم محاكمة الفلسطيني بموجب القانون العسكري وفي محاكم عسكرية، حتى لو ارتكب مخالفة سير أو سرق حليبا من الحانوت!
ويؤكد التقرير أنّ الحكم العسكريّ في الضفة الغربيّة ينتهك أحكام القانون الإنسانيّ الدوليّ وقوانين حقوق الإنسان في مجالات استعرضها التقرير وفي مجالات أخرى، حتى إذا تم النظر إلى الموضوع بمعزل عن وجود جهازيْن قضائيين، بما يترتب على ذلك من تمييز صارخ. فعلى سبيل المثال، فترات الاعتقال المتّبعة بخصوص الفلسطينيّين لا تتلاءم مع المعيار الدوليّ، حتى من دون مقارنتها بتلك السارية على الإسرائيليّين القاطنين في الأراضي المحتلة. وعلى هذا النسق، فإنّ غياب التخطيط للقرى الفلسطينيّة ومنع التطوير الفلسطينيّ في منطقة ج ينتهكان، بحدّ ذاتهما، واجبات إسرائيل المفروضة عليها وفق القانون الدوليّ، حتى إذا تجاهلنا التطوير المتسارع في المستوطنات.


ويشير التقرير إلى أنّ بعض الانتهاكات التي يتطرق إليها ويسجلها كانت ستحصل، على ما يبدو، حتى لو كان الفلسطينيّون والإسرائيليّون يخضعون لجهاز قضائيّ واحد، تحت نظام الحكم الإسرائيليّ في الأراضي المحتلة. غير أن التمييز المُمأسس الذي يصفه التقرير يُعمّق انتهاك حقوق الفلسطينيّين ويزيده حدّة، وهو يشكّل في بعض الحالات السبب الكامن وراء التمييز. إلى جانب ذلك، يشكل النظام القضائيّ المزدوج والمُميّز، في حدّ ذاته، انتهاكًا للقانون الدوليّ، إذ أنّ مجرّد وجوده يتناقض مع مبادئ القضاء المعاصر الأساسيّة، ويشكّل انتهاكًا فظًّا للمساواة وكرامة الإنسان، كقيمتيْن أخلاقيتيْن وكمبدأين قضائييْن.


وعلى صعيد القانون الجنائيّ ، يبيّن التقرير الفروقات الجلية بين الجهازيْن القضائييْن وإسقاطاتها الجسيمة على الحقوق الأساسيّة؛ فهويّة المشتبه به أو المتهم هي التي تقرّر ماهية القانون الذي يسري على حالته ويُطبَّق عليه وهوية الجهة القضائية التي تملك صلاحية البتّ قضائيًّا في مسألته. فالفلسطينيّ من سكان الضفة الذي يرتكب مخالفة يُحاكم دائمًا بموجب القانون الأمنيّ / العسكري أمام إحدى المحاكم العسكريّة، بينما المستوطنون الإسرائيليون في الضفة، الذين يمكن من الناحية المبدئية محاكمتهم وفق التشريعات العسكريّة، يُحاكمون على أرض الواقع أمام المحاكم المدنية في إسرائيل، فقط.


وفيما يتعلق بالتنظيم والبناء أظهر التقرير أنه بينما يتمتع الإسرائيليون بتمثيل جدي لمصالحهم في لجان التنظيم والبناء ويشاركون، شراكة تامة، في إجراءات التخطيط والتنظيم الخاصة بهم، لا يحظى الفلسطينيون بأي تمثيل في هيئات التنظيم والبناء المكلفة بشؤونهم ولا يمتلكون أية قدرة على التأثير في كل ما يتعلق بوضع وإعداد الخرائط الهيكلية لبلداتهم، والتي تتولى وضعها وتنفيذها مؤسسات يشغلها إسرائيليون فقط. وتتمتع غالبية المستوطنات في الضفة الغربية بخرائط هيكلية مفصلة ومحدثة تتيح توسعها باستمرار وإصدار تراخيص البناء اللازمة، بينما تعاني برامج البناء في القرى الفلسطينية ـ الخاضعة لمسؤولية الإدارة المدنية ـ من تقييدات عديدة وحادة، جراء تجميد الوضع التخطيطي كما كان عليه قبل أكثر من أربعة عقود.


وتتميز سياسة تطبيق القانون في مجال مخالفات البناء وهدم البيوت بالتشدد والصرامة تجاه السكان الفلسطينيين، بينما لا يتم تنفيذ أية إجراءات لتطبيق القوانين في عشرات عديدة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية، كما أن معدلات تنفيذ أوامر الهدم هي أعلى بكثير في الجانب الفلسطيني.
وفي إطار سياسة الفصل في جهازي القضاء بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الضفة الغربية، يتم الفصل أيضا بين منظومتي تطبيق قوانين السير والمواصلات.
وتضمن التقرير تعقيبا من وزارة العدل الإسرائيلية على ما ورد فيه. ولم تنف الوزارة الحقائق التي تضمنها التقرير، لكنها عللتها بـ"الدوافع الأمنية"!.

المصطلحات المستخدمة:

الإدارة المدنية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات