المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1270

 حزب "الليكود" يزيد من قوته في استطلاعات الرأي رغم فضائح الفساد *استطلاعات الرأي لا تأخذ بالحسبان احتمال عدم اجتياز قائمة صغيرة لليمين الإرهابي نسبة الحسم *الاستطلاعات تتعامل مع القائمة المشتركة للفلسطينيين تقديريا وليس بمقاييس الاستطلاعات المتبعة

 

برزت في استطلاعات الرأي الأخيرة، الفجوات في النتائج النهائية، خاصة على صعيد القائمتين الأكبر المتنافستين، وهذا يعكس حالة عدم وضوح رؤية في الشارع الإسرائيلي، ولكن أيضا، لعب جهات تمويل الاستطلاعات دورا في شكل النتائج النهائية. وفي المحصلة، فإن كل الاستطلاعات "تتفق" على حقيقة واحدة، وهي أن عدد النواب ضمن كتلهم، الذين سيرشحون بنيامين نتنياهو لتكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة، أكبر من المؤيدين لترشيح يتسحاق هيرتسوغ باسم "المعسكر الصهيوني"، ولكن استطلاعات الرأي لا تأخذ بعين الاعتبار احتمالات قوية لسقوط قائمة صغيرة، قد تغير في النتيجة بشكل ملموس، كما أنها لا تتعامل مع الواقع الجديد الذي خلقته "القائمة المشتركة" في الشارع الفلسطيني.

فقد جرت استطلاعات الأسبوع الماضي، منذ مطلعه وحتى نهايته، في أوج فضائح الفساد التي عصفت ببنيامين نتنياهو وزوجته، وأظهرت بالذات تقدما لحزب "الليكود" على قائمة "المعسكر الصهيوني"، التحالفية بين حزبي "العمل" برئاسة هيرتسوغ و"الحركة" بزعامة تسيبي ليفني، باستثناء استطلاع واحد نشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت"، الذي منح "المعسكر الصهيوني" تفوقا ملحوظا على حزب الليكود، إلا أن النتيجة الاجمالية بقيت لصالح معسكر اليمين المتشدد مع كتل المتدينين المتزمتين "الحريديم".

ورأينا في كل الاستطلاعات أن معسكر اليمين المتشدد مع الحريديم، سيحظى من 67 مقعدا إلى 70 مقعدا، من أصل 120 مقعدا، وهذا المعسكر يضم حزب الليكود، الذي تراوحت نتائجه من 23 إلى 26 مقعدا، وحزب المستوطنين "البيت اليهودي"، الذي غالبية استطلاعات الرأي منحته 12 مقعدا إلى 13 مقعدا على الأكثر، وحزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان، من 5 إلى 7 مقاعد، و"يهدوت هتوراة" للحريديم الغربيين ما بين 7 إلى 8 مقاعد، و"شاس"، من 6 إلى 7 مقاعد، ومعهم القائمة الجديدة "الشعب معنا" التي أقامها المنشق عن حركة "شاس" إيلي يشاي، ومعه حركة "كاخ" الإرهابية، وتمنحه استطلاعات الرأي 4 مقاعد، أو عدم اجتياز نسبة الحسم، إذ أن المقاعد الأربعة هي الحد الأدنى الذي يمكن لقائمة أن تحصل عليها، في ظل نسبة الحسم الجديدة 3,25%.

ويضاف إلى هذا المعسكر، حزب "كولانو" (كلنا) برئاسة الوزير المنشق عن حزب "الليكود" موشيه كحلون، الذي يجعله برنامجه السياسي، بما يتعلق بحل الصراع، جزءا من هذا المعسكر، وتمنحه استطلاعات الرأي ما بين 7 إلى 8 مقاعد، وبذلك يعزز، تحالف بنيامين نتنياهو والليكود المفترض لتشكيل الحكومة المقبلة.

ولكن حينما نرى أن استطلاعا للرأي يمنح تحالف نتنياهو المقبل 67 مقعدا، كقاعدة أولى، فهذا يعني أن المعسكر المتشدد ذاته، من دون حزب "كولانو"، كان سيفقد الأغلبية التي تمتع بها في انتخابات 2009 و2013، إذ كان سيحصل على 60 مقعدا، ولكن حتى في هذه الحالة، بمعنى استثناء حزب "كولانو"، فإن ترشيح 60 نائبا لنتنياهو، لا يعني اطلاقا أن هيرتسوغ سيحظى بترشيح النواب الستين الآخرين، لأن منهم "القائمة المشتركة" التي تمثل الفلسطينيين، وأيضا حزب "كولانو".

وفي المقابل، نرى أن "المعسكر الصهيوني" بات يراوح مكانه في النتيجة، ما بين 23 إلى 25 مقعدا، رغم الكثير من الميّزات، التي كان من المفترض أن تكسبه مقاعد أكثر على حساب القوائم التي تمثل ما يسمى "الوسط"، وحتى "اليسار الصهيوني"، مثل أن ثلث المرشحين في الأماكن المضمونة من النساء، ووجوه شابة قيادية تحتل مراتب متقدمة.

كما نرى أن حزب "يوجد مستقبل"، يستقر عند نتيجة ما بين 9 إلى 11 مقعدا، ولكن اللافت في غالبية استطلاعات الرأي، أن مجموع مقاعد "يوجد مستقبل" المفترضة، ومقاعد حزب "كولانو" المفترضة، هي ما بين 18 إلى 19 مقاعد، وهذا عدد المقاعد الذي حصل عليه حزب "يوجد مستقبل" وحده، في الانتخابات السابقة، ولكن هذا لا يعني أن عدد المقاعد الذي خسره "يوجد مستقبل" خسره مباشرة لصالح "كولانو"، وبطبيعة الحال، هناك حركة ناخبين ليست قليلة، تعكس حجم "الأصوات العائمة" من انتخابات إلى أخرى.

ونرى أن حزب "ميرتس" اليساري الصهيوني خسر من بريقه، لحساب "المعسكر الصهيوني"، فقبل الإعلان عن الانتخابات كان يحتل في استطلاعات الرأي من 9 إلى 10 مقاعد، أما اليوم ففي غالبية استطلاعات الرأي يحافظ على قوته الحالية من 6 إلى 5 مقاعد.

أما "القائمة المشتركة"، التي تمثل تحالفا للكتل الثلاث والتي تمثل أساسا الفلسطينيين، في الدورة المنتهية، فتمنحها استطلاعات الرأي 12 مقعدا، بزيادة مقعد واحد، عن الدورة المنتهية، ولكنها تمثل نسبة المصوتين ذاتهم للكتل الثلاث في الانتخابات السابقة، إذ أن كتلة "الموحدة" فقدت مقعدا في الانتخابات الماضية بفعل نقص بضع مئات من الأصوات.

 

علامات استفهام وثغرات

 

الاستطلاع الذي أثار علامات استفهام كثيرة، كان استطلاع صحيفة "هآرتس"، الذي نشر يوم الثلاثاء الماضي، (3 شباط/ فبراير) وكان قد أجري يوم الأحد الذي سبقه، أي في أوج الصخب الإعلامي، حول فضائح فساد عائلة نتنياهو، مثل أخذ أموال لجيب سارة نتنياهو، رغم انها زهيدة نسبيا، في القضية التي عرفت باسترجاع ثمن الزجاجات الفارغة، فهذه لم تعد قضية، لأن العائلة اعترفت ضمنا بالفضيحة، من خلال إعادة ما قالت إنها تقاضته خلال أربع سنوات، إضافة إلى فضائح أكثر.

ورغم هذا، فقد قفز حزب الليكود في ذلك الاستطلاع، من 23 مقعدا إلى 26 مقعدا، مقابل تراجع لقائمة "المعسكر الصهيوني". فهل هذا يعكس عدم قناعة الشارع بما نشر؟ علما أن الخط الدفاعي لنتنياهو زوجته، صدر متأخرا عن ذلك الموعد، وفقط في مطلع الأسبوع الجاري، ظهر خط دعائي يدعو فيه نتنياهو إلى التمسك بالقضايا الأساسية، أي "أمن إسرائيل"، حسب تعبيره.

ولكن الاستطلاعات التالية أيضا، منحت "الليكود" تفوقا ما، على "المعسكر الصهيوني" باستثناء استطلاع واحد. وجاءت زيادة الليكود، لتعزز معسكر تحالفه الحكومي المقبل.

كذلك، فإنه استطلاعات الرأي لا تأخذ بعين الاعتبار الاحتمال الجدّي، بأن لا تعبر قائمة "الشعب معنا"، نسبة الحسم. إذ لم يمنحها أي استطلاع للرأي أكثر من أربعة مقاعد، فيما بعض استطلاعات الرأي تشير إلى احتمال عدم اجتيازها نسبة الحسم. وفقدان أربعة مقاعد من شأنها أن تعيد توزيع المقاعد من جديد. وحينما يكون عدد مقاعد البرلمان 120 مقعدا، مع حديث عن أغلبية ليست كبيرة لمعسكر اليمين المتشدد، فإن لكل مقعد سيكون وزنا، في أية معادلة تنشأ.

وأكثر من هذا، فإن قائمة "الشعب معنا" التي يتزعمها رئيس "شاس" السياسي السابق المنشق عن حركة "شاس"، تحالف مع حركة "كاخ" الإرهابية، التي سيمثلها الإرهابي باروخ مارزل. وحصلت هذه الحركة في الانتخابات السابقة، على ما هو أكثر بقليل من مقعدين، ولكنها لم تجتز نسبة الحسم بل لامستها، وخسرتها بفارق بضع آلاف من الأصوات، ولهذا فإنه بالإمكان القول إن هذه الحركة ستضمن للقائمة الجديدة ما يزيد عن 1% من أصل نسبة الحسم 3,25%.

ولكن حتى لو اجتازت هذه القائمة نسبة الحسم وحصلت بالفعل على أربعة مقاعد، فإن انضمامها إلى الائتلاف الحاكم برئاسة بنيامين نتنياهو سيكون إشكاليا جدا، بسبب عضوية الإرهابي باروخ مارزل. وهذه الحالة ظهرت في العام 2009، حينما أبقى نتنياهو كتلة "هئيحود هليئومي" اليمينية الاستيطانية خارج الائتلاف، ولكن في علاقة "غزل" معه، وكان هذا بسبب عضوية نائب عن حركة "كاخ" الارهابية.

 

تعامل الاستطلاعات مع القائمة المشتركة

 

إن مجموع ما حصلت عليه الكتل الثلاث من أصوات، كان أكثر من عدد أصوات حزب المستوطنين "البيت اليهودي" الذي حصل على 12 مقعدا، بينما مجموع مقاعد الكتل الثلاث كان 11 مقعدا. وحينما تلتقي هذه الكتل الثلاث سوية، فمن المفترض أن تكون قوتها النهائية أكبر مما هي قبل التحالف. إلا أن جميع الاستطلاعات تقريبا تمنح هذه القائمة 12 مقعدا. وأغلب الظن أنها نتيجة تقديرية، وليست نتيجة استطلاعات علمية، وهذا يعود إلى صِغَر الشريحة المستطلعة في غالبية الاستطلاعات 500 شخص، وفي قلة منها 700 شخص، ما يعني تلقائيا قلة الشريحة العربية المستطلعة. ولا أحد يعرف كيف تكون هذه الشريحة العربية مكونة، إذ هناك تباين في أنماط التصويت من منطقة إلى أخرى. 

كذلك فإن استطلاعات الرأي، تأخذ في تقديراتها، كما يبدو، الفجوة في نسب التصويت بين العرب واليهود. ففي الانتخابات السابقة، شارك في التصويت قرابة 54% من العرب مقابل 69% من اليهود. والفجوة في السنوات الأخيرة تراوحت ما بين 11 إلى 15 نقطة. إلا أن استطلاعات اليوم لا تأخذ بعين الاعتبار احتمال تقلص الفجوة، بشكل ملحوظ، وفق ما أشارت إليه استطلاعات رأي داخلية لهذه الأحزاب.

وحسب تلك الاستطلاعات، وأحدها تعامل مع أكثر من 700 مستطلع عربي، وبتوزيعة جغرافية مناسبة، فإن المشاركة في التصويت في الانتخابات المقبلة، ستقفز عن 63%، وهي نسبة عالية جدا مقارنة مع نسب التصويت في سنوات الألفين، ومن شأنها أن تغير في النتيجة بشكل واضح. وهذا لا يعني أن القائمة ستأخذ من هذه القائمة أو تلك، وإنما نتيجتها العالية ستحتم إعادة توزيع المقاعد من جديد، ولكن في كل الأحوال سيكون على حساب المعسكر اليميني المتشدد، نظرا لارتكازه على عدد من القوائم التي لن تصل إلى حاجز 10 مقاعد ويجعلها كتلا صغيرة.

ويشكل الفلسطينيون نسبة 15,1% من إجمالي ذوي حق الاقتراع للبرلمان، ما يعني أن نسبة تصويت متساوية بين العرب واليهود، كانت ستضمن أكثر من 18 مقعدا بقليل، من أصل 120 مقعدا، يتجه ما بين مقعدين إلى ثلاثة للأحزاب الصهيونية، والباقي يتجه إلى القوائم التي تمثل فلسطينيي 48 مباشرة. ولهذا، فقط في حال تساوت نسبة التصويت بين الجمهورين، ما يبدو صعبا حسب ما هو منظور، فإن من شأنه أن يحدث تغيرات كبيرا جدا في موازين القوى، ما يزيد من إشكاليات تركيبة أي حكومة مقبلة، ما لم تضم الحزبين الأكبرين.

 

خمسة أسابيع وقت طويل

 

ستجري الانتخابات بعد خمسة أسابيع من اليوم، في 17 آذار/ مارس المقبل، وهذه فترة تعد طويلة جدا في مقاييس السياسة الإسرائيلية. فليس من المستبعد أن يبقى مشهد استطلاعات الرأي الحالي على حاله، ولكن هناك ملفات مفتوحة من شأنها أن تؤثر على النتيجة النهائية، وأولها "الملف الأمني"، بمعنى أي انفجار بهذا الحجم أو ذاك، سيؤثر على  النتيجة. كذلك هناك ملف الفساد الضخم الذي يعصف بحزب "يسرائيل بيتينو"، واحتمال أن تقرر الشرطة قبل الانتخابات توجيه لوائح اتهام ضد عدد من المتورطين فيه. كما أن هناك ملف فساد نتنياهو زوجته، وفي الأسبوع المقبل سيتم نشر تقرير مراقب الدولة عن شكل مصروفات المقر الرسمي لرئيس الحكومة وعائلته، وقد تتكشف فيه أمور فساد مالي واضح، وكل هذا من شأنه أن يؤثر على النتيجة النهائية.

وليس صدفة أن في كل ما سبق لم يظهر دور لعامل البرامج السياسية، لأن الفرز السياسي بات واضحا، والجمهور يعرفه من خلال ممارسة هذه الأحزاب، ومن الواضح أن الجمهور اليهودي وحده، يجنح أيضا في هذه الانتخابات بغالبيته إلى اليمين على تنوعاته، وفق المقاييس الصهيونية.

في النتيجة النهائية في الانتخابات البرلمانية السابقة، كانت نتيجة حزب "يوجد مستقبل" مفاجئة للجميع، بحصوله على 19 مقعدا، وهي النتيجة التي لم يتوقعها اي من استطلاعات الرأي السابقة، التي كان أقصى ما منحته ما بين 12 إلى 14 مقعدا، ولهذا تبقى مفاجأة يوم الانتخابات واردة في كل الاتجاهات.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات